تآكل الوهم
2008-12-06
تآكل الوهم
من فضائل هذه السنة الثقافية أنها قدمت كل شيء هنا في المسرح , أعني كل شيء ممكن , على اختلافه وتفاوته , وهي إذ فعلت ذلك نفخت على الأوهام- وإن بلا قصد - فبددتها , أو أنها , هذه الأوهام , بددت نفسها بنفسها , أو أنها لوحدها هكذا انتفخت كالفقاعات حتى الإمتلاء ومن ثم...
في الندوة التي أقيمت لمناقشة عرض " المهاجران" عمر أميرالاي بدأ تعقيبه كمتفرج بأنه " دخيل" على المسرح , وكذلك فعل متكلمان بعده ,كنت أود التعقيب بأن لا أحد " دخيل" على المسرح , كما لا أحد دخيل على أي فن ربما , ولكن خاصة في المسرح الذي هو هكذا علاقةٌ وجهاً لوجه بين العمل و فنانيه وبين جمهور أتى ليراهم ويسمعهم , ولا معنى هنا لأن يُترك التأثر بالعمل والإنفعال بالعمل لـ " الإختصاصيين"... أو كما هو بديهي : لكل إسهامه في قراءة العرض بالطريقة التي يراها , وأن له أن يقول في النهاية : أحببت و تأثرت ... أو لم أحب أو أتأثر .. أو أي شيء آخر
الفقاعات التي تبددت هي من نوع " العروض المليونية" و "العروض- العلاقات العامة" وثمة العروض التي تطمح لتقليد " برودواي " أو قد تحسبُ أنها تشبه " برودواي "... ومن ثم هنالك العروض التي هي " كولاج" وليس بالمعنى الفني للكلمة .. من مثل أن نضيف بعض الرقصات على نص كتب كيفما اتفق ومن ثم نضمّنه بعض الأفكار , الممضوغة سلفا ً, والمعادة ألف مرة و من ثم نبهّرها ببعض السينوغرافيا الإستعراضية .. وبعض القفشات السياسية .. أو غيرها ونقول للجمهور , الذي هو أذكى مما يعتقد أصحاب هذه الوصفات : إليكم .. هذا هو المسرح
و من حظنا, نحن الجمهور, أن العروض المليونية التي لـ "النجوم" تزامنت مع عرض متقشف لامبهرج ولا متبهرج وبدون إدعائات , أعني بكل تأكيد "المهاجران" تأليف البولوني " مروجيك" , إخراج وأداء سامر عمران ومحمد آلرشي ودراماتورجيا أسامة غنم , أقول من حظنا هذا التزامن حتى تغدوا المفارقة ملموسة والمقارنة ملموسة وحيةً ..
ثمة " نجومية " تمارس بالقوة , هنا أيضاً, فالذين هم "نجوم" بالقوة , قوة العلاقات العامة والعلاقات الخاصة يتجاورون , من دون أن يتمنوا بالتأكيد, مع من اشتغلوا بدأب , دون أن يفرضوا أنفسهم , دون ادعاءات , ودون إعلانات - أو بالكاد- , وقدموا عرضاً مسرحياً بكل المعاني التي لمسرح حقيقي
ربما أن المقارنة بالنسبة لي تذهب أبعد من ذلك فتنتقل إلى مضمون المسرح ...فبعكس التيمات المعادة في هجاء المثقف والثقافة ذلك الهجاء الذي يتكرر لدرجة أنه غدا غسيل دماغ منهجي موجه إلى الجمهور , أقول بعكس هذه التيمات المعادة ألف مرة "مثقف" المهاجران (سامر عمران) بدا مثقفاً حياً وحساسا ًأو هكذا صار في نهاية العرض .. ففيما يبدأ في- أول العرض -متفذلكاً , متعالياً , بعيداً في برج لوحده , ينتهي مثقفاً حياً في علاقته بالعالم وفي علاقته بشريكه في السكن والإغتراب عامل التمديدات الصحية (محمد آلرشي ) , بدوره العامل الذي بدا في أول العرض عامياً وسوقيا ًومحترفاً للكذب غدا شخصاً آخر في تحول استمر أكثر من ساعتين , في ما لابد أن نسميه إزالة الوهم , ليتخلى عن أحلامٍ اكتشف أنها لاتعنيه , ومن ثم ليرى بوضوح كيف أنهما المثقف والعامل في مصيدة واحدة وفي بؤس واحد , كل بطريقته ,
كان من المدهش لي أن أراقب تحول اللغة , ذلك التحول التدريجي في الحوار الذي ملأ ساعتين من العرض وكيف أن اللغة السوقية التي كانت للعامل في بداية العرض اقتربت , خِفية, من لغة المثقف التي بدورها بدأت متعالية و متفذلكة و"برج عاجية "ثم تحولت, تدريجياً بدورها أيضاً , لتتقاطع في النهاية و لغة العامل في مكاشفة عنيفة تنتهي إلى سبر ما هو إنساني بعمق في كليهما
كل هذا كان يستدعي – لا بد – عملاً هادئاً دءوبا ومعرفة وموهبة .. وهكذا هو المسرح , كما أراه
المفارقات بين المسرح والمسرح الذي لـ "النجوم" تنسحب على مكان العرض ففيما ذاك الذي لـ " النجوم" تحت الأضواء الساطعة في دار الأوبرا , " اللاجئان ", وربما معهما المسرح الحقيقي .. في الملجأ .
بالاتفاق مع الكاتب عنن جريدة بلدنا
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |