Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

قصة قصيرة: نبتة الشوك للكاتب والشاعر الأمريكي جيمس تات ترجمة:

خالد الجبيلي

2008-12-15


(من مجموعته القصصية القصيرة، أحلام نحلة آلية راقصة)
ترجمة: خالد الجبيلي


كنت جالساً في عريني منهمكاً في قراءة مقالة عن تأثيرات السيبيرفيليا المدمرة على الأسرة الأمريكية المعاصرة، أو ما تبقّى منها. وإذا كنتَ لا تعرف ما معنى "سيبيرفيليا" حتى الآن، فهي الشعور القسري بالعمل على جهاز الكمبيوتر، وتفضيله على أي عمل آخر (أما أنا فلا أملك جهاز كمبيوتر، ولدي رهاب منه). ومع ذلك، فقد كنت شديد الاهتمام بقراءة هذه المقالة، مفكراً بتلذذ بأن تنبؤاتي قد تحققت أخيراً، عندما دخلت إيلين وراحت تنبح عليّ: "بول، أرجو أن تحرّك مؤخرتك من فوق الكرسي، وأن تخرج إلى الكراج وأن تقتلع نبتة الشوك اللعينة. وإذا كنت قد طلبت منك أن تقطعها مرة، فقد طلبت منك ذلك عشرات المرات".
"ماذا فعلت لكِ هذه النبتة؟ "أجبتها، كما كنت أجيبها عادة على جميع طلباتها لي التي لم تتوقف طوال الأسبوع. ليس مسموحاً لي أن أقرأ مقالة بهدوء وسلام في غرفة مكتبي. لقد عملت دون توقف طوال سنوات كثيرة منتظراً اللحظة التي تتاح لي فيها الفرصة لكي أقرأ مقالة من بدايتها حتى نهايتها بهدوء وبدون إزعاج بعد ظهر أيام السبت الحارة ذات الرطوبة الخانقة. لكن لا، فعندما تريد إيلين أن تُقتلع نبتة الشوك من الكراج، عندها يجب أن أتوقف عن عمل أي شيء أقوم به، وأن أطيع أوامرها، وإلا فلن أنعم بالهدوء والسلام. وهكذا تلاشت متعتي في القراءة عن المآسي المحلية الناجمة عن الوله في استخدام جهاز الكمبيوتر. إن إيلين تضرب عرض الحائط بأي شيء يمكن أن يدخل المتعة إلى نفسي، ولا تفهم رغبتي التي لا يمكن إنكارها، بل رغبتي المستميتة في أن أبدي اهتماماً بشيء حقيقي. "إيلين"، قلت لها، في محاولة أخيرة يائسة أعرف أنها محكومة بالفشل، لكي أهزم الجنرال: "لا أظن أن هذه الأشواك ستمزّق غطاء السيارة... حسناً، حسناً، سأذهب...".
ألقيت المجلة التي كنت أقرأها، وهكذا حرمت من قراءة الإحصائيات الشيقة، ومن قراءة نماذج عن قصص الرعب عن الأطفال الذين لم يكلموا آباءهم منذ سنوات، والأزواج الذين فقدوا أي دافع للجنس، وما إلى ذلك. ذاك النوع من القصص التي تجعلني أشعر بالارتياح في قرارة نفسي، والتي تثبت أنني كنت محقاً بعدم تعلم ما جلبته تلك الثورة. لا، بل يجب عليّ أن أذهب إلى ذلك الكراج الحار الخانق؛ وأن أشق طريقي متعثراً بين أكوام الخرق الملوثة بالزيت والمليئة بالزنابير والدبابير ذات النشاط المفرط، لأبحث عن آلة القص– كلّ ذلك لأتمكن من تدمير شعار اسكتلندا الوطني. لكنني الآن لست سوى جبان مطيع. إنني أعاني من أحد أشكال العبودية المعدّلة.
وهكذا عثرت على مكان آلة القص، كما كنت أتوقّع، تحت جبل من الخرق الملوثة بالزيت، ولم يبق نوع من أنواع الزنابير والدبابير إلا وطنّ وأزّ في أذني، وأمعن في تعذيبي، وبما أن لدي حساسية إزاء جميع السموم التي تبثها هذه الدبابير، يحق لي أن أعتبر أن هذه المهمة تهدد حياتي. لدغة واحدة ويقضى علي. كل هذا من أجلك يا إيلين: أعداد مجلة ناشيونال جيوغرافيك منذ سنوات طويلة، كلّها لك، ذلك الكنز. الصناديق الستّة المليئة بنشرات عن السفر والرحلات، كلّها لك. الزبالة الكثيرة التي يثبت المرء من خلالها أنه موجود. لا شك في أن مصيرها جميعاً سيكون في علبة القمامة قبل أن تتوقف عظامي عن الاهتزاز. كلّ هذه الزبالة العزيزة، ستتغير مع زبالة الرجل القادم. بحق الجحيم لماذا لا تدعيني وشأني، وتدعيني أواصل قراءة ذلك الخبر عن الرجل الأنيق الذي مات جوعاً أمام جهازه المايكرو الإلكتروني. لا، لا، لا، لا يمكن أن يكون الأمر هكذا.
في أيام السبت، لا تحب إيلين شيئاً أكثر من أن تصدر أوامرها لي لكي أقتل أشياء، أو لكي أُقتل أنا: تلك الدبابير المعششة فوق درفات الشبابيك، اقتلها. لقد تسلل ذاك الظربان(حيوان ثديي صغير نتن الرائحة) إلى علبة القمامة مرة أخرى الليلة الماضية: ابحث عنه واقتله (أو لينفث رائحته عليك). أو من الأفضل دعه يعضك، وليحقنوك بسلسلة من الحقن القبيحة ضد مرض الكلب – وخاصة أنك تخشى الإبر على نحو مميت - انهض يا بول، بول، ضع من يدك هذه المجلة التي تحبها؛ بول، اذهب إلى خط الجبهة. بول جازف بحياتك. مهما كنت تفعل يا بول، لا تدعني أراك في وضعية تكون مرتاحاً فيها، سالماً، أو ساهماً في إحدى تنبؤاتك.
وهكذا إذن، ها أنا أخيراً، أقف أمام هذه النبتة الجميلة المهيبة، التي يكاد يصل ارتفاعها إلى ثلاثة أقدام ونصف القدم، ويؤسفني أن أقول إنها مزهرة على نحو رائع. بدأت أدرك بثقة أكبر، أنه حكم مطلق بالإعدام بدون رحمة. كنت أفضّل أنّ تأمرني بأن أعبر الشارع وأقطع رقبة كلب جارنا. نعم، كان من الممكن أن أقبل هذا الأمر بسرور لأن لهذا المخلوق رغبة شنيعة لا شفاء منها في العواء والنباح على القمر، الذي جعلنا نستيقظ طوال ليلة البارحة (بل لأكون أكثر دقة، معظم السنوات الستّ الماضية). لكن نبتة الشوك الجميلة إلى درجة تدعو للدهشة، التي نبتت هنا بمحض الصدفة، وبما أنه يبدو أن الصدفة هي إلهنا الجديد، فلماذا تأمريني بأن أخاطر بتحمّل غضب – إلهنا – الجديد، الذي ربما استشاط غضباً والذي يصبح فظيعاً وقاسياً عندما يغضبه أحد؟ إنها نزوة إيلين: بول، أخرج واقطع تلك النبتة الشوكية في الكراج. "لماذا، يا عزيزتي؟ لماذا يجب علي أن أقطع تلك النبتة؟ "لأنني قلت لك ذلك، يا بول. الآن، افعل ما أقوله لك حالاً قبل أن يجن جنوني!
بدأ المطر يتساقط. وبينما كنت أقف هنا أمام هذه الزهرة الأرجوانية الرقيقة، أحمل أوامر بالقضاء عليها، بدأت الغيوم التي تنذر بعاصفة شديدة تتجمع فوق التلال. بدأت أشعر بجهاز قياس الضغط يهبط كل دقيقة، وبدأت أشعر بالدوار. كانت هذه العواصف الكهربائية الصيفية قد بدأت تحدث هذا التأثير عليّ منذ السنتين الماضيتين. لم يحدث أن أغمي عليّ من قبل، لكني أشعر وكأنه سيغمى عليّ الآن، وهو شيء بغيض. ربما أغمي عليّ ولم أفق ثانية. عندها ستضطر إيلين لأن تقوم بجميع أعمال القتل بنفسها. هل سينتابها إحساس مختلف آنذاك؟ ربما كان ذلك جيداً بالنسبة لها. فبعد أول إراقة للدماء تقوم بها، مثل أن تصبّ سمّ الحلزون في داخل جحر الخلد، لكي تبدأ جميع تلك المخلوقات الصغيرة العمياء ذات الأنوف التي تشبه النجمات، تخرج لاهثة طلباً للهواء، وربما عندها ستتوقف عن ذلك، وتصبح القديسة الشفيعة لجميع الحشرات والحيوانات الصغيرة والأشواك.
بدأ الآن البرق يومض في السماء، وبدأت تصدر تلك القعقعة العميقة التي تسبق دائماً غضب ذلك الانفجار الصيفي. كنت أجد متعة في سماعها عندما كنت طفلاً. كنت أشعر بالشجاعة وأنا أهدئ من روع أمّي التي كان ينتابها الفزع عندما ترى وميض البرق. (آنذاك عندما كان خيال الطفل قاصراً: فقد كنت أعتقد أنه لن يصيبني) أما الآن، أضف شيئاً آخر إلى قائمتي التي تتزايد يوماً بعد يوم ... حسناً، لن أدعوها رهاباً، بل أشياء لا تسرني. في هذه اللحظة، أشعر بأنني سأنقلب على عقبي ويقضى عليّ، ولن تعود نبتة الشوك الذبيحة على قائمة الجرائم التي ارتكبتها عندما أنتقل إلى تشانسيفيل.
لكنني إذا عدت أدراجي إلى البيت، وأخبرت الجنرال بأنني لم أنفذ أوامرها، فثمة احتمال كبير بأن تقتلني هي نفسها، أو على الأقل، سأكون واثقاً من أنها لن تدعني أمسك تلك المجلة ثانية لكي أعرف كيف أصبحت حياة الناس الآخرين المعاصرين في حالة يرثى لها. نعم سأجازف. وسأخبرها بأن هذا الأمر يجب أن يتوقّف، كلّ هذا القتل. لقد حددت موقفي أخيراً، بشأن نبتة الشوك تلك.
James Tate





تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الموت أقوى من الحبّ-غابريل غارسيا ماركيز-ترجمة

14-كانون الأول-2019

لموت أقوى من الحبّ-غابريل غارسيا

05-آب-2017

مقتطف من رواية "حبّ في جدة" / ترجمة

09-آذار-2011

حفلة شاي / هارولد بينتر ترجمة:

03-أيار-2009

مذكرات أناييس نين / المجلد الأول / ترجمة:

10-شباط-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow