Alef Logo
ابداعات
              

المطر.. "إلى غزة في هذا الشتاء.."

غريب عسقلاني

2008-12-26

قال جدي عندما اختلفت مع أخي على كسرة خبز:

- احذروا جفاف الوقت!!

.. وجف شتاء المدينة, فخشع الناس.. ابتهلوا وصلوا في العراء صلاة الاستسقاء.. استجابت السماء وأجهضت الغيم عن غيث وفير لم يتوقف نهارين وليلة..فغرقت المدينة..صارت الشوارع سيولا دافقات, حبست الناس في البيوت, وضرب البرد العباد مع غياب الوقود والكهربا وحتى حطب المواقد والمجامر.. تساءل الخلق:

"هل هو غيث غضب! أم غضب رحمة..؟ ".. ولم يستجيبوا لدعوة منادي الأمير لإقامة صلاة وقف المطر.. ومنهم من تجرأ وصرخ في وجه المنادي :

- كيف نسأل الله أن يرفع عنا رحمة السماء؟

فقبضوا عليه وسحلوه, فاختلفت مع أخي حول طريقة السحل, ولم نتوقف عن الشجار حتى مات الرجل..

ضحك جدي:

- هدنة مؤقتة يا صابئين..!! كيف يسحل الأخ أخاه؟؟

وجدي هذا صام عن الكلام منذ أكثر ستين سنة, وصبر على جور صقيع الثلجة* التي ضربت خيام اللاجئين في الهجرة الأولى.. فقد خلع ثوبه الوحيد وقضى الليل عاريا كما ولدته أمه, ليس عن جنون أو بلل لحق ثوبه, أو حتى نجاسة طارئه, بل لأنه لف بالثوب ابنه الذي باضته جدتي عسرا تلك الليلة, وابنه هذا هو أبي الأعسر الوحيد بين إخوته والذي ورثته الثلجة أخف الأذى فأصبح المحسود بين اقرنه, إذ ورثة الثلجة اصطكاك الأسنان كلما وقعت عينه على قطعة ثلج, أو لامست شفتاه الماء البارد.. لذلك كان جدي يقول:

- لن تفارق عبد الله الرجفة حتى يتدفأ على نار حطب زيتون عسقلان عند أعتاب ولي الله الشيخ عوض..

وبعد أن حلت النكسة بالعرب, وتوحدت الأراضي الفلسطينية من جديد تحت الاحتلال, قال جدي:

- لعله خير..

وفي أربعينية أول شتاء أعقب النكسة إصطحب ابنه الذي هو أبي عبد الله إلى المقام, واحتطب من فروع الزيتون الجافة وأشعل النار.. وأمر عبد الله أن يتدفأ على النار عاريا كما ولدته أمه بين يدي صاحب المقام, الذي لا يخذل طالب رحمة أو صاحب حاجة.. ولكنهم حاصروا المقام واصطحبوا أبي عاريا.. ورجع جدي بثياب أبي صامتا, وقضى أبي عقوبة السجن بتهمة التخريب..

وظل أبي في حيرة من أمرة يبحث عن سبب اعتقاله وما زال.. ولكنه سجل في القوائم الأولى من المعتقلين.. فتباهينا به وأصبحنا أبناء المناضل..

ومرت الأيام وكبرنا أنا وأخي حتى اختلفنا.. فتحجرت الدموع في مقلتي جدي منذ نشب الخلاف بيني وبين أخي على كسرة الخبز, واندلقت دموعه مثل سيل,عندما دخلنا معمعة الاقتتال..

وفي يوم خرجنا من المعمعة مصابين..فخرج جدي عن صمته, قال:

- على ماذا الخلاف؟

- على فتح وحماس

- وعسقلان؟

صرخ جدي.. وسقط.. أخذتنا الصرخة إلى الصمت.. نهض جدي تعرى كما ولدته أمه.. وأقام صلاة الاستخارة وحيدا..



















تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

إطار لصورة رمادية

14-نيسان-2018

إطار لصورة رمادية

30-تموز-2015

مدونات دعبول السلام

13-تشرين الأول-2012

قصة قصيرة / غيمة الدموع

16-أيلول-2012

بلورة المرجان

18-نيسان-2012

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow