موسيقى تأخذك إلى الصمت
2009-01-23
نحن نفهم بسرعة حين يقال لنا "موسيقى شرقية" دربكاتٍ وصخباً وارتجاجاتٍ وصياحاً بأصواتٍ عالية , طبعاً هذا تعميم فما من موسيقى شرقية حقاً بل موسيقات , وأحياناً لا تشبه بعضها إلا في ما هو نادر وضئيل , نحن بالأحرى نتحدث بهذا المفهوم عن "الموسيقى العربية ", عن بعضها أو على الأقل ما هو شائع منها , أو ماشاع منها في عصور انحطاط متتابعة ( ما تزال تتتابع ) أو لنقل أنها ما يُتداول على أنه كذلك : "موسيقى عربية" , لنذهب إذن إلى حيث أفترض أن الموسيقى " شرقية " , موسيقى من فارس ومن وسط آسيا ومن آسيا الصغرى وأرمينيا و هكذا مروراً بالهنود و الأفغان حتى كوريا والصين واليابان
ما يشغُفُني , وهذا رأي شخصي ّولا أحاول أن أعممه على أحد , موسيقى هذه البراري الشاسعة على تنوّع واختلاف هذه الموسيقى وتنوع واختلاف تلك البراري , هذه الموسيقى وتلك الأصوات التي أسمعها تأتي من أمداء الجبال والصحارى والوديان التي تتناثر من شمال سورية والعراق حتى شعاب ما في الصين أو إلى جبل ما في اليابان , ما هو شرقي بالنسبة لي هو النبرة والصوت والسحر الذي لشاعر كعمر الخيام , بطريقة ما أجد صوت هذا الشاعر , وصوت آسيا تلك التي تحدثت عنها, في كل موسيقى شرقية , صوت أو ربما صمت يمتلىء بالكائنات , وبسلام العالم , وبتأمل مديد في الأرض والحقول والسماء , في الخمر والنساء والرجال والطيور و النمل , موسيقى تشبه غناء طيرٍ وحيد توقف لبرهةٍ بآخر غصن من شجرة دُلبٍ قبل أن يتابع سفرا ً يأخذه من دوحةٍ لأخرى ومن فضاءٍ لآخر , سفر ٌ لا غاية منه سوى السفر , موسيقى أو صمتٌ يردده الناي أو تردده الغيوم البيضاء المشعثة الخفيفة , لا تريمُ أو تكادُ
لسبب ما هذا الطيرُ الذي بأعلى شجرة الدُلب أتخيله كالخيّام بأجنحةٍ كُحلٍ و صدرٍ بلون الفيروز وكالخياّم ما يشدّهُ إلى العالمِ الرياضُ والنهاراتُ والجبالُ ولا يعنيه أيُ شيءٍ آخر
ما يتكرر غالباً في الموسيقى هذه وتلك هو الناي (سَمِّهِ الفلوت إن شِئتَ ) , ولهذا الناي الفارسي والياباني و الهندي والكردي سمات مشتركة ينتشر فيها الإصغاء للصمت , عِوضاً عن تدمير هذا الصمت , هنالك شغف بالعالم يشبه الإصغاء للطيور في وادٍ من جبال آسيا غارقٍ في نهارٍ بآبَ , حيث الصخور ُغارقة ًفي ظلال الحَوْرِ , أو إنه همس المياه الخافتِ يأتي من غديرٍ بين صخرتينِ
ليس الناي وحده , أو ليس دائماً منفرداً , ثمة الطبول أيضاً في موسيقى خاشادوريان والصنوج, إلا أنها مرهفة ولو صخُبت , ثمة الكمانات في موسيقى بورودين و موزورسكي , والقيثارة والعود , حيث الموسيقى " شرقية" أكثر مما هو " الشرق" ...
ثمة أيضاً صمتُ العِقبانِ .. والشوحات ..
" أنتَ لا تذكرُ متى .. كنتَ تعبرُ .. والشوحاتُ كانت تعبرُ بأعلى الشَقيفِ , ولا ترى منها من مكانك على الصخرةِ إلا أسفلها , ريشها الأبيضُ من أسفلها يعكسُ حُمرةَ الرملِ .. اثنتان منها, خمسة , تسعة , ولا تعرف من أين تأتي ... هكذاكانت تدورُ كأنْ حول عمودٍ هائلٍ من أثيرٍ ... لا بد أنها كانت تتجمعُ لتمضي إلى شمالٍ ما , إلى الشرقِ ربما ... "
هذا الصمت الذي يقول أكثر مما يقول الصخب , هذا " السكوت " الذي يقول أكثر مما تقول الكلمات
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |