Alef Logo
كشاف الوراقين
              

الَحقيقة الغائبة ــ لشهيد الكلمة الدكتور فرج فودة / ج1

ألف

2006-10-08

نص الكتاب الذي أغتيل كاتبه من أجله على أيدي عصابات الإرهاب في مصر
مقدمة
هذا حديث سوف ينكره الكثيرون ، لأنهم يودون أن يسمعوا ما يحبون ، فالنفس تأنس لما تهواه ، وتتعشق ما استقرت عليه ، ويصعب عليها أن تستوعب غيره ، حتى لو تبينت أنه الحق ، أو توسمت أنه الحقيقة ، وأسوأ ما يحدث لقارئ هذا الحديث ، أن يبدأه ونفسه مسبقة بالعداء ، أو متوقعة للتجني ، وأسوأ منه موقف الرفض مع سبق الإصرار للتفكير واستعمال العقل .
هذا حديث تاريخ لا يزعم صاحبه أنه متخصص فيه ، أو فارس في ميدانه ، لكنه يزعم أنه قارئ له في أناة ، محلل له في صبر موثق له في دقة ، ناقد له في منطق ، يهوى أنه يقلبه ذات اليمين وذات الشمال ، لا يستطيع أن يمد خياله متجاوزاً الحقيقة بالإضافة أو منتقصاً منها بالإهمال ، وما أكثر ما فعل ذلك من لهم تاريخ واسم ، وقلم وفكر ، ومنهج وبحث ، لا يجدون راحتهم إلا حيث يستريح القارئ ، ولا يراعون وهم يفعلون ذلك حرمة لتاريخ أو لعقل أو حتى لنقل .
هذا حديث ما كان أغناني عنه ، لولا أنهم يتنادون بالخلافة ، ليس من منطلق الدعابة أو المهاترة أو الهزل ، بل من منطلق الجد والجدية والاعتقاد ، فسيتدرجون مثلى إلى الخوض فيما يعرف ويعرفون ، ويعلم وينكرون ، وينكر ويقبلون ، ليس من أجلهم ، ولا حتى من أجل أجيال الحاضر التي من واجبها أن تعرف وتتعرف ، وتعلم وتتعلم ، وتفكر وتتكلم ، بل قبل ذلك كله من أجل أجيال سوف تأتي في الغد ، وسوف تعرف لنا قدرنا وإن أنكرنا المنكرون وسوف تنصفنا وإن أداننا المدينون ، وسوف تذكر لنا أننا لم نجبن ولم نقصر ، وأننا بقدر ما أفزعنا بقدر ما دفعنا المجتمع للأمام ، وبقدر ما أقلقنا بقدر ما أستقر المجتمع في أيامهم ، وبقدر ما واجهنا بقدر ما توجهوا هم إلى المستقبل . هذا حديث تاريخ وسياسة وفكر وليس حديث دين وإيمان وعقيدة ، وحديث مسلمين لا حديث إسلام ، وهو قبل ذلك حديث قارئ يعيش القرن العشرين وينتمي إليه عن أحداث بعضها يعود إلى الوراء ثلاثة عشر قرناً أو يزيد ، ومن هنا يبدو الحديث صعباً على من يعيشون وينتمون لواقع ما قبل ثلاثة عشر قرناً ، ويقيمون من خلال معايشتهم وتبنيهم لذلك الواقع أحداث حاضر القرن العشرين ، وهو في النهاية حديث قد يخطئ عن غير قصد ، وقد يصيب عن عمد ، و قد يؤرق عن تعمد ، وقد يفتح باباً أغلقناه كثيراً وهو حقائق التاريخ ، وقد يحيى عضواً أهملناه كثيراً وهو العقل ، وقد يستعمل أداة تجاهلناها كثيراً وهي المنطق ، وهو حديث في النهاية موجز أشد ما يكون الإيجاز ، لا يهتم بالحدث . في ذاته بقدر ما يعتني بدلالاته ويرى أنه بوفاة الرسول استكمل عهد الإسلام وبدأ عهد المسلمين ، وهو عهد قد يقترب من الإسلام كثيراً وقد يلتصق به ، وقد يبتعد عنه كثيراً وقد ينفر منه ، وهو في كل الأحوال والعهود ليس له من القداسة ما يمنع مفكراً من الاقتراب منه ، أو محللاً من تناول وقائعه ، وهو أيضاً وبالتأكيد ليس حجة على الإسلام ، وإنما حجة للمطالبين بالحكم بالإسلام أو حجة عليهم ، وسلاح في أيديهم أو في مواجهتهم ، وليس أبلغ من التاريخ حجة ، ومن الوقائع سنداً ، ومن الأحداث دليلاً ، وليس لهم من البداية أن ينكروا علينا ما رجعنا إليه من مصادر وما استندنا إليه من مراجع ، فهي ذات المراجع التي يحتجون بها على ما يرون أنه في صالحهم ، ومع دعواهم ، ولو أهملنا معاً هذه المراجع ، لما بقي من تاريخ الإسلام شئ ، ولما بقيت في أيديهم حجة ، ولما استقر في كتاباتهم دليل ، ولما وجدوا لمنطقهم سنداً أو أصلاً أو توثيقاً .
د . فرج فودة
هذا حديث قصدت فيه أن أكون واضحاً كل الوضوح ، صريحاً كل الصراحة ، زاعماً أن الوضوح والصراحة في الموضوع الذي أناقشه استثناء ، فقد صبت في المجرى روافد كثيرة ، منها رافد الخوف ، ومنها رافد المزايدة ، ومنها رافد التحسب لكل احتمال ، وخلف ذلك كله يلوح سد كبير ، يتمثل في الحكمة التي يطلقها المصريون ، والتي تدعو إلى ( سد ) كل باب يأتيك منه الريح ، فما بالك إذا أتاك إعصار التكفير ، وارتطمت بأذنك اتهامات ، أهونها أنك مشكك ، وأسئلة أيسرها – هل يصدر هذا من مسلم ؟ - وواجهتك قلوب عليها أقفالها ، وعقول استراحت لاجتهاد السلف ، ووجدت أن الرمي بالحجارة أهون من إعمال العقل بالبحث ، وأن القذف بالاتهام أيسر من إجهاد الذهن بالاجتهاد ..
هذا حديث دنيا وإن بدا لك في ظاهرة حديث دين ، وأمر سياسة وحكم و إن صوروه لك على أنه أمر عقيدة وإيمان ، وحديث شعارات تنطلي على البسطاء ، ويصدقها الأنقياء ، ويعتنقها الأتقياء ، ويتبعون في سبيلها من يدعون الورع (وهم الأذكياء) ، ومن يعلنون بلا مواربة أنهم أمراء ، ويستهدفون الحكم لا الآخرة ، والسلطة لا الجنة ، والدنيا لا الدين ، ويتعسفون في تفسير كلام الله عن غرض في النفوس ويتأولون الأحاديث على هواهم لمرض في القلوب ، ويهيمون في كل واد ، إن كان تكفيراً فأهلاً ، وإن كان تدميراً فسهلا ، ولا يثنيهم عن سعيهم لمناصب السلطة ومقعد السلطان ، أن يخوضوا في دماء إخوانهم في الدين ، أو أن يكون معبرهم فوق أشلاء صادقي الإيمان .
لعلك أدركت أيها القارئ أنني أخوض معك في موضوع قريب إلى ذهنك بقدر ما ألح عليه ، وما أكثر ما ألح ، بل ما أصرح ما ألح ، حين ارتفعت ولا تزال ترتفع ، في الانتخابات السياسية والنقابية في مصر رايات مضمونها ( يا دولة الإسلام عودي ، الإسلام هو الحل ، إسلامية إسلامية ) .
وهي رايات لا تدري أهي دين أم سياسة ، لكنك تجد مخرجاً في تصور مصدريها أن الدين والسياسة وجهان لعملة واحدة ، وأن تلك الأقوال تعبير عاطفي عن شعارات الإخوان المسلمين القديمة ، بأن الإسلام دين ودولة ، مصحف وسيف . . . الخ .
وقبل أن تسألني ( وهل تنكر ذلك ) يجدر بي أن أضعك أمام وجهتي نظر ، كل منهما تقبل الاجتهاد ، بل وقبل ذلك كله ، تقتضي الإجهاد ، وأقصد بذلك إجهاد الفكر بحثاً عن حقيقة غائبة .
أما وجهة النظر الأولى ، ولا أشك أنها وراء ما ذكرت من دعاوى ، فأنها تتمثل في إن المجتمع المصري مجتمع جاهلي أو بعيد عن صحيح الدين .
وبين مقولة تجهيل المجتمع ، ومقولة الابتعاد عن صحيح الدين ، تتدرج مواقف القائلين بين التطرف لأصحاب المقولة الأولى ، والاعتدال للقائلين بالثانية ، لكنهم جميعا متفقون على أن نقطة البدء بالحل تكمن في التطبيق الفوري للشريعة الإسلامية ، وأصحاب وجهة النظر هذه يطرحون خلف ظهورهم خلافهم حول رأيهم في المجتمع الحالي ، ويستقرون بدعوة تطبيق الشريعة ، مؤكدين أن هذا التطبيق ( الفوري ) سوف يتبعه صلاح ( فوري ) للمجتمع ، وحل ( فوري ) لمشاكله .
هذا عن وجهة النظر الأولى ، أما وجهة النظر الثانية ، فلعلي ألمح على وجهك قبل أن أعرضها تساؤلاً مضمونه ( وهل هناك وجهة نظر ثانية ) ، ولعلي أتلمس خلف هذا التساؤل تصوراً بأن وجهة النظر الثانية لابد وأن تتناقض مع ما توصلت إليه وجهة النظر الأولى ، وأنها تصبح والأمر كذلك مصطدمة أو متصادمة مع دعوة لتطبيق أصل من أصول العقيدة .
لكني أبادر فأطمئنك بأن وجهة النظر الثانية ، لا تناقض الإسلام بل تتصالح معه ، ولا تأتي من خارجه بل تخرج من عباءته ، ولا تصدر عن مارق بل تصدر عن عاشق لكل قيم الإسلام النبيلة والعظيمة ..
إن وجهة النظر الثانية تستند إلى مجموعة من الفروض يمكن عرضها فيما يلي :
أولا : إن المجتمع المصري ليس مجتمعاً جاهلياً ، بل هو أحد أقرب المجتمعات إلى صحيح الإسلام إن لم يكن أقربها ، حقيقة لا مظهراً ، وعقيدة لا تمسكاً بالشكليات، بل أن التمسك الأصيل والشديد بالقيم الدينية يمكن أن يمثل ملمحاً مصرياً .
يصدق هذا على موقف المصريين من العقائد الدينية الفرعونية قبل ظهور الأديان السماوية ، بقدر ما يصدق على موقف المصريين من الدين المسيحي قبل دخول الإسلام مصر ، بقدر ما يصدق أيضاً بدرجة أوضح من كل ما سبق على موقف المصريين من الإسلام ، والشواهد على ذلك كثيرة ، بدءاً من تردد المصريين على المساجد وحماسهم ، وتنافسهم على مركز الصدارة في عدد الحجاج من بلاد العالم الإسلامي كله ، واحتفائهم بالأعياد الدينية ، بل وتحول شهر رمضان إلى عيد ديني قومي لا يمكن تبرير الشغف به ، والاحتفاء بحلوله ، والحسرة على انتهائه إلا بأصالة وعمق الشعور الديني ، وانتهاء بما ساهمت مصر في مجال العقيدة والاجتهاد ، بدءاً بالليث بن سعد ، وفقه الشافعي في مصر ، وانتهاء بالأزهر الشريف ودوره كمنارة للفكر الإسلامي .
ثانياً : إن تطبيق الشريعة الإسلامية ليس هدفاً في حد ذاته ، بل إنه وسيلة لغاية لا ينكرها أحد من دعاة التطبيق وأقصد بها إقامة الدولة الإسلامية ، وهنا مربط الفرس ومحور النقاش ، ودعاة تطبيق الشريعة الإسلامية كما سبق وذكرنا يرفعون شعار أن الإسلام دين ودولة ، والشريعة الإسلامية في مفهومهم تمثل حلقة الربط بين مفهوم الإسلام الدين ومفهوم الإسلام الدولة ، ليس ربطاً بين مفهومين مختلفين ، بل تأكيداً على أنهما وجهان لعملة واحدة – في رأيهم – وهي صحيح الإسلام .
هنا ينتقل النقاش إلى ساحة جديدة ، هي ساحته الحقيقة ، وهي ساحة السياسة ، وهنا يطفو على سطح النقاش سؤال بسيط وبديهي ، ومضمونه أنهم ما داموا قد رفعوا شعار الدولة الإسلامية وانتشر أنصارهم بين الأحزاب السياسية يدعون لدولة دينية يحكمها الإسلام ، فلماذا لا يقدمون إلينا – نحن الرعية – برنامجاً سياسياً للحكم ، يتعرضون فيه لقضايا نظام الحكم وأسلوبه ، سياسته واقتصاده ، مشاكله بدءاً من التعليم وانتهاء بالإسكان ، وحلول هذه المشاكل من منظور إسلامي .
أليست هذه نقطة ضعف جوهرية يواجههم بها من يختلفون معهم سواء بحسن نية ، وهو ما نظن ، أو بسوء نية ، وهو ما يعتقدون وما يتعين عليهم سد ذرائعه حتى لا يتركوا لأحد مجالاً لنقد أو رفض .
هنا يبدو الأمر منطقياً لا تناقض فيه ، وهنا يصبح رفعهم شعار الدين والدولة معاً أمراً


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow