Alef Logo
ابداعات
              

أختي فوق الشجرة لوليد معماري / قصص الذاكرة الموغلة في الدهشة

حسين خليفة

2008-04-21

منذ مجموعته الأولى «أحزان صغيرة» التي صدرت عام 1971ووليد معماري يبني هرمه الإبداعي بدقة معماري عتيق وبساطة طفل ما يزاله رغم آثار السنين والتعب.
في مجموعته الأخيرة «أختي فوق الشجرة» الصادرة حديثا عن اتحاد الكتاب العرب يعود معماري إلى قصص الذاكرة الغنية حيث البيت الطيني والحاكورة والعلية، المصاطب الممدودة أمام البيوت، الصورة المعلقة في صدر البيت للجدة أو الجد، الفونوغراف، الهجرات الكبيرة في بدايات القرن الآفل. . . .
تبدأ المجموعة بإهداء ينحو إلى التقليدية (إلى كل نساء العالم) لكنه يصدمك في كلمة ـ ضمير يحيلها إلى ومضة شعرية (أقصد: أنت)، هنا يحيلنا وليد معماري إلى أكثر من حالة أدبية تعنى بالإهداء وتجعله مدخلا رئيسيا ـ بعد العنوان ـ إلى النص لاقتحام كواليسه وفك مغاليقه، فغابريل غارسيا ماركيز يهدي إحدى أجمل رواياته، «الحب في زمن الكوليرا» (إلى ميرثيدس طبعاً) وميرثيدس هي زوجته . . . . .طبعاً.
ثم نقرأ فصلا مطولا بعنوانين لافتين، «ما يشبه السيرة» يحمل تصريح الكاتب بأنه يسرد لنا سيرة ذاتية لكنها ليست سيرة مخلصة للحدث الواقعي المتواتر، إنها سيرة خضعت لمختبره الإبداعي ولاختيار الكاتب فيما سيسرده لنا وما لن يقرئنا إياه، وربما جنحت بعض تفاصيله إلى خيال لم يستطع النص منه فكاكاً، ثم يأتي العنوان الآخر: «حين كتبت . . . حين لم أكتب» فيفتح المجال لتوضيح هوية النص الذي يفتتح به وليد معماري الكتاب.
الفصل هو تكثيف كبير لحياة حافلة بكل ما يستحق أن يروى، ويبدو أن هذه السيرة الناقصة هي مقدمة لسيرة كاملة لا بد أن يتحفنا بها الكاتب طالما أنها جاءت بهذه السلاسة والطرافة والصنعة الأدبية المحكمة والغنى التاريخي والثقافي، وأملنا أن لا يتأخر المعماري في بناء هذه السيرة كاملة.
تتكرر قصص الذاكرة في المجموعة، ويمكن تحديد القصص التالية بوصفها استعادة لزمن بهي متعب ومؤلم لكنه حافل بالمسرات خاصة إذا تحولت نصاً أدبيا: الدار، رجل العلية، الفونوغراف (أصبوحات الأحد الضائعة2)، أخت المحتضرين، دجاجات وديك، معطف أول الليل. . . .
في «رجل العلية» تقدم عائشة رسالة لنيل الدكتوراه عن رجل العلية، العم عبد الهادي الذي عاش تجربة حياتية وروحية عميقة وكتبها على أوراق ورثتها فأضاءت بها روحها، ورغم أن النتيجة كانت رسوبها لان لجنة التحكيم رفضت الاعتماد على أوراق خيالية لرجل كان يسكن العلية، فإن القصة تكشف عن جواهر خبيئة في روح الإنسان لا تلبث العتمة أن تكشف بهاءها وأصالتها.
يرسم وليد معماري شخصياته بدقة وعمق ويستخدم اللغة والصورة لرسم بيئة القصة، فتبرز في قصتي «أغلفة مجلات ملونة» و«الهبوط نحو أمنا الأرض» البيئة البدوية التي تجعل رجلا مثل زحيمان، الذي يفرد كفين (تشبهان لحاء شجرة جوز لم يمر عليهما الماء منذ تسعين عاما) ليسأله عما يراه فيهما؟ ينتظر العمر كله عودة ابنته شيحة التي تركها مرة على فراش المرض ليجلب لها زيتا مقدسا من مقامين لشيخين ثم عاد ولم يجدها، ورغم انه رآها ترقص على غلاف مجلة ملونة ووصلته رسائل منها تدعوه للمجيء إليها في لبنان لتجعله ملكا على البحر وحين يسأله الراوي: لماذا لم تذهب؟
يجيب: إذا ذهبت، فمن سينطر هذه الكروم كلها.
والكروم مضت إلى يباس وشيحة لا زالت ترقص فوق أغلفة المجلات الملونة.
في قصة «أختي فوق الشجرة» التي أخذت المجموعة عنوانها، يدخل القارىء أجواء جديدة تفارق بقية قصص المجموعة، رومانسية كثيرا ما نلحظها في نصوص وليد معماري الادبية خاصة في زوايا (آفاق) التي يكتبها في تشرين منذ الثمانينيات، مع استحضار لأجواء اقرب الى الواقعية السحرية التي اشتهرت بها روايات أمريكا اللاتينية.
الأخت هدلا التي يبدو أنها عاشت طفولة عادية، كانت تجلس على النورج بجانب فادي ابن شريك الوالد الذي تقاسم معها الأحلام بحياة قادمة حلوة، وبدأ زغب الحب ينبت، لكن فادي يكمل دراسته ويسافر تاركا هدلا نهبا للوحدة والمرض الذي يصيبها بشلل يجعلها على هامش حياة العائلة، ثم ما تلبث أن تظفر بقطيط جميل تسميه فادي وتعيش معه أحلامها وتقاسمه الطعام، لتختفي ليلة ضياع فادي ثم يعثر عليها في الصباح متجمدة على شجرة الجوز والقطيط في حضنها.
في الجزء الأخير من المجموعة «ما يشبه القصص» يقدم الكاتب نصوصا قصيرة تقترب حينا من القصة القصيرة جداً في تكثيفها وانفتاحها على تأويلات متعددة وحينا تنوس بين القصة والخاطرة والقصيدة.
من «شرفات الشوق والوجع» نقرأ:(حين مر به الجائعون ، لم يجد ما يطعمهم، فحمل سيفه وتبعهم)، أليست هذه نموذجا فذا لقصة قصيرة جدا؟
وفي مسافر نسيه القطار حكاية بلغة شعرية عالية عن رجل وحقيبة ينام في محطة القطار بانتظار موعد الانطلاق و(حين تحرك القطار مطلقا أصواتاً من صفارته. . .كان ثمة راكب ما يزال غافيا فوق مقعد حجري، يحلم برحلة توصله إلى محطة أحلامه)
ورغم أن القصة تتمحور حول حدث واحد وشخصية واحدة إلا أنها غنية بالدلالات ومتخمة بالشعر وفيها يمخر وليد معماري عباب اللغة فيلتقط جواهرها ويصوغها في قالب درامي يرسم مأساة الإنسان في زمن عات يكنس أحلامه كما يكنس عامل النظافة صمت الشوارع.
وليد معماري يكتب بحبر الشرايين وجع الإنسان وحلمه بأيام أحلى لم نعشها بعد، ، وكتابا بعد كتاب تنكشف أصالة وعمق تجربة هذا الأديب المبدع والتصاقها بالناس البسطاء وعوالمهم المليئة بمحطات الألم والانكسار والفقر والمرض.
ورقة بعد ورقة يظهر عمق جذور الشجرة التي يستقي منها ثمره وورده ويوزع عطرها على الناس جميعاً.


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

طعم الملوحة

08-شباط-2020

السجين

06-تموز-2019

من سيرة الاصابع

23-آذار-2019

يحدث أن

01-كانون الأول-2018

حرائق الانتظار

13-تشرين الأول-2018

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow