Alef Logo
ابداعات
              

حروب الدراما العربية: بين العولمة والعَوْرَبة

سامر أبو هواش

2007-10-17

قبيل بدء "موسم الدراما العربية" الذي له اسم آخر هو "شهر رمضان المبارك"، بثتمحطة "العربية" الإخبارية، ثاني فضائية تصنع وتتحكم بالمزاج السياسي الشعبي العربي بعد "الجزيرة" أو معها، تقريراً حول الحصار العربي الذي تتعرض له الدراما السورية مع إحجام عدد من الفضائيات (البلدان) العربية عن شراء إنتاجها الضخم لهذه السنة. وهو ما حدا بالرئيس السوري بشار الأسد إلى التدخل شخصياً، آمراً التلفزيون الوطني بشراء هذا الإنتاج وبثه، إعانةً للمنتجين وتخفيفا لخسائرهم، وطبعاً مواجهةً لهذه المقاطعة ذات الأسباب السياسية بالدرجة الأولى. فالعلاقات السياسية المتوترة بين النظام السوري وعدد من الأنظمة العربية (مصر، السعودية...) ربطاً بالملفين اللبناني والعراقي، إلى جانب الملف الإيراني حتما، لابدّ من أن تنعكس على هذا القطاع الاقتصادي الآخذ في النمو، أي الإنتاج التلفزيوني. وقد ربط الفنان السوري بسام كوسا في سياق مقابلة مباشرة مع "العربية" بين الحصار والتدمير اللذين تعرضت لهما الدراما الأردنية في مطلع التسعينات، وموقف الأردن الرسمي من حرب الخليج
كذلك توقفت فضائية "الجزيرة" عند "الجدل حول تعرّض الدراما السورية لمؤامرة في رمضان" (موقع الجزيرة نت)، وجاء في تقرير مراسلها: "بينما يتحدث الفنانون ووسائل الإعلام الرسمية عن ثمن سياسي تدفعه تلك الدراما بسبب خلافات بين دمشق وبعض العواصم العربية، ينعت آخرون تلك التبريرات بالفارغة وأن منتجين فاشلين يقفون وراءها... وقال المخرج علاء الدين الشعار إن المسلسلات السورية أخضعت هذا الموسم للمزاج الشخصي وللاعتبارت السياسية. وأضاف للجزيرة نت أن أغلب الموزعين من جنسيات لبنانية، ما وضع تسويق هذا الإنتاج تحت رحمتهم وأمزجتهم السياسية التي تختلف مع سوريا لأسباب سياسية".

حروب ثقافية
بعيداً عن نظرية المؤامرة هذه ومدى ارتباط النزاعات السياسية بين الأنظمة العربية بالقطاع الإنتاجي الدرامي والإعلامي، يبرز ذلك الصراع الثقافي أو ذاك حول الدور والحجم الثقافيين، وهو ليس منفصلاً بطبيعة الحال عن الصراع حول الدور والموقع السياسيين.

فمن جهة يشعر صنّاع الدراما في مصر وعدد من المثقفين والعاملين في الإعلام بالتهديد من الإنتاج الدرامي السوري ونجاحاته المتصاعدة، بل ويعتبرون بعض هذا الإنتاج تدخلاً سافراً في الشؤون المصرية، من قبيل الأصوات التي ترتفع احتجاجاً كلما تمّت الاستعانة بمخرج أو بممثل سوري للتمثيل في مصر (مثلاً تجربة جمال سليمان للعام الثاني على التوالي، والتي انضم إليها هذا العام أيمن زيدان)، أو لأداء دور يتعلق بشخصية مصرية (عبد الناصر، الملك فاروق، محمد علي باشا إلخ). هذا ويخفت صوت الاحتجاج أو الخوف الاقتصادي أمام الزعم الثقافي، إذ لا يزال كثر في مصر يدافعون عن "قيادة" مصر ثقافياً للعالم العربي على اعتبار أن هذه القيادة إرث (وربما حق) تاريخي مستمر يوازي القيادة السياسية ويستمدّ شرعيته منها. وبالتالي، فإن مجرد بروز منافس قوي، وهو في هذه الحالة الدراما السورية، يثير التوتر والقلق من دون أن يدعو إلى النقد الجدي للمنتج الدرامي المصري وتراجعه الفادح والواضح، بصرف النظر عن وجود منافس أم لا. ومن جهة أخرى، يبدو مستهجناً موقف أولئك الذين يربطون بين القيادة السياسية وتلك الثقافية حين يستفزهم منافس ثقافي آخر، في وقت يضمحل فيه الدور السياسي وتنكفئ مصر عن دورها الإقليمي السابق إلى صراعاتها وأزماتها الداخلية (أزمة توريث الحكم المستمرة وغيرها الكثير).

أما بالنسبة إلى النظام السوري، فإنه يخوض عملياً عبر هذه الدراما نوعاً من حملة علاقات عامة تكسر العزلة المفروضة على سوريا وتعزّز في الوقت نفسه فكرة الموقع السياسي.
ففي حين يرسم النظام السوري لنفسه صورة النظام العربي الأخير الممانع والمقاوم والرافض للتسويات والمدافع عن حقوق العرب المهدورة، يجد في الدراما السورية التي باتت تدخل إلى جميع البيوت العربية، شكلاً من أشكال هذه القيادة المتقدمة.

وبصرف النظر عن التفاوت في صحة هذا الأمر من عدمه، تنطوي معادلة دعم النظام السوري للدراما التلفزيونية على مفارقة: فهو يمارس رقابة شديدة على الإعلام السياسي المباشر (الصحف وتدفق الأخبار) مستمرّا في الاعتقالات والمحاكمات السياسية، ثم يقدّم نفسه عبر الدراما التلفزيونية كنظام ليبرالي لا يمانع النقد بمختلف أشكاله، ولاسيما نقد الفساد ضمن الإدارة الحكومية. من هذا القبيل، وبعد سنوات من نقد السياسي الفاسد والمرتشي، بدأنا نرى نقداً لرجل الأمن والمخابرات (مسلسل "رسائل الحب والحرب" هو الأبرز في هذا السياق)، وصورة غالبا ما تكون سلبية عن كافة أشكال السلطة وتعبيراتها.

هكذا تلعب الدراما (من دون القول بتواطؤ مباشر) دوراً مزدوجاً، داخلياً وخارجياً، يقوم على "تبييض" الصورة وخلق وهم الديمقراطية، معطوفاً على وهم الدور الذي يتجاوز المحلي إلى العربي الأوسع.
في هذه الناحية، يشترك النظامان المصري والسوري مع اختلاف درجة النجاح طبعاً. فالقمع السياسي يمارَس في البلدين على نطاق واسع، بقدر ما يتدفق الإنتاج الدرامي الواسع (وهامش القضايا والعناوين التي يعالجها) في البلدين أيضاً. أيضا، يشترك النظامان في الفشل الإعلامي الذريع حيث لم يتمكنا من إنشاء إعلام سياسي تلفزيوني مؤثّر يوازي على الأقل شكليا، الليبرالية التي توحي بها الدراما.

فهنا لا تزال قبضة النظام السياسي تمارس دورها الكلاسيكي في توجيه الإعلام لمصلحة الخطاب السلطوي مباشرة، مما يجعلها غير قادرة ولأسباب عضوية، على التطور مهنياً وعلى فتح فضاء التعبير ورفع سقف النقد في المجالات التي من شأنها التأثير فعلاً في اتجاهات الرأي العام.

عولمة؟
لهذا السبب تحديداً، ورغم التوظيف المتفاوت الذي تمارسه السلطة للإنتاج الدرامي في كل من البلدين، في رسم وهم صورة ليبرالية تحديداً، يبدو هذا الإنتاج جزءاً من آليات العولمة في ما يتعلق بتكنولوجيا الاتصالات ببعدها الاقتصادي على وجه الخصوص، أكثر مما هو خيار مدار ذاتياً أو مرتبط بتطور ثقافي واجتماعي وسياسي ما. وهو ما يفسّر الانفصام التام بين تراجع حرية الرأي والتعبير عبر القنوات السياسية والإعلامية المباشرة، وبين هذه الطفرة في أعداد الفضائيات العربية وما يرافقها من طفرة إعلانية غير مسبوقة.

إن التنافس الناشئ والمتصاعد بين الدراما السورية و الدراما المصرية ليس إلا جزءاً من هذه الطفرة ومن هذا التناقض، وهو يتخذ طابعاً سلبياً بسبب عدم قدرة المجتمعات العربية على استيعاب هذا التناقض بين زيادة حجم "التعبير" كما يظهر في الفضائيات العربية، وحجم الفعالية السياسية أو إمكانية إحداث أي تغيير جدّي. هكذا نجد أن الأصوات العربية (والإسلامية) التي كانت ترتفع باستمرار محذرة ومحتجة على ما تسميه الغزو الثقافي الغربي، بدأت ترتفع أيضاً بنبرة المحلي (أو الوطني) فيها. وليس أدلّ على ذلك من سيل الشتائم المتبادلة على المواقع الإلكترونية (أنظر مثلاً إلى تعليقات متصفحي موقع "العربية نت")، التي تتخذ من ظواهر يفترض أن تكون هامشية (مسابقة "سوبر ستار" أو "ستار أكاديمي" أو "الفيديو كليب"، ومؤخراً طبعاً الدراما السورية والمصرية)، ذريعة للدفاع عن النفس (الوطن، الهوية الوطنية) وتمجيدها والإعلاء من شأنها في وجه هويات أخرى.
لعل هذا الوجه من وجوه العولمة بصيغتها العربية، هو العنصر المفاجئ الأكثر أهمية بالنسبة إلى الأنظمة السياسية العربية التي تتماهى عملياً مع الخطاب الجماهيري وتتبناه وتتخذه حصناً للدفاع عن نفسها.

لقد ساهمت عولمة الديمقراطية على الطريقة الأمريكية في تراجع منسوب الحريات، واستعادة شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" التي لم تعد بطبيعة الحال معركة التحرير أو المقاومة أو التنوير، بل معركة الدفاع عن الذات المحلية التي تزداد انغلاقاً في وجه جميع الذوات المحلية الأخرى.
عن موقع الأوان



تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow