Alef Logo
ضفـاف
              

فاتح المدرس شاعر آخر ما يموت هو اللون

علي جازو

2008-05-03

اصنعْ شمسَكَ
جميل أن تكون لك شمسك،
تتمتع بها مع من تحب،
دون أن يراها الآخرون.


لم ننظر غالباً إلى فاتح المدرس (1922ـ 1998) سوى عمارة فنية فريدة يزداد بهاؤها مع بعد المسافة وبعد الزمن. فالرجل كتب مئات القصاصات والشذرات، ونحن لا نعرف عنها إلا القليل. علقها على جدران مرسمه في قبو بحي النجمة الدمشقي. المرسم الذي تحول إلى صالة عرض لم يترك شيئاً من تلك الأوراق. ولا نعلم من قرأها كلها، ومن تأملها. ولسنا متأكدين إن كانت ما تزال محفوظة، موجودة، وقابلة للجمع والأرشفة والعرض، أم أنها أهملت وطمرت ونسيت؟ من جديد سيكون الصفر بدايتنا إلى الخلف، والنسيان عنوان ذاكرة المستقبل.لكننا نجد قصائد بالغة الكثافة والخفة والغرابة. من بينها تلك المنشورة في كتاب متواضع شكل الطباعة،نشرته دار مجلة الثقافة في دمشق لصاحبها مدحت عكاش سنة 1990، والكتاب
بعنوان أكثر غرابة وإغراء، مكتوب بخط اليد مثلما هي متونه الشعرية المكثفة المتقابلة المتوالية بين المؤلفين: "الزمن الشيء ـ فاتح المدرس، حسين راجي". إنه كتاب مزودج التأليف. وبه رسومات للمدرس وراجي.كتاب صغير الحجم قليل عدد الصفحات (63 صفحة فقط). وكتاب بمثل هذا العدد من الصفحات لا يزنه اتحاد كتاب العرب بسوريا أي قيمة، بل لا يعد حسب معياره كتاباً. إذ، حسب الاتحاد العتيد العنيد، ينبغي ألا يقل عدد صفحات المخطوط عن مئة صفحة حتى يعتبر في عداد المؤلفات المقبولة لديه. ويجب ألا تقل نسخ الطباعة عن ألف نسخة. عدا ذلك فلفاتح المدّرس ديوان شعري آخر مشترك مع شريف خزندار طبع عام 1962 باللغتين العربية والفرنسية. إضافة إلى هذين العملين الشعريين للمدّرس مجموعة قصصية بعنوان "عود النعنع" كتبت عام 1957. كان المدرس قد ترك أيضاً كراسة لدى الشاعر والرسام نزيه أبوعفش كتب فيها صفحة...، على أن يكتب الشاعر أبو عفش الصفحة التالية. وهكذا بالتعاقب حتى يكتمل الكتاب المشترك. بقي ذلك الكراس على حاله بصفحة واحدة مفتوحة على فضاء مغلق مفتوح ومازال محفوظاً، كتذكار ثمين، لدى الشاعر نزيه أبو عفش.
نطلب أن تبادر وزارة الثقافة في سوريا إلى إعادة طبع كتب المدرس المشارة إليها، مع البحث عن أوراقه وقصاصاته، ما لم تكن مفقودة، بغية تقديمها للمتابع المهتم والأجيال الناشئة الفتية، سيما أن العام القادم سيحمل الذكرى العاشرة لرحيل أحد أهم الوجوه الثقافية والفنية في تاريخ سوريا. في ما يلي قصائد فاتح المدرس مختارة من كتاب "الزمن الشيء". تجدر الإشارة إلى أن بعضاً من عناوين المقاطع المختارة هي من وضع كاتب المقال.
شذرات
مهما يكن شعر الإنسان مسكيناً فإنه أجمل ما في هذه المجرة.
الله ليس كلمة وكذلك الوطن.
إن آخر ما يموت في غابة الدهشة هو اللون.
هناك يقف أحدهم يعطر الكون بذرات وهمية.
هذا العالم تأكله جرذان الكومبيوتر.
قل لي هل يلد العقل جرذاً.
اصنعْ شمسَكَ
جميل أن تكون لك شمسك،
تتمتع بها مع من تحب،
دون أن يراها الآخرون.
أصدقاء
أصدقاء الرماد
جاؤوا البارحة ليصحبوني،
لنتحدث طويلاً في الطريق.
لم يجبروني.
لا زلت أسمع صفير القطار؛
إنه لا يكف عن الاهتزاز.
ما أصعب السفر لوحدك
على درب التبانة!قلتُ.
اللحن
ـ كم أنا حزين لأجلك
أيها اللحن.. أيها اللحن
ـ من؟ والتفت
لماذا؟ قلتُ
واضمحلّ.
الطفل الكوني
ولأنه في البدء كان العبثُ
ولأنه قال كلمته وسكن
متربصاً بذاته
فالعيون الكثيرة
وشتاتُ منظور الوجه
في القتل والحب والتحول
تخمينات شاعر فقير
أبجديتُك على كوكبي
هذا
ليست إلا
حرفاً في فم طفل يتيم
ماتت أمه في المخاض.
قلتَها وسكنتَ متربصاً بذاتك
أيها الطفل الكوني الخديج.
لذة النهايات
يبدو لي أننا في حياتنا
نبحث عن الخطأ،
نمارس الخطأ.
إنها لذة النهايات التافهة.
ما هذا العبث الكوني المسكين؟!
رسالة إلى زميل رسام
تأمّلتُ لوحتك بتعبٍ شديد
كان الضوء فاتراً في المكان
ووجهكَ ؟
شاحباً كان وجهكَ!
في الشكل
كل نقطة ترسم خطاً وتسارعاً سكونياً
يخشى جاهداً تلمّس...
حدود اللوحة
على تخوم موجة زرقاء قصيرة.
صفر
من الصفر يولد رائعُ الواحد.
قبلة
أن تعانق الشموس بعضها
فيتناثر النار والضياء
في رحاب الكون.
كل هذا الدمار
من أجل قبلة!
ثقب الكاهن
نحن في بابل
وجلود الأسرى تزين
قصر بعل
والكلام من حق الكهنة
الحيوان لا يحق له الكلام.
إذنْ أنا حيوان.
في بابل الكلمة ليست شيئاً
لأنها تحوي في جوفها الصور الكثيرة.
أنظرْ ما أجمل هذا الملك!
إنه ناعم موشوم الجلد.
هنا وشمُ كلمة،
ومسح بإصبعه
على ثقب الكاهن الأكبر.
رسالة إلى نحات
عزيزي الطارق
هل رأيتَ ؟
أنك لم تستطع ملء السماء
وهكذا تم لك أن بعثرت
جميع أصداء مطرقتك
في الفضاء
مع بازلتك الأسود
صمتٌ يتمنى خائفاً
هدمَ اللحظة الآتية
كما لو ألقيت حجراً
في فراغ الكون
هل تذكر صورته
آلاف مؤلفة من ذبابة الخل
رسمت الصورة في الفراغ.
هو أيضاً انتصر
على ذاكرته
حاملاً الحيرة...
لما وراء حدود الظن.
....
.........
أما النشوة هي هي
طعامُ الآلهة الوحيدة في البقع السوداء.
واحزناه .. لم تعد تلوكها نوازعُ
طفلٍ حملته صدَفَتُه ذات الصدى.
الأمواج الهوج
تلك التي أقبلت هذه المرة
من دخان طفل احترق في جنة.
هويات
في المكان كان الزمان.
كلاهما يتعانق ويتبدد
ذعراً وبحبّ.
لقد رأيتهما متلبسين؛
بلا هوية كانا.
وابتسما هكذا ببلادة.
.........
ماذا
وتكتب شعراً!
مجرمٌ.أرني هويتك.
.........
لا تعبث إذ تكتب شعراً.
اخلعْ حذاءكَ،
أنت تتكلم عن ملائكة بلا أحذية.
هات هويتك.
..........
قال صاحبي:
حسبوني تيساً،
قرونه من نحاس أحمر
­ وإنهم بحثوا عن سكين وملح
وقال الثالث مصفقاً:
­ أنظروا .. أنظروا
وعاد بهوياتنا.
المستقبل


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

عيون وقصص أخرى

10-تشرين الثاني-2018

ضوء غرفة مغلقة

03-تشرين الثاني-2018

فرص العلمانيّة في سوريا جديدة

09-كانون الأول-2011

تنازع الوطنية السورية بين العسكر والمدنيين

12-تشرين الثاني-2011

سنة على رحيل علي الجندي ( 1928-2009) الشاعر وحيداً يجتاز طريق الضعفاء

13-آب-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow