Alef Logo
ضفـاف
              

الشاعر عبد الناصر حداد : مأزق القصيدة الحديثة في شكلانيتها المفرطة

بشير عاني

2008-07-20


حوارات في الشعر السوري :
القصيدة الفراتية تعاني من مشكلة المركز والأطراف


عبد الناصر حداد فراتي منفرد بذاته، اكتشفه الشعر صغيرا، فاستعمله لغايات شتى، منها التماهي مع القصيدة إلى حد عدم القدرة على توضيح من منهما حبر الآخر .
خلال اتكائه الطويل على عصا الشعر كان يحاول أن يسبق الآخرين دائما بخطوة، ولهذا كان حرصه شديدا لتطوير نصه بنية ومحتوى وإيقاعا ورؤية.
كل ذلك جعله يلمع في المشهد الفراتي أولا وخارجه ثانيا، حاصدا في طريقه جوائز لا تتأتى إلا لنص ذي سلطة لغوية وجمالية.
ومعه كان لنا هذا الحوار :
س : أنت تستعد الآن للسفر إلى الأردن لاستلام جائزتك الدولية الثانية، جائزة شعراء بلا حدود، وهي تأتي بعد سنوات من جائزتك الأولى التي نلتها في مسابقة سعاد الصباح، هل ترى في الجوائز تعبير حقيقي عن تجربة الشاعر؟
ج : المسابقات مؤشرات وليست مقاييس ؛ هكذا أقول دائماً، وأن فوز أي شاعر بأية جائزة لا يعني أنه الأفضل، ولكن هذه الجائزة أو تلك تشير بأي حال من الأحوال إلى أن هناك شاعراً في هذه الساحة الكبيرة مازال على قيد الشعر.
س : الجيل الشعري مفهوم ملتبس، ما هو برأيك التعبير الأمثل للجيل الشعري، الزمن أم سلطة النص؟
ج : أعتقد أن الجيل الشعري هو هذان الأمران معاً، ما معنى أن يكتب شاعران من نفس العمر، واحد من مدرسة الستينيات وآخر من التسعينيات؟ قد يتسنى لشاعر أن ينشر وينتشر في العشرينيات من عمره، ويزامنه في النشر شاعر في الخمسين، ولكن هل هما من جيل شعري واحد ؟ هنا الالتباس .
أعتقد أن الجيل الشعري هو الموجة الشعرية إذا صح التعبير، وهو دفقة شعرية زمانية، السلطة فيها للنص أولا وأخيرا.
س : أنت شاعر ينتمي إلى جيل التسعينات، وهو جيل لم يتسنّ له الاستفادة من مزايا الأجيال التي سبقته، إعلاميا ونقديا وإيدلوجيا، رغم هذا ثمة من يحمد الله على ذلك، على اعتبار أن الساحة قد أُفرغت من (الموهومين) والمتطفلين .. هل ترى ذلك؟
ج : إعلامياً : أصبحت الكثير من الفنون تزاحم الشعراء حاليا، وهو ما لم يكن موجوداً من قبل أو مؤثراً على الأجيال السابقة كما هو عليه الحال اليوم.
ونقدياً : مازال النقد لا يتناول إلا الأسماء المكرسة وهنا الكثير من الظلم .
وأما إيديولوجياً : فقد سقطت أغلب الأقنعة وسقط معها من كان محسوباً على فئة ما، وهو خاو من الداخل أساساً، وهؤلاء يستحقون أن نحمد الله على ذلك، فعندما هبت رياح التغيير الشعرية سقطت الأوراق الصفراء والأعواد اليابسة التي كانت تسندها الإيديولوجيا ، وبقيت القامات الشامخة التي أفنت عمرها الشعري معتبرة أن الشعر من الآداب الإنسانية وليس من العلوم السياسية .
س : في الوقت الذي تنشغل فيه بنصك وتسعى لتطويره وتجديده، ثمة من يرى بأنك تحرث البحر لأن الشعر قد تراجع كقيمة ووظيفة أمام الفنون الأخرى، وخاصة البصرية .. ما رأيك ؟
ج : الشعر أيضاً له مد وجزر، والفنون من عائلة واحدة ..
لقد استفادت الفنون الأخرى وحتى البصرية منها من الشعر، ولكن مازال الشعر أباً لجميع الفنون، وأظن أن التراجع الحاصل قد طال مختلف الفنون والأجناس، مستثنياً من ذلك الفنون البصرية طبعاً، ولكن من يدري قد يكون اليوم بصر وغداً بصيرة ..؟
س : في الصوفية يقال عن المتفرد كالبسطامي والحلاج (نسيج وحده) أنت أيضا تسعى لتكون (نسيج وحدك) في صوفيتك التي تحاول الابتعاد عن المنجز الشعري الصوفي؟
ج : لا أحب أن يلتصق شعري بالصوفية، مع إجلالي العظيم لهذه الفلسفة المتفردة والخاصة، ولكن بحري يعزف إيقاعات متعددة وتغذيه أنهار وجداول متعددة، وقد يكون أحدها هذا النهر الصوفي العذب، فإذا كان لكل جسد روح، فأعتقد أن على النص أن يجسد هذه الروح.
س : لا نشتم في نصك رائحة لـ (حليب) القضايا الكبرى كالقدس وبغداد وغيرها، التي يرضع من ضرعها معظم الشعراء، رغم أن الإنسان بانكساراته وغربته ومنافيه وأحلامه، منتشر في تفاصيل قصائدك؟
ج : وهل الإنسان يعيش على كوكب آخر لا توجد على خرائطه مدن كالقدس وبغداد ؟
وهل إنساني المنتشر في تفاصيل قصائدي، بانكساراته وغربته ومنافيه وأحلامه يعيش في غير هذه المدن ؟
ومع ذلك فإن المتبحر أكثر في قصائدي وخصوصاً المتأخر منها يستطيع أن يشم تلك الرائحة التي تتحدث عنها والتي تزكم نصي.
س : ثمة ظاهرة في خطابك الشعري تتمثل بإنشاء حوار خاص مع ما هو غير إنساني (أنسنة الأشياء) كإنشاء حوار مع جمادات أو مفاهيم كالوقت واللغة، هل هو هروب أو موقف من الناس؟
ج : (أنسنة الأشياء) هي ردة الفعل الطبيعية على تشييء الإنسان، والوجود بالمطلق هو مجموع كل تلك الأشياء الموجودة، حتى الجماد هو كائن كالنص، وأما الوقت فهو حي يرزق، واللغة أمي ..
س : يرى البعض أن (الأنا) لديك عالية إلى حد ما، وتكاد تكون معلنة، فأنت القائل: (شممت رائحتي في قصائد بعض الكبار) ماذا تقصد، أولا يمكن أن تكون هذه من أمراض الشعر، خصوصا وان البعض يرى أيضا أن هناك رائحة لـ(الكبار) في قصائدك؟
ج : إذا كان ثمة رائحة مشتركة بيني وبين الكبار فهو أمر يروق لي، ولكن من تعني بالكبار ؟
هذه المقولة التي تستشهد بها مأخوذة من حوار يتسم بالكثير من الخصوصية وحتى المحلية، وكان السؤال عن السرقات الشعرية التي طالتني عن طريق شبكة النت، وعن طريق أشخاص مقربين مني، وهؤلاء الكبار المعنيين في ذلك الحوار غير الذين تعنيهم أنت في هذا الحوار .
ولكن دعني أقول هنا عن أناي كما قال ذلك الشاعر :
لا أرى أكبر مني
لا أرى مني أصغر
إن يكن أكبر مني
واحداً فالله أكبر
الأنا في شعري مفهوم مختلف عما يشي به هذا السؤال، إنها كل تلك الأنوات الإنسانية المتعددة المختلفة، وهي تحتاج إلى بحث واستقراء ولا يمكن الحديث عنها هنا على أنها (أنا) واحدة، بل يجب أن تقرأ من عدة مستويات وأن ينظر إليها من مناظير مختلفة .
س : ذات يوم كنتُ شاهداً على ظلم تعرضتَ له، حيث منحك المحكّم (الوحيد) لإحدى المسابقات المحلية، الجائزة الثالثة، وقد جدت نفسي أدخل في سجال مع المحكم، الذي اعترف بأنه أخطأ التقييم بعد استماعه للنصوص الفائزة ..
أريد اليوم أن استعيد معك هذه الحادثة، ليس لأرى تأثيرها عليك، بل لأسمع رأيك في (القيّمين) على الشعر المحلي، وتأثيرهم على الأجيال الشابة، ومدى المصداقية النقدية والفنية التي يتمتع بها هؤلاء المهيمنون على الثقافة بقرارات رسمية ؟
ج : في الإطار الخاص، أصبحت تلك الحادثة شيئاً منسياً، ولا أريد الخوض في تفاصيلها أكثر، ولكن في العموم مازال هناك ( فيتو ثقافي ) وهذا ما يجعل للقيمين على الشعر المحلي بالغ التأثير على الأجيال الشابة سواء كان هذا الأثر إيجابياً أو سلبياً، ومن هنا أناشدهم أن يتمتعوا بالمصداقية الفنية وأن يتحلوا بالضمير ..
س : هذا السؤال يقودني إلى سؤال آخر، أين ترى مكانة الشعر الديري، والفراتي عموما، في المشهد الشعري السوري ؟
ج : لقد قدم الفرات عموماً وقدمت دير الزور خصوصاً الكثير من الأسماء اللامعة في سماء الشعر السوري ودون أن نذكر تلك الأسماء، فهي مازالت قامات عالية وهامات مرفوعة يشهد لها المشهد الشعري السوري نفسه، ولكن للأسف قدّر على أغلب الشعراء الديريين أن يخرجوا من (الدير) ليكبروا، وقلة منهم مازالوا في المدينة يناضلون في سبيل إيصال إبداعاتهم وأصواتهم، وأعتقد أن دير الزور كمدينة نائية مازالت تعاني من مشكلة المركز والأطراف حتى في ظل وسائل الاتصال الحديثة والإعلام المتطور رقمياً وورقياً .
س : هل ترى أن خصوصيتك ناتجة عن افتراقك عن معظم شعراء جيلك في هموم وشكل القصيدة، فقصيدتك الطويلة، الرؤيوية، والتي لا تكشف عن نفسها بسهولة، لا تتشابه أبدا مع قصائد جيلك البسيطة والقصيرة واليومية؟
ج : معظم الشعراء اقترفوا القصيدة البسيطة، القصيرة واليومية، وأنا منهم، وكثير منهم اقترفوا القصائد الطويلة، وأنا أحدهم، لكن العبرة هنا ليست في الشكل بكل تأكيد ، إنما في الطرح، هدفاً وموضوعاً وأدوات،
وأنا لا أدعي بأن لدي تلك الخصوصية حقاً ولكنني أجزم بأنني ابحث عنها وأسعى إليها دائماً وهي أكثر همومي أهمية وأعظم هواجسي .
س : القصيدة الحديثة تعيش مأزقها الخاص، فقصيدة التفعيلة تعاني من نمطية تحولها إلى كلاسيكية جديدة، فيما تعاني قصيدة النثر من الاستسهال وسطو المتطفلين، ما العمل لإعادة الشعر إلى منطقته في الإنسان والتاريخ؟
ج : المأزق الحقيقي الذي عانت منه القصيدة الحديثة يكمن في تناولها من حيث الشكل فقط، وهنا الطامة الكبرى التي حلت وبالاً على القصيدة،على الحداثة أن تعزف أولاً على أوتار المضمون، لأن الروح سابقة على الجسد وموجودة قبل وجوده .
ما تفسيرنا للظاهرة الشعرية اللاطبيعية، وكيف ننظر إلى ماهية الشعر، وبماذا نعلل تجلي الشعر في وردة أو جدارية أو في تحية صباحية وفي إيماءة عاشق، أوليس من الشاعرية أن تشرب فنجاناً من القهوة في مساء لطيف على ضفاف الفرات ؟
إذن تكمن العبرة في المضمون، وإنني إذ أنظر إلى مأزق القصيدة الحديثة أنظر إلى قلبها أولاً، هل استطاع هذا القلب أن يتفاعل مع الحياة المعقدة التي نعيشها ؟
لقد استطاعت القصيدة الجاهلية مثلاً أن تستوعب الحياة البسيطة التي كان يعيشها أجدادنا وتفاعلت مع كل جوانب تلك الحياة .
أعتقد أن القصيدة الحديثة تعاني من أزمة قلبية .
س : أنت على احتكاك مع التجارب الشعرية السورية، وهناك اعتراف عام بتميزها، عربيا، ولا أدل على ذلك سوى الجوائز التي يحصدها السوريون سنوياً في المسابقات العربية الكبرى، رغم هذا هناك تعتيم عليها أو إهمال لها، ما السبب؟
ج : أجزم بأن التجارب الشعرية السورية أمدت وأغنت كثيراً التجارب الشعرية العربية فهي جزء لا يتجزأ منها، ومع الاعتراف العام بتميزها يجب ألا نبخس حق التجارب العربية المتميزة الأخرى، وعلى سبيل المثال لا الحصر ثمة تميز واضح في التجارب الشعرية في كل من العراق وفلسطين ومصر وغيرها ..
إن التجربة الشعرية العربية باعتقادي لا تعاني من أزمة جغرافية، أما عن التعتيم والإهمال فثمة أسباب عديدة يمكن تناولها، قد يكون أكثرها أهمية عوامل الاقتصاد والتسويق الإعلامي، وقد تكون هناك أسباب سياسية، أقول قد .. ولا أجزم، من يدري ؟ ربما !
ولكن ما لا يغفل أبداً هو الاعتراف العام بتميز الكثير من التجارب السورية وهو شيء إيجابي ومحفز.
بطاقة
ـــــــــــــــ
عبد الناصر حداد
مواليد دير الزور 1972
درس الأدب العربي في جامعة دمشق
أصدر المجموعات الشعرية التالية :
دمعة فقط .
ذاكم دمي وعلي تشكيل النهار .
خافقي زئبق ويدي كالغبار .
حاز على العديد من الجوائز المحلية والعربية منها جائزة سعاد الصباح وجائزة شعراء بلا حدود.









تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

ما هي حظوظ الأصوليات الدينية في سورية..؟

12-آذار-2016

"خضر" والذين معه

21-تموز-2012

دم راشد بما يكفي

05-تموز-2012

آخرُ الأمر..

05-حزيران-2012

وجوه عديدة لـ (صحّاف) واحد

24-آب-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow