Alef Logo
نص الأمس
              

سأحكي لكم قصتي (مسرحية قصيرة )

دعد حداد

2006-04-05

المشهد الأول
ضوء خافت يظن بأن الوقت ليل، يزداد الضوء تدريجياً حتى تظهر غرفة بسيطة الأثاث متسعة، ذات طابع قديم "موديل 1900". الزمن أوائل السبعينات.
الأشخاص يتقدمون كل بدوره، ويمكن التعرف عليهم دون تعريف مسبق لأنهم لن يتكلموا كثيراً.
حينما يرفع الستار، نرى سيدة محجبة تماماً بالأسود، السيدة نحيلة وطويلة القامة، خطواتها سريعة وهي تنتقل في الغرفة تلملم حاجياتها المتفرقة في الغرفة، تضع الكل في حقيبة كبيرة موضوعة في الجانب الأيمن للمسرح.
على الجدار الأمامي علقت صورة لرجل مسن، الصورة محاطة ببرواز قديم جداً، السيدة المحجبة تقترب من الصورة تنزعها عن الحائط، تكاد تضعها في الحقيبة تتوقف فجأة ثم تبدأ في كسر البرواز، ترميه على الأرض، تحتفظ بالصورة بين يديها، تنظر ملياً في الصورة من خلف الحجاب، ثم تمزقها ببطء وترميها على الأرض، تغلق الحقيبة ثم تحملها بصعوبة وتخرج من المسرح. وذلك دون أن يستطيع الجمهور رؤية وجهها.
"دقيقة صمت"
"يدخل رجلان أحدهما في الخمسين ممتلئ الجسم أميل إلى القصر، والآخر طويل ونحيل ذو أنف حاد في الأربعين، يدخن، الاثنان يعاينان الأثاث الموجود بلا مبالاة. يتعثر الأول بالبرواز المرمي فيدفعه برجله بتأفف الآخر يرمي بعقب سيجارته على الأرض ثم يطحنه بحذائه ويبصق هنا وهناك."
"ينظر الأول إلى الثاني وهو يزم شفتيه باحتقار ثم يرمي الأثاث والغرفة بنظرة باردة ويهز رأسه نفياً دون أن يتكلم ، يخرج فيتبعه الآخر النحيل."
"لحظات من الظلام"
"صوت بكاء طفل رضيع خارج المسرح يزداد إصراراً بمرور الوقت"
"صوت ضحك عال لفتاة"
"الأنوار تتألق فجأة"
"تدخل فتاة في العشرين خفيفة الظل مرحة تقفز بخطوات رشيقة نحو مقدمة المسرح، ثم تعود إلى منتصف المسرح وهي تضع سبابتها في فمها، تبتسم ببشاشة وتتقدم ببطء نحو الجمهور وحينما تقترب من مقدمة المسرح تبدأ بالكلام"
الفتاة "بهمس": سأحكي لكم قصة. "تقوم بحركة انتباه" هذا الطفل صوته مؤلم أليس كذلك؟ لسوف أرى طريقة يمكنني بها أن أسكته، طبعاً أسكته بحنان.
"تقفز الفتاة بمرح خارج المسرح وتعود حاملة الطفل الرضيع وهي تهدهده محاولة اسكاته".
الفتاة "للجمهور": لحظة من فضلكم.
"تذهب حاملة الطفل من الباب الآخر للمسرح ويبتعد بكاء الطفل"
"تعود الفتاة مرة أخرى دون الطفل، تسحب كرسياً إلى وسط المسرح ثم تجلس عليه"
الفتاة: سوف أحكي لكم قصة. "تقوم عن كرسيها تقترب من الجمهور ببطء وبابتسام تتوقف" أمس مساء لعلكم تعرفون ماذا حدث مساء أمس، فهذا يحدث كثيراً في الحياة، "بحزن" لقد سرق أحدهم سعادتي "تحني رأسها ثم ترفعه ببطء، في عينيها آثار دموع ولكنها تبتسم" هذا لا يهمكم أبداً، أنا أعرف ذلك وإلا لما أتيتم إلى المسرح، ولا كان بمكانكم أن تدفعوا ثمن بطاقة المسرح.
"أصوات صخب وضوضاء خارج المسرح، تصايح أطفال، تقترب الأصوات أكثر ثم تدخل مجموعة من الأطفال إلى المسرح بشغب، الأطفال في حالة مزرية".
"الفتاة تنظر إليهم بدهشة وفرح"
"الأطفال يتصايحون"
الطفل الأول: ما هذا؟!
الطفل الثاني: ما الذي تفعلينه هنا؟!
الطفل الثالث: من هؤلاء الذين يجلسون على الكراسي؟!
"بعض الأطفال يقتربون من الجمهور وهم ما يزالون على خشبة المسرح"
أحد الأطفال "للجمهور": هل أنتم أغنياء؟
طفل آخر: إنهم متيبسون هاهاها ..
طفل ثالث: لماذا لا تتحركون كأنكم تماثيل هوهوهو ...
"الأطفال يقومون بجلبة وعراك ويتخاطفون بعض الأشياء المتناثرة على الأرض والتي تبدو كألعاب صغيرة"
الفتاة "بصوت عال": يا أولاد! يا أولاد! سأحكي لكم قصة.
أحد الأطفال "مع الصياح والضحك": قصة؟! وما هي القصة؟
طفل آخر: إنها حكاية.
طفل ثالث: حكاية ماذا؟!
الفتاة "بحزن": حكايتي.
"تخفت الأصوات"
بعض الأطفال: حكايتك؟!
الفتاة: نعم، اسمعوا.
أحد الأطفال "مشيراً إلى الجمهور باستنكار": ولكنهم سوف يسمعون أليس من الأحسن أن أغلق الستارة؟
الفتاة: نعم، نعم، أغلقها إن أردت.
طفل آخر: كلا بل دعها، سوف أتفرج عليهم وهم في مقاعدهم، هل أقول لكم ها ها، إنهم أغبياء، لماذا لا يتحركون؟
طفل ثالث: اسكت أنت، هذا غير لائق هنا، أنت لست في المزبلة لتأخذ حريتك في الكلام، هنا مسرح، هاهاها..
طفل رابع: ولكن هنا لا يمكنني أن أحصل على طعام كما أفعل في المزبلة.
الفتاة "ببرود": كيف لا يمكنك أيها الغبي، هناك البوفيه الخاص بالمسرح يقدم لك الساندويش الأنيق والمرطبات.
الطفل الرابع "بفرح": هل يحبون الناس هنا إلى هذا الحد؟
الفتاة "بحزن": بقدر ما يدفعون فقط.
الطفل الرابع: يدفعون؟! هيا إذن وأحكي لنا قصتك، هيا!
الفتاة "بعد صمت الأطفال" "بحزن": وعندما لحقت بها لاستردها وقفت سيدة محجبة تماماً بالأسود و...
أحد الأطفال: الأسود ولم؟!
الفتاة: لأنها حزينة.
الطفل: وهل يحزنون هكذا دائماً؟
الفتاة: إنهم يفضلون ذلك غالباً، إذن أوقفتني السيدة ذات الثياب السوداء وقالت..
أحد الأطفال: ماذا قالت؟
الفتاة: قالت لي دعيه، إنه لم يسرق شيئاً.
أحد الأطفال: وكيف؟! ألم تقولي أنه سرق سعادتك؟
الفتاة: نعم نعم، لقد قلت لها هذا، عند ذلك صفعتني على وجهي بقوة وقالت لي..
"تدخل السيدة المحجبة فجأة إلى المسرح"
السيدة المحجبة "بعنف": اخرسي!
"تتراجع الفتاة إلى الوراء يتفرق الأطفال على خشبة المسرح في الزوايا"
أحد الأطفال "من زاوية بعيدة يخاطب السيدة المحجبة": أنت مخيفة!
السيدة: كلا، لست مخيفة.
الطفل "بإصرار": بل مخيفة.
"السيدة تنزع عن وجهها الحجاب الأسود وترميه على الأرض تبدو آنذاك رائعة الجمال، ثم تنزع من حول جسمها ثوبها الخارجي الأسود فتبدو بثوب وردي رائع. عندها يهلل الأطفال فرحين، ويتحلقون حولها بإعجاب".
السيدة "بابتسام": أرأيتم؟ إنني لست مخيفة.
أحد الأطفال: ولماذا كنت ترتدين السواد؟
السيدة: لأن زوجي مات.
طفل آخر: وهل لديك أطفال؟
السيدة: نعم، طفل رضيع يرقد في الغرفة الأخرى.
الطفل الآخر: وهل يرتدي طفلك السواد؟
السيدة: كلا، إنه يرتدي ثوباً أحمر. ولكن، لم تكثرون من الأسئلة عوضاً عن أن تذهبوا وتناموا؟
أحد الأطفال: ولكن الوقت صباح، ونحن لا ننام في الصباح.
السيدة "بغضب": الوقت ليل، وعليكم أن تناموا.
طفل آخر: كلا، بل هو الصباح.
السيدة "بإصرار": بل هو الليل.
طفل ثالث: لقد استيقظت منذ قليل فقط، وكانت الشمس تغمر المزبلة بالدفء.
"ضوء ساطع من جانب المسرح يعطي إحساساً بالشروق"
السيدة: أف، يا لكم من أطفال خبثاء، ماذا وضعتم هنا "تشير للضوء" للتمويه؟
أحد الأطفال: إنها 500 شمعة "يضحك" ها ها ها..
السيدة: هذا لا يعفيكم من النوم في الليل.
الفتاة "بابتسامة مشرقة وصوت آخاذ": ولكنه الصباح حقاً يا عزيزتي.
السيدة "تفرك عينيها": الصباح! الصباح! "ثم بحزن" هل تدركون ما معنى صباح حقيقي؟
"تخرج السيدة من المسرح بينما تنزل الستارة ببطء وعيون الأطفال والفتاة تتابع رحيل السيدة بما يشبه الذهول"
"ينطفئ الضوء الباهر فجأة، ويسود الظلام"



المشهد الثاني
"ظلام،
صوت ضحك متواصل للفتاة لمدة دقيقة"
"الأضواء تتألق مرة ثانية"
"الغرفة السابقة في المشهد الأول مرتبة والأطفال متأنقون وقد تحلقوا حول مائدة كبيرة تتصدرها الفتاة يتناولون طعامهم"
الفتاة "تقوم عن كرسيها تتقدم من الجمهور بابتسامة صافية": يمكن للمسرح أن يقدم أية صورة غير حقيقية لأنه مسرح ولكن الآن..
"السيدة المحجبة تدخل المسرح فجأة وقد ارتدت ملابسها السوداء ولكنها تظهر وجهها بلا نقاب".
السيدة المحجبة "بغضب شديد": هذا ليس مسرحاً.
أحد الأطفال "بغضب شديد": هذا ليس مسرحاً.
الأطفال جميعاً: هذا ليس مسرحاً.
السيدة المحجبة: هذا مكان يتناوب الجلوس فيه مجموعة من الخراف..
الأطفال جميعاً: هذا مكان يتناوب فيه الجلوس مجموعة من الخراف.
السيدة المحجبة: لأنهم ملوا الجلوس في المقاهي..
الأطفال جميعاً: لأنهم ملوا الجلوس في المقاهي..
السيدة المحجبة: في الصيف يجزون أصوافهم.
الأطفال جميعاً: في الصيف يجزون أصوافهم.
السيدة المحجبة: وفي الشتاء التالي ينمو الصوف مرة ثانية.
الأطفال جميعاً: وفي الشتاء التالي ينمو الصوف مرة ثانية.
السيدة المحجبة: على مجموعة أخرى من الخراف..
الأطفال جميعاً: على مجموعة أخرى من الخراف.
"السيدة المحجبة تتلو صلاة خافتة سريعة، الأطفال والفتاة يحاولون تقليدها فيفشلون"
السيدة المحجبة "بصوت عال": احفظ الخراف في حظائرها يا رب العالمين. آمين.
الأطفال جميعاً "بصوت عال": آمين.
السيدة المحجبة: إلى أبد الآبدين.
الأطفال جميعاً: إلى أبد الآبدين.
"السيدة المحجبة تتحرك نحو الباب للخروج، أصوات الأطفال وأياديهم توقفها، الفتاة في حالة ذهول"
أحد الأطفال: سوف نتابع المسرحية حتى النهاية يجب ألا تغادرينا.
السيدة المحجبة: ولكنني غادرتكم منذ أمد طويل.
أحد الأطفال "بحزن": غادرتينا؟! وإلى أين؟
السيدة المحجبة "بصوت عال": إلى مخيلتكم أنتم يا أطفال.
أحد الأطفال: وهل ستبقين في مخيلتنا إلى أن نكبر؟
السيدة المحجبة: لا، سوف أرحل مرة أخرى.
أحد الأطفال: ترحلين مرة أخرى؟ ولم؟!
السيدة المحجبة: لأنكم سوف تنضمون إلى القطيع بدوركم وسوف تجلسون على مقاعد المسرح أو المقهى وستتحولون إلى بلهاء.
أحد الأطفال "بحزن": وهل سوف يجزون أصوافنا في الصيف؟
السيدة المحجبة "بتأكيد": نعم، ولسوف تنمو في الشتاء التالي مرة ثانية على مجموعة أخرى من الخراف.
"السيدة المحجبة تخرج من المسرح ببطء تسدل النقاب على وجهها مرة ثانية"
"الأضواء تخفت ثم تتألق بضع مرات، أثناء ذلك يتناقص عدد الأطفال في كل مرة إلى أن تبقى الفتاة وحيدة"
"الفتاة تقترب من الجمهور وبصوت مرح وآثار دموع في عينيها"
الفتاة: الأطفال يولدون كل يوم، ولكن، هناك من يسرقهم في غفلة مني.
"تغادر الفتاة المسرح ببطء وحينما تقترب من باب الخروج تؤمى للجمهور بأنها ستعود مرة ثانية، ثم ترحل"
"يسمع صوت بكاء الطفل الرضيع يقوى أكثر فأكثر، سرب من الطيور يدخل من نافذة الغرفة "المسرح" الوحيدة، ثم ينطلق في المسرح".



المصدر: ملحق الثورة الثقافي - العدد التاسع - 1976






تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow