Alef Logo
المرصد الصحفي
              

زياد رحباني في ضيافة احتفالية دمشق عاصمة ثقافية/ انطباعات صحافيين

ألف

2008-08-27

دمشق عاصمة ثقافية... دمشق عاصـمة عاطفية
ضحى شمس: جريدة الأخبار 23/8/2008
«دمشق السنة عاصمة ثقافية، لكنها دائماً عاصمة أساسية». هذا ما قاله زياد الرحباني في ختام حفلاته الخمس لجمهور أغدق عليه حباً، بادله الرحباني بسخاء. ما جعل عاصمة الأمويين تستحق لقباً إضافياً «العاصمة العاطفية»
دسّ الرجل المعشوق نفسه بين الموسيقيين في الباص الذي كان ينقلهم إلى حيث أقام منظمو «دمشق عاصمة ثقافية» حفل عشاء بمناسبة ختام حفلاته التي عاشت العاصمة على وقعها. الوجهة «باب توما». تتحقق «نبوءة» الملصق الضخم على الطرق «زياد في قلب دمشق». هو هنا، جغرافياً وعاطفياً. حارات كانت لسكن الدمشقيين أصبحت استديو ضخماً لتصوير المسلسلات أو تحوّلت بيوتها الرائعة، لمطاعم تسهر على أنغام عود أو بزق. «البيوت التي ما زالت للسكن، نادرة»، يقول مروان عازار الذي ما زال يسكن هنا. يصل الباص المتخم بالموسيقيين منتصف الليل إلى «ساحة القصاع». تلفت نظر زياد، إلى احتمال تكوّن «مظاهرة» خلفه لدى سلوكه الحارات الضيقة. يرد، وقد حشر نفسه في مؤخرة الباص بينك وبين «سلافا» عازف الكلارينيت الأرمني «هلق مين حيعرفنا هون؟». ما إن تطأ قدمه الساحة المكتظة بسيارات التاكسي الصفراء، حتى يهتف شاب، كمن يقرص نفسه ليتأكد: زياد رحباني؟ تلتفت عيون لذكر الاسم. وبلمح البصر ترتفع الموبايلات في ردة فعل «عصرية»، مصوّبة كاميراتها للهدف. تتشكل بسرعة هيصة كبيرة. لكن أحداً لا يجرؤ، للوهلة الأولى، على الاقتراب. لحظة كانت كافية لانزلاق زياد بحركة رشيقة من خلف موقف باص داساً نفسه بين أسراب الموسيقيين بالسموكينغ الأسود، الذين بدوا كجماعات من طائر البطريق تمشي في حواري العاصمة التاريخية.
ما إن يدخل البيت القديم المتحول إلى مطعم حتى تعثر العيون عليه. يتجه الموسيقيون الى درج الطابق الأول المحجوز لهم. تسري كلمة واحدة كالنار في الهشيم: «زياد.. زياد». وإذ بالزبائن ينتصبون جميعا حول طاولاتهم، ممزقين الهواء بتصفيق طويل بدون أي كلمة. يخرج من يحب السوريون مناداته بمجرد «زياد»، من تمويهه غير الناجح بين الموسيقيين. ينحني بابتسامة خجولة لا تنفكّ تسلب قلوبهم، قبل متابعة صعوده. يستنفر المنظمون لإقناع شباب استوعبوا بعد مروره بالساحة، أن «ذاك» كان.. زياد، فلحقوه، أنه ليس باستطاعتهم الدخول. لكن، ما إن يجلس الجميع حتى يتناهى من صحن الدار، صوت غناء انبعث من «كورال» مرتجل لأكثر من مئة زبون، صودف وجودهم الليلة. مغنين بصوت أرادوا إيصاله إلى فوق «أنا مش كافر» ثم «الحالة تعبانة يا ليلى» إلخ. تصل التحية فتتمدد الابتسامة على وجه الرحباني. تطل من عينيه سعادة يموّهها خفراً بمواصلة الحديث مع جاره. يطال انفعال الناس، عازف الترومبون الفرنسي «غي» يضع الكأس من يده ويقول «لدى هذا الرجل شيء لا أستطيع وصفه. الكل يقع في غرامه ببساطة».
وببساطة، كانت دمشق واقعة في غرامه. وكأي عاشقة كانت سعادتها بزيارته بيتها تفوق الوصف. كان ذلك وصالا. عشرة أيام أمضاها زياد الرحباني يتراشق والسوريين بالحب. عمل المنظمون من كل يوم حدثاً: أربعة أنواع من الملصقات وضعوا فيها كلام أغانيه على لسان سوريا: لأول مرة منكون سوا، كيفك أنت؟ إلخ. ثم كان للتشويق بانتظار الموافقة على تمديد حفلة إضافية، ملصقة: «بالنسبة لبكرة شو؟». تأتي الإجابة في ملصق اليوم التالي: «صارت صحيحة الخبرية». بادل زياد المدينة حبها حتى قبل أن يلمسه ميدانياً. أعطى الأولوية للموسيقيين والمغنين السوريين. ست صبايا من أحلى أصوات سوريا «بقيادة» السوبرانو رشا رزق. أربعة وعشرون موسيقياً سورياً. العازف باسل داوود يغنّي مع الرحباني أغنيات عرفت فقط بصوت الاخير. الأولوية في الإطلالات الإعلامية لوسائل الإعلام المحلية: مشاهد من البروفة والحفلة الأخيرة للتلفزيون السوري. مقابلة مع إذاعة محلية. أخرى مع جريدة «تشرين». مقابلة لجريدة حكومية؟ استغراب صامت. القطاع الخاص، خيار المستقبل غير المعلن للسوريين. يعيد سلوك الرحباني النظر بهذا التقييم على ضوء تجربته كلبناني. مؤسسات الدولة بكل ثغراتها، أفضل من عدمه.
حوّل السوريون زيارة الرحباني الأولى إلى لحظة انفعال ممتدة على عشرة أيام. شعور مرهق، لكنه رائع. عناق طويل، تقبيل متواصل. تصوير متواصل. تفهم دنيا الدهان مساعدة د. حنان قصاب حسن و«دينامو» الاحتفالية، التي «منحت» زياد ضاحكة لقب «معاليك»، أن الرحباني لن «يدافع» عن نفسه تجاه هذا الحب. تحاول التقنين ما استطاعت. لا أحد يعرف مدى نجاحها. فهي كالفراشة ليس لرفة جناحها صوت.
(مصطفى سليمان ــ يوسف بدوي)شيء ما في شخصية السوريين يشبهه. ما هو؟ تمضي وقتك بالمراقبة لتعثر عليه. تبحث، وأنت تراقب طلاب المعهد العالي للموسيقى متجمعين كالعصافير الصغيرة على أبواب القاعة المغلقة ونوافذها، التي تجري فيها التمارين، متسقطين نوتات متناثرة من وليمة موسيقاه. تبحث، وأنت تصعد درجاً خلف الطالبة الظريفة التي تطوّعت لإرشادك إلى ما يسميه الطلاب هنا «المخبأ السري»، من أجل مشاهدة التمارين: كوة في الطابق الثاني! تخمن هيام حموي، التي أجرت معه مقابلة، أن هذا الشيء هو مزيج من الحنان والشهامة والبساطة، سمة الشخصية السورية الحقيقية. لكنك تظن أن بعض الناس يخرجون أفضل ما فينا. وإن وجود زياد في دمشق العاطفية، أخرج أفضل ما فيها. تماماً كما أن حب السوريين أخرج أفضل ما فيه.
عشرة أيام في دمشق، كانت كل لحظة فيها معلقة على حافة بين البكاء والضحك. الفجر، عودة الفرقة إلى الفندق. نتندر في المصعد على كثافة التصوير خلال الحفلات. يعلق احدهم ضاحكاً أنه لو كان الشخص ينقص ذرة كل مرة يجري تصويره، «لما عدنا بالكثير من زياد إلى بيروت». يفتح باب المصعد وإذ.. بالرحباني أمام المصعد، الرابعة صباحاً، وإلى جانبه وقف شاب مطوقاً كتفه، شاخصاً إلى كاميرا رفيق يقوم مرتبكاً بتصويرهما. يتبادل الشابان مكانهما. يلتفت زياد إلينا وقد ارتسمت على وجهه المرهق ابتسامة قائلاً «ناطرينا الشباب من التسعة، معقول نقللهم لأ؟».
دمشق العاطفية، أبت أن تودّع زياد إلا على طريقتها. رجته، كما فعل آلاف السوريين الذين تجمّعوا نهاية كل حفلة معترضين باصات الفرقة المغادرة للمسرح، بملصق كتب عليه ببساطة: «ما تفل».
قمر
انضمت عناصر الطبيعة في ثاني حفلات زياد الرحباني إلى الناس لإضفاء لمسة استثنائية على أجوائها. هكذا، بدأ خسوف نادر ومرئي لقمر دمشقي مكتمل مع بداية حفلته الثانية. فكانت العيون طوال السهرة تتنقل بين المسرح والسماء، متابعة اختفاء القمر التدريجي إلى أن غاب بنهاية الحفل بالكامل، تاركاً في الساحة «قمراً» وحيداً جلس إلى البيانو وقد تعلّقت به الأبصار والأفئدة. قمر، على جماله، يزعل إن قلت له «يا حلو»
«حافظين كل شيء»
سعاد جروس: الكفاح العربي

استُقبل زياد من جمهوره باشتياق العاشق الملتاع, في قصة غرام وصفت بأنها من طرف واحد طال فيها البعاد إلى أن حصل اللقاء فجاء استثنائياً بكل المقاييس, فالزمن زمن دمشق عاصمة للثقافة العربية, وأيضاً زمن زيارة الرئيس اللبناني إلى سوريا وإعلان فتح صفحة جديدة لتهدئة النفوس في البلدين, والمكان قلعة دمشق وقلبها التاريخي, والتي كانت المسرح المفتوح على سماء صافية, يزينها قمر بليلة التمام, تام الاستدارة والنور, متمم بمفردات لقاء مشبوب.
«دخيل اللي خلقك يا زياد» صرخ أحد الشباب الحاضرين ومثله كثيرون غنوا وصفقوا له, حباً وإعجاباً... حتى أن زياد حرص في كل حفلة على إعادة التعبير عن دهشته ذاتها كل ليلة. فيقول مرة «جينا نسمّعكن, طلعنا عم نسمّعلكن». وأخرى يقول إنه منذ تلقى الدعوة من احتفالية دمشق والأخبار تصله عن أجواء الجمهور الاستعدادية... وعندما ساءل عن البرنامج والاقتراحات. جاءه الجواب, إن الجمهور «حافظين كل شي».
اعترف زياد قائلاً: «بصراحة ماني متوقع هيك شي... ولا شايف هيك شي من قبل... الواضح أنكم حافظين أكتر منا, يعني نحنا عم نقرا من الورق ونقطش وأنتو عم تكملوا من غير تقطيش, المرة الجاي رح نطلب من الأمانة العامة تأمن بطاقات إلنا حتى نحضركم». كلمات زياد للجمهور أتت في منتصف الحفلة, وكان قد ترك الافتتاحية لشخص لديه ملاحظة يريد أن يقولها, ويقصد الفنان اللبناني برجيس صليبا, ليتحدث عن حفلات من بطولة الجمهور بالقول: «واضح من استعدادكم إنكم ناويين على الخير. تدربنا قبل أسبوع ونريد ان نشترك معكم».
طبعا كلام زياد فهمناه, ليس فقط كتعبير عن الدهشة, وإنما عن مبادلة الجمهور مشاعر الحب ذاتها, مع احتمال تفسيره أيضاً على أنه طلب مهذب ليخفف الجمهور اندفاعه وحماسه ويتأنى عليه وعلى فرقته ويتيح له تقديم معزوفاته. ودهشته لا تعني بالضرورة أنه يبادل الجمهور المشاعر نفسها, لأن الدهشة حمالة أوجه. التوقف عند هذه الملاحظة, لا يقصد منه التشكيك بصدقية المشاعر في هذا اللقاء العاطفي المثير بين مبدع له في قلوب السوريين مكانة خاصة وبين جمهور أدمن أسلوبه الإبداعي وتعليقاته التهكمية اللطيفة, وإنما مجرد وقفة عند ظاهرة «استعراض الذات» التي نكشتها بشكل غير مباشر كلمة زياد «جينا نسمّعكن, طلعنا عم نسمّعلكن» وكلمة برجيس «تدربنا قبل أسبوع ونريد أن نشترك معكم». فكما كان واضحاً لمن حضر الحفلات الخمس أن الجمهور لم يكن يرغب بسماع موسيقا وغناء زياد بقدر ما كان يرغب بأن يعرف زياد مدى حبه وولعه به, وأنه حافظ ليس فقط الأغنية بل حتى تعليقاته, فعندما يقول زياد تعقيبا على أغنية شو هالأيام اللي وصلنالا, أن القصة «مش سهلة لازم نسعى» يكمل له الجمهور «نسعى على عشرة»!! وعندما تنطلق أغنية «عايشة وحدها بلاك» يعلو صوت السميعة على صوت الفرقة. ينسحب زياد من المسرح لدقائق ويستمر الجمهور على الوتيرة ذاتها دون تقطيع, ويعود مجددا وكأنه لم يغادر ولا لحظة, بل كأن الجمهور يلتقي مع زياد الذي في خياله لا ذاك الموجود على المسرح, وربما لو أرسل زياد شبيهاً له يحل مكانه, لن ينقص الحماس قيراطاً واحدا, في تماثل طريف مع قصة قيس وانشغاله بهوى ليلى عن ليلى, فبعد أن مُنع عن ليلاه, وبرح به حبها, صار شارد الذهن لا ينفك عن ذكرها, وترديد شعره فيها, ومناداتها ليلاً ونهاراً. فلما جاءته ليلى تطرق باب خيمته, لم يجب ولم يلتفت إلى الطارق لأنه كان مشغولاً عنها بالتفكير فيها... لذا لم يكن مستغرباً أن يسأل أحدهم زياد, متى سيأتي زياد؟!
الكل في الحفلة كان مشغولاً به ويناجيه, وفي هكذا مناسبات يتحول الكل إلى واحد, يعبر عن حالة شعورية واحدة, وما رأيناه أو عشناه في تلك اللحظات ينتمي بشكل أو بآخر إلى ظاهرة «شهوة استعراض الذات» إن صح التعبير, فتتقدم الرغبة بالتعريف بالأنا على الرغبة بالتواصل مع الآخر, وللتوضيح على سبيل المثال, كثيراً ما يحدث أن يتصل شخص ما بآخر سمع عنه كثيرا ويبدي لهفة للتعرف عليه عن قرب, وعندما يحصل اللقاء لا يمنح المتصل فرصة له, كي يتحدث عن نفسه, إذ يستأثر بكل الوقت كي يُعرِّف الآخر به وبأفكاره المتميزة فهو يفترض أنه يعرف الآخر وحافظ كل قصصه, واللقاء الذي طلبه ليس سوى لقاء ليعرض عليه أفكاره وهمومه الكبيرة والصغيرة.
شهوة استعراض الذات تكاد تصبح ظاهرة عامة, وفي ظل التسابق الشهواني على إثبات الحضور, يصبح الحديث عن التفاعل والتأثير ملتبساً, إن لم يكن تحصيل حاصل, وهذا ما نفهمه من كلمة الفرقة, والتي كانت أشبه بالاستئذان من الحضور منحهم فرصة كي يقدموا المقطوعات الموسيقية والأغاني التي تدربوا عليها... وقد يتحقق كلام زياد في المرة المقبلة ويطلب بطاقات كي يحضر وفرقته حفل لجمهوره الذي يحفظ أعماله عن ظهر قلب, وإلا فإن عليه أن يأتي بأعمال جديدة تفاجئ الجمهور... لا أغاني عمرها ثلاثين عاماً. يحفظها عن ظهر قلب.
بعدما تمكن جمهور زياد من التعبير عن حب لامحدود وبجدارة , ربما يستحق أن يكافأ بعمل جديد «ما لحق يحفظه» يجعل اللقاء تفاعل الحب فيه من الطرفين وبدون دهشة.
زياد الرحباني يشعل ليل قلعة دمشق
أحمد بوبس : الثورة – الملحق الثقافي : 26/8/2008
بعد طول انتظار .... جاء زياد الرحباني إلى دمشق ، ليشعل ليل قلعتها أنغاماً وغناءً ، لمدة خمسة أيام، وسط حشد جماهيري كبير معظمه من الشباب ،
حضر زياد ،يقدم خلاصة إبداعه الموسيقي والغنائي من خلال نماذج كثيرة منها تمثل مختلف الاتجاهات في إبداعه الموسيقي . لنتحدث أولاً عن الفرقة الموسيقية التي رافقت زياد في حفلاته ،والتي ضمت خمسين عازفاً بقيادة المايسترو الأرمني كارين دورغاريان خريج المعهد العالي للموسيقا في يرفان العاصمة الأرمنية ،وهو قائد اوركسترالي مرموق ، فهو قائد الفرقة السيمفونية الأرمنية وقائد الاوركسترا في المسرح القومي الأرمني للأوبرا والباليه....ومنذ عام 2000م يقود الفرقة الموسيقية للمطربة فيروز في لبنان والكويت وفرنسا والأردن وسويسرا و....أما الفرقة فقد تكونت في معظمها من موسيقيين سوريين شباب من خريجي المعهد العالي للموسيقا إضافة إلى ست مغنيات سوريات منهن ليندا بيطار ورشا رزق وتكوين الفرقة كان تكويناً أوركسترالياً ،أي بنفس نظام الفرق السيمفونية ،لكن بحجم أصغر ، فضمت مجموعة الكمانات ، ومجموعة الآلات النحاسية وفي مقدمتها الترمبيت وآلات التشيلو والإيقاعات ، وزاد عليها الدرامبز الذي هو ليس من آلات السيمفونية ، عزف زياد على البيانو . قدم زياد في حفلاته باقة من المقطوعات الموسيقية التي ألفها، كان من أهمها وأجملها مقطوعة (وقمح) التي تضمنها الألبوم الذي صدر لفيروز عام 1999م، وتضمنت أربعة ألحان لزياد (مش كاين هيك يكون)،(اشتقتلك) (داق خلقي ياصبي) و(سلملي عليه) وأربعة ألحان لمحمد محسن(جاءت معذبتي)، (لوتعلمين)،(ولي فؤاد)، (أحب من الأسماء)، وتحية لذكرى والده عاصي قدمت الفرقة المقدمة الموسيقية لمسرحية(جسر القمر)، أما على صعيد الغناء فتوزعت الأغنيات التي قدمتها الفرقة في ثلاثة اتجاهات ألحان زياد الرحباني لوالدته فيروز،وألحانه لجوزيف صقر، وثالثاً ألحانه التي غناها بصوته،وطبعاً أنا أتحدث هنا عن حفلة اليوم الثاني، ولاأدري إذا كانت حفلات الأيام الأخرى قد تضمنت نفس البرامج أم جرى تعديل فيه.‏
من ألحان زياد الرحباني لوالدته فيروز، استمعنا إلى (صباح ومسا)و(عودك رنان)و (مش فارقة معاي) وقدمت بصوت الكورال الذي كان أداؤه متقناً ورائعاً ولاغرابة في ذلك فقد ضم مغنيات أوبرا متمكنات ومغنيات للغناء العربي قديرات. القسم الثاني من الأغنيات كان ممالحنه زياد لجوزيف صقر الذي قام ببطولة عدة مسرحيات مع زياد الرحباني منها (سهرية) و(نزل السرور)، وقدم باقة رائعة من ألحان زياد ذات الطابع الشعبي الفولكلوري، وكانت أجمل الأغنيات (تلفن عياش)، والقسم الثالث تضمن أغنيات أداها زياد بصوته مثل (شوهالأيام)، (راجعة بإذن اللّـه)، ومن ألحان سيد درويش قدمت الفرقة أغنية قريبة من أسلوب زياد، وهي أغنية (أهو ده اللي صار) وأداها كما أدى أغنيات جوزيف صقر عازف العود في الفرقة على البيانو، وكان صوت الوالدة فيروز يملأ أرجاء البيت. فأخذ زياد عنها الكثير. لكنه أنتج شيئاً ثالثاً. ومثلما تأثر عاصي بموسيقا زمانه مثل الموسيقا الكلاسيكية العربية منها و الغربية، و ايقاعات الرومبا و السامبا و التانغو و الناس، و أضافهما الى مخزونه، فأبدع ألحاناً ابنة عصرها، كذلك فعل زياد حين تأثر بموسيقا عصره مثل البوسانوفا من أمريكا اللاتينية، و البلوز والجاز الامريكي، إضافة إلى الموسيقا الكلاسكية التي درسها زياد على يد والده و على يد الموسيقي الأرمني بوغوص جلاليان. و اذا كان والده عاصي ووالدته فيروز، قد ذهبا الى المجتمع الرومانسي الحالم، فإن زياد اتجه إلى الدرك الاسفل في المجتمع،وأعني الطبقة الشعبية الفقيرة، فزاد التعبير عن همومها باسلوبها البسيط. كان زياد الرحباني يدرك أن الفارق بسيط جداً بين الاغنية السخيفة و الاغنية البسيطة الشعبية لذلك استطاع أن يقدم الاغنية الشعبية الجميلة التي تعبر عن حال الطبقة المسحوقة مثل اغنيات جوزيف صقر (اسمع يار رضا)، (الحالة تعبانة يا ليلى). و أغنيات زياد الكثيرة. اختار زياد الرحباني لمسرحياته و أغنياته لغة الشارع، بل إنه نزل إلى قاع المجتمع، ليختار اكثر التعابير شعبية، بل إنه كان يستعمل أحياناً بعض العبارات النابية، كما حصل بشكل خاص في مسرحية ( فيلم أمريكي طويل).‏
منذ بدايته الفنية اختار زياد الرحباني الفنان جوزيف صقر ليكون بطل مسرحياته و مغني ألحانه. بل إن الاثنين شكلا ثنائياً، استمر حتى وفاة جوزيف صقر مطلع عام 1997، أما البداية فكانت في مطلع السبعينيات. و خلال هذه الفترة لم يفترق الاثنان أبداً، فلم يطل جوزيف صقر أية اطلالة غنائية أو مسرحية خارج أعمال زياد الرحباني، ولم يقدم زياد الرحباني أي عمل مسرحي من دون جوزيف صقر حتى في مسرحياته التي خلت من الأغنيات، أصر زياد على حضور جوزيف صقر. قدم زياد الرحباني ست مسرحيات جميعها من كتابته و تلحينه و بطولة جوزيف صقر، و شارك زياد في التمثيل فيها و أول هذه المسرحيات (سهرية)عام 1973. و شارك فيها المطرب مروان محفوظ و المطربة جورجيت صايغ. وفيها كانت أول اطلالة غنائية لجوزيف صقر بشكل واسع. و فيها غنى اثنتين من أشهر أغنياته (حن الحديدعلى حالو)و (الحالة تعبانة يا ليلى). ثم جاءت مسرحية (نزل السرور)،وفيها ظهر تمرد زياد الرحباني على الواقع الاجتماعي المأساوي، حين أطلق ثورة شعبية ضد طغيان الثروة والسلطة، وفي ثالث مسرحياته (بالنسبة لبكرة شو) سلط زياد الضوء مجتمع المدينة وضح زيفها و القهر والعذاب فيها. و كتب ولحن لجوزيف صقر أجمل أغنياته (عـ هدير البوسطة)،(عايشي وحدا بلاك)، (اسمع يا رضا).وانتشرت الاغنيات في الاوساط الشعبية انتشاراً واسعاً. و من المسرحية الرابعة (شيء فاشل) الى مسرحية (فيلم أمريكي طويل) التي قدمها زياد في أتون الحرب الأهلية اللبنانية. وفيها رفض زياد العصبيات و القبليات المسيطرة على لبنان. و تجلى ذلك في أغنية (يا زمان الطائفية) التي قدمها جوزيف صقر، ولم يتسن للبنانيين مشاهدة هذه المسرحية لكنها عبر التسجيلات انتشرت انتشاراً واسعاً. بعد عشر سنوات من التوقف القسري عن المسرح،بسبب الحرب الأهلية اللبنانية، عاد زياد الرحباني عبر مسرحية (بخصوص الكرامة والشعب العنيد).عام 1990. وقد تدفق اللبنانيون الى مسرح البيكادلي في شارع الحمراء ببيروت. و فيها فضح المتكالبين على المال ولو على حساب الوطن، و استمرت الشخصية نفسها في مسرحية (لولا فسحة الأمل) وبعيداً عن المسرح. كتب ولحن زياد الرحباني لجوزيف صقر مجموعة من الأغنيات صدرت ضمن ألبوم غنائي حمل عنوان (بما انو) و ضم أغنيات (بما انو)، (مربي الدلال)، (رقصة العرس)،(افلاطون)، (هيك بتعمل هيك)، (تلفن عياش) إضافة الى مقاطع من العتابا. و لم تخرج أغنيات الالبوم عن الخط الذي نهجه زياد الرحباني في ألحانه لجوزيف صقر في المسرحيات، بل حافظت على تلك المسحة الساخرة والموجعة التي طالما وسمت جميع ألحانه الغنائية لجوزيف صقر. وبعد رحيل جوزيف صقر في اليوم الأول من عام 1997، لم يستطع زياد الرحباني إيجاد الصوت البديل لجوزيف صقر، فقام بأداء ألحانه بصوته و ما زال مستمراً حتى الآن.‏
لم يرض زياد أن يبقى قابعاً داخل عباءة والده الفنية، و انما تمردعلىها. ليخلق عالمه الفني الخاص القائم على التمرد، فاستطاع بذلك أن يؤسس لمرحلة رحبانية جديدة، يمكن أن تطلق علىها الجمهورية الرحبانية الثانية، بعد الجمهورية الأولى التي أسسها عاصي الرحباني باسل صقر، الذي يمتلك صوتاً هو نسخة عن صوت جوزيف صقر ولاتعرف إذا كانت ثمة صلة قربى بين الاثنين. وزياد الرحباني، سواء استمعنا إليه في الحفلة أو في مجمل إبداعه الغنائي، يشكل نسيجاً خاصاً، يحمل الكثير من التمرد على الأساليب التي كانت سائدة في لبنان عندما شب عن الطوق، بما في ذلك أساليب الرحابنة المتمثلة بوالده عاصي وعمه منصور تماماً كما فعل والده عاصي عندما تمرد على السائد من ا لموسيقا في شبابه. وخصوصية زياد توضحت منذ أول لحن وضعه، وكان لوالدته فيروز (سألوني الناس) من كلماته، وتم تقديمه في مسرحية (المحطة) في الوقت الذي كان فيه والده طريح فراش المرض، ومنذ البداية اختلفت نظرة زياد عن نظرة عاصي للواقع، فنظرة زياد كانت تقوم على مايمكن تسميته بالحلم الرحباني القائم على الانتصار الفطري للخير علىالشر،وهذا ماظهر في جميع مسرحيات الرحابنة. أما زياد.... فقد أطل منذ طفولته ومراهقته على مشهد تزدحم فيه الأحقاد الطائفية،وتتصادم التيارات السياسية، مهددة بانفجار وشيك. وهذا ماحدث فعلاً في الحرب الأهلية اللبنانية،‏
كان زياد منذ بداياته مصمماً على أن يختط لنفسه خطاً فنياً مستقلاً عن خط والده، اختار زياد أن يكون مشاكساً في فنه، أراد أن يظهر تناقضات المجتمع اللبناني،فاختار لكلمات أغنياته كلمات مستنبطة من الشارع وبذلك وضع زياد ألف باء مدرسة جديدة. ولعل أغنية (ع هدير البوسطة) التي كتب كلماتها ولحنها زياد، تثمل نموذجاً واضحاً لتفرده عن مدرسة الرحابنة (الأب والعم) فلم يكن ثمة فتيات بشعات في عالم الرحابنة، لكن ذلك موجود عند زياد كما تقول أغنية (ع هدير البوسطة) في المقطع الذي يقول :( نحنا كنا طالعين .بها الشوب وفطسانين) في واحد هو ومرتو ولوه شو بشعة مرتو) هذا الأسلوب غير مألوف عند عاصي لكنه مع ذلك أعجب بالأغنية فطلب من زياد أن تغنيها فيروز مقابل خمسمئة ليرة لبنانية،وكان زياد قد لحنها لجوزيف صقر. نشأ زياد في بيت مليء بالموسيقا،وتعلم من والده العزف.‏

كلنا شركاء





تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow