Alef Logo
ضفـاف
              

الكاتب ينبغي أن يكتب كنسر حرّ لا كحمام زاجل

روزا ياسين حسن

2006-12-08

خارج الإيديولوجيات والأطر والمؤسسات، حتى لو كانت تخصّه، إلا أن كثيرين أيضاً يرون وجوب وجود تلك الإيديولوجيات والأطر والمؤسسات وتكريسها، كي تلمّ جموع الكتاب. أياً يكن الرأي السائد، فإن المؤسسات الثقافية حقيقة واقعة، واتحاد الكتّاب هو إحدى تلك المؤسسات التي، خارج الإيديولوجيات والأطر والمؤسسات، حتى لو كانت تخصّه، إلا أن كثيرين أيضاً يرون وجوب وجود تلك الإيديولوجيات والأطر والمؤسسات وتكريسها، كي تلمّ جموع الكتاب. أياً يكن الرأي السائد، فإن المؤسسات الثقافية حقيقة واقعة، واتحاد الكتّاب هو إحدى تلك المؤسسات التي، إذا انوجدت، ينبغي أن تكون، أولاً وأخيراً، للكاتب، ومن أجله وطوع بنانه. إلا إن الأمر في سوريا مختلف تماماً. فالمؤسسات الثقافية السورية، حالها كحال بقية المؤسسات الحكومية، محكومة، في ظل سيطرة الهاجس الأمني، بالأحادية والتبعية للسلطة، ومحكومة أيضاً بالبيروقراطية والديكتاتورية التي تعم المجتمع السوري. عملت تلك المؤسسات على خلقكوارث حقيقية في الحياة الثقافية، وعلى تغييب قامات كبيرة رفضت الخضوع لها ليطفوبدلاً منها أشباه مثقفين، فقط لأنهم يخضعون لاعتبارات المؤسسة، ويجيدون التصفيقوالتهليل لأصحاب الكراسي من خارج المؤسسة وداخلها! كما أنها خلقت الكوارث فيسيطرتها الرقابية على الثقافة السورية، باعتبار أن طباعة أي كتاب تستلزم الحصول علىإذن من دائرة الرقابة في وزارة الإعلام أو اتحاد الكتّاب العرب أو وزارة الثقافة أوالقيادة القطرية لحزب البعث التي تتولى الإشراف على الكتب والمخطوطات في مجالالدراسات السياسية أو الدينية أو التاريخية.
تسبب هذا الواقع في بقاء عدد كبيرمن الكتّاب والمثقفين السوريين خارج اتحاد الكتّاب العرب حتى اليوم، مثل بوعليياسين وعادل محمود وفواز حداد وغيرهم، كما أدى إلى فصل عدد كبير منهم أيضاً لأنهمرفضوا الانصياع لمنظومته القمعية، مثل أدونيس، سعد الله ونوس، هاني الراهب، ممدوحعدوان، زكريا تامر، حنا مينه، وأسماء أخرى كثيرة.
تاريخ
تأسس اتحاد الكتّاب العرب في سوريا عام 1968 وكانت الجمعية التأسيسية في رئاسةالمرحوم سليمان الخش، فيما كان حنا مينة وزكريا تامر من المؤسسين في المكتبالتنفيذي الأول لهذا الاتحاد مع الشاعر علي الجندي، والشاعر ممدوح عدوان، والروائيحيدر حيدر وغيرهم. من المؤسف أن الاتحاد، بعد ذلك، أدخل في عضويته كل من له كتابمطبوع أو أكثر، فتضخم الاتحاد حتى بلغ عدد أعضائه أكثر من ثمانمئة، بالرغم من أنهلم ينوجد في سوريا نصف هذا العدد من الكتّاب الحقيقيين.
من المعروف أن العقودالثلاثة الماضية شهدت تخلي عدد كبير من الكتّاب السوريين عن عضوية الاتحاد، لأنهمآمنوا أن هذا الاتحاد لا يمثلهم، فيما دخل إليه العشرات من كتّاب لا يملكون أيموهبة، بحيث أضحوا يشكلون العنصر الغالب فيه. يتألف اتحاد الكتّاب العرب في سوريامن ثلاث هيئات: الأولى نقابة الكتّاب، مهمتها الدفاع عن الحريات والكتّاب ضد قوىالقمع، وهذا ما لم تفعله يوماً. الثانية دار النشر التي تتحكم في نشر الكتب أو عدمنشرها، وما يتبع ذلك من محسوبيات ووساطات. أما الثالثة فهي الرقابة على النصوص التييطبعها أصحابها على نفقتهم الخاصة، وهنا تتألق المشرحة الرقابية في سوريا التي تحولالكتّاب فيها إلى رقباء، لكن على من؟ على الكتّاب أيضاً. يضم اتحاد الكتاب العربنحو 770 كاتباً بينهم 110 أعضاء عرب. يتألف المكتب التنفيذي من 25 عضواً بينهم 13عضوا بعثيا حصراً والبقية أي 12 عضوا من المستقلين ومن الجبهة الوطنية التقدمية. ذلك أنه حتى الثقافة والكتابة في سوريا تخضع لمعايير الانتماءات السياسية وللعبةالموالاة والمعارضة.
بعثنة الاتحاد
من الصعب الحديث عن اتحاد الكتّاب العرب في سوريا من دون أن ترفق به الأعينالثلاث: ع. ع. ع، كما يحلو للكثيرين تسمية علي عقلة عرسان. ذلك أن 28 سنة من ترؤسهالاتحاد، منذ 1977 حتى مغادرته الكرسي في السنة الماضية، كرست الويلات في الاتحاد،فراح الكتّاب الحقيقيون يغادرون الاتحاد في عهده ليدخله كثيرون، هم في معظمهم أنصافمثقفين أو أساتذة جامعات. وبعد تراجع الوضع الاقتصادي في سوريا صار الكتاب في حاجةإلى المبالغ الضئيلة التي يلقيها إليهم الاتحاد باسم الضمان الصحي، أو الاستكتاباتالصغيرة في صحيفة "الأسبوع الأدبي" ومجلة "الموقف الأدبي"، خصوصاً حين عمل علي عقلةعرسان على رفع استكتابات الكتّاب من الأعضاء وغيرهم في صحيفة "الاتحاد" ودورياته،حتى غدت تعادل ضعف الاستكتاب الذي يتقاضاه الكاتب في إحدى الصحف الرسمية السورية،فيما تراكمت في مستودعات اتحاد الكتّاب عشرات الأطنان من الكتب التي لا يشتريها أحدولا يرغب في قراءتها بسبب افتقارها الى أبسط معايير الكتابة!
من الصعب الحديث عنعرسان دون الحديث عن الرجل الثاني الذي كان في الاتحاد وهو القاص والروائيالفلسطيني الأصل حسن حميد، الذي كان يشغل منصب سكرتير التحرير في جريدة "الأسبوعالأدبي"، وهو اليوم في هيئة تحرير "الموقف الأدبي". وأعتقد أنه يكفي الإطلاع علىكتابه "البقع الأرجوانية في الرواية الغربية"، لاكتشاف "عبقريته"، حيث يضع خمسة منأعظم كتاب الرواية في العالم في خانة الأعداء، جويس ودوستويفسكي وثرفانتس وبروستوكافكا، ويصف أشهر أعمالهم بالروايات السخيفة! وقبل سنوات نشر حسن حميد خبراً يتهمفيه ماركيز بالعمالة للصهيونية، لكنه صدم بالتأكيد حين صدر بيان ماركيز المعروف ضد شارون!
ما الذي فعله بالكتّاب السوريين؟
أضعف الإيمان أن يكون اتحاد الكتّابالعرب متأهباً للوقوف إلى جانب الكتّاب حين يحتاجونه حقاً، هو الذي يدّعي أنهحاميهم، لكن الأمر كان على العكس. فحين تعرض الروائي نبيل سليمان للضرب على أيديمجهولين في مدينته اللاذقية في العام 2001، رفض رئيس الاتحاد علي عقلة عرسان أن يقفإلى جانبه، وأدلى بتصريح تحدث فيه عن عدم وجود دوافع سياسية وراء الحادث، مومئاًإلى تصفية حسابات شخصية مع الروائي سليمان، وإلى وقوع عدد من الجرائم في الآونةالأخيرة في اللاذقية. كما أقدم على فصل الشاعر أدونيس من دون مناقشة أو محاكمة،وعبّر أدونيس عن موقفه من هذا الإجراء: "أنا سعيد للغاية لهذا الطرد"، وذلك إثرحضوره مؤتمر غرناطة واتهام السلطة له، ممثلةً بالاتحاد، بالتطبيع. على إثر ذلك قدّمكل من حنا مينة وسعد الله ونوس الاستقالة من عضوية الاتحاد احتجاجاً على الفصل،ليُنشر بعد مدة خبر في إحدى صحف الاتحاد مفاده أنهما فصلا من عضوية الاتحاد لأنهمامع التطبيع! كذلك الأمر بالنسبة الى هاني الراهب الذي ترجم رواية "غبار" ليائيلدايان، ابنة موشي دايان، وقد أراد بهذه الترجمة أن يدلنا على الصورة التي يرسمهاأدباء إسرائيل عن العربي وأنه غير حضاري وجبان وغدّار، وكان ذلك في بدايةالسبعينات. واتهم هاني الراهب بمحاولة التطبيع مع إسرائيل، وبناء على ذلك قام اتحادالكتّاب العرب بطرده من صفوفه. لكن الراهب ظل مصراً على رأيه، وبأن علينا أن نعرفكل شيء عن عدونا حتى في الثقافة. فهذا العدو كان ولا يزال متفوقا علينا في كلالمجالات، وإن لم نكن على الأقل في مستواه فإننا لن ننتصر عليه.
كان تخليالاتحاد عن كتّابه المعارضين مستمراً حتى في حال المرض، ففيما كانت هيئات الكتابومؤسساته واتحاداته في العالم تقف إلى جانب الكتّاب، وتؤمّن مصاريف العلاج لهملأنهم في النهاية أدباء الوطن، كان اتحاد الكتاب العرب في سوريا يفعل العكس. الأمرحصل مع الكثيرين، وليس أولهم ولا آخرهم بوعلي ياسين وهاني الراهب وغيرهما ممن لميكلف الاتحاد نفسه عناء تقديم أي مساعدة لهم. كما علّق اتحاد الكتاب العرب عضويةالكتّاب العراقيين لسبب واحد بسيط هو أن اتحاد الكتاب العراقيين شُكّل في ظلالحكومة العراقية الراهنة التي جاء بها الاحتلال. فكأن الخلق والثقافة مسؤولان عنالمواقف السياسية للحكومات. وكان الشاعر الراحل عبد الوهاب البياتي يردد باستمرار: "لا تشرّفني عضوية الاتحاد".
الواقع اليوم
رئيس الاتحاد حالياً هو الدكتور حسين جمعة، وقد جاء بعد المؤتمر السابع في العام 2005، حين فاز في الانتخابات الداخلية لحزب البعث. ومع أن علي عقلة عرسان هو الذيفاز في انتخابات الاتحاد، فإن الأوامر جاءت من القيادة بتنحية عرسان ليفوز حسينجمعة بالرئاسة بدلاً منه. واشترط رئيس اتحاد الكتاب العرب الجديد على أدونيس، فيحال طلب العودة إلى الاتحاد، التخلي عن الخط الذي تبناه، مؤكداً أن أحداً لم يفصللأسباب سياسية، وأن السبب في فصل أدونيس كان لمخالفته أنظمة الاتحاد. ونفى أيضاً أنيكون هناك روابط أدبية جديدة لها ثقلها، تؤسَّس اليوم في الاتحاد، وفي حال ذلك فإنأعضاءها لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة. يذكر أن مجموعة من الكتاب شكلت حديثاًضمن الاتحاد تجمعاً باسم "التجمع المستقل للكتاب في اتحاد الكتاب العرب" طالببإلغاء الرقابة على الكتابة والكتّاب في سوريا، وألا يترأس الاتحاد رئيس لأكثر مندورتين، وإلغاء "الشللية" من أعمال الاتحاد، والتزام الاتحاد أمن الكتّابورفاهيتهم. زاد الطين بلة في الاتحاد، في رئاسته الجديدة، سياسة التقشف التي طرحهارئيس المؤتمر السنوي الذي انعقد بدمشق في 22/1/2006. وتمت الموافقة وقتذاك علىاختزال النشاط المركزي للأعضاء إلى نشاط واحد في العام، وضغط نفقات السفر للوفودالخارجية، وتقليل عدد النسخ المطبوعة من الكتب التي يصدرها الاتحاد على نفقته، فيماظلت الرقابة رقابة، وظلت لجان القراءة التي تقرر طباعة الكتب خارج الاتحاد وداخلهمليئة بالعناصر غير المنتقاة على أساس الكفاءة، حيث يجري تقويم الكتب في سوريااعتماداً على أشخاص ذوي سويات ثقافية متدنية لا يعرفون حتى ألف باء النقد، علماًأننا لا نستطيع إنكار وجود بعض الكتاب الكبار في لجان القراءة.
في الملتقىالروائي الثاني الذي عقد في القاهرة تحت عنوان "الرواية والمدينة"، أعلن الروائيصنع الله إبرهيم من على المنبر رفضه الجائزة التي فاز بها، لأنها بحسب رأيه، صادرةعن حكومة لا تملك صدقية منحها! كرّس ذلك الموقف الشجاع فكرة أساسية تتلخص في رفضالكاتب الحقيقي أن يكون بوقاً لأي جهة، وضد أي قوالب تجبره على الانصياع والانقيادلها. هذا لنقول إن على اتحاد الكتّاب الذي يدّعي الدفاع عن الكتّاب وصون حقوقهموحماية امتيازاتهم، أن يكون أهلاً لهذه المهمة المشرفة، وأن يرتقي ليكون دافعاًللخلق لا محطماً له.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

عن إرث قاتل سموه ذاكرة

09-تشرين الثاني-2019

حكاية (أبو حاتم): أشياء عن الكرامة والحب

15-كانون الثاني-2013

ثقافة المجازر في سوريا: ألبومات للموتى

07-تشرين الأول-2012

نبض الروح

04-تشرين الأول-2012

إنهم السوريون وهم يحصون مجازرهم

28-آب-2012

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow