Alef Logo
ابداعات
              

عندما كنتُ حماراً ..(..!!..)..

سامح عودة

2008-08-16


قراءة بين السطور محمد دلومي الجزائر في قصة " عندما كنتُ حماراً " ..
" إلى حمار مدينتي انتحر لأنه لم يحتمل
ضربوه فصبر .. قهروه وصبر ..
لما أغلقوا عليه المنافذ فر هارباً ورمى نفسه وانتحر ..!!
فمتى نتتحر ؟! "

بهذه المقدمة الصغيرة أهدى الكاتب القاص الجزائري الشاب " محمد دلومي قصته "عندما كنتُ حماراً " إلى حمار وصل من الإحساس مرحلة متقدمة لم يصل لها جمهورنا العريض من أمتنا، فهو أحس بالقهر وبالظلم فانتحر، أما شعوبنا العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج فلم تفكر يوماً في أن تنتحر..!! ترى هل سيأتي يومٌ ننتحر فيه ؟!
سؤال لم يخطر ببال الكثيرين منا، ولم يفكر أحد منا في قراءة الواقع بمنطقية بعيداً عن ( الغوغائية) المقيتة و(هرطقات) الجبن الذي نسج خيالاته في أذهاننا، فبات ( كرباجاً ) مسلطاً على الرقاب، من منا حاول أن يبادر لاعتلاء المنصة ليعلق الجرس؟، وليكن قرباناً آدمياً يقدم في سبيل الخلاص من قيد مدمي وخنجراً مسموماً يوغل في خاصرتنا، فالحمار بكل ما أوتي من غباء وصل إلى مرحلة متقدمه من التفكير قد يكون ارتقى عن تفكير الآدميين منا ، ففضل ألا يكون عنصراً خاملاً في معادلة فيزيائية نتيجتها ( صفر ) إلى اليسار يعني لا شيء ..

الكاتب محمد دلومي من كتاب القصة الشباب، الذين عرفتنا بهم أقلامهم قبل أن نعرفهم كأشخاص، فهو من المناضلين في الدفاع عن الفئات المهمشة والفقيرة التي تشكو ولم تجد من يعبر عن آلامها إلا القلة القليلة، فكان دلومي واحداً منهم، فقد قاده إيمانه بحق المهمشين في الحياة أن يكون معتقلاً سياسياً في إحدى معتقلات الجزائر، لكن ذلك الأمر أكسبه جلداً وإيماناً بسمو الهدف ونقاء الفكرة التي يناضل من أجلها، فخرج من السجن حاملاً هماً تعجز عن حمله الجبال، عندما وجد نفسه عاطلاً عن العمل في وطن فيه من الخيرات الكثير، لذلك سَخَّرَ دلومي محبرته وقلمه لإكمال مسيرة نضاله نحو الصراخ في وجه الظلم الذي يطوق البلاد والعباد ..

" عندما كنتُ حماراً " من القصص التي احتلت المكانة الأولى في نفسي كقارئٍ قرأ من القصص الكثير، وقد استمعت للكثير من الكتاب الذين أبدو إعجابهم بأسلوب " دلومي " ككاتب شاب استطاع ببراعته أن يخطف الكثير من الأفئدة كي تكون معه فيما كتب، فالحقيقة لا تغطى بغربال ، والشمس الساطعة لا تحجبها خيوط العنكبوت، في عمله الأدبي الذي أشهد له بالتميز كقارئ قدم نموذجاً فريداً ذكرني برواية " Animal Farm " للكاتب الروسي " جورج اورويل " لكن رواية اورويل قادت في النهاية إلى ثورة فقلبت الهرم السياسي وأعلنت عن انطلاق الثورة البلشفية التي غيرت مجرى التاريخ، أما قصة دلومي فقد قادت إلى انتحار، وان لم تكن روايةً فإنها تحمل بين سطورها الكثير من المفاهيم وابسطها حقوقنا التي نعرفها ونغض الطرفَ عنها، ويحق لنا أن نوجه أقلامنا نحوها، لأنها تضعنا تحت المجهر، وتنزع عنا أغلفة العفن التي نتصورها على أنها رداءً فريداً لا يواري عوراتنا، ولا يسترُ سوآتنا، نموذج دلومي القصصي نموذج عقلانـي مغموسٌ بصـبغة أدبية جريئة، تحاول من خلالها أن تبني " أنا " متمردة لا تقبلُ الهوان، وهـذه ال "الأنا " تحاول أن تذوب في الكل فتصبح " الأنا " المعممة التي يجب أن نكون عليها، لان المنطق العقلاني البسيط هو ما يدفعنا أن نسخر فكرنا من أجل مستقبلنا، وغدنا الذي نطمح أن نكون عليه، متساوين في الحقوق والواجبات، نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع..

قدم دلومي عملاً متميزاً، مختلفاً من ناحية الشكل والمضمون، فاعتمد أسلوباً أدبياً رمزياً مزج بين روح الدعابة الهادفة وقراءة الواقع المُرّ، معتمدا على تجربته كمعتقل سياسي حتى تصل الفكرة بوضوح للمتلقي، فكانت رمزيته مُطَعَمةْ بنوع من الغرائبية إذ قلما تجد من الكتاب من يلجأون لاستخدام الحيوان رمزاً في نصوصهم، فكان واضحاً من العنوان وحتى نهاية النص في هدفه، فلم يحاول أن يجعل قصته متخفية بين المضامين وتواتر الكلام، حتى لا يضيع القارئ في الإنشاء المقيت ويمل قراءة النص ويرمي به جانباً، أبدع الكاتب في مجموعة من النصوص القصصية والمقالات التي اتبع فيها أسلوباً مشابهاً شيقاً ممتعاً رغم ألمه ..

لقد قدم الكاتبُ قصة من إبداعاته نتاجاً لواقع مؤلمٍ أسود كالقطران يعيشه بلده " الجزائر "، فوجدتُ بين سطوره ما يمكنُ أن يقال، فواقع الجزائر لا يختلف كثيراً عن واقعنا العربي، فهو أشبه بوجهي العملة، على أحد الوجوه رقم، والوجه الثاني صورة وبالتالي فان الوجهين لا يختلفان في المحصلة لان النتيجة قطعة عملة من فئة محددة، لا يمكن أن تتغير قيمتها مهما فعلنا، وهذه هي حال ممالكنا تغييب للإنسان وإهدار لكرامته ، بالرغم من أنهم يرفعون شعار
" الإنسان أغلى ما نملك "
ترى عن أي إنسان يتحدثون ؟ الإنسان المهمش الذي يلهث وراء لقمة العيش ؟ أم الإنسان الذي سخر نفسه عبداً للانظمه كي لا يكون وراء الاشياك ؟ ضجيج الأسئلة كان مفزعاً في القصة فهي تناقش واقعاً مأساوياً من الاستبداد، والتهميش، والاستئثار بمقومات البلاد ورقاب العباد الذين يزج بهم في معتقلات الموت التي تعج بها ممالكهم عفواً " دولهم "..!! ، فكل ما على الأرض لهم، الماء والهواء والأرض، فان قلت لا فأنت خارج أو متآمر، وان قُلتَ نعم فعليك أن تكون حماراً آدمياً تعمل في خدمة سيدك، يركبكَ متى يشاء، ويضربكَ بمزاجه، لا تأكل من الزاد إلا القليل، وان تذمرت من هموم الحياة فلا يجدُ إلا عصى غليظةً مسلطه على رقبته تسلبه التفكير بغده أو مستقبله، فيضطرُ مجبراً أن يكون حماراً ساذجاً في خدمة سيده، يعمل بلا تخطيط، ولا يملأ أمعاءه إلا من فضلات الأسياد الذين حكموا فتجبروا، وسرقوا ماله ودماءه وكل شيء يمكن أن يساعده في النهوض كي يكون إنسانا آدمياً له أدنى مقومات الكرامة الإنسانية ..

في المشهد العام تتشابه الظروف وتتشابه الأحداث، في المشرق والمغرب، صورة ملونة بالفحم ، مهشمة الإطار، تحاول الإمعان فيها كي تبحث عن نقطة ِ بياض فلا تجدها، إنها الأوطان التي أصيبت بالتصحر فلم تعد قادرةً على إنجاب القادة، الزعيم فيها يبقى في الحكم حتى الموت، وان مات ورث الحكم لابنه أو أحد إفراد حاشيته فالأوطان مجرد زريبة بهائم ونحن فيها حمير لا نملك حولاً ولا قوة ً إلا النهيق، هذا إن سمح لنا بالنهيق ..!! فقد نتهم بإزعاج منامهم فنتهم بالخروج عن القانون ..

في أوطاننا المسلوبة الإرادة كل شيء مستباح، كل شيء قابل للقسمة حتى أرواح البشر، يمكن أن تزهق في لحظات، وتعلق المشانق لمن يحاول أن يخرج عن إطار ( الحمرنه ) فكن حماراً أليفاً لا يفكرُ..!! ولا تستخدمُ عقلكَ كي تفكرُ في مستقبلك، في أوطاننا مازال الاحتلال جاثماً على الصدور وان غادرت فرنسا وبريطانيا البلاد فإنها هي من يحركها بسماعة الهاتف ..!! ولا يملك أولئك الأقزام من الزعماء والوزراء ونواب الشعب إلا السمع والطاعة، كلاب بجنسيةٍ غير جنسية الوطن، وان تمرسوا في فن الخطابة ورتابة الكلام، وسخروا لهم أقلاماً ووسائل إعلام تجمل قبحهم في عيون الحمير ممن فضلوا الصمت َ والبقاء بعيداً عن مسرح الأحداث ..

في بلادنا كثير مما يمكن أن يقال فقد تعجزُ السطور عن حمل أوجاعنا، أوطاننا تحولت إلى برميل نفط تصرفُ عائداته على نهود العاهرات والغواني، زيفاً يدعون أنهم أطلقوا هامشَ الحريات فغيبت الفضيلةُ قسراً، لننعم برذائلهم التي أضحت مزابل َ تملأ عواصمنا العربية، أوطاننا الموجعة بقهرهم وعهرهم مهم أن تكون فيها حمارا لا بشرا آدمياً فالقانون يحسبُ عليكَ كل شيء..!! ربما الأجمل أن تكون حماراً لان الحمير لا يحاسبها القانون ..

بين سطور محمد دلومي كثير مما يمكن أن يقال، فيها وجع، أنين، صرخات ثكلى، ودماء شهداء لم تجف بعد، وتاريخ مزيف سيأتي يوم نكفر به، فيها إشارات للحالة العربية المتردية والهرولة نحو المحتل، هي صرخة كاتب طفح الكيل به مما رأى وسمع فخرج قلمه من لجامه ليكتب واقعاً مأساوياً عن وطنه " الجزائر " كان من المفروض أن يكون في مقدمة البلاد المتحضرة، إلا أن واقعه عكس ذلك، هنا تجدر الإشارة إلى أن دلومي ادخل كثيراً من الكلمات تتوافق والمضمون اللغوي والإبداعي للنص ليشد شغف القارئ ويفتح جرحه أمام ملح البحر، جرح الوطن المسفوك قهراً، ومن هنا إن مضمون القصة وأحداثها تصلح لان تطبق على جميع بلادنا العربية ولا استثني منهم أحداً..!! بل قد تكون الحالة الجزائرية أفضل من غيرها برغم كل شيء..!! هذا إذا ما كنا قد قيمنا تقييماً منطقياً للوضع السائد في كل بلد على حدة، ( فالحمرنة ) هي نفسها في المشرق والمغرب والحمير وان اختلفت في ألوانها إلا أنها تتشابه في كل شيء حتى في شكلها، أمام مشهد ٍ في أوطان تحكم بالعهر وبالقهر والقمع، ونحن فيها نعرف كل شيء، لكننا لم نحرك ساكناً ألسنا أشبه بالحمير ؟!..
ضربنا فصبرنا ..
وقهرنا فصبرنا ..
وجعنا فصبرنا ..
أغلقوا علينا كل المنافذ وما زلنا صابرين
فمتى ننتحر ؟
سؤال أبقاه محمد دلومي معلقاً في الذاكرة علنا نجد له إجابةً يوماً ما ؟!

::

يمكن قرأة القصة على الرابط

http://delloumimohamed.maktoobblog.com/cat/74038/%D8%A3%D8%AF%D8%A8_%D8%B3%D8%A7%D8%AE%D8%B1

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow