Alef Logo
يوميات
              

الحياة البديلة

باسم سليمان

2008-09-09


حلم اليقظة , وسيلة دفاعية وهجومية بنفس الوقت , كذلك سلبية وإيجابية , تنقذ الحالم أو تغرقه في بحر أوهامه, ولا أحد يستطيع أن يعفي نفسه بقليل أو كثير منها , فحلم اليقظة هو حلم خالي من الرقيب ونادرا ما يلحقه تأنيب الضمير, فهو يوفر لصاحبه إعادة توازن داخلية ولو كانت خلبية .
وإبراز الجانب السلبي منه, يتأتى من كون الإنسان العربي يستخدمه أكثر بكثير عمّ يتيحه جانبه الإيجابي ,فهو بالنسبة له ملجأ يبنيه في غربة غربته, وكأنه تعويض عن وطن النجاح الذي لا يلقاه.
فلو استطعنا حساب ما يقضيه معظم الناس في أحلام اليقظة, لاستطعنا معرفة نسبة انسحابه من فعالية الحياة وضمنا انفعاليتها , فالانفعالية وإن كانت تظهر بوجه سلبي لكن تعمل بشكل ضمني في الفعالية , وهنا نتكلم عن حيادية الإنسان السلبية وخاصةً, حيادية العربي الذي يعيشها بخصوصية لا نرها في غيره من الشعوب .
ولربما يعود ذلك إلى ثالوث التحريم ومضاعفاته الذي يشل حياته من جنس وسياسة ودين , فقائمة الممنوعات التي تؤطر حياته جعلته يرتد بشكل نكوصي إلى داخله فهو لم يعد يؤمن بفاعليته كإنسان ,وأمام هكذا وضع وفي مواجهة طبيعته التي لا يستطيع أن يلغيها ,كان لزاما عليه أن يتحول إلى متلقي سلبي يعيش حياة بديلة توفر عليه بهذا الوضع ,التمرجح بين واقع يرفضه وعالم محلوم به يحقق له حد أدنى من الشروط الإنسانية مادامت الأثمان المطلوبة ليست له القدرة على دفعها وحتى أن استطاع فهي قد ُسلبت من يديه.
فالحياة البديلة التي يعيشها العربي تتبدى يوم إثر يوم في ظواهر عديدة ولنأخذ بعض الظواهر رغم ما قد تبديه من قلة أهميتها لكنها مؤشر دقيق عن واقع الحال, فطبيعة الكتب التي يتابعها: وهي كتب طبخ وتنجيم وقصص حب رومانسية ,سياسية, اجتماعية وإلى ماذلك ولكنها جميعها في الخط الأخضر فهي لا تقدم سؤالا ولا تعطي جوابا ,أمّ الكتب التي يُرجى منها إيجاد عامل التأثير, فتمنع!!.
ويبدو البرهان الدارج على الألسنة :يختصر مسألة القراءة بكاملها فهم يعتبرونها كلام جرائد في معرض تعليقهم على الكلام اللغو الذي يعد به شخص ما شخصا آخر بعمل؟! .
ونفس الوضع فيما تقدمه فضائيات العرب من أقصى اليمين لأقصى اليسار
يمارس العربي عبرها رغباته ,أحلامه ,انتصاراته ,هزائمه ,وعندما يطفئ التلفاز يعود لا استكانته, فلا الحبّ الذي شاهده, يجعله يعتبر الحب قيمة يجب أن تعاش بحرية ولا النصر الذي شد عضلاته وجعل دموعه تنفر من عيونه يدفعه لتجاوز خلافاته والانخراط في حركة ثورية كغضب ساطع فهو قد عاش كل هذا. فالديمقراطية تبدت له بحوار عنيف على إحدى القنوات ومكافحة الفساد أنهى حلقاته بزج الفاسدين في السجون والفلم الذي يصور حياة مقاوم ما قد جعله فقط يرفع علم بلاده على سطح بيته ولربما دندن أغنية وطنية.
وهذه الحياة البديلة صبغت حياته الاقتصادية فهو كائن مستهلك بدلا من يكون كائنا منتجا أما حياته الاجتماعية فأمراض المجتمع تتجذر بها بدلا من تحول مجتمعه إلى نسيج متعدد الألوان لكنه واحد وكذلك السياسة والدين ......؟!
هذا الفصام الذي يعيشه العربي بين ماهو واقع وماهو محلوم به!,يدفعه ما إن يعود لواقعه من أحلام يقظته ويترك حياته البديلة إلى أن يستنفر قواه جميعها لتأييدها و للدفاع عنها عن طريق تأكيد حيطان سجنه الثلاث محافظا على البديل المحلوم به كون الواقع بعيدا جدا عمّ يجب أن يكون, فهو لا يحرك ساكنا عندما يمنع كتابا يقدم تساؤلا وجوابا حقيقيا ولا يعير انتباها لما يجري على الصعد السياسية والدينية من تفتيت وتقوقع وتخلف إلى ماذلك , بل يكتفي بالمشاهدة الحيادية ليرتد بعدها لأحلام يقظته.
فأحلام اليقظة قد وحدت العرب من المحيط للخليج واستعادت فلسطين ومحت الأمية وأصبحنا في واحة الديمقراطية والثقافة لدينا من الأساسيات اليومية.
وعليه, أصبح العربي مرتبطا أشد الارتباط بهذه الحياة وإعادته للواقع وفعاليته تحتاج لتكسير كل الأصنام التي يعبدها ,هل هذا ممكن سؤال برسم أحلام اليقظة الإيجابية؟!, لربما ماضي العربي قد يجيب ,فعندما استلم قيادة دفة الحضارة فيما مضى ,كان إن جاع, أكل أصنامه ,ولكن الفرق الآن بين عربي الأمس وعربي اليوم, أن عربي اليوم أكلته أصنامه ومنها صنم الماضي فهو ضائع في الزمن, بحلم يقظة, ضمن حياة بديلة تتأكد يوما بعد يوم.
باسم سليمان
[email protected]

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

في بحثكَ عن ظلّ؛ تفوتك ألف شمسٍ

29-كانون الأول-2018

الصارية

02-حزيران-2018

باح يا باح يا ورق التفاح

17-آذار-2018

باح يا باح يا ورق التفاح

23-كانون الأول-2014

الخط الأحمر في طور المراهقة الحوارية*

04-آذار-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow