حانة الأولياء
2008-09-15
أُطعمُ روحي حزنَ رجلٍ عابرٍ،
أو ضحكةَ امرأةٍ عابرة
أتسلقُ على جرحٍ طازجٍ، خرجَ للتوِّ من محرقةِ الذكريات
أُدخنُ سيجارةَ ألمٍ على مهلٍ، بينما أُداعبُ الحلمَ، الذي طار!
وبقي في يدي زغبُ قبعتِه الفاخرة
أطاردُ عقولَ الحكماءِ، كي أغرفَ من بحورِها جرعةَ ماء،
أرمي بها تفكيري، فيتعمّد
أُحدّث الصمَّ طويلاً فيما يخصُهم ولا يخصُهم
أسألُ البكمَ عن أشياء، لطالما أرّقتْني أجوبتُها،
وتعذّرَ عليّ فكُ ألغازِها.
أفترشُ الأرصفةَ، كي يعبرَ على شراييني الفقراءُ والمتسولون،
ويدخلُ إليها قطّاعُ الطريقِ والمجانينُ والمساكين
أبيعُ أحلامي وأشتري بثمنِها راحةَ بالي وسلامَ قلبي
أزورُ الأماكنَ المقدسةَ،
كي أضعَ على عتباتِها قصةَ عشقي السرية،
وأحفظُها بين ثقوبِ الجدرانِ وفي رعايةِ الله.
أرقصُ في حانةِ الوطنِ مع جاريةٍ، هربتْ من جورِ السلطان،
ومن أوجاعِ العبيدِ
أعيرُها أقراطَ فرحي الاصطناعيةَ، وفستانَ حريتي الضيقَ،
وحذاءَ كرامتِنا العربيةِ، ذا الكعبِ العالي
أُصفقُ لها بحرارةِ الموتِ،
الذي يقدمونه لنا بصناديقَ مذهبةٍ كلَّ صباحٍ؛ وكلَّ مساء
أجلسُ على طاولةِ سكيّرٍ، يتحدثُ جهراً عن علاقاتِه مع النساء،
وعن سأمِه من قوانينِ البلادِ، ومن شكاوي العباد
أُحصي بعيني تغيراتِ ملامحِه بين الفرحِ وبين الحزنِ؛
بين العقلِ وبين الجنون
أُهديه خطاباً قديماً تلاه أمامي آخرُ فاتح للبلاد!
أشربُ معه نخبَ الثورةِ والأحرار
أشربُ نخبَ المنفى والوطن
أقترحُ على النادلِ أنْ يزيدَ من صخبِ الموسيقى،
كي تتوافقَ مع صخبِ آلامِنا
وأن يرشَّ على مرتادي الحانةِ بعضَ تعاويذِ العابثين،
علّهم يستريحون من قلقِهم، ويستريحُ فكرُهم من العذاب
أُخرجُ من جيبي آخرَ ما تبقى لدي من دنانير وأمنيات،
وألقيها على طاولةِ رجلٍ مرَّ بنظري،
يهديني قلبَه وعقلَه
وأحزنُ لأنني لا أريدُ لقلبي مساحاتٍ أكبرَ،
ولا لعقلي مزيداً من الامتداد
أوزّعُ أجزاءَ قلبي على دموعٍ،
لمحتُها تنحني خجلاً في عيني غريب
ألملمُ أفكاري المبعثرةَ بين هذا وذاك
أنهضُ مودعةً، فتستوقفني يدي عجوزٍ،
جاء ليذبحَ الضجرَ مع صحبةِ الناس
أبتسمُ له، ثمَّ أعدُهم، بزيارةٍ ثانيةٍ وثالثةٍ ورابعة
طالما إني عقدتُ قِرانَ وحدتي على الصخبِ،
وما عادتْ تنفعُني ساعاتُ الصمتِ،
التي كنتُ أقضيها، أفتتُ ذاتي مع كلِّ أهزوجةٍ عربيةٍ موجعة،
مع كلِّ خطابٍ دامٍ يُخرسُ اللسانَ ويخدشُ الحياء.
الإصدار الأول لـ ميس جودت عباس
عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة؛ صدر للكاتبة السورية الشابة " ميس جودت عباس" مجموعتها النثرية الأولى بعنوان "حانة الأولياء". تقع المجموعة في 128 صفحة من القطع المتوسط. وتضم 22 نصًا نثريًا. تصميم الغلاف للفنان المصري أمين الصيرفي.
تتأرجح نصوص ميس جودت عباس بين تنويعات نثرية وشعرية، متنقلة ما بين العقل والجنون، في لغة أشبه بالكلمات المتقاطعة، وبحروف لها أضواء وظلال. تكتب أكثر من قصيدة حب في لحظة يتسع فيها الجرح فترغب بالبكاء، وتتمزق كل الذكريات، فتجلس متربعة بالألم، بينما يهبط خريف الحزن متثاقلاً على قلبها، وتهيم الروح في الفضاء الواسع لتجد الشوك منثورًا بكل الاتجاهات، والصبر يمشى على قدمين حافيتين.
تهرب ميس من أقدارها، تدخل حانة الأولياء، تطعم روحها حزنًا على رجل عابر، وتطارد عقول الحكماء كي تغرف من بحورها جرعة ماء، تفترش الأرصفة لتبيع الأحلام وتشتري بثمنها راحة بال وسلامة قلب.
تزور الأماكن المقدسة كي تضع على عتباتها قصة عشقها السرية، ترقص فى حانة الوطن مع جارية هربت من جور السلطان، تجلس على طاولة سكير يتحدث جهرًا عن علاقاته مع النساء، تشرب معه نخب الثورة والأحرار، تشرب نخب المنفى والوطن علها تستريح من القلق ويستريح فكرها من العذاب.
تلملم أفكارها المبعثرة، بين أيدينا، تاركةً لنا بعض ترانيم العشق والشجن، فربما تهلل لنا الملائكة، ويرسل لنا الله باقة زهور بعد ألف عام.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |