Alef Logo
يوميات
              

داخلي مطارات تطلق العبرات

عمر الشيخ

2008-11-03


ضمن مبنى مطار دمشق الدولي و مطار لارنكا القبرصي ثمّة مسافات من اشتياق ولهفة ، واستحضار صارخ لذاكرةٍ تسمّى الطفولة،هنا على هذا الكرسي في صالة الانتظار أراقب المؤشر الالكتروني للرحلات القادمة أبحث عن طائرة أخي الذي هاجرنا وأنا في الثانية عشرة والآن أستقبله وأنا في الثانية والعشرين ،يا لهذا المكان هل يعرفني رغم العشر سنوات الماضية أنا الطفل الصغير الذي حمل أصغر الحقائب، حقيبة واحدة مكللة بالحزن تصرخ سأشتاق إليك يا أخي .. لا تدع البحر يبتلع حنينك ..سأكتب لك كل يوم عن شقاواتي التي تحب أعدك واللهِ.!
يا ترى هل حجم الدموع التي غصت بعيني عند الرحيل هي نفسها التي ستنفجر بعد قليل ؟
تغير كل شيء منذ سفرك ، المطار الذي كان أخر مودعيك من الوطن تغير شكله ، أصبحت النساء فيه أكثر وأجمل ، وإنارته تطورت جداً ولكنه أبرد من الاسكيمو في الشتاء وأسخن من جنهم بالصيف !! مكاتب التكاسي موضة انتشرت بكثافة لدرجة أنها أكثر من مكاتب موظفي المطار تصور! ، من أين ابدأ ..قلبي تغير الآن ضرباته غير اعتيادية تنتظر هذا المؤشر اللعين لينقل اسم طيارتك إلى لائحة الوصول ربما يهدئ الدم في دماغي ، زحام عند حاجز المغادرين بكاء احتضان وألف المناديل تكتم النشيج لفراق الأحبة ،يبدوا مشهدا ً مؤلماً سأحاول ألا أكترث لذلك، فقدومك بعد قليل كفيل بجعلي أبتسم من أعماقي ،سأغير موجة الرؤية أتأمل هذا المقهى الذي يتوسط المبنى الداخلي للمطار إنه فاخر بشدّة لدرجة أنه يحتضن نافورة ماء كأنه مقطوعة من بيت دمشقي عتيق ، أقسى زاوية هذا المقهى المحاط بجدران من زجاج ثمّة امرأةٌ شقراء على ما يبدو أنها أجنبيّة ،تدّخن بشبق وتنفث فحيحها كأنها تقصد فتح براكين إثارتها على قناصة عيني تزوِرني وتحبس ملايين الأفكار ربما لن يأتي حبيبها العربي ليودعها هي الآن تنتقم منه بحرقي تدريجيّاً ،لكن ما بداخلي ينتفض لمناسبة أقدس، لذا سأغير مقعدي لأعطيها ظهري بكل برود رغم سحرها ، أضع وجهي بين يدي لأغطيه عن عابري هذا المكان الذي يلتقي به الحزن ممثلا ً بسكة المغادرين والفرح و كوته هنا بوابة القادمين ،هذا المكان مزيج من الأبيض الثلجي الحنون والأسود الفحمي الملتهب ، أرتب هندامي وأقف متلفتا ً إلى اللوحةِ الالكترونية بلونها الأسود المنقّط بمشعات ضوئية حمراء على شكل عبارات تدل عن الرحلات التي وصلت والتي ستصل بعد زمنٍ معين . والمجيب الألي عبر مكبرات الصوت يعطي نداءاته للمرة الأخيرة للمسافرين ولا يرطب قلقي بخبر ٍعن القادمين !!
حنين وألاف الحكايات ، شوقُ ووابل من القُبل أحضّره لك أيها الرجل البعيد ، ساعة وساعتان وطائرتك لم تصل بعد لكنها اقتربت كثير هكذا يحسّ قلبي، مللت التلفت والانتظار مللت
أشكال العربات التي تجر الحقائب ، حفظت أوجه المضيفات وهن يتجولن بثيابهن الكحلية وتنانيرهن ترسم مؤخراتٍ فاخرة تثير الأجنبي أكثر من العربي ، كابتن الطائرة يقتحم الدور ليعبر لأنه(واسطة)ومعه طاقمه من الشباب المتدربين كأنه جنرال والمسافرون جنده ، لن أتطلع بعد الآن إلى أحد فقط سكنت مسام عَرَقي الحيرة واجتاحني الخوف ، طائرتك أصبحت على المعلنة الرقمية مكتوب إلى جانبها وصلت الساعة23.40، إذا قلنا أنك تحتاج لنصف ساعة من باب الطائرة إلى معبر القادمين فإنك أخذت ساعة ونصف وكل من في طائرتك غادر المطار عائداً لأهله و السائحون ذهبوا إلى فنادقهم وطاقم الطائرة لا بد أنه أخر من يصل عادة ، تراك أين أنت الآن في هذا المكان المعقد المليء بالقصص الغريبة والصور المبكية هل مررت دون أن أشتم رائحة عطرك المميزة وتركتني أنتظر للأبد شيء لن يأتي،
ودعتك وأنا لا أعرف شيئاً عن التحليق والآن أنتظر مجيئك وبداخلي مطاراتٌ تطلق العبرات وقودا ً لرحلاتٍ ترسمك في أوجه السماء المطلة على أحزان قلبي تتأرجح كلمة السفر بأعماقي اختلجُ حينها كما لو أنها شقيقة تفلق رأسي نصفين من الألم ، السفر أهٍ يخطر بشرودي فلا أتذكر إلا هجرانك وأشتم هذه الظروف التي جعلت من هذا المكان سجاناً لأخر لقاءٍ كان لنا ، كل البلاط الإمبراطوري على تلك الأرض التي أقلت خطواتك إلى مدرج الطائر تحمل من ارتطام قدمك غضب للوداع ، وداع على شكل تذكر،تذكر سآخذه الآن بمجرد حضورك ، شرطي التفتيش في الحاجز الثاني للمغادرين هو أخر من شاهدك سأرشيه الآن ليوصف لي ما كنزت عينيك من وجع ٍ لفراقنا وهو يتلمس جسدك باحثاً عن الممنوعات مررت بسلام رغم أنك أخذت قلوبنا وهي من الممنوعات لأنك قد تقتلنا جميعاً بسفرك الطويل، أيها الرجل الذي يحمل الوطن بأركانه ضمن قلبه الصغير هنا انفصلت جاذبية روحك عن أرض أهلك وذكرياتك ،هنا معقل للفراق هل سيكون فسحةً كبير للقاء أيها الرجل البعيد .؟

عمر الشيخ
[email protected]

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أتساقط من لحظاتكِ الأخيرة

23-كانون الثاني-2021

أرجوك لا تمت كل يوم

28-آذار-2020

أرجوك لاتمت كل يوم

28-آذار-2020

لا تطعم الحمام

02-شباط-2019

رواية «لولو» لعبير اسبر في طبعة ثانية شهية السرد بتكنيك سينمائي

06-أيار-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow