Alef Logo
ابداعات
              

سينما / أحلام المنفى فيلم فلسطيني يجابه البطل الهوليودي

2006-04-08

أول ما ينتبه له مشاهد فيلم أحلام المنفى للمخرجة الفلسطينية مي المصري هو أن بالإمكان تقديم عمل فني جماهيري جاد وواقعي يستطيع أن يصحح ما خربه نظام استبدادي عنصري في ذائقة الناس. فعلى الرغم من الإمكانيات الهائلة المرصودة للأفلام الهوليودية منذ بدأت السينما الأمريكية نجد أن فيلما بسيطا كأحلام المنفى يقف بوجه كل تلك المقولات الأمريكية الهوليودية.
كانت هوليود ولا زالت تصر على تمجيد بطلها الخارق. واقعة في تحت تأثير سحره, بحيث لا يمكنها أن تتوقف عن إعادة إنتاجه, بمظاهر وأدوات مختلفة , رغم تشابهها.


وتلك المؤسسة تدرك بأنها لا تستطيع أن تعيد النظر جذريا, بالصورة الخيالية الكاملة التي صنعتها له فعشقتها, لأنه منقذها الخيالي, أما على صعيد الواقع فقد انهارت صورة البطل الكامل, جميس بوند. و كل الأبطال الذين تلوه، لحظة الهجوم الانتحاري بعد الاعتداء الشهير في الحادي عشر من أيلول. والذي طرح سؤالا مهما عن مستقبل السينما في هوليود, وكذلك عن نوع الفيلم الذي يجب إنتاجه بديلاً عن أفلام الحرب التي برعت الصناعة السينمائية في تقديمها. وريثما يصلون إلى قناعات معينة لم يكن أمامهم سوى إطلاق مجموعة من الأفلام مسرحها الأساسي, برجي المركز التجارة العالمي ونيويورك أو هو خلفيه لأحداث عروضهم. ثم وجدوا الحل فأطلقوا مجموعة من الأفلام تقدس البطل الأمريكي المناضل, بشهامة وإنسانية ونقاء روحي و أخلاقي, ضدّ الإرهابيين. ولنأخذ مثلاً على ذلك فلم ( سقوط الصقر الأسود ) لريدلي سكوت... وفلم (كنا جنوداً ) لراندال والاس. القاسم المشترك لتلك الأفلام هي إعادة تكريس الصفات الجيدة والخيرة للبطل الأمريكي هو رجل سلام. متصالح مع الآخرين جميعاً لأنه متصالح مع ذاته. هو رب أسرة نموذجي. مليء بحماس لافت أو هو شاب مفعم بالحياة. مستعد دائماً لخدمة وطنه. وذلك بفضل التربية الوطنية التي تلقاها هو الذي يجد نفسه في مواقف لم يخترها بل فرضت عليه. على الرغم من انه جندي انتسب إلى المؤسسة العسكرية بإرادته حباً في تحقيق الحلم الأمريكي ومساهمة في الرفاهية الإنسانية. بالطبع هو ليس من دعاة الحرب, إلا حين يتعرض ذلك الحلم للخطر, لا يعلن حربه على أحد, إلا حين يتعرض للهجوم, فإذ به يتجاوز الأخلاقيات كلها بهدف إصلاح الخطأ, وإيقاف المعتدي عند حده و إبادة الأشرار بمختلف الوسائل, دون رادع إنساني, تربى عليه, والمبرر أن الآخر مارس عنفاً لا يمكن إيقافه إلا بعنف مضاعف. وكان البطل المنتصر للحق الأمريكي, والمدافع عن الشعوب, والتاريخ و الحضارة والحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والأخلاق الحميدة, في شكله المفرط في إنسانيته على الشاشة, إنما لم يستطيع أن ينقل بطولاته إلى الحقيقة لأنه ببساطة بطل وهمي أغرق المتفرج في أحلام باهته صحيح أن فلم ( سقوط الصقر الأسود ) التزم حقائق عدة جرت أحداثها أثر التدخل الأمريكي في الصومال عام (1993) للقضاء على محمد فارج عيديد . ولكنه يركز وبعناية فائقة على إظهار الجنود الأمريكيين شجعاناً لا يخافون المخاطر. حتى وهم يواجهون موتهم الحتمي بسبب أخطاء فادحة في المعلومات أو تنظيم المعركة. كل ذلك لأن الآلة السينمائية في هوليود قادرة على تحويل الهزائم العسكرية الأمريكية الواقعية إلى بطولات خارقة على الشاشة. كما هي قادرة على إلغاء الآخر. وعدم إظهاره على شاشتها إلا قاتلا سفاحاً يريد الموت لأمريكا.
ولهذا في الفلم المذكور ظل الآخر الصومالي غائباً عن الصورة والمشهد لأنه ليس إلا شبحاً وقد أغفل العرض السبب الحقيقي للعنف الشعبي الصومالي ضد الجنود الأمريكيين, ولم يسمح لهم بالتعبير عن رأيهم ولم تقل الأفلام الأخرى ادعاء بالبطولة الوهمية فالولايات المتحدة تعرف دائماً كيف تصنع أعداءها في الواقع كما على الشاشة, وتجيّر كل شيء لمصلحتها, انتصارات حلفاءها وهزائمها حين يمكنها أن تلغي ما تشاء.
نعود إلى فيلم أحلام المنفى وهو فيلم أنتجته السينما المستقلة ومثله في ذلك مثل عدد كبير من الأفلام أخرجها مخرجون كبار يعملون في هوليود لكنهم لا يلتزمون نظامها مشكلين النقيض الفعلي لها لأنهم اختاروا الواقع يقدمونه كما هي الحقيقة كاملة. و فلم (أحلام المنفى ) للمخرجة الفلسطينية /مي مصري/ هو واحد من تلك الأفلام. حيث قدمت له مخرجته قبيل افتتاحه بقولها. أنا أريد أن يرى الناس الفلسطينيين كما هم، لا كما يتم تقديمهم في الأخبار. أريد أن يرى الناس الأطفال الفلسطينيين كأطفال عاديين, يرغبون في الضحك, ويرغبون في الحياة. (أحلام المنفى) يمس مشاهديه بعمق مؤثر ربما لأنه في جانب منه خاطب المشاهد العربي والمشاهد الغربي على حد سواء. حيث يتناول حياة الأطفال اللاجئين في مخيمين الدهيشه في الضفة الغربية. ومخيم شاتيلا في لبنان. فيقدم لنا حكايات الأطفال عبر شخصيتين هما منى 13 عام من مخيم شاتيلا ومنار 14عام من مخيم الدهيشه حيث تسجل لنا المخرجة لحظات شديدة التأجج وذلك في الأيام التي تلت الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام /2000/ وكيف تدفق اللاجئون من الطرفين عبر الأسلاك الشائكة بعضهم يرى فلسطين للمرة الأولى في حياته, محاولين التعرف إلى أهلهم, الذين جاءوا من الطرف الأخر مسجلة بذلك لحظات خاصة وخاطفة الوجع عن تلك اللقاءات وما جرى فيها, قبل أن تغلق المنطقة ثانية وتعلنها إسرائيل منطقة عسكرية. نشاهد في (أحلام المنفى) الظروف المختلفة التي تنشأ في كنفها مجموعة الأطفال موضوع الفلم , فالآباء في المخيمين شاتيلا و الدهيشه أغلبهم قتل أو اعتقل على مدى سنوات متعددة. والأطفال يعيشون دون ماء وكهرباء في أماكن أشبه بالمنازل وطرقات تتحول إلى برك مائية وطين عند أول زخه مطر. و الدهيشه يظهر أكثر استقراراً وأقرب إلى جغرافيا المكان الأصلي الذي جاءوا منه رغم معاناة سكانه تحت الاحتلال الإسرائيلي. ويتضمن الفلم مشاهد من الانتفاضة الحالية حيث شاهد الأطفال زملائهم في صفوف الدراسة يقتلون أثناء الصدامات مع الإسرائيلي رغم ظروفهم القاسية والصعبة. كانت صورة أطفال شاتيلا والدهيشه مفعمة بالحيوية , أطفال مرحون أذكياء ومبدعون يحلمون ويكتبون مذكراتهم , ويتواصلون مع أصدقائهم بواسطة البريد الالكتروني. يظهرهم الفلم وهم أبناء الجيل الحالي من الفلسطينيين قادرين على استخدام التكنولوجيا الحديثة لزيادة وعي شعبهم بالمحنة, والتواصل مع بعضهم في إنحاء مختلفة من العالم وفي الحقيقة يقدم أحلام المنفى دليل حيّ وواقعي على أن جيلاً فلسطينيا حقيقياً شديد الارتباط بتاريخه وبالظلم الذي تعرض له... ليبقى الحل في سلام دائم من خلال حل عادل.
أخيراً نشير إلى أن أول فلم للمخرجة /مي مصري/ جيل الحرب موله تلفزيون (بي بي سي) وكذلك فلم/ أطفال النار / إثناء الانتفاضة الأولى وأيضاً فلم /أحلام معلقة عام 1992 والذي تحدث عن إعادة إعمار بيروت كل ما سبق كل ما سبق إنما يؤكد على أن الفن الصادق قادر على مواجهة الآلة السينمائية الضخمة المتمثلة بهوليود و يؤكد على أن الفن حاجة يومية لا فانتازيا مرحلية.
مي المصري مخرجة فلسطينية منمواليد عمان 1959، حصلت على دبلوم السينما من جامعة فرانسيسكو ـ الولايات المتحدة،وعملت في العديد من الأفلام كمصورة ومهندسة صوت قبل البدء بالإخراج مع زوجها المخرجاللبناني جان شمعون، من أفلامها (تحت الأنقاض) مع جان شمعون 1983 (أطفال جبل النار) 1990 (حنان عشراوي امرأة في زمن التحدي) 1995 (أطفال شاتيلا) 1998 (أحلام المنفى ( 2000.


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow