Alef Logo
يوميات
              

الحياة مقابل المقبرة

2008-11-24


قرر ليو أن يصطحبني بجولة في سيارته ليريني منطقته المفضلة في أمستردام. مع أن أمستردام كلها جميلة ، إلا أنه اختار بقعة ، لا تبعد تماما عن سكننا ، أنا وليو ، جاري الملاصق لي . كان المكان عبارة عن أرض واسعة خضراء ، تقع على قناة مائية متسعة ، أي ماء وخضرة ، كما لو أنني أمام مقطع من الجنة . في مقابل ذلك المكان الرائع الجمال ، حيث يأتي الهولنديون ، الأمسترداميون ، لقراءة كتاب ، أو اصطحاب كلب ، أو مرافقة صديق ... للتمدد هنا ، على هذا العشب ، أمام الماء الرحب ، أو الجلوس على كرسي ... ولكن المفارقة ، أنه مقابل كل هذه الحياة ، تقبع المقبرة .

قال ليو ، جاري المسّن ، والذي لم أراه يوما حزينا أو مكشرا ، فرغم عدم تحدثي للهولندية ، وتفاهمنا بالفرنسية ، التي يتقنها كل من أعرفهم في أمستردام ، إلا أننا ، ليو وأنا ، متفاهمان جدا ، كما لو أننا أبناء جيل واحد ، قال لي وأنا لا أزال أعبر عن دهشتي بجمال المكان : هنا ، أريد أن أُدفن . تألمت من عبارة ليو ، واعتبرتها رسالة لي ،إلا أني قلت له بلطف : أنت تتمتع بصحة جيدة... وتوقف الموضوع هنا .

في اليوم التالي ، التقيت بتيزيانو ، الصديق الشاب المشترك لي ولـ ليو ، وقلت له : اسمع أنا لست دائما هنا ، إذا صادف وحدث شيء لـ ليو وأنا في باريس ، أو في أي مكان آخر ، فاعمل على تنفيذ رغبته ، إنه يريد أن يُدفن في المقبرة القريبة من هنا ... وشرحت له ما حصل بيننا . كنت أحدثه وكأني أفضي له بسر خطير.

ضحك تيزيانو مستغربا من ردة فعلي ، وقال : هل تعتقدين أن ليو ينتظر أحدنا ليحقق له أمنيته ، لا بد أنه كتب وصيته وأبلغ ذلك لمن سيقوم بدفنه ... لم توقف تيزيانو رغبة ليو ما بعد الموت ، ولم ينظر إلى الأمر ، نظرة رومانسية ، أو بسوداوية وحزن كما فعلت أنا ، بل ما اهتم به ، هو حالتي أنا ، قال : يبدو أنه في ثقافتكم ، تعاملون الموت بسرية وتكتم . الأمر عندنا عادي ، نحن نتعامل مع الموت كونه ظرف طبيعي وعادي ، لذلك نعدّ المكان الذي نريد أن ندفن فيه ، ونجهز لموتنا ،الموت لم يعد تابو لدينا .

ضحكت من نفسي ، كان ليو ببساطة يريد أن يطلعني على المكان المفضل الذي يعجبه في أمستردام ، يقترح علي مكانا ما أذهب إليه فيما لو رغبت الاسترخاء ، وجاءت جملته عابرة في الحديث ، لم يكن ينقل لي رسالة ، ولا يحملني عبئا ما ، أو وظيفة ، بعد رحيله ، ولكننا معبئون بالفنتازيا ، والتعامل مع الأشياء بخوف وتكتم ، وخاصة الموت ، وكأننا إن تحدثنا به ، علانية ، استدعيناه.

إنهم يتعاملون مع الحياة بصدق ، يحيونها حتى الثمالة ، يحيون بحق ، ويتعاملون بالصدق نفسه مع الموت ، حين يأتي ، يموتون .
نحن نتعامل مع الحياة كموتى ، وحين يأتي الموت ، نحاول أن نهرب منه ... لنحيا .

ليو يتمتع بصحة جيدة ، نلتقي كل صباح ونثرثر قليلا ... وقد يعيش أكثر مني .

مها حسن ، أمستردام

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow