Alef Logo
يوميات
              

عرزالي أول العشوائيات

باسم سليمان

2008-07-11


في بيت من ثلاث غرف ومطبخ, أنشأهم أبي كالبيان رقم واحد للثورة, عرفت معنى الكثافة السكانية ,ازدحام الأحذية ومعجزة سروالك الداخلي؛ بأن كبر بغفلة منك في لحظة تأميم عندما اجتاحته قفا أخ أكبر لك وكيف تنام على حد السرير ولا تجرح , ومن حضر واقعة الغذاء حصل على غنائمه ومن تأخر اكتفى بعروسة خبز من الصعتر والبندورة.
تأكدت كيف يسطو الأخ الأكبر على الامتيازات ويصبح ولي العرش له كلمته النافذة وحارته المسورة, باب يدلف منه وعروسه ليناما على ريح المروحة الكهربائية في حين اجتمعنا أنا وأخوتي الستة في غرفة نشم ريح بعضنا البعض, وفهمت عبرة " زحل العش*" الذي يجدد فيه أبي شبابه وكيف يقتنص الهبات, في حين يضيع البقية وكوني كنت الوسط فقد كنت أشدهم ضياعا, فهاجرت في الصيف لما أصبح عمري كافيا إلى عرزالي الذي عرش على أغصان شجرة السنديان في الجهة الشرقية من البيت هناك أشرقت عليّ الشمس وبان القمر وهزمت أشباح الزوايا وبولت من ارتفاع ثلاثة أمتار كمزراب السطح في الشتاء وأصبحت عيني أقوى في مواجهة عين أبي قرأت كتابي الأول وما فهمته وقتها من الشيوعية :إن أي امرأة تشتهيها هي لك ومن ثم بدلت من بعدها للرأسمالية عندما أحببت!! ومارست جميع أنواع القمع على أصدقاء الصف حتى خلا لي الجو وصرخت بوجههم :هذه الأنثى وعدني فيها الله هي قدري ومن يعترض لن أوفر له جلدا ولا عظما ولا وجها وهكذا انتصب عرزالي بوجه بيت أبي ,فمددت له الكهرباء وزودته بمسجلة سيارات وضعت مكبرات الصوت ببيضون بلاستيك_ ماذا كان سيقول زياد الرحباني لو عرف أن نزل السرور هو اسم عرزالي ؟!!_هناك مارست خمسة وفي اليد واحد, وزغللت عيني من شدة اللذة .
و كان الشتاء يعريني, يقذفني إلى غرفة الستة الذين تناقصوا واحدا واحدا حتى جاء دوري وقال من بقي فيها :هي غرفة أعمامي في الضيعة البعيدة جدا عن العاصمة.
الآن في هذا القبو الذي له رائحة النشادر ومنور يوازي حافة الرصيف في ظهيرة تأكل بعضها من الحر وكتب جامعة الحقوق السنة الثالثة التي هي أشبه بشواهد القبور في الظلمة أراقب بعض السيقان العابرة للطريق وأكون محظوظا عندما تستند أحداهن على الحائط فوق فأتنسم رائحة تلك التي صُرت بسببها كالمملكة البريطانية بعدما غابت عنها الشمس وخطفها أبو السرفيس الأبيض وحشر في بطنها توءما مخالفا قانون السير, فتكسرت قدماي في عرسها على دق طبول النور وشربت وقتها حتى أوقفني أخي صاحب اللقب بصفعة حمراء جعلتني طريح أرض الدبكة .
الكهرباء مقطوعة, الشموع أكثر رومانسية؛ لكنها واقعية فجة جدا للعيون, لك حمام واحد في الأسبوع إذ كنت محظوظا فاحذر أن تمشي مرحا في طرقات المدينة فتأخذ من الخنزير رائحته, أمشِ هادئا وخذْ بنصيحة المعري ؛ ما أظن أديم هذا الزقاق إلا من الجور.
صاحب المطعم الذي عملت لديه كثيرا ما رغبت أن أضعه بدلا من سيخ الشاورمة فأتذكر شيوعيتي السابقة ومقولة ماركس إن سكان العشوائيات هم أصحاب المصلحة الحقيقية بالتنظيم والآن أتمنى لو أنسى أصحاب المصلحة فقد جاء التنظيم وطارت العقارات وأصاحب بنايات البيان رقم واحد هدموها وبنوا بدلا منها ناطحات كسر رقبة تشابه برج نمرود فبلبل الله لساننا وفعنا في المدينة ننقل لها ما جئنا به وتعطينا بمقايضة: الذكاء بالدهاء فيلتبس الأمر على القادم الجديد.
وكما تنمو العشوائيات صار لي مكتب استأجرته من شخص يقول: الأرض لمن يقتطعها, أسميته: فندقي الرخيص جدا.
تقترب مني السكرتيرة, تضع فنجان القهوة ,تطلب سلفة على الراتب الهزيل, أعرف أنه هزيل ؛لكن السمنة تسبب السكري للقادمين الجدد, اسألها من أين؟ فتجيب من ضيعة هناك بعيدة جدا, أعطيها خمسمائة ليرة, تشكرني وتذهب, للحظة كنت أريد أن أعرف هل لديهم عرزال؟ ولكن النافذة أجابت: إن عدوى عرزالات الضيعة قد اكتسحت المدينة.
أحيانا عندما أغيب جدا عن الضيعة أذهب للمشي في تلك الأزقة هناك حميمية أكثر والوجوه مألوفة وهو مكان تزدحم فيه الأسئلة :كم من علاقات الحب والخيانة تنمو؟!, كم من الثورات توأد؟! أي أصوليات غريبة تزدهر في أقبية النشادر؟ ما هو عدد الشعراء الذين كتبوا قصائدهم على ضوء الشموع وتفوح من شعيرات أبطهم رائحة حريفة؟!, كثيرة هي الأسئلة التي دارت تحت حجر الطاحون الذي تركه النهر وغيّر مجراه بعد أقامة سد عليه.
أخرج إلى الشارع الفرعي ,أسوي ربطة عنقي,أركب سرفيسا أبيضا أجلس وراء السائق بطريقة عكسية الشارع يركض إلى الخلف أمر من قرب السور القديم وأقول وداعا للمدينة وأهلا بالعشوائيات أصحاب المصلحة الحقيقية بالتنظيم ومن ثم أدخل في نوبة شطح جدلي تاريخي((ظل الإنسان بارا بأمه الطبيعة إلى أن بنى أول مدينة فنهرها وقال لها أفاً ووقف على صدرها حيث أرضعته " أن لا يعرى ولا يجوع" كما فعل ألهه الذكر أنليل بتعامة ربة العماء الأول والطمأنينة بأن شرخ جسدها سماء وأرضا. ليبتدئ تاريخ المتن والهامش,تاريخ القلق وأسئلة الوجود الأبدية من أين وإلى أين؟. فجاوبَ الإنسان بوضع حجر زاوية السور وقال ليكن جبلا نعتصم به من طوفان وحشة العراء نصد به عدوا من حيوان وبشر وعمّر قبته وتوجها بحجر العقد وقال: هذه سماء توحي لنا ما نشاء فكان الخاصة من كهنة وملوك وعسكر يسوسون عامة من إناث وعمال وفلاحين ورعاة وعبيد؛ لهم في وقت الشدة سور يحميهم ويروونه بدمائهم ومعبرا لجنة في الذاكرة قاطعي تذاكرها ملوك من نسل الآلهة كهنة كالجان يسترقون الغيب وعسكر بيدهم سيوف مفاتيح الحياة والموت؛ فالمدينة أول الاستبداد العشوائيات أول الحريات ))
*زحل العش كناية عن الولد الأصغر في العائلة
باسم سليمان
[email protected]

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

في بحثكَ عن ظلّ؛ تفوتك ألف شمسٍ

29-كانون الأول-2018

الصارية

02-حزيران-2018

باح يا باح يا ورق التفاح

17-آذار-2018

باح يا باح يا ورق التفاح

23-كانون الأول-2014

الخط الأحمر في طور المراهقة الحوارية*

04-آذار-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow