Alef Logo
شعر معاصر
              

قصيدتان لعائشة أرناؤوط

2006-04-09

أوراق بلا تاريخ
من مذكرات هاربة
ـ 1 ـ
نم هادئاً ولا تحلم بعد الآن بالقمر لئلا يلدغك، كان ذلك في نهاية العصر الكامبري:
سقط قرص أسود من ظفر المجرة في مياه البحر
ـ فكان المد ـ
تحت رصيف مرجاني تمسك بدرع سمكة، لكنها رمته بعيداً، بكى.. ثم ذاب وتحلل.
عقرب الماء زحف تحت أشنيات زرقاء، وشرب، شرب حتى انتفخ.
ـ فكان الجزر ـ
ارتفع العقرب فوق سطح الماء، أخذ من زبدها جناحاً ثم أخذ يضحك، وطار بعيداً وتكور.
فكان القمر
ـ 2 ـ
كن شفافاً كالموت حين تعود، ذراعاي لحنان جنائزيان، وقلبي شيب مبكر، وضرس كلب مسن.
سأسحق العقرب المغسول سبع مرات بدم البكارة سأشويه فوق نار لطيفة ولا مرئية، وفي مدينة إله الريح تحت ظلمة القمر الكلسي أنتظر: كن شفافاً كالموت حين تعود، وجميلاً كالمجنون والخطايا.

ـ 3 ـ
يا للوهم الكبير!!
عرفوا الزمن وعمر الأرض من نسبة الأورانيوم والرصاص.
أخذوا يكونون الجنين بعيداً عن الرحم، وبلا مشيمة عمياء.
هم أنفسهم سكبوا الشمع فوق العبد ـ الزنجي ـ جعلوه في زجاجة، وأغلقوها، ثم ـ رموه للشمس ـ.
ـ 4 ـ
يوم كامل مضى. تحت ظفري زرعت المرفثينا الذهبية
ومخلب عقارب هارب.
حضنني الذباب بين بيوضه، كان فوقي يحكي نكتة ويضحك بأجنحته.
وجهي المجذوم يتساقط، ولحمي يتآكل.
الحرارة لا تطاق! بين الأرجل انسللت هاربة.
في المستنقع رطوبة متفسخة.
في المستنقع أملح جراحي.
ـ 5 ـ
إنه الحبل فقط، ما من إجهاض ولا ولادة.
وتحت الظل نهرب، كلانا مطعون ومخدوع.
السقف جرادة، والشجرة عبير خائن، والحب ـ عبء ومنفى ـ.
ـ 6 ـ
شقت إلهة صغيرة بطن جواد خرافي، وضعت فيه ملحاً ووباء.
في اليوم العاشر أخذت مصله وحقنت إصبعها.
في اليوم الحادي عشر، في الإصبع نفسها
ترجرج الزئبق الناري، وسمي:
ـ الحياة ـ
ـ 7 ـ
أعرف.. يا لثلوج العواصف الرديئة.
أعرف.. لا تقل لي، البحر ينحسر الآن عن هياكل الكلمة.
البحر ينحسر، يمزق جلدي العتيق، ويرميه لأنياب العاصفة الجرداء.
وأنا عارية أظل
الهدير يسرق لوني،
وهياكل الكلمة وحدها تردم في الشكل، أضعها في عنقي طوقاً طويلاً لزجاً كلسان ضفدع.
أعرف.. يا للتفسخ السريع.. الجناح يطير، ولكن تحت الأرض، حيث آلاف الصخور تخطفه بعيداً عن نفسه.
ـ 8 ـ
بعيني أرنب مخدر، أرنو إلى الوحش الذي سيلتهمني، ليمنحني تسلق الأغصان الرمادية، ليمنحني التسلق المتعب اللانهائي نحو ـ الوهم ـ وحش حافي القدمين، على رأسه حمامة وديعة وميتة.
سأعرف الناب والرمح والخطايا
سأعرف الصمت أيضاً أمام وجوه سحرة تحت الأرض
يتمتمون بجانب النار بتمهل يمزقني حتى الجنون أمد له ذراعي ليأكلها بأذنه، يدغدغه الوشم فيها. يضحك، وفي عيني تصهل الدموع.
ـ 9 ـ
أغمض عيني، أصابع مجهولة تلمس أهدابي، وتسقط في ـ الحلم ـ
المطر فوق الأرض، في سرير الحب.
المطر فوق العشب والبحر والعاصفة.
في الممر.. أنظر إلى قدميه، أفتعل الخطوة، أغتسل ـ بالظل ـ
أما هو فلا أراه قط، إنه خلف الظلام حيث ظلام آخر يتكاثف بعد الأبدية.
إنه خلف الأبواب، يسمع سري ويضحك من شقوق الجدران
ينظر
أنظر:
«رجل وعاهرة يتضاجعان، ينجبان، يموتان، في غرفة واحدة بلا باب ولا نوافذ»
أسمع.. أسمع الكلمة، فكل مكان موبوء، أما هو /هذا الحصان ذو الحوافر الذهبية/ فخلف الصمت حيث الصمت الآخر تخنقه عاطفة ميتة ـ وتثرثر ـ
ـ 10 ـ
ألمس الحياة بظهري، أبكي الأحلام الداكنة تحت الجسور والدخان
وأجل العناكب. أنوء بجمال الجنون النقي كغابات مغسولة بالمطر.
ألمس الحياة بظهري، والعالم كله خلف قدمي.
صدري لأعماق بحر مزبد غامض، صدري لوجه سديم محروث حيث الرطوبة والحرارة في قطرة، حيث الحب والمقت يجذبانك ويدوخانك.
ـ ألمس الحياة بظهري ـ
أي عبث يغتالنا!! ضحكة صلعاء.. وحزن بلا مظلة


ثلاثية فجر الطفولة
ـ 1 ـ
لأنني جائعة، فقد رأيت القمر كرغيف قضمه طفل وهرب.
لا أحد ينكس رأسه أمام الفيضان الحقيقي للأنهار المجهولة.
تحدثت.. ورثيت الحجارة والأشواك
تحدثت عن صحاري الريح والجنون والزبد،
عن النظرة الشرسة، عن المحبة والوجه الأسود
عن نهر يصب في عاصفة موحلة.
كنت ما أزال أرتعش أمام أعشاش البحر كجذور
في أرض بكر. وأتلفح بطقس الأمل.
أختزن المياه في رئتي،
وأجتر أوراق الخريف بلا مقابل
ـ تحت الجدران ـ
ـ 2 ـ
وذات يوم فجأة.. وجدت نفسي حزينة ويائسة
كقطرة مطر سقطت، سقطت وما تزال تسقط دون أن تجد أرضاً ما
وعبثاً كما دائماً حاولت تجسيد شعور المكثف فأخرجت الكلمات.
وإذ وجدتها مجرد فقاقيع هزيلة ككلب أجرب
سمرتها بلا شكل
ـ على الأوراق ـ
وفي فجر الطفولة اكتشفت أنني في شبكة مغلقة، والشبكة تهاجر نحو المبهم والمكتوم.
أسقطت دمعة واحدة
قال أحدهم: الدمعة فاصلة.
وقال آخر: الدمعة إشارة استفهام.
وعندما أردت أن أقول شيئاً، تمزق حلقي
فلم أستطع إلا أن أبصق الدم.
عصر الشيخوخة الأولى
ـ 2 ـ
كرقم من لؤلؤ وزبد قفزت ساعة الرحيل من فجر الطفولة إلى غروب العمر.
وارتجفت بضعة كلمات بعيداً عن إدراكي.
واكتشفت أنني استنفذت كل شيء: الدم والحبر
البحر والرماد والمحبة.
وصار وجه العالم غريقاً ومنفوخاً.
استنفذت كل شيء في حمى الحياة الضئيلة.
فما أفعل؟
أقضم أظافري.
نباحي لا يصل حتى لأسناني.
أشرد رائحتي في مياه البحر كي تخرق بكارة السفن المجهولة الآتية من الغيب.
**
في غرفة واسعة، لم يكن ثمة شيء سوى شطرنج مكعب مزين بصور مشوهة.
أردت أن ألعب الشطرنج من وجوهه الستة، كنت وحيدة وكان ذلك صعباً. حتى نفيت جاذبيتي الأرضية وصرت أكثر التصاقاً بنفسي، وأكثر حرية في التحول.
وجاءت نافذة مهاجرة وولدت طفلها بين أقدامي.
«كان وجهه أخضر كعتمة الغابات، وكانت عيناه سمكتين»
عندما حدقت إليه اكتشفت قفزتي إلى عصر الشيخوخة الأولى كرقم لانهائي وقريب.
يجب أن أنتبه. شيب أعمى يغدق علي أبعاده من الداخل والخارج.
تصلب في الشرايين وآلام المفاصل وجميع أمراض العجائز تلبستني.
بكيت وضحكت معاً. لأنني استنفذت كل شيء وكان كل شيء رغم ذلك ـ بعيداً عني ـ
وبفرح وجدت للصمت وجهاً
ـ 3 ـ
كان هنالك جدار قفز الطفل خلاله إلى عصر التكوين الأول راجعاً إلى الخلف ـ وبقي المكان فارغاً ـ جلست أقضم أسناني وأنتظر الخطوة الشاحبة في المملكة الأخيرة.
وتمنيت لو أن الهواء والجدران تتحول إلى أوراق بيضاء وفارغة كي أكتب. وفجأة وكأنني في حلم استحال كل شيء إلى ما تمنيته، وعندما كتبت وجدت الكلمات بيضاء ـ فلم أعد أميز صورتي السابقة ـ
بدأ الشطرنج المكعب يكبر ويكبر. تلولبت، اخترقت باباً مربعاً صغيراًَ عليه رموز مشنوقة، عليه حبال ومرساة وشباك وأصفاد.
وبفرح وجدت للصمت وجهاً هنالك. فجلست على القشور والخشب المتسوس.







تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow