Alef Logo
يوميات
              

بين حذائين

بشير عاني

2008-12-20


يبدو أن اليد الشجاعة للصحفي العراقي منتظر الزيدي، التي أطلقت الحذاء نحو رأس الرئيس الأمريكي جورج بوش، كانت تنقصها الخبرة في تصويب الأحذية باتجاه الزعماء والقادة, إذ انحرف الحذاء سنتمترات قليلة عن وجه الرئيس ما اضطر العراقي الجسور لـ (فصخ) الفردة الثانية من قدمه وتصويبها مجدداً نحو الهدف الأمريكي, وللأسف فقد خانه الحظ ثانية إذ انشقت الأرض عن يد المالكي التي أبعدت الحذاء في اللحظات الأخيرة.
بعد حادثة الحذاء هذه بدأت تراود البعض أفكارٌ خبيثة مفادها أن العالم مازال يحتاج استخدام وسائل أكثر إقناعا من الأسلحة والسياسة والمناورات والأحلاف, فقد أثبت الحذاء مثلاً أنه مازال قادراً على إقناع الخصوم, فخروتشوف, الزعيم السوفيتي السابق، أدخل الرعب في قلوب أعدائه وهو يضرب بحذائه طاولة الأمم المتحدة إبّان الأزمة الكوبية, كذلك كان حذاء العراقي منتظر الزيدي، الذي أثبت أنه أصدق أنباءً وأكثر نجاعة- بعد أن عجزت وسائل الإعلام والمؤتمرات الدولية والمنظمات الإنسانية ومئات الآلاف من القتلى العراقيين- في إقناع الإدارة الأمريكية بأن هذه الحرب كانت ظالمةً وأن مشعليها ليسوا سوى مجرمي حرب بامتياز.
وإذا كان صحيحاً إيجاد روابط وتشابهات بين حذائي خروتشوف والزيدي, إلا أن ثمة فروق (إستراتيجية) بينهما, فحذاء الأول استخدم في ظروف دولية مؤاتية، وكانت اليد التي تمسكه تمثل دولة عظمى, ربما هي الأقوى في حينها, حيث كان أكثر من نصف سكان الأرض يدين بالاشتراكية, كما أن الحادثة وقعت في أرض محايدة (مقر الأمم المتحدة).
أما حذاء الزيدي فقد انطلق نحو الهدف الأمريكي في الملعب الأمريكي (المنطقة الخضراء), وبين أنصاره ومشجعيه, ولم يكن مطلقه إلا يتيماً عراقياً مغلوباً على أمره, كما هو حال شعبه تماماً.
من جهة أخرى فقد كان حذاء خروتشوف يمثل نوعاً من الترف السياسي، حيث أًنيط به توسيع النفوذ السوفييتي وتحقيق المصالح العليا لسياسته, فيما كانت المصلحة العليا لحذاء الزيدي, وحسب تصريحات عائلته, الثأر لما يقارب الخمسة ملايين يتيم عراقي فقدوا ذويهم منذ بداية الاحتلال الأمريكي.
سيكولوجياً، تسبب حذاء خروتشوف في دب الذعر بين صفوف السوفيت وحلفائهم خشية أن يقود هذا التحدي السافر العالم إلى حرب كونية جديدة, في ما كان حذاء الزيدي عاملاً في توحيد العراقيين، إذ أشعل جذوة الكرامة الوطنية في الشارع العراقي فخرجت الجموع من كافة المدن والبلدات تهتف باسم صاحبه وتطالب بإطلاق سراحه, وهذا ما أرعب الحكومة العراقية وأجبرها على نقله إلى مقر رئاسة الوزراء والتكفل بمهام حراسته وأمنه خشية تداعياتٍ لا تُحمد عقباها, خصوصاً وهم يتذكرون جيداً أن ثورة العشرين (في أسبابها القريبة) قد اشتعلت إثر حادثة مشابهة جرت بين المندوب الإنكليزي وأحد رجال الدين.
العراقيون بمختلف أطيافهم السياسية والدينية والاجتماعية, في بغداد والأنبار والنجف وكربلاء وغيرها كانوا يهتفون لهذا الصحفي الجسور مطالبين بإطلاق سراحه باعتباره نموذجاً مشرفاً للعراقي الحر.
عسكرياً كان حذاء خروتشوف مدعوماً بالأحلاف، وبترسانة من الأسلحة التقليدية والنووية, فيما كان حذاء الزيدي أعزل تماماً لا يسنده سوى حبر وأوراق صاحبه التي كان يستخدمها ليخط معاناة شعبه وتطلعاته نحو الأمان والحرية.
لم يثن الزيدي عن فعلته إحساسه بأنه أعزل تماما، بعد الخروج المبكر للسلاح العراقي من المعركة، منذ الأيام الأولى للاحتلال, وهو السلاح الذي كان النظام السابق يتباهى بتكديسه وتخزينه على مدى ثلاثين عاماً، لم يثنه ذلك فلجأ إلى (السلاح) الأكثر مضاءً وتأثيرا.
كان حذاء الزيدي السلاح الذي أعاد توحيد العراقيين وأصاب المحتل إصابة بالغة التأثير, فالإهانة التي تلقاها الرئيس الأمريكي هي سابقةُ من نوعها ومن العيار الثقيل خصوصاً وهو المتغطرس الذي يمثل الصلف الأمريكي بشكل فاضح.
أجل.. لقد تمكن حذاء الزيدي من تجميع العراقيين بمكوناتهم المختلفة، وهو ما شهدناه جلياً في التحركات الشعبية للمدن العراقية التي قامت معظمها بإنشاء صناديق خاصة لجمع التبرعات بغية تمويل حملات الدفاع عن هذا العراقي الجسور.
ومما تجدر الإشارة إليه هو الموقف المشرف للفضائية البغدادية, وهي القناة التلفزيونية التي يعمل بها الزيدي, فهي لم تفكر لحظة في التنصل مما فعله مراسلها، على العكس فقد بدا عليها أنها مهللة لما فعله.فقد أصدرت بياناً خاصاً طالبت فيه بإطلاق سراحه وأوقفت بث جميع برامجها اليومية محولةً القناة إلى ساحةٍ حواريةٍ ومنتدىً خاصٍ بهذه القضية, رافعة إياها من المستوى الشخصي إلى الإطار العام.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

ما هي حظوظ الأصوليات الدينية في سورية..؟

12-آذار-2016

"خضر" والذين معه

21-تموز-2012

دم راشد بما يكفي

05-تموز-2012

آخرُ الأمر..

05-حزيران-2012

وجوه عديدة لـ (صحّاف) واحد

24-آب-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow