Alef Logo
نص الأمس
              

الردّة الثقافية في حوار مع لطفي الخولي

2006-04-07

مراسلنا في الخليج العربي التقى، مصادفة، بلطفي الخولي، رئيس تحرير مجلة الطليعة المصرية...
هذا الحوار الذي أجراه محي الدين لاذقاني لا يحمل كل ما نود من مكاشفة لكاتب سياسي اهتزت مواقعه أخيراً في أرض الفكر التقدمي.
حين يتحدث لطفي الخولي عن ظاهرة الردة الثقافية في مصر، ينبعي أن لا يفكر بلعبة ذكاء. الردة، حقاً، موجودة. وكذلك التراجع.
«الملحق»
الردة الثقافية
* ينتهي الحديث عن وعي الحكيم فتأتي تصريحات نجيب محفوظ عن السلام والأرض. ثم التصوف عند يوسف إدريس. ما سبب هذه الردة؟؟
ـ يجب أن نفرق بين نوعين من الكتاب. الكاتب الممارس للعمل السياسي والكاتب الذي يكتفي بموقف المعلق والناقد من خلال شرفة المتفرج وهنا أعتقد أن توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ينتميان إلى النوع الأول وإلى حد ما بعد الرحمن الشرقاوي وهذا النوع ينطلق من الأرضية الفنية والأدبية إلى الأرضية السياسية عكس القسم الأول الذي ينطلق من الأرضية إلى الفن والأدب وهذه المواقف تنعكس في الصياغات الفنية لهؤلاء ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار أيضاً اختلاف الأجيال واختلاف المناهج فنحن نقول عن فلان مثلاً أنه تقدمي التفكير لكن داخل إطار تقدمية التفكير عدة مدارس ومناهج ودرجة الارتباط بالقضايا الاجتماعية تختلف أيضاً وكذلك النظريات فبعض التقدميين يرون أن اعتمادنا كعالم نام يقتصر على الفلاحين ويتجاهلون وجود طبقة عمالية بالمعنى المعروف ويجب أن نلاحظ أن جزءاً كبيراً من قادة العالم الثالث ينظرون إلى قضية المثقف كنظرتهم إلى قضية المشاغب. وبالتالي فالمطلوب أن يردعه رجل الشرطة ومن هنا كانت علاقة المثقف مع السلطة هي علاقة المتظاهر بالشارع نفسها مع رجل البوليس وقد وصلنا إلى مرحلة ساحت فيها الاتجاهات الاجتماعية والفكرية وأصبح هناك ما يسمى بالمصالح النقابية للمثقفين. وتتضمن مجرد حق التعبير عن الرأي والحوار الحر للدعوة إلى الأفكار وهذا ما أدى إلى خلق أزمة تضخمت بعد الفشل النسبي الذي أصاب تجارب التقدم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في العالم الثالث أو ما يعرف بالثورات الوطنية الديمقراطية.
ومن هنا نجد أن قضية مثل نجيب محفوظ أو توفيق الحكيم أو صالح جودت وإحسان هي قضية المثقف الذي حرم حق التعبير مطلقاً ولو شئنا الدقة لوجدنا أن توفيق الحكيم إفراز أدبي وفني للطبقة الوسطى الليبرالية التي شهدتها مصر في الثلاثينات فأبطاله كلهم من وسط بورجوازي ولا نجد قضايا الفلاح المعدم مثلاً أو العامل ذات وزن في هذه الكتب حتى أن كتاب يا طالع الشجرة الذي يعتبر أقصى درجات اللامعقول الفني عنده اختار له شخصية سائق القطار الذي كانت كل ملامحه وطريقة تفكيره بورجوازية بحق أنه رجل بورجوازي التفكير يريد أن يهرب من جلده ومن انتماءاته للطبقة العاملة وكذلك الاختيارات التاريخية لتوفيق الحكيم في أهل الكهف لا تمس إلا الجانب المستقبلي الذي يهدم مصالح وأفكار الطبقة الوسطى الليبرالية التي ينتمي إليها.

نجيب محفوظ
أما نجيب محفوظ فيقول عن نفسه أنه عني عامداً باختيار نماذجه من البورجوازية الصغيرة التي تقطن الأحياء الفقيرة لأنه يرى أن تلك الطبقة أعطت مصر كل شيء ولم تأخذ مقابلاً لما أعطت وهو يعتبرها طبقة مظلومة أكثر منها ظالمة ويحاول أن يكشف عن مأساتها في علاقاتها مع بقية طبقات المجتمع كما فعل في الثلاثية واللص والكلاب الذي يعتبر من أنضج ما كتب نجيب محفوظ وهو يريد أن يقول في النهاية أن البروجوازية الصغيرة غير قادرة على الحياة لأنها محكوم عليها بالإعدام.
* نجيب محفوظ حاول أن يقدم بعض النماذج التقدمية في حب تحت المطر؟
ـ ليست القضية يما أدعيه لكن القضية فيما أمارسه فكيسنجر الإمبريالي الجديد الذكي يوظف الماركسية وقوانين الجدل في خدمة الامبريالية إنه تلميذ جيد لمكيافللي وليس لمترنيخ كما يشاع وهو يوظف قوانين التناقض والحركة الدائمة والتأثير والتبادل في خدمة العالم الذي ينتمي إليه إن يجب أن يكون السؤال لمن أوظف هذا الإنتاج وهذه المناهج وفي نفس الوقت إلى أي طبقة اجتماعية أنتمي.
* ألا تعتقد أنهم قدموا شيئاً ما رغم كل الذبذبات التي مروا بها؟
* أنا ضد هؤلاء الناس رغم كل ما عندهم ولو قمنا بدراسة تاريخية لإنتاجهم ومدى تأثيره في الوجدان العربي لوجدنا شيئاً لا يستحق الذكر ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنهم مثقفون في أزمة وهم مثاليو التفكير لكن الهزات التي مرت على بلادنا خلال ربع القرن الأخير صدمتهم وجعلتهم يصابون بخيبة أمل فظيعة وخصوصاً نكبة حزيران 1967 وقد كان رفضهم وصراعهم فردياً ومعزولاً عن الجماهير وغير مرتبط بموقف نضالي عملي ومن هنا جاء الانفجار دون معرفة ذلك لا نستطيع أن نفسر هجومهم على من كانوا يعتبرونه بطلاً قومياً رائداً ويجب أن لا نتصور أنهم يعملون لحساب السادات أو غير لأنهم ليس لهم مصلحة مع أحد بل هم يرون الواقع من خلال سجن الذات.
لذا لا يجب أن نتعامل معهم على أساس أنهم خانوا وإنما على أساس أنهم مثقفون في أزمة وضياع وهذا ما يجعلنا نختلف مع من هاجم عودة الوعي مع أننا ننقده لأننا نؤمن بالحوار للوصول إلى القناعات وليس بالقطيعة.
* هل يخدم هذا الحوار حركة الثقافة مادام يعطي الحرية في التعبير لطرف دون آخر؟
ـ تقديري أنه كله يخدم ويجب أن نكون جدليين نتعامل مع الأشياء بمنهج التغيير وليس بمنهج الاستسلام أو التجاهل وهذا الصراع أو الحوار القائم سيحقق عدة أشياء دفعة واحدة لأنه سيكتشف أفكاراً غير ناضجة عندي أو عند الطرف الآخر وسيلقي الضوء على مواقف مجهولة مني أو منه ثم أن هذا الحوار بآخر الأمر سيأتي بأفكار بديلة وهذا هو الطريق الطبيعي لثقافة حقيقية في المجتمع ولا ننسى أنه أثناء الرد على توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ظهر كتاب جدد لم نسمع بهم من قبل.
* هذا بالنسبة للحكيم ونجيب محفوظ. ماذا عن يوسف إدريس؟
ـ يوسف إدريس يعيش أزمة ذاتية وهو عمره لم يكن اشتراكياً لكنه تأثر ببعض الأفكار الاشتراكية وعنده صنعة قصصية ممتازة لكن أزمته النفسية تنعكس على مواقفه وإنتاجه ويجب أن لا نتسرع في الحكم عليه لأنه يحتاج إلى وقت.
«الحريات الديمقراطية»
* يحضرني قول ليوسف إدريس:
إن كل ما في الوطن العربي من حريات لا يكفي لأديب واحد.. أهذا صحيح؟!
ـ أنا ضد هذه الأساليب والصياغات التي هي من نوع النقش على الماء لأنه لا يمكن لإنسان أن يتصور أن هناك درجة حرارة معينة للحرية ولا يوجد ترمومتر نقيس به هل الحرية كافية أو غير كافية فالحرية لا تعطى وعليك أن تأخذها وتمارسها وتدفع ثمنها وبدون ذلك لا تستطيع أن توفر مناخاً صحياً للتقدم وما تستطيع إنجازه الآن أنجزه بانتظار المزيد وقد حدثت تطورات كثيرة في هذا المجال فمنذ عشرين أو ثلاثين سنة كانت الحرية مقتصرة على الرجل دون المرأة وكان كل من يناقش الأفكار الدينية يتهم بالإلحاد أما الآن فقد تغيرت الأحوال ونحن ننعم بحريات معقولة.
* ما موقف التيارات السياسية والاجتماعية من هذه القضايا وإلى أي مدى تتفاعل معها؟
ـ هناك قوى طفيلية سياسية واجتماعية مكونة من بقايا الرأسمالية القديمة التي كانت في المنفى وعادت والبيروقراطيين وأغنياء الريف الجديد هؤلاء جميعاً يحاولون كسب السلطة الاجتماعية والسياسية من جديد وقد بدأوا منذ عام 1965 عندما أجهضوا أو منعوا حركة التنمية في مصر بعد انتهاء أول خطة خمسية وساعدتهم ظروف الهزيمة على تجسيم الأخطاء فرفعوا شعارات مزيفة عن الحرية مع أن كل تاريخهم عدوان على الحرية وبالطرف المقابل فهناك القوى الوطنية من طلاب وعمال ومثقفين.
* ما القوة الحقيقية لهذه القوى المقابلة؟
ـ هذه القوى هي القوى الحقيقية في المجتمع وعدم وجودها على صفحات جرائد علي ومصطفى أمين لا يعني عدم وجودها في الواقع لأن علي ومصطفى أمين ظاهرة مؤقتة وضد حركة التاريخ والمنطق وللمنطق شذوذ في بعض الأحيان ويجب أن نقيس قياسات حقيقية وندرك أن هذه القوى هي التي غيرت الصراع لصالح العرب ولأول مرة في التاريخ الحديث لأنه نتيجة لقرار مجانية التعليم الذي صدر عام 1961 أخذ أبناء الطبقات الدنيا طريقهم إلى المدارس والجامعات ثم جندوا بالجيش وكانوا السبب المباشر للنصر والمقياس الآخر تصديهم لمن يقول بتصفية القطاع العام ومحاكمة الماضي واضطرارهم جلال الحمامصي وغيره للتراجع ونقدهم للاتحاد الاشتراكي وعدم مقدرته على تجسيد الإرادة الشعبية ومطالبتهم بحرية تكوين التنظيمات السياسية والشعبية كل ذلك دليل قوى حقيقية فاعلة.
* وهل ستحمل الطليعة لواء المطالبة بتعدد الأحزاب؟
ـ هناك أشكال جديدة للنضال ولا يجب أن نبقى جامدين أمام أحد الأشكال وعلى العموم فنحن نعتبر الطليعة منبراً سياسياً مستقلاً ولا تهمنا مهنة الصحافة ونحن نتعامل على هذا الأساس.
اتحاد الكتاب
* من القضايا المثارة حالياً قضية انتخابات اتحاد الكتاب.. ما موقفكم من هذه القضية؟
ـ نحن من ناحية المبدأ مع وجود اتحاد كتاب حر حقيقي يمثل كل الكتاب على اختلاف منابعهم الفكرية والاجتماعية وأن لا يعطى الحق لوزارة الثقافة لممارسة أية سلطة على أي مؤسسة من مؤسسات الاتحاد أو عمل فيتو على عضوية أي كاتب. نحن مع وجود الجميع بالاتحاد لأننا لسنا وحدنا في المجتمع ولا بد من الدخول في علاقات مع بقية الاتجاهات الأخرى للوصول إلى الحد الأدنى من الأرضية المشتركة التي يمكن أن يقوم عليها الاتحاد ومن هنا رحبنا به وكنا ولا نزال نعارض ونهاجم الإجراءات غير الديمقراطية في بنائه ولا تزال المعركة قائمة حتى الآن.
* هل كان هذا الموقف المعارض موحداً من قبل جميع الكتاب التقدميين؟
ـ من حيث المبدأ نعم، لكن اختلفت الطرق، بعضنا رفض تقديم طلبات انتساب وأنا ونعمان عاشور من هذا الصنف وآخرون هاجموا بطرقهم الخاصة لكن الجميع يحملون التصورات نفسها مشكلتنا أحياناً أننا نريد كل شيء أو لا نريد شيئاً.
* لوحظ غياب بعض الكتاب أو لنقل معظم التقدميين عن أغلب المؤتمرات الأدبية العربية فلماذا لا تحاولون النفاذ عن هذا الطريق؟
ـ إن مثل تلك المؤتمرات تقررها وزارات الثقافة أو اتحادات السلطة وبالتالي فهي لا تختار أصحاب النهج التقدمي ونحن نعتبر التحالف الوطني الحالي محكاً حقيقياً لاختبار مثل هذه الأمور فإذا كان التحالف حقيقياً وجب أن يشارك أدباء من مختلف الاتجاهات والتيارات ويجب على الدول أن تقدم تسهيلات كبيرة بحيث يستطيع المشاركة كل من لا تدعوه لجان تلك المؤتمرات.
* هناك ظاهرة الحصار على بعض الكتاب والشعراء وعدم استطاعتهم نشر ما يبدعونه بسبب مواقفهم من السلطة.
ـ هذا أسلوب الابتزاز فيه الكثير من الكسل النضالي فمن السهل على أي إنسان أن يقول منعوني دون أن يحاول الاقتحام ومن الخطأ أن نتصور أن أي سلطة يمكن أن تقبل بنشر أدب ثوري محرض ما لم يفرض عليها وما كل هذه الأقوال عن المنع إلا انعكاس لعقدة الاضطهاد التي يعاني منها أغلب المثقفين وبالمناسبة فأنا كنت أكتب مسرحية في سجني الأخير ولم أكملها حتى الآن وفوجئت أن بعض الصحف نشرت أن عند لطفي الخولي مسرحية منعتها السلطة ونحن لا نريد أن ننكر الاضطهاد الواقع لكن لا قيمة لنا إن لم نقهر ذلك الاضطهاد.
المصدر: ملحق الثورة الثقافي - العدد الخامس - 1976



تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow