Alef Logo
كشاف الوراقين
              

الكاتب سامي ميخائيل ـ العراقي الذي صار إسرائيليا

نبيل عودة

خاص ألف

2006-10-14

صدر عن " كاف ادوم " من منشورات " هكيبوتس همؤحاد " كتاب حوارات مثير للاهتمام , مع الكاتب العبري الكبير سامي ميخائيل , اجراها معه الصحفي العبري المعروف , روبيك روزنتال, والكتاب عدا مقدمة سامي ميخائيل , ومقدمة روزنتال , عبارة عن ثمانية احاديث يتناول فيها سامي ميخائيل قضايا متنوعة ومتشعبة من مسيرة حياته وتجربته الادبية والسياسية والانسانية , منذ كان طفلا في العراق , وخروجه من العراق وقدومه الى اسرائيل .
أبناء جيلي يرتبط بذهنهم اسم سامي ميخائيل باسم " سمير مارد " وهو الاسم " العراقي " لسامي ميخائيل , الذي نشر تحته اول اعماله الادبية ( باللغة العربية ) في الصحف المحلية , خاصة صحف الحزب الشيوعي الاسرائيلي , ثم غير اسمه ولغته , ومع ذلك بقي سامي ميخائيل ذا حس انساني , وموقف تقدمي متنور وصادق , رغم الفجوة التي اتسعت بينة وبين جذوره العراقية والعربية ...
في مقدمته يطرح سامي ميخائيل معادلة سقطت على اساسها سذاجة الايمان , بدءا من سقوط الوهم حول حقيقة الحضارة الاوروبية , والالمانية خاصة , بفشلها في وقف المد الاجرامي للنازية , وصولا الى انهيار الشيوعية الذي يعني , كما يقول : " انهيارا للاتجاه الانساني للثقافة الاوروبية , وصولا للاشكالية التي لم تبق امام الانسانية الا وضع يتحول فيه الدولار , والمجتمع النووي الامريكي , الى القوة الحافظة للنظام والسلام وحقوق المواطن ".
ويشير سامي ميخائيل في مقدمته بان انسانا طبيعيا لا يترك بيته واملاكه ولغته الام , واجواء طفولته من اجل فكرة عليا , ويقول ان خيانة القرن العشرين " لهم " هي التي وجهت خطواتهم الى اسرائيل , وانه حتى اليوم " لا يأتي الينا " ( لاسرائيل )اليهود المتخمون والآمنون من الولايات المتحدة وانكلترا , انما يجيء يهود من البلاد الفقيرة .
يطرح سامي ميخائيل التناقض الذي الم به في هذا الانتقال من تاريخه العراقي الى تاريخ " ارض اسرائيل ", ويطرح قلقه الشخصي من الواقع المتقلب في الشرق الاوسط , ويعترف بانه يعيش في عالمين مثل كل الذين تركوا واقعا لواقع آخر , وان بينه وبين اسرائيل لم ينشأ حب من اول نظرة , انما تطورت علاقة خاصة من الحب والاخلاص والتقدير , وانه بقي بعيدا عن النظرة الرومانتيكية المزيفة في نظرته للواقع الاسرائيلي .
الحديث الاول : عن الهوية والثقافة
يقول سامي ميخائيل : " أنا غير صهيوني , لست معاديا للصهيونية, انا وطني اسرائيلي ".ويفسر ذلك بقوله منذ فجر شبابي عرفت نفسي كيهودي, المقياس الاعلى بالنسبة لي هي اليهودية ,ومن هذا التعريف اتساءل ماذا يضر باليهودية وماذا يفيدها ؟ ماذا يضر بي كيهودي وماذا يندمج جيدا مع هويتي كيهودي ؟ " ويقول : " كان في العراق يهود نشطاء في الرابطة المعادية للصهيونية ". ويضف : " انا غير صهيوني من الناحية الايديولوجية. ولكني غير معاد للصهيونية عاطفيا , انا معاد للصهيونية حتى الحد الذي يؤدي هذا الفهم للأضرار باليهودية ودولة اسرائيل . أنا لا اعرف نفسي كصهيوني , واختلف مع طروحات كثيرة للصهيونية قديما وحديثا , الصهيونيون الحقيقيون اليوم هم اؤلئك المستوطنون , اليهود اللآخرون يشملون انفسهم بالصهيونية , ويتجملون بامور لم تعد قائمة " .
ويوجه نداءه لأولئك الصهيونيين الذين يعرضون أنفسهم ومستقبل أطفالهم للمخاطر بمخاطبتهم : "عودوا الى البيت!" ويقول ان نداءه لا يجيء شفقة على العرب , فالعرب ليسوا بحاجة لشفقتة وحبه .
يأخذ الصحفي المحاور سامي ميخائيل لمواضيع متنوعة للغاية , ويدفعه للافصاح عن مفاهيمه حول قضايا اجتماعية وفكرية وفنية وأدبية متنوعة , تتعلق بتجربته الاسرائيلية , وبما ترسب في وجدانه من هويته الشرقية ... من عراقيته والتناقضات المثيرة التي اوجدها المجتمع الاسرائيلي الخاص والمميز, وليس شرطا بالمفهوم الايجابي !!
وينتهي الحديث , كما في سائر الاحاديث بمقطع ادبي من كتابات سامي ميخائيل .
الحديث الثاني : حول الهجرة والقدوم الى اسرائيل
" في الهجرة انت تنتحر بأمل ان تعود الى الحياة ". هكذا يلخص رؤيته الفلسفية لمفهوم النزوح اليهودي الى اسرائيل .
ويتحدث عن تجربته الشخصية بالهجرة من العراق , والحياة غير المتوقعة والمتناقضة في اسرائيل .
الحديث الثالث : المجتمع الاسرائيلي
يطرح تصوراته حول بعض القضايا التي تشغل المجتمع الاسرائيلي , ويحاول الاجابة على سؤال حول تطور القومية العربية , ويرى بها تقليدا لنشؤ القوميات الاوروبية , وانها غير اصيلة , لان مضامينها تختلف من جيل الى آخر .
لن ادخل في نقاش حول الصواب والخطأ في رؤية سامي ميخائيل , انما احاول ان انقل للقارىء جزءا من رؤيته .. كذلك نجده يتسرع فيما يطرحه من ان المركب الديني للعرب , تحول الى مركب اساسي في الانتماء ( بمفهوم ما يساوي بين اشكالية الانتماء اليهودي والانتماء القومي العربي , ربما ليخلق انطباعا اننا لا تختلف – وان واقع الانتماء القومي اليهودي هو نفس واقع الانتماء القومي العربي ) .
سامي ينتقد بشدة تحول دولة اسرائيل الى دولة حرب , وينتقد بشكل خاص حرب سيناء ( 1956) ويقول : " لاتوجد حرب لا يمكن منعها " ويرى باتفاقات السلام , من مدريد وحتى واي بلانتيشين انه سلام مفروض على الجانبين .
الحديث الرابع : عن الشيوعية
يسرد ذكرياته عن الشيوعية منذ كان شيوعيا شابا في العراق , ويلخص تجربته الشيوعية بانها نتيجة ظروف صعبة ليهودي في العراق .
هذا الفصل مليء بانطباعات وذكريات عراقية . يتحدث عن تجربة الخروج من العراق , وظروف القدوم الى اسرائيل , وبحثه في اسرائيل عن الحزب الشيوعي , ويروي حادثة حاول فيها السوفييت تجنيده للتجسس , ويتحدث عن عمله في جريدة " الاتحاد " – صحيفة الحزب الشيوعي الاسرائيلي , وعلاقاته مع الشيوعيين .. ويقول انه يقدر الشيوعيين العرب لانهم يحبون شعبهم , لذلك بقوا في الحزب ,وهو لا يفهم بقاءاليهود في الحزب ..وهو لا يوضح ان كان موقفه رفضا للفكر الشيوعي كفكر سياسي واجتماعي , ام رفضا لاطار محلي , ام تبريرا ذاتيا لموقفه الاسرائيلي ؟
الاحاديث الخامس : الدين والعلمانية والسادس :عن الطبيعة , والسابع : عن الادب والثامن : عن دولة اسرائيل
ويطرح فيها سامي موقفه من الدين ومن فصل الدين عن الدولة, ويطرح قضايا مجتمعه اليهودي , واشكالية العلاقة بين الدين والعلمانية , وهذا الحديث يستحق مراجعة خاصة .
ويتحدث عن موقفه من الطبيعة والقضايا العامة السياسية والفكرية والادبية .
ويتحدث عن تجربته الكتابية وعن قراءاته , ويقول ان روايته الاولى كانت تحمل اسم " المعابر " ( اشتهرت المعابر في السنوات الاولى لاقامة دولة اسرائيل حيث اسكن القادمين اليهود في مجمعات سكنية اشبه بالمخيمات وتفتقد للكثير من الخدمات وهي احياء للفقراء اليهود الشرقيين بالاساس , اليهود من الدول المتطورة , الاشكناز – اي الغربيين .. لم يعانوا من السكن في المعابر, واصبحت المعابر من رموز التمييز بين اليهود الغربيين والشرقيين ) كتب سامي رواية المعابر باللغة العربية عام 1950 وفازت بالجائزة الاولى في مسابقة لكتابة الرواية نظمها الحزب الشيوعي , والجائزة كانت اصدار الرواية , ولكنه في نفس الفترة ترك الحزب الشيوعي , ولم يشأ بنشر الرواية , و"تخلص" منها وهو لا يملك اليوم نصا عنها , ويتحدث عن اعماله القصصية باللغة العربية التي كان ينشرها باسم " سمير مارد " . في صحافة الحزب الشيوعي بالاساس .
وينهي احاديثه عن تجربته الاسرائيلية من زاوية اخرى , فيتحدث عن قادة الدولة ورأيه فيهم , وارتباط ذلك بشتى الاحداث , بدءا من بن غوريون واشكول وغولدا مئير وبيرس ورابين وبيغن ونتنياهو وصولا لبراك .
القارىء يلمس بوضوح , رغم كل محاولات فلسفة الواقع المتناقض , ان سامي والجيل الذي يمثله سامي ما زال عربيا عراقيا في اعماق نفسه , ويعيش حالة اغتراب في مجتمعه .. ولكن الاساسي ان هذا الجيل يتلاشى ويختفي ويحل مكانه جيل اسرائيلي لا يعرف الماضي , وقيمة كتاب الاحاديث مع سامي ميخائيل , انه شهادة على امكانية بناء واقع آخر في العلاقات العربية اليهودية , لا دور فيها للبندقية وسفك الدماء !!









تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

قصة / ومن السياسة ما قتل!!

01-حزيران-2009

حتى يجيء عصر التنوير

20-تشرين الأول-2008

دراستان علميتان رصينتان حول اليهودية والتلمود للباحث عمر امين مصالحة

13-تشرين الأول-2008

الزوجة ...

03-تشرين الأول-2008

بأي لغة عربية نكتب ؟

22-آب-2008

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow