Alef Logo
كشاف الوراقين
              

الشّاعرة نضال حمارنة في " مفاعل حسّي " : التّكثيف الشّعري ولعنة الومضة

عمر الشيخ

2009-01-07


نضال حمارنة شاعرة وقاصة أردنية مقيمة في دمشق ، تكتب للصحافة المحلية والعربية،تمتلك خفّة دم في الكتابة الصحفية ،ومفردات طريّة التعبير وسريعة الوصول إلى القارئ ، لا تستخدم الثرثرة كوسيلة لتظاهر بهيئة (الفهيمة جداً) ،إنما ترافق جملتها وحالاتها الشعرية مفردات تدل على خبرة ذائقة أنيقة الانتقاء لمعاني ذات بريق خاص .
أصدرت منذ حوالي أربع سنوات مجموعة قصصية بعنوان(شبّ الكوبّا) ، وهي تقدم في تلك المجموعة مقترح في تحويل المجاز إلى حقيقة ،بواسطة حيل لغويّة ذات فنيّة عالية،والآن بعد تلك المجموعة القصصية الأولى ما الذي حصل في عوالم هذه الكاتبة لتتحول إلى (ذئبة) من عيار شاعري مدهش ترسم حياتها بنزق ؟
فما قدمته من مغامرات ومشاهد للذاكرة في مجموعتها الشعريّة الجديدة والأولى
(مفاعل حسّي) الصادرة عن دار عشتروت في لبنان صيف العام 2008 ، يدل على مرحلة حياتية مليئة بالجنون والحب والتسكع ،حولتها من العمل في القصة القصيرة إلى شاعرة بطبع مختلف متقلب دائماً كما تجسدها فطريتها في نصوص هذه المجموعة ، حيث استخدمت الشاعرة التكثيف الصوري لقصيدة الومضة ، مما جعل الحالة الشعرية الأثيرة لتلك القصائد يأتي على روح القارئ (حفر وتنزيل) بلا حشو،بحجم الإحساس تُطرز مقطوعاتها بحرفيّة عالية ،جاعلةً من البوح الصادق لوناً يطبع قيمته على طقوس المجموعة.
انتقاء التشابيه لدى نضال حمارنة راح أكثر نحو العفوية والاقتصاد اللغوي ، فهي تستخدم العناوين اللافتة لمقطوعتها ببطء شاعري كما لو أنها لا ترغب أن يشبهها أحد ،بشفافية الرقص تطلق هذا المقطع بعنوان(فالس تشكيلي) من وحي محبتها لمفتاح أسرارها (أختها) ، التي لها في الذاكرة رائحة الأنهار و عاطفة الوردة :(تتفتح مليّاً نحو الشمس /تنبسط أكثر نحو الأرض/ يدها أوسع من حضن / غيابها.. رحيل الأنهار/ حضورها ..أقوى من الرحمة / أختي )ص7.

تكنز خفايا الشاعرة لغة متمردة تدل على توحّش أنثويّ، ضدّ العالم ، ولكن لا يدوم سوى لحظات ، لتثبت للمتلقي أنها مدينة إحساس تحمل قلبها درعاً وتدخل الحب بقوة ، وتفرد أجنحة روحها للبياض : (قلبي قرصان أعمى/ تأكله سفن الشهوات)ص13.
وأيضاً: (كأنني..نوّارة المهزومين/ ومبدعة الخرائب/ راهبةٌ غبية / تفتش عن الحب في ماخور العالم)ص 14
بحسها الايروتيكي المخفيّ تبرمج آلية عاطفتها نحو حركاتٍ تستعيد من خلالها مسرةً مضت ، لجسدٍ آثار أنوثتها ، ولكنه أصبح باهتاً أو مسافراً بسبب ما يسمى قدر، تبتعد الشاعرة في ذلك التوصيف الفني عن المباشرة لحد ما ، لكنها تقع في الرموز العلنية بشكل أو بآخر كما في المقطع التالي : (حين شعرتُ أني أمريكا /سحبتُكَ إلى مدخل العمارة الأنيق / قُرب الأسانسير / أكلتُ شفتكَ . / هتكتُ سرتكَ . /في اليوم التالي …./ارتسمتْ إبرُ ذقنكَ على جسدي/كحمّى الوباء الأصفر / ) ص40.
إلاّ أنها في مقطع آخر ، تنجح في إخفاء المباشرة الشعرية بشكل كليّ ، متناوبةً على إعطاء الحالة هذه الدفقة الكبيرة من الصدق ، لدرجة الاشتهاء مثلاً :
(لعابكَ في لعابي سيل فِضة ./ حين تغيب ... /ألعقُ خاتمي /وأتوه مع ظلٍ/تشفّى بجسدي/ يا وغد البعاد / وسليل الهروب الأزلي ) ص 49.
وفي ارتكازٍ آخر على عناصر القصيدة ، تستحضر الشاعرة نضال حمارنة أمكنة زاولتها كثيراً وجعلت من حضورها في النص أثراً يفضح الذاكرة ، ومع تلك الأمكنة التي فجرت أصيص أعماقها المكتوم ثمّة أسماء لشخصيات أدبية ، تحتك معهم الشاعرة في حياتها اليومية، حيث كل ذلك دليل عفوية لمقاربة النص من حياتها أكثر وإعطائه هوية خاصة ،لتفرض نفسها
بلا منافس للالتصاق بحميمية الأشياء وغربة الناس رغم قربهم من حياتها بشكل كبير : ( الليل أزرق / والجسر أبيض / ونحن/وتكسي لا يأتي منزويان عند غياب النهر ..)ص 40.
وأيضاً ( نادي الصحفيين) (خالد خليفة) .. و(محمد البخاري) ..و(رجاء طايع) و (لؤي درويش) .. و(وادي القمر في الأردن .. )أمكنة و أشخاص أدخلتهم الشاعرة إلى نصوصها بموسيقة طازجة،ومفارقات مدهشة ، مستفيدةً من احداث مفجعة لرفع حرارة النص مثل حادثة وفاة الكاتبة رجاء طايع في نادي الصحفيين تقول الشاعرة : ( صوت رجاء / مازال بين الطاولات /طيف ضحية / يرتجّ / في عقم الناجين من الحادثة ) ص78.
أو مثلاً كحديث الروائي السوري خالد خليفة حين يسألها .. ( من كسر خاطر كاحلك ) ص81.

نضال حمارنة في مفاعلها الحسّي ، تدخل الشعر من عالم قصيدة الومضة والتكثيف الشفاف لحالاتها الإنسانية التي تعيشها في الذكريات وفي اللحظة الآنية،بحساسيتها اللطيفة توقع بهذا العنوان (مفاعل حسّي)مكاناً لها على خارطة الشعر العربي ، مقترحةً تخليص الشعر من البلاغة وتسليمه لزوابع المحسوس اليومية أكثر من الغناء في أمكنة لا تشبه شاعرها.

التنوع في انتقاء الحالات الشعرية له صدى طيب في هذا الكتاب ، والاشتغال الطويل على تلك القصائد يبدوا برونقه قد أكسب الشاعرة تلك الثقة ، فهي ليست مستعجلة على شيء الشعر يصل إلى العالم عندما يصبح شعراً حقاً، بلا قوالب التكرار والتشابه ،وهذا ما أعطى نضال حمارنة وردة حياة معطرة بالإنسانية تستحقها على ما قدمته من تمردٍ وجنون في مغامرة الشعر جاعلةً ً
من الجسد والأنفاس في حالة ارتعاش وفرح (أون لاين) .
____________________________________________________________
جريدة البناء السورية
5/1/2009
§ عمر الشّيخ

[email protected]


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أتساقط من لحظاتكِ الأخيرة

23-كانون الثاني-2021

أرجوك لا تمت كل يوم

28-آذار-2020

أرجوك لاتمت كل يوم

28-آذار-2020

لا تطعم الحمام

02-شباط-2019

رواية «لولو» لعبير اسبر في طبعة ثانية شهية السرد بتكنيك سينمائي

06-أيار-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow