قبل ساعات قليلة من انعقاد الاحتفالية الخاصة بالشاعر الراحل محمود درويش، المزمع القيام بها في مدينة الحسكة، بالتعاون بين المركز الثقافي وفرع اتحاد الكتاب العرب، تلقى الشاعر بشير عاني "عضو هيئة تحرير ألف" اتصالا هاتفيا من الجهة المنظمة للاحتفالية تبلغه فيه اعتذارها عن إدراجه في البرنامج لأسباب أمنية ..؟
الجهة المنظمة أبدت أسفها الشديد لما حصل، مبدية اندهاشها من كتاب المنع الذي وصلها للتوّ، ودون إبداء الأسباب.
المعنيون بالأمر، بمن فيهم الشاعر بشير عاني نفسه، أجروا اتصالاتهم الخاصة، خصوصا مع رئاسة الاتحاد، اتحاد الكتاب العرب، الذي لا يحتاج أعضاؤه لموافقات أمنية أو غيرها لإقامة الندوات أو الأمسيات الشعرية، وهو امتياز طالما تم الذود عنه وصيانته في السنوات السابقة، بل إن رئيس الاتحاد السابق، د. علي عقلة عرسان، كان يحرص شخصيا على متابعة تفاصيل مثل هذه الأمور التي يقع فيها الكتاب، لخصوصيتهم الفكرية والثقافية، مثلما كان يصرّ على حضور ممثل عن الاتحاد أثناء استدعاء أي كاتب أو التحقيق معه.
ففي الاتصال الذي أجراه بشير عاني مع رئيس الاتحاد الحالي، د. حسين جمعة، أبدى الأخير انزعاجه مما حدث، محملا المسؤولية على رئيس فرع اتحاد الحسكة، الذي لم يكن مطلوبا منه، حسب رأيه،أخذ الأذن من أحد لإقامة نشاطاته الثقافية.
في الوقت نفسه كان د.جمعة يبدي عدم رغبته بتصعيد الموقف أو المواجهة، واعدا بالاتصال بـ د. هيثم سطايحي، عضو القيادة القطرية المختص، لوضعه في صورة ما جرى في الحسكة.
بعد أقل من ساعة يتلقى بشير عاني اتصالا من رئاسة الاتحاد يطلب منه عدم الذهاب إلى الحسكة دون الدخول في التفاصيل.
انتهى الأمر عند هذا الحد، ولكن الأسئلة تظل مفتوحة على مصا ريعها، ومنها مثلا:
ما لذي تغير بين الأمس واليوم، فالشاعر بشير عاني كان في القامشلي منذ أقل من عام، وهي منطقة حدودية تابعة لمحافظة الحسكة، للمشاركة في مهرجان الشعر السوري المعاصر، فلماذا يمنع الآن؟
كذلك كيف يمكن لنا تفسير هذه (المزاجية) الأمنية، فهذا الكاتب أو ذاك مسموح له في هذه المحافظة أو تلك، فيما هو ممنوع في محافظة أخرى، وإلا بماذا نفسر السماح للـعاني نفسه بمحاضرة في المركز الثقافي بالرقة منذ أسبوعين فقط، فيما يمنع الآن في الحسكة، وهذه المزاجية، ولأسف، بدأ يعاني منها الكثير من الكتاب والشعراء، فعلى سبيل المثال مُنع الشاعران محمد المطرود وأديب حسن محمد من المشاركة في مهرجان ربيع حماة الشعري، فيما يسمح لهما بندوات وأمسيات في محافظات أخرى، بما فيها الحسكة نفسها؟
من كل ما تقدم يتضح أن قرارات المنع ليست قرارات مركزية وشاملة، وهي خاضعة لمزاجيات أمنية خاصة، وهو ما يستدعي البحث والتحقيق به من الجهات المعنية أولا، وكذلك من رئاسة اتحاد الكتاب العرب، التي عليها، كقيادة لمنظمة منتجة للثقافة، حماية هذه المنظمة والدفاع عن حقوق أعضائها الفكرية والإبداعية، وإلا سنجدها، بعد وقت ليس بالطويل، قد أفرغت نماما من محتواها ومضامينها الثقافية.
ويبقى السؤال الأهم، لمصلحة من حجب الكتاب والمثقفين التقدميين والمتنورين والديمقراطيين عن المنابر، خصوصا وهم الأكثر استشعارا للخطر السلفي والتكفيري والرجعي الذي يفعل فعله في الجوار ويهدد الوطن وإرثه الفكري والحقوقي والاجتماعي؟
لمصلحة من تحجب الموقع الالكترونية التنويرية، ومنها موقع ألف، وهو الموقع الذي رفع الإنسان رمزا وشعارا للكشف والحرية؟