Alef Logo
كشاف الوراقين
              

''وشم في الذاكرة'' للقاص الجزائري يوسف بوذن .. بين لعبة ''البتلات'' ولعبة الغواية

الخير شوار

2009-02-15


وأنت تنتهي من قراءة هذه المجموعة القصصية، ربما تشعر بأن هذا الفن الذي برز في القرن التاسع عشر واكتسح كل اللغات تقريبا، لم يصل بعد الى مرحلة التشبع، مثلما أكدت لنا الكثير من التجارب المتناسخة التي تدور في الفراغ، فبقدر ما ان مداخله ومخارجه محروسة جيدا ومن الصعب اللعب فيها، فهناك في تلك المساحة الضيقة، ما يمكن ان يقال، بل ان المتعة الكبرى تكمن في هذا الضيق الذي يولد التحدي، ومن خلاله يتبين لنا خيط المجتهد من خيط المقلد.
مجموعة القاص يوسف بوذن، التي تحوي إحدى عشر قصة متفاوتة الحجم، فيها الكثير من التجريب، وما يلفت فيها الانتباه ان العنوان الكلي للمجموعة، ليس مأخوذا من عنوان أي قصة تحتويها المجموعة مثلما درجت عادة القصاصين، في اتفاق غير مكتوب، ولم يتملص منه الا قلة قليلة من الكتاب الذين أرادوا التمرد على الاسيجة المغلقة، والمعاهدات الصامتة التي وضعها البعض وسار فيها الكثير من الذين جاؤوا بعدهم غير سائلين، ففي العنوان رغم بساطته شيء من اصالة المكان، وشيء من عنف التجربة، فالوشم هو تلك الطلاسم التي تشتهر بها المرأة البربرية الكلاسيكية عموما، خاصة في تلك المنطقة التي جاء منها الكاتب، وهو عادة ما يكون في الوجه وفي الاطراف، اما الوشم الذي ابدعه عنف تجربة كاتبنا فهو موغل في ذاته بل في ذاكرته، فلا عجب اذن ان انتهيت من قراءة هذا السفر الصغير نسبيا، وشعرت بدغدغة في ذاكرتك الدفينة، فالكثير من نصوص المجموعة تشتغل على الذاكرة الفردية والجماعية، تضرب بجذورها في الطفولة البعيدة للشخص، وفي طفولة الجماعة من خلال خصوصية الثقافة المحلية، وحتى الطفولة الاخرى المكونة من هذا التراكم الكبير الذي يعود الى العصر الإسلامي الاول، وحتى التاريخ الإنساني المتفاوت الذي اشتغل عليه الكاتب واستطاع ان يذيب كل تلك الذاكرة الصلبة في قوالب فنية تجريبية في معظمها.
تبدأ المجموعة بقصة قصيرة جدا، تشتغل على الطفولة الفردية عنوانها ''أغنية الساقية''، وتنتهي بقصة يتماهى فيها البطل الذي هو نفسه السارد بالنبي يوسف وكلهم يحمل الإسم نفسه، وأهم ما يربط القصتين المختلفتين شكلا ومضمونا هو اللعب، ففي القصة الاولى، هناك لعبة البتلات، بتلات زهرة درجنا في طفولتنا على لعبها، هي لعبة بسيطة لكنها قاتلة عاطفيا، وفيها ننتزع البتلات واحدة وراء اخرى، ويردد من خلالها اللاعب بينه وبين نفسه مع سقوط كل بتلة ''جميلة لي.. جميلة ليست لي''، ومع اللعبة تتصاعد لعبة أخرى واخرى وتمتزج في بعضها، وفي الاخير يدرك اللاعب مع سقوط آخر البتلات ان ''جميلة ليست لي''.. أما في القصة الاخيرة فهناك لعبة من نوع آخر، وهي لعبة الغواية، وفيها يتماهى البطل السارد، مع قصة النبي يوسف مع امرأة العزيز، لتنتهي بصرخة البطل السارد قائلا: ''يا إلهي.. كما يوسف في غيابة الجب..تلتقطه بعض السيارة، فأرسل وارد كلماتك يخرجني من سبخة الكلام''.
وبين تلك اللعبة وتلك اللعبة، جرب الكاتب الكثير من اللعب السردية، من الحي الكلاسيكي الى الهذيان، الى اللغة الكثيفة، واستمر اللعب حتى أصبح في بعض فصوله، فقهيا مثلما حدث مع ذلك الشيخ في قصة المشرية الذي سار في طريق الغواية لاعبا على بعض الحيل الفقهية، وهو يرى الطريق يضيق ويضيق، وهو يلعب على وتر لم يعد مقنعا مع تقدم السرد، وفي النهاية نشهد فصلا من ''غزوات'' ذلك الشيخ في طريق الغواية.
وفي اللعبة السردية الكثير من الهوامش والإحالات على معلومات وشخصيات اسطورية وتاريخية، وحتى بعض الشخصيات التي جعلتها بعض النصوص العالمية حية، وهي من ابتداع بعض الكتاب، والأهم في الامر، هو ان تلك الإحالات وتلك المشارب الثقافية المتنوعة لم تكن على حساب الفن، بل جاءت مناسبة بشكل طبيعي جدا، وأنت تقرأها ربما تستعيد تلك الجدلية المعروفة في تاريخ الابداع الادبي بين مدرسة ''الغارفين من البحر''، ومدرسة ''الناحتين من الصخر''، وهل الفنان بالضرورة مثقف؟ وهل الايغال في الثقافة يكون على حساب الصنعة الفنية؟ ربما تستعيد كل ذلك الجدل، وتلك السجالات المتواصلة، التي لم تؤد الى أي نتيجة قطعية، لكن المؤكد ان قراءة مجموعة ''وشم في الذاكرة'' يرجح كفة النص المؤسس معرفيا، الذي يقول معرفته بلعبة البتلات ولعبة الغواية، وحتى اللعبة الفقهية، وبين هذه الانواع من اللعب، هذه مجموعة ''وشم في الذاكرة'' فاتحة كتب يوسف بوذن، جديرة بالقراءة المتعددة، ففي كل قراءة يمكن ان نكتشف جديدا، بل ونشعر من خلالها ان فن القصة القصيرة يمكن ان يؤصل في ثقافتنا المحلية، دون ان يفقد اصالته الاولى، ودون ان يبتذل، بل تشعر بأنه لم يتشبع بعد، فكلما كان حيز الابداع ضيقا، كانت المغامرة اكثر متعة.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

القاص اعلاّوة حاجي: راهنت على تقديم مادة قصيرة تتماشى والقراءة الالكترونية حاوره:

11-حزيران-2009

زهرة المسعدي ومدينة ياشار

04-حزيران-2009

تفاحة نيوتن وحمّام أرخميدس

23-أيار-2009

عيادة حتشبسوت

14-أيار-2009

الطارف••• العذراء التي اغتصبها موريس

08-أيار-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow