وحيدات سعيدات
2008-11-30
تطرّقت نشرة أخبار الثامنة في محطة فرانس 2 لملفّ يعرض حالة النساء العازبات. وأجرت استطلاعا مع سيدة، تعيش بمعزل عن الرجل .
نادين ، خمسة وأربعون عاما ، مطلقة ، ثلاثة أطفال . تقوم بكافّة أعمال التنظيف والصيانة في البيت، تنظّف حديقة منزلها، تزيل الأعشاب، تقلب التربة، تزرع بعض الأشجار، لتحجبها عن الجيران، تحقيقا لخصوصيتها، تحف الجدران، تدهنها ... تصعد السلم، تشتغل كما يشتغل أفضل رجل. تنقل لي صورة كوميدية عن الرجل، فكأنّ المرأة بحاجة للرجل، كعامل للمهمّات الشاقّة والصعبة. حيث اقترنت صورة الرجل، أو الحاجة لحضوره، من أجل الأعمال التي لا تستطيع المرأة القيام بها، أو تظن كذلك بحكم العادة والتربية. فنحن نشهق في القطارات مثلا، حين نجرّ حقائب السفر الثقيلة، ونطلب من أوّل " رجل " نصادفه، أن يساعدنا، أو نتلفّت حولنا في الشارع، لدى تعرّضنا لموقف نحتاج فيه إلى قوّة عضلات، لنطلب العون من الرجل...
فماريز مثلا، مطلَّقة صديقي، وهي التي لم تطلب منه يوما أمرا شخصيا، بل تتصل به لأسباب تتعلّق بالأولاد، وجدت نفسها " في حاجة له " حين انتقلت إلى منزل جديد، متوقّعة أنّ تجد لديه حلولا سحرية، لمشكلة المكتب مثلا ... وما كان منه إلا أن أعطاها بعض النصائح والاقتراحات، عبر الهاتف، لتشكره وتكتشف أنّ كلّ ما قاله لها، تستطيع طلبه من الأشخاص الذين ستدفع لهم مقابل نقل الأغراض. بكلّ بساطة، لم يكن عند صديقي جوابٌ سحريٌ لماريز التي اعتادت وجوده في الحالات التي لا تعرف كيف تتصرّف فيها ، إذ " لا بدّ من رجل "، وكل ما فعله ذلك الرجل، أن نقل لها، حلوله المنطقية، القائمة على خبرته، كرجل.
تقول نادين: أنا مقتنعة أنّ العيش وحدي أفضل، فالرجل في حياتي هو للمتعة والسعادة. أقضي معه أيام العطل ونهايات الأسبوع، نتناول العشاء في الخارج... أستمتع بلحظاتي معه، ولكنّي لست مؤمنة بالعيش المشترك، فأنا لا أرغب بأن أرمي بأعبائي وهمومي اليومية إليه. ثمّة لكلّ منّا عمله. هو له همومه ومتاعبه، وكذلك أنا. نتقاسم الأوقات الجميلة، ثمّ يعيش كلّ منّا حياته بمفرده.
وبحسب التقرير ذاته، فمن أصل أربع حالات مطالبة بالطلاق، فإنّ حصّة المرأة هي ثلاث حالات. أي أنّ ثلاثة أرباع حالات الطلاق، تتمّ بناء على رغبة المرأة.
أتساءل هنا، إذا لم تكن العلاقة المشتركة، أو العيش المشترك بين الرجل والمرأة قائمة على الحاجة العاطفية والنفسية، فلم يتمّ الارتباط ؟ إذ أنّهم في الغرب، ألغوا الاحتياجات الجنسية، التي لا تعتبر سببا في العيش المشترك، إذ كما في حالة نادين، ومئات الألوف من النساء والرجال، يستطيع كلّ منهم، أن يعيش حياته الجنسية، مع شخص ثابت، أو مع أكثر، دون أن يكون هذا سببا للعيش تحت سقف واحد.
ما الذي يجمع إذن هذه الأعداد الغفيرة من الأشخاص الذين يعيشون معا؟ تقول نادين، وغيرها من النساء السعيدات بوحدتهن : أنا أفضّل العيش وحدي، لا استطيع تقاسم الحياة مع شخص آخر، طيلة الوقت.
أحد أصدقائي السوريين، حين تزوّج امرأة من بلاده، أحضرها خصيصا إلى أوربا، ليرتبط بها، إذ لم يجد خلال تجربته الطويلة أيّ نموذج مناسب له في الغرب، قال لي في بداية زواجه : أرتبك حين أنتبه إلى أنّ ثمّة شخص يقاسمني حياتي، أنا لم أعتد ذلك، اعتدت على الاستقلالية والوحدة، تأتي نساء إلى شقّتي، اذهب أنا، ولكن ذلك في أوقات عرضية، أمّا الثابت ، فهو أني أنام وحدي، وأتجوّل وحدي في الشقة. لم يكن يحتمل مشاركة أحد له، الفضاء الخاص به، طيلة الليل والنهار.
صديقتي الهولندية، تقيم في شقّة، ويقيم صديقها في البناء المجاور لها. يلتقيان عنده أو عندها، حين يتفقان، ولكن يظل لكلّ منهما فضاؤه الخاصّ، للكتابة أو الرسم، أو اللحظات التي يحتاج كل منهما أن يكون وحده، أو لا يحتاج أو يقاسمه أحد لحظاته تلك. والأمثلة كثيرة في أوربا، عن أشخاص تربطهم علاقات حبّ متينة، ولكنهم يتردّدون في التخلّي عن حريتهم الفردية، وتقاسم تفاصيلهم الخاصة مع الشريك.
في الغرب، لا ضرر في أن تكون المرأة عازبة. لأنّ عزوبيتها لا تمنع عنها التمتّع بباقي الميزات التي تحصل عليها المرأة المتزوجة. فهي تستطيع أن تقيم علاقة مع رجل، وتستطيع أن تنجب... والفارق الوحيد بين العازبة والمتزوجة، هو عقد الزواج. إذن لم يعد الرجل في الغرب، ذلك الخارق الذي يحقّق الأمنيات، ويتعادل كلّ من الرجل والمرأة في حجم ما يحققه كلّ منهما للآخر من أمان عاطفيّ وإشباع جنسيّ. ولا أعرف فيما إذا كانت حاجة الرجل للمرأة هي الأقوى من حاجتها هي له، بدليل أنّ أغلب حالات الطلاق، تتمّ بناء على رغبة المرأة، وبدليل أنّ كلّ الرجال يسعون خلف المرأة، ولكنّ ثمّة الكثيرَ الكثيرَ من النساء، اللواتي لا يعني لهنّ الرجل شيئا. ويستطعن العيش دونه.
إلا أنّ المرأة في الشرق، لا تزال متّكئة على الرجل، وكلّ أحلامها وأمنياتها مرتبطة بـ فارس الأحلام، الرجل الذي يحمّل أكثر مما يحتمل واقعيا، من إمكانيات لإشباع الرغبات وتحقيق الأمنيات.
فالرجل في الشرق هو المنقذ والمخلّص. أو بالأحرى، الزواج . إذ أنّ المرأة " العانس " شبه منبوذة اجتماعيا، لأنّه ما من " رجل " يمنحها قيمة وجودها.
وقد قال لي أحدهم، في المدينة التي كنت أحيى فيها: إنّ كلّ نضالك من أجل المرأة، سيتكسّر أمام الرجل، سوف تلجئين إلى " الرجل "، ليكون خلاصك عبره.
فالرجل هو " علي بابا " الذي كشف الأربعين حراميا، وهو حامل " مصباح علاء الدين " لتحقيق الرغبات، ... الرجل خارق في بلادنا، لأنّ المرأة، لن تتمتع بأيّ جزء من الحرية، إن لم يتح لها الزواج. والزوج هنا " سي السيد " الذي يقرر، إمّا فتح أبواب السعادة أمام شريكته " طبعا بحدود "، أو أن يدخلها في خانة العبيد. وتظلّ تنظر إليه بوصفه الفارس والمخلّص، حتى وهو يستعبدها.
وحتى لا أثير نقمة النساء والرجال معا، فأنا أتحدّث عن الأغلبية، ولا أتطرّق للاستثناءات التي قد نجدها في الأوساط الثقافية والمتنورة. إذ ثمّة أزواج يتعاملون مع زوجاتهم كشريكات حقيقيات، لا كعاهرات للمتعة، وخادمات للطبخ والتنظيف، وأمهات للرعاية والحبّ والحنان.
السؤال الذي أريد أن أختم به: لو تحقّق للمرأة في الشرق، أن تعيش بمعزل عن الرجل، حياة كاملة، دون أن تكون حريتها ورغباتها، مشروطة بعقد نكاح شرعيّ، إلى أيّ حدّ ستبحث نساؤنا عن هذا العقد، ليكون العنوان الرئيسيّ لكل سعادة وخلاص، والبطل الثابت في كل أحلام النوم واليقظة، هو ذلك الفارس، المخلّص، المحرّر ... المنتظر عبر بوابات الأمل، لعدم التحوّل إلى " عوانس " منبوذات؟
عن موقع الأوان
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |