Alef Logo
كشاف الوراقين
              

فتاة البسكويت / وصراعات داخل جمجمة

ناصر العزبي

2007-12-31

في المجموعة القصصية "فتاة البسكويت " تقدم القاصة "زينب البحراني" نفسها من خلال عشر قصص هي:(فتاة البسكويت- لا أريد إلا وسادتي - بائع الهواتف المجهول - فقاعة عطر- أوغاد- كلنا نريدك ! - رقصة التخمة - ولماذا أندم ؟! - حظ – أعترف)
وأول ما يلفت الانتباه في تلك المجموعة هو أنها لا يمكن إخضاعها للتصنيف التقليدي ــ الذي اعتدناه في الآونة الأخيرة ــ بالأدب النسائي ، فهي إلى حد ما لا يمكن للقارئ تحديد جنس مؤلفها ـ في حالة إخفاء اسم المؤلف ـ فــ "زينب" لا تتبنى رأي المرأة على إطلاقه ، أيضا غير متحيزة لها على حساب الرجل ، فهي تتجول داخل الشخصية بما لها أو عليها وفقا لرؤيتها ...
فالأبطال في قصص المجموعة هم: (الفنان في قصة "فتاة.."،وكاظم في"لا أريد إلا.." ،وزياد في "فقعة عطر" ، والمدرس في "..التخمة" ، وفريد في "لماذا أندم" ،وعماد في "أعترف" والرجل المسن في(كلنا نريدك)..وجميعهم رجال في سبع قصص في مقابل (( مايا في "بائع الهواتف المجهول.." ،وغادة في "أوغاد ،و ليلى في"حظ" )) في الثلاث قصص الباقية .
وهي تنهج في أسلوبها المنهج السيكو درامي الذي يتيح لها التغلغل داخل الشخصية بوجه خاص أو النفس البشرية على وجه العموم .والحياة أو العلم للمرأة في القصص هو الرجل ، وحتى المستقبل هوالرجل ، وهو عالم غير مكتمل ! ، بينما نجد عالم الرجل في القصص على العكس تماما ، فعالمه هو المرأة ، والعمل ، والحياة اليومية ، والفن ، ..عالم مكتمل نسبيا ...
كما أن الموضوعات ذاتها ؛إنسانية متصلة بالواقع في ذات الوقت رغم جنوح أحداثها للخيال أحيانا ...
الشخصيات بمجموعة "فتاة البسكوت "محملة بأبعاد درامية لها اتصال بالواقع ولها بناء مكتمل نسبيا ،وتجوب بنا داخلها ــ بشكل غير محسوس نقبله ــ فنجدها تتنقل من الحدث الخاص إلى عوالم خارجية ثم تعود بنا ــ بشكل نقبله أيضا ــ تنتقل من الخيال "داخل الحلم" إلى الواقع ثم تعود ،من داخل حدود الجمجمة إلى الخارج بين الجماجم الإنسانية...
وتصوغ "زينب"مفردات سردها في انسيابية غير متكلفة ، تميل كثيرا إلى كلاسيكيات القصة ـ وان اختلفت في التراكيب اللغوية مستخدمة مفردات حديثة ،وأيضا مفردات تشعرنا بعالم غامض ــ وهناك فارق بين الغامض والمركب ــ لتضع علامات استفهام مستمرة حول الشخصية طوال سردها للقصة ولا تكشف لنا عنها إلا في نهاية القصة ـ، بل على عكس المعتاد فإنها غالبا لاتكشف حتى عن اسم البطل إلا في الثلث الأخير من القصة وربما نهايتها
..وخلال مراحل السرد نشعر بالصراع في عالم صاخب مملوء بالضجيج نشعر فيه بالحركة السريعة واللهاث ، وربما مطاردات الا نعرف من أين..! ولا بين من ومن ؛ بما يضفي ذلك على العمل من إثارة الفضول والتشوق.
وتتعامل "زينب البحراني" ـ كما قلنا ـ مع مناطق انسانية داخل النفس مع مواقف أكثر واقعية لتضعنا أمام شخصيات مكتوفة الأيدي ،وأيضا غير متمردة ـ وان كان تمردها داخلها فقط ـ شخصيات ترفض ــ مجرد الرفض ـ السلطة في صور متعددة (الأبوية في البيت ، وفي المدرسة ، وفي العمل ، بالإضافة لسلطة المجتمع والتقاليد .. )
فقصة " فتاة البسكويت " موضوعها مشروع لوحة فنية يشغل كيان "رسام" ، ويسيطر عليه في يقظته ونومه طوال أسابيع ـ هي مدة انجاز اللوحة ـ عدت كالدهر ، حيث سيطرت عليه صورة تلك الفتاة ـ موضوع اللوحة ـ بكل تفاصيلها الإنسانية في مشهد واحد وفعل واحد مستمر " وهي تحشو فمها بالبسكويت "ذلك الفعل الذي لا يتوقف ..وهي تستنجد به في بكاء بل نحيب مستمر، وبالطبع مع طول رسمه للوحة يزيد نحيبها، فهو الوحيد الذي يملك نجدتها ..
لقد ظلت تسيطر عليه بشكل دائم وملح إلى أن انتهى من إنجاز لوحته في نهاية القصة ، لنجدها توقفت ـ بداخله ـ عن النحيب ، ونجده يتحرر من سطوتها عليه ، أو من كابوس انتهى منه على خير ..
هكذا عبرت "زينب" عن رحلة الفنان ومعاناته مع لوحته في عالمه الخاص الذي يختلط فيه الحلم باليقظة ، ويندمج في موضوعه ولا يتحرر منه إلا لحظة انتهاءه من التوقيع عليها ...
وفي " لا أريد إلا وسادتي" نجد "كاظم" لا يستطيع الهروب من واقعه ـ حتى في منامه ـ بكل ما فيه من مشاكل وأحداث ، فلا يتمكن من الفكاك منه ،حيث يظل كامنا بعقله الباطن ، فلا يقدر على تحقيق حلمه .. فالمدير ينتزع منه من يحبها ، ويمارس فساده بالمجتمع بمحسوبياته وسلطته السياسية التي تؤكد علىقهر "كاظم" ، بل ويمتد الفساد إلى جشع صاحب الدار الذي يرغب في مضاعفة الأجر وإلا الطرد من السكن.
وفي "بائع الهواتف المجهول" نتعرف على "مايا" التي لديها عقدة من الرجال ، وأن أختها تزيد من عقدتها حيث تراها قد انتزعت منها بائع الهواتف ـرغم كينونته المتواضعة جدا ـ والراوية ـ مع تحفظنا ـ تجبر غرور "مايا" بمبرر أن كلا من البائع و أختها أشبه إلى الأخر ؛ فهو متزوج واختها مطلقة ، بينما "مايا" البكر بلزمها بكر لم يسبق له الزواج مثلها ...
و في "أوغاد" نفس العقدة لدى "غادة" .. والتي نعرف أنها ضحية لمن لعب بعواطفها ـ في صفحات كان يلزمها تكثيف ـ ..ونجد "بلقيس" ـ الصديقة ؛ الراوية ـ تثأر لها من الرجال في صورة رجلها التي كانت على لقاء به ، فتقرر فجأة أن تصرخ في الميدان العام ليتجمع المجتمع حوله لينتقم لها من الرجل ؛ فعل مفاده ؛ ليس هم فقط الذين يلعبون بنا ، بل نحن أيضا من الممكن اللعب بهم واستغلالهم والاستفادة منهم.
و في "فقاعة عطر"نجد زياد الذي يلعب بالفتيات ويبدل بينهن حسبما يريد ، يوقع من يريد في شباكه ،إلى أن أوقع "سوسن" بائعة البالونات التي أحبته بالفعل ولم يستطع الهروب منها ، حيث ظلت تبحث عنه حتى دهست تحت عجلات إحدى الشاحنات أثناء اندفاعها نحوه لحظة عثورها عليه ...، ليقع بعد ذلك فريسة لتأنيب الضمير حتى قررالانتحار من نافذته بالطابق الرابع.
وفي "اعتراف" نجد عماد يسقط ضحية لغروره ، فيعترف بالهزيمة بعد أن ضاعت منه "سارة" التي ظلت ـ على مدار عامين ـ تلفت انتباهه لإعجابها به : وعندما قرر أن يتقدم لها كانت لصديقه "حازم" الذي فاز بها.
و في "حظ" نجد "ليلى" التي تتسلى بلعبة معرفة المستقبل من خلال قراءة الكف مدعية عدم اعتقادها في ذلك ، نجدها توزع جبر الخواطر على صديقاتها ، وعنما جاء دورها لقراءة مستقبلها تنسحب خوفا من المستقبل ( والمستقبل بالنسبة لهن هو الرجل)
وفي "كلنا نريدك" نجد الرجل المقهور طوال حياته يهرب في نهاية القصة بنفسه ، لينجو بحياته من كل ممن حاولوا مساومته على أشياءه ، لقد وجد نفسه ضائعا يتيما ، مخلوق فائض عن حاجة مسيرة الكون ، لاقيمة له بعد تخلص زوجته من أشياءه ومتعلقاته أو ـ على حد قولها ـ " خردته السخيفة " فقرر بيع الدار رافضا الاستسلام للإهمال والموت ليشتري بثمن البيت شاحنة ينطلق بها إلى حياة جديدة ...
وشخصيات قصص "زينب" في غالب الأحيان تكون مكتوفة الأيدي ، غير متمردة ،ـوان كان تمردها فقط داخل النفس ـ فهي شخصيات ترفض ـ مجرد الرفض وفقط ـ السلطة في صورها المتعددة ، تضجر من السلطة ؛ من تسلط الزوجة ؛الأسرة ؛ التقاليد ، من المدير في الديوان ؛ المدرسة، فالفعل عند الشخصيات متفق مع تكوينها وبناءها ،
فالرجل يقدم على الانتحار نتيجة تأنيب الضمير في "فقاعه ..عطر" وهو فعل دافعه الثأر لموت سوسن ..فالانتقام فعل أساسي للشخصيات المضربة نفسيا تحت ضغوط نفسية ، ففعل الانتحار هنا انتقام من الذات ...وفعل بيع الرجل للدار في "كلنا نريدك" انتقام من الزوجة والاستغلال. .
وفعل صرخة "بلقيس" بالميدان العام في "أوغاد" انتقام من الرجال ثأر لبنات جنسها...،
وهناك أفعال غير محسوسة لكونها محصورة داخل لحلم ولم تنتقل للفعل الحقيقي ، وهذا كله بغض النظر عن ايجابية الفعل ,و سلبيته.
"فتاة البسكويت" مجموعة تعلن عن الكاتبة " زينب البحراني " وننتظر أن تجود كاتبتها بمجموعة أخرى تثبت بها تواجدها بين الكاتبات أو داخل عالم القصة العربية
بقلم النّاقد/ناصر العزبي
عضو مُنتديات جريدة شروق الإعلاميّة

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow