Alef Logo
نص الأمس
              

مقاصد تاج العروس من جواهر القاموس – مقتطفات منه تصنيف : الزبيدي

ألف

2008-09-17


المقصد الأول

في بيان أن اللغة هل هي توقيفية أو اصطلاحية نقل السيوطي في المزهر عن أبي الفتح بن برهان في كتاب الوصول إلى الأصول: اختلف العلماء في اللغة هل تثبت توقيفا أو اصطلاحا، فذهبت المعتزلة إلى أن اللغات بأسرها تثبت اصطلاحا، وذهبت طائفة إلى أنها تثبت توقيفا، وزعم الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني أن القدر الذي يدعو به الإنسان غيره إلى التواضع يثبت توقيفا، وما عدا ذلك يجوز أن يثبت بكل واحد من الطريقتين، وقال القاضي أبو بكر: لا يجوز أن يثبت توقيفا، ويجوز أن يثبت اصطلاحا ويجوز أن يثبت بعضه توقيفا وبعضه اصطلاحا، والكل ممكن.
ونقل أيضا عن إمام الحرمين أبي المعالي في البرهان: اختلف أرباب الأصول في مأخذ اللغات، فذهب ذاهبون إلى أنها توقيف من الله تعالى، وصار صائرون إلى أنها تثبت اصطلاحا وتواطؤا.
ونقل عن الزركشي في البحر المحيط: حكى الأستاذ أبو منصور قولا أن التوقيف وقع في الابتداء على لغة واحدة، وما سواها من اللغات وقع عليها التوقيف بعد الطوفان، من الله تعالى، في أولاد نوح، حين تفرقوا في الأقطار. قال: وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أول من تكلم بالعربية المحضة إسماعيل، وأراد به عربية قريش التي نزل بها القرآن، وأما عربية قحطان وحمير فكانت قبل إسماعيل عليه السلام.
وقال في شرح الأسماء: قال الجمهور الأعظم من الصحابة والتابعين من المفسرين إنها كلها توقيف من الله تعالى.
وقال أهل التحقيق من أصحابنا: لابد من التوقيف في أصل اللغة الواحدة، لاستحالة وقوع الاصطلاح على أول اللغات، من غير معرفة من المصطلحين بعين ما اصطلحوا عليه، وإذا حصل التوقيف على لغة واحدة، جاز أن يكون ما بعدها من اللغات اصطلاحا، وأن يكون توقيفا، ولا يقطع بأحدهما إلا بدلالة.
ثم قال: واختلفوا في لغة العرب، فمن زعم أن اللغات كلها اصطلاح فكذا قوله في لغة العرب، ومن قال بالتوقيف على اللغة الأخرى وأجاز الاصطلاح فيما سواها من اللغات، اختلفوا في لغة العرب، فمنهم من قال: هي أول اللغات، وكل لغة سواها حدثت فيما بعد إما توقيفا أو اصطلاحا، واستدلوا بأن القرآن كلام الله تعالى، وهو عربي، وهو دليل على أن لغة العرب أسبق اللغات وجودا، ومنهم من قال: لغة العرب نوعان: أحدهما عربية حمير، وهي التي تكلموا بها من عهد هود ومن قبله، وبقي بعضها إلى وقتنا، والثانية العربية المحضة، التي بها نزل القرآن، وأول من أطلق لسانه بها إسماعيل، فعلى هذا القول يكون توقيف إسماعيل على العربية المحضة يحتمل أمرين: إما أن يكون اصطلاحا بينه وبين جرهم النازلين عليه بمكة، وإما أن يكون توقيفا من الله تعالى، وهو الصواب.
قال السيوطي: وأخرج ابن عساكر في التاريخ، عن ابن عباس، أن آدم عليه السلام كان لغته في الجنة العربية، فلما عصى سلبه الله العربية فتكلم بالسريانية، فلما تاب لله، رد الله عليه العربية. وأخرج عبد الملك بن حبيب: كان اللسان الأول الذي نزل به آدم من الجنة عربيا إلى أن بعد العهد وطال حرف وصار سريانيا، وهو منسوب إلى سورية، وهي أرض الجزيرة، بها كان نوح عليه السلام وقومه قبل الغرق، قال: وكان يشاكل اللسان العربي، إلا أنه محرف، وهو كان لسان جميع من في السفينة إلا رجلا واحدا يقال له جُرهم، فكان لسانه لسان العربي الأول، فلما خرجوا من السفينة تزوج إرم بن سام بعض بناته، فمنهم صار اللسان العربي في ولده عوص أبي عاد، وعبيل، وجاثر أبي جديس وثمود، وسميت عاد باسم جرهم، لأنه كان جدهم من الأم، وبقي اللسان السرياني في ولد أرفخشذ بن سام إلى أن وصل إلى يشجب بن قحطان من ذريته، وكان باليمن، فنزل هناك بنو إسماعيل فتعلم منهم بنو قحطان اللسان العربي. وقال ابن دحية: العرب أقسام: الأول عاربة عرباء، وهم الخلص، وهم تسع قبائل من ولد إرم بن سام بن نوح، وهي: عاد، وثمود، وأميم، وعبيل، وطسم، وجديس، وعمليق، وجرهم، ووبار، ومنهم تعلم إسماعيل عليه السلام العربية. والثاني المتعربة، وهم الذين ليسوا بخلص وهم بنو قحطان. والثالث المستعربة: وهم بنو إسماعيل وهم ولد معد بن عدنان، انتهى.
وقال أبو بكر بن دريد في الجمهرة: العرب العاربة سبع قبائل: عاد، وثمود، وعمليق، وطسم، وجديس، وأميم، وجاسم، وقد انقرض أكثرهم إلا بقايا متفرقين في القبائل. قال: وسمي يعرب بن قحطان لأنه أول من انعدل لسانه عن السريانية إلى العربية، وهذا معنى قول الجوهري في الصحاح: أول من تكلم العربية يعرب بن قحطان. وقال الحاكم في المستدرك، وصححه، والبيهقي في شعب الإيمان: عن بريدة رضي الله عنه، في قوله تعالى: بلسان عربي مبين قال: بلسان جرهم.
وقال محمد بن سلام: وأخبرني يونس، عن أبي عمرو بن العلاء، قال: العرب كلها ولد إسماعيل، إلا حمير وبقايا جرهم، ولذلك يروى أن إسماعيل جاورهم وأصهر إليهم.
وقال الحافظ عماد الدين بن كثير في تاريخه: قيل إن جميع العرب ينتسبون إلى إسماعيل عليه السلام، والصحيح المشهور أن العرب العاربة قبل إسماعيل وهم: عاد، وثمود، وطسم، وجديس، وأميم، وجرهم، والعماليق. وأمم آخرون كانوا قبل الخليل عليه السلام، وفي زمانه أيضا، فأما العرب المستعربة وهم عرب الحجاز فمن ذرية إسماعيل عليه السلام، وأما عرب اليمن، وهم حمير، فالمشهور أنهم من قحطان، واسمه مهزم. قال ابن ماكولا، وذكروا أنهم كانوا أربعة إخوة، وقيل: من ذريته، وقيل: إن قحطان ابن هود، وقيل: أخوه، وقيل: من ذريته، وقيل: إن قحطان من سلالة إسماعيل عليه السلام، حكاه ابن إسحاق وغيره، والجمهور أن العرب القحطانية من عرب اليمن وغيرهم ليسوا من سلالة إسماعيل عليه السلام. وقال الشيرازي في كتاب الألقاب، بسنده إلى مسمع بن عبد الملك، عن محمد بن علي بن الحسين، عن آبائه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل عليه السلام، وهو ابن أربع عشرة سنة . وفي جزء الغطريف بسنده إلى عمر بن الخطاب أنه قال: يا رسول الله، مالك أفصحنا، ولم تخرج من بين أظهرنا? قال: كانت لغة إسماعيل قد درست، فجاء بها جبريل عليه السلام فحفظنيها فحفظتها أخرجه ابن عساكر في تاريخه.
وأخرج الديلمي في مسند الفردوس عن أبي رافع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلت لي أمتي في الماء والطين وعلمت الأسماء كلها كما علم آدم الأسماء كلها.

المقصد الثاني- في سعة لغة العرب


في المزهر: قال أبو الحسن أحمد بن فارس في فقه اللغة: باب القول على لغة العرب، وهل يجوز أن يحاط بها، قال بعض الفقهاء: كلام العرب لا يحيط به إلا نبي. قال ابن فارس: وهذا كلام حري أن يكون صحيحا، وما بلغنا عن أحد ممن مضى أنه ادعى حفظ اللغة كلها، فأما الكتاب المنسوب إلى الخليل، وما في خاتمته من قوله: هذا آخر كلام العرب فقد كان الخليل أورع وأتقى لله تعالى من أن يقول ذلك. قال السيوطي: وهذا الذي نقله عن بعض الفقهاء نص عليه الإمام الشافعي رضي الله عنه، فقال في أول الرسالة: لسان العرب أوسع الألسنة مذهبا، وأكثرها ألفاظا، ولا نعلم أنه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامتها، حتى لا يكون موجودا فيها من يعرفه، والعلم عند العرب كالعلم بالسنة عند أهل الفقه، لا يعلم رجل جميع السنن، فلم يذهب منها عليه شيء، فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السنن، وإذا فرق علم كل واحد منهم ذهب عليه الشيء منها ثم كان ما ذهب عليه منها موجودا عند غيره، وهم في العلم طبقات، منهم الجامع لأكثره وإن ذهب عليه بعضه، ومنهم الجامع لأقل مما جمع غيره، وليس قليل ما ذهب من السنن على من جمع أكثرها دليلا على أن يطلب علمه عند غير طبقته، من أهل العلم، بل يطلب عند نظرائه ما ذهب عليه حتى يؤتى على جميع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي، فتفرد جملة العلماء بجملتها، وهو درجات فيما وعوا منها، وهذا لسان العرب عند خاصتها وعامتها لا يذهب منه شيء عليها، ولا يطلب عند غيرها، ولا يعلمه إلا من قبله منها، ولا يشركها فيه إلا من اتبعها في تعلمه منها ومن قبله منها فهو من أهل لسانها وعلم أكثر اللسان في أكثر العرب أعم من علم أكثر السنن في العلماء. هذا نص الإمام الشافعي بحروفه، انتهى.
وقال ابن فارس في موضع آخر: اعلم أن لغة العرب لم تنته إلينا بكليتها، وأن الذي جاء عن العرب قليل من كثير، وأن كثيرا من الكلام ذهب بذهاب أهله، والله أعلم.

المقصد الثالث - في عدة أبنية الكلام
في المزهر نقلا عن مختصر كتاب العين للزبيدي ما نصه: عدة مستعمل الكلام كله ومهمله ستة آلاف ألف وتسعة وخمسون ألفا وأربعمائة، المستعمل منها خمسة آلاف وستمائة وعشرون، والمهمل ستة آلاف ألف وستمائة ألف وثلاثة وتسعون ألفا وسبعمائة وثمانون، عدة الصحيح منه ستة آلاف ألف وستمائة ألف وثلاثة وخمسون ألفا وأربعمائة، والمعتل ستة آلاف، المستعمل من الصحيح ثلاثة آلاف وتسعمائة وأربعة وأربعون، والمهمل منه ستة آلاف ألف وتسعة وثمانون ألفا وأربعمائة وستة وخمسون، والمستعمل من المعتل ألف وستمائة وستة وسبعون، والمهمل منه أربعة آلاف وثلاثمائة وأربعة وعشرون. عدة الثنائي سبعمائة وخمسون، المستعمل منه أربعمائة وتسعة وثمانون، والمهمل مائتان وواحد وستون، الصحيح منه ستمائة، والمعتل مائة وخمسون، المستعمل من الصحيح أربعمائة وثلاثة، والمهمل مائة وسبعة وتسعون، والمستعمل من المعتل ستة وثمانون، والمهمل أربعة وستون. وعدة الثلاثي تسعة عشر ألفا وستمائة وخمسون، المستعمل منه أربعة آلاف ومائتان وتسعة وستون، والمهمل خمسة عشر ألفا وثلاثمائة وواحد وثمانون، الصحيح منه ثلاثة عشر ألفا وثمانمائة، والمعتل سوى اللفيف خمسة آلاف وأربعمائة، واللفيف أربعمائة وخمسون، المستعمل من الصحيح ألفان وستمائة وتسعة وسبعون، والمهمل أحد عشر ألفا ومائة وأحد وعشرون، والمستعمل من المعتل سوى اللفيف ألف وأربعمائة وأربعة وثلاثون، والمهمل ثلاثة آلاف وتسعمائة وستة وستون، والمستعمل من اللفيف مائة وستة وخمسون، والمهمل مائتان وأربعة وتسعون. وعدة الرباعي ثلاثمائة ألف وثلاثة آلاف وأربعمائة، المستعمل ثمانمائة وعشرون، والمهمل ثلاثمائة ألف وألفان وخمسمائة وثمانون. وعدة الخماسي ستة آلاف ألف وثلاثمائة ألف وخمسة وسبعون ألفا وستمائة، المستعمل منه اثنان وأربعون، والمهمل ستة آلاف ألف وثلاثمائة ألف وخمسة وسبعون ألفا، وخمسمائة وثمانية وخمسون.
قال الزبيدي. وهذا العدد من الرباعي والخماسي على الخمسة والعشرين حرفا من حروف المعجم خاصة، دون الهمزة وغيرها، وعلى أن لا يتكرر في الرباعي والخماسي حرف من نفس الكلمة، ثم قال: وعدة الثنائي الخفيف والضربين من المضاعف على نحو ما ألحقناه في الكتاب ألفا حرف ومائتا حرف وخمسة وسبعون حرفا، المستعمل من ذلك مائة واثنان، والمهمل ألفا حرف ومائة حرف وثلاثة وسبعون حرفا، الصحيح من ذلك ألف حرف وثمانمائة وخمسة وعشرون، والمعتل أربعمائة وخمسون، المستعمل من الصحيح تسعة وخمسون، والمهمل ألف وسبعمائة وستة وستون، والمستعمل من المعتل ثلاثة وأربعون، والمهمل أربعمائة وسبعة، انتهى.

المقصد الرابع- في المتواتر من اللغة والآحاد

قال العلامة أبو الفضل: نقلا عن لمع الأدلة لابن الأنباري، اعلم أن النقل على قسمين: تواتر وآحاد، فأما التواتر فلغة القرآن، وما تواتر من السنة وكلام العرب، وهذا القسم دليل قطعي من أدلة النحو، يفيد العلم أي ضروريا، وإليه ذهب الأكثرون، أو نظريا، ومال إليه آخرون، وقيل: لا يفضي إلى علم البتة، وهو ضعيف، وما تفرد بنقله بعض أهل اللغة ولم يوجد فيه شرط التواتر، وهو دليل مأخوذ به، فذهب الأكثرون إلى أنه يفيد الظن، وقيل: العلم وليس بصحيح، لتطرق الاحتمال فيه، ثم قال: وشرط التواتر أن يبلغ عدد النقلة إلى حد لا يجوز على مثلهم الاتفاق على الكذب في لغة القرآن، وما تواتر من ألسنة العرب، وقيل: شرطه أن يبلغوا خمسة، والصحيح هو الأول. قال قوم من الأصوليين: إنهم أقاموا الدلائل على خبر الواحد أنه حجة في الشرع، ولم يقيموا الدلالة على ذلك في اللغة، فكان هذا أولى.
وقال الإمام فخر الدين الرازي، وتابعه الإمام تاج الدين الأرموي صاحب الحاصل: إن اللغة والنحو والتصريف ينقسم إلى قسمين، قسم منه متواتر، والعلم الضروري حاصل بأنه كان في الأزمنة الماضية موضوعا لهذه المعاني، فإنا نجد أنفسنا جازمة بأن السماء والأرض كانتا مستعملتين في زمانه صلى الله عليه وسلم في معناهما المعروف، وكذلك الماء والنار والهواء وأمثالها، وكذلك لم يزل الفاعل مرفوعا، والمفعول منصوبا، والمضاف إليه مجرورا، ثم قال: ومنه مظنون، وهو الألفاظ الغريبة، والطريق إلى معرفتها الآحاد، وأكثر ألفاظ القرآن ونحوه وتصريفه من القسم الأول، والثاني منه قليل جدا، فلا يتمسك به في القطعيات ويتمسك به في الظنيات، انتهى.
وأما المنقطع ففي لمع الأدلة: هو الذي انقطع سنده، نحو أن يروي ابن دريد عن أبي زيد، وهو غير مقبول، لأن العدالة شرط في قبول النقل، وانقطاع سند النقل يوجب الجهل بالعدالة، فإن من لم يذكر لم تعرف عدالته. وذهب بعضهم إلى قبوله، وهو غير مرضي.
وأما الآحاد فهو ما انفرد بروايته واحد من أهل اللغة، ولم ينقله أحد غيره، وحكمه القبول إذا كان المنفرد به من أهل الضبط والإتقان، كأبي زيد الأنصاري، والخليل، والأصمعي، وأبي حاتم، وأبي عبيدة وأقرانهم، وشرطه أن لا يخالف فيه أكثر عددا منه.
وأما الضعيف فهو ما انحط عن درجة الفصيح. والمنكر أضعف منه وأقل استعمالا. والمتروك ما كان قديما من اللغات ثم ترك واستعمل غيره. وأما الفصيح من اللغة، ففي المزهر ما نصه: المفهوم من كلام ثعلب أن مدار الفصاحة على كثرة استعمال العرب لها، انتهى.
ومثله قال القزويني في الإيضاح: وقالوا أيضا: الفصاحة في المفرد خلوصه من تنافر الحروف، ومن الغرابة، ومن مخالفة القياس اللغوي، وبيان ذلك مذكور في محله. قال ابن دريد في الجمهرة واعلم أن أكثر الحروف استعمالا عند العرب الواو والياء والهمزة، وأقل ما يستعملون لثقلها على ألسنتهم الظاء، ثم الذال، ثم الثاء، ثم الشين، ثم الخاء، ثم القاف، ثم العين، ثم النون، ثم اللام، ثم الراء، ثم الباء، ثم الميم، فأخف هذه الحروف كلها ما استعملته العرب في أصول أبنيتهم من الزوائد، لاختلاف المعنى، انتهى.
وفي عروس الأفراح: رتب الفصاحة منها متقاربة، فإن الكلمة تخف وتثقل بحسب الانتقال من حرف إلى حرف لا يلائمه قربا أو بعدا، فإن كانت الكلمة ثلاثية فتراكيبها اثنا عشر فذكرها، ثم قال: وأحسن هذه التراكيب وأكثرها استعمالا ما انحدر فيه من الأعلى إلى الأوسط إلى الأدنى، ثم ما انتقل فيه من الأوسط إلى الأدنى إلى الأعلى، ثم من الأعلى إلى الأدنى، وأقل الجميع استعمالا ما انتقل فيه من الأدنى إلى الأعلى إلى الأوسط، هذا إذا لم ترجع إلى ما انتقلت عنه، فإن رجعت فإن كان الانتقال من الحرف إلى الحرف الثاني في انحدار من غير طفرة، والطفرة الانتقال من الأعلى إلى الأدنى أو عكسه، كان التركيب أخف وأكثر، وإلا كان أثقل وأقل استعمالا. فيه أيضا أن الثلاثي أفصح من الثنائي والأحادي، ومن الرباعي والخماسي، انتهى.
وذكر حازم القرطاجني وغيره: من شروط الفصاحة أن تكون الكلمة متوسطة من قلة الحروف وكثرتها، والمتوسطة ثلاثة أحرف.

المقصد الخامس- في بيان الأفصح

قال أبو الفضل: أفصح الخلق على الإطلاق سيدنا ومولانا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم أنا أفصح العرب رواه أصحاب الغريب، ورووه أيضا بلفظ أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش وإن تكلم في الحديث.
ونقل عن أبي الخطاب بن دحية: اعلم أن الله تعالى لما وضع رسوله صلى الله عليه وسلم موضع البلاغ من وحيه، ونصبه منصب البيان لدينه، اختار له من اللغات أعربها، ومن الألسن أفصحها وأبينها، ثم أمده بجوامع الكلم، انتهى.
ثم قال: وأفصح العرب قريش، وذلك لأن الله تعالى اختارهم من جميع العرب، واختار منهم محمدا صلى الله عليه وسلم، فجعل قريشا سكان حرمه وولاة بيته، فكانت وفود العرب من حجاجها وغيرهم يفدون إلى مكة للحج، ويتحاكمون إلى قريش، وكانت قريش مع فصاحتها، وحسن لغاتها، ورقة ألسنتها، إذا أتتهم الوفود من العرب تخيروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتهم، وأصفى كلامهم، فاجتمع ما تخيروا من تلك اللغات إلى سلائقهم التي طبعوا عليها، فصاروا بذلك أفصح العرب، ألا ترى أنك لا تجد في كلامهم عنعنة تميم ولا عجرفة قيس ولا كشكشة أسد ولا كسكسة ربيعة. قلت: قال الفراء. العنعنة في قيس وتميم تجعل الهمزة المبدوء بها عينا، فيقولون في إنك عنك، وفي أسلم عسلم. والكشكشة في ربيعة ومضر يجعلون بعد كاف الخطاب في المؤنث شينا، فيقولون رأيتكش ومررت بكش. والكسكسة فيهم أيضا يجعلون بعد الكاف أو مكانها سينا في المذكر. والفحفحة في لغة هذيل يجعلون الحاء عينا.
والوكم والوهم كلاهما في لغة بني كلب، من الأول يقولون عليكم وبكم، حيث كان قبل الكاف ياء أو كسرة، ومن الثاني يقولون منهم وعنهم وإن لم يكن قبل الهاء ياء ولا كسرة.
والعجعجة في قضاعة، يجعلون الياء المشددة جيما، يقولون في تميمي تميمج. والاستنطاء لغة سعد بن بكر وهذيل والأزد وقيس والأنصار يجعلون العين الساكنة نونا إذا جاورت الطاء، كأنطى في أعطى. والوتم في لغة اليمن يجعل الكاف شينا مطلقا، كلبيش اللهم لبيش. ومن العرب من يجعل الكاف جيما كالجعبة، يريد الكعبة.
وفي فقه اللغة للثعالبي اللخلخانية تعرض في لغة أعراب الشحر وعمان، كقولهم مشا الله، أي ما شاء الله. والطمطمانية تعرض في لغة حمير، كقولهم طاب امهواء أي طاب الهواء.

المقصد السادس- في بيان المطرد والشاذ والحقيقة والمجاز والمشترك والأضداد والمترادف والمعرب والمولد


أما الكلام على الاطراد والشذوذ، فقال ابن جنى في الخصائص إنه على أربعة أضرب. مطرد في القياس والاستعمال جميعا، وهذا هو الغاية المطلوبة، نحو قام زيد وضربت عمرا. ومطرد في القياس شاذ في الاستعمال، وذلك نحو الماضي من يذر ويدع. ومطرد في الاستعمال شاذ في القياس كاستحوذ، واستنوق الجمل، واستفيل الجمل. وشاذ في الاستعمال والقياس جميعا كقولهم ثوب مصوون، وفرس مقوود، ورجل معوود من مرضه. ومن الشواذ باب فعل يفعل بكسر العين فيهما كورث وومق ووري وولي، وقد يأتي الكلام عليه في محله.
أما الحقيقة والمجاز.ففي النوع الرابع والعشرين من المزهر، قال العلامة فخر الدين الرازي: جهات المجاز يحضرنا منها اثنا عشر وجها. أحدها التجوز بلفظ السبب عن المسبب، ثم الأسباب أربعة: القابل، كقولهم سال الوادي، والصوري، كقولهم لليد إنها قدرة، والفاعل، كقولهم نزل السحاب أي المطر، والغائي كتسميتهم العنب الخمر. الثاني بلفظ المسبب عن السبب، كتسميتهم المرض الشديد بالموت. الثالث المشابهة، كالأسد للشجاع. والرابع المضادة، كالسيئة للجزاء. الخامس والسادس بلفظ الكل للجزء، كالعام للخاص، واسم الجزء للكل، كالأسود للزنجي. والسابع اسم الفعل على القوة، كقولنا للخمرة في الدن إنها مسكرة. والثامن المشتق بعد زوال المصدر. والتاسع المجاورة، كالراوية للقربة. والعاشر المجاز العرفي وهو إطلاق الحقيقة على ما هجر عرفا، كالدابة للحمار. والحادي عشر الزيادة والنقصان، كقوله ليس كمثله شيء، واسأل القرية. والثاني عشر اسم المتعلق على المتعلق به، كالمخلوق بالخلق، انتهى.
وقال القاضي تاج الدين السبكي في شرح المنهاج بعد كلام طويل: والفرض أن الأصل الحقيقة، والمجاز خلاف الأصل، فإذا دار اللفظ بين احتمال المجاز واحتمال الحقيقة فاحتمال الحقيقة أرجح، انتهى.
وقال الإمام وأتباعه: الفرق بين الحقيقة والمجاز إما أن يقع بالتنصيص أو بالاستدلال، أما التنصيص فأن يقول الواضع: هذه حقيقة، وهذا مجاز، وتقول ذلك أئمة اللغة، وأما الاستدلال فبالعلامات، فمن علامات الحقيقة تبادر الذهن إلى فهم المعنى، والعراء عن القرينة، ومن علامات المجاز إطلاق اللفظ على ما يستحيل تعلقه به، واستعمال اللفظ في المعنى المنسي، كاستعمال لفظ الدابة في الحمار، فإنه موضوع في اللغة لكل ما يدب على الأرض، انتهى.
قال ابن برهان: وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني: لا مجاز في لغة العرب. وحكى التاج السبكي عن خط الشيخ تقي الدين بن الصلاح أن أبا القاسم بن كج حكى عن أبي علي الفارسي إنكار المجاز، فقال إمام الحرمين في التلخيص، والغزالي في المنخول: لا يصح عن الأستاذ هذا القول، وأما عن الفارسي فإن الإمام أبا الفتح بن جني تلميذ الفارسي، وهو أعلم الناس بمذهبه، ولم يحك عنه ذلك، بل حكى عنه ما يدل على إثباته. ثم قال ابن برهان بعد كلام أورده: ومنكر المجازات في اللغة جاحد للضرورة، ومعطل محاسن لغة العرب، قال امرؤ القيس:
فقلت له لما تمطى بصلبـه وأردف أعجازا وناء بكلكل
وليس لليل صلب ولا أرداف. وأما المشترك. فهو اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السواء عند أهل تلك اللغة، واختلف الناس فيه، ف

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow