Alef Logo
ضفـاف
              

الأخلاق : فضائل الدولة / بقلم : ميخائيل باكونين ترجمة:

مازن كم الماز

2009-02-18


يفترض وجود دولة واحدة محدودة وجود دول متعددة , أو أن يحرض على تشكيلها عند الضرورة , من الطبيعي تماما أن الأفراد الذين يجدون أنفسهم خارج هذه الدولة و الذين تهدد هذه الدولة وجودهم و حريتهم , يجب بدورهم أن يجتمعوا ضدها . لدينا هنا الإنسانية و قد مزقت إلى عدد غير محدد من الدول , الأجنبية , المتعادية و التي تهدد بعضها البعض .
ليس هناك حق عام , و لا عقد اجتماعي بينها , لأنه إذا وجد مثل هذا العقد و الحق , ستكف الدول المختلفة عن أن تكون مستقلة بشكل مطلق عن بعضها , و ستصبح أعضاء متحدين في دولة واحدة كبرى . ما لم تشمل هذه الدولة الكبرى كل البشرية , فإنها ستجد في مواجهتها عداء بقية الدول الكبرى , المتحدة داخليا . لذلك ستكون الحرب هي القانون الأبرز و الضرورة الداخلية لوجود البشرية نفسه .
على كل دولة سواء أكانت ذات صفة اتحادية أم لا أن تسعى تحت طائلة التدمير النهائي لتصبح أكثر الدول قوة . عليها أن تبيد البقية كيلا تتعرض للإبادة هي نفسها , أن تخضع البقية كيلا تتعرض هي للإخضاع , أن تستعبد كيلا تتعرض هي للاستعباد – لأن قوتين متشابهتين و في نفس الوقت أجنبيتين , لا يمكنهما الوجود جنبا إلى جنب دون أن تدمر أحدهما الأخرى .
الدولة عندئذ هي أكثر نفي صارخ , النفي الأكثر سخرية و كمالا للإنسانية . إنها تمزق التضامن الشامل بين كل البشر على الأرض , و هي توحد بعضهم فقط بقصد تدمير , إخضاع , و استعباد البقية . إنها تقدم حمايتها لمواطنيها فقط , و هي تعترف بحقوق الإنسان و الإنسانية و التحضر فقط داخل حدودها . و لأنها لا تعترف بأي حق خارج حدودها فإنها تنسب لنفسها بشكل منطقي تماما حق معاملة كل الشعوب الأجنبية بأكثر الطرق الهمجية و غير الإنسانية , يمكنها أن تنهبها , أو تبيدها أو تخضعها لإرادتها . و إذا أظهرت شيئا من الكرم أو الإنسانية تجاهها فإنها لا تفعل ذلك في أي حال انطلاقا من إحساسها بالواجب : و ذلك لأنها لا تملك أي واجب إلا لنفسها فقط , و تجاه أعضائها الذين يشكلونها بواسطة الاتفاق الحر , و الذين يستمرون بتشكيلها على نفس الأسس الحرة , أو , كما يحدث على المدى البعيد , يصبحون رعيتها أو أتباعها .
لأن القانون الدولي غير موجود , و لأنه لا يمكن أن يوجد بطريقة جدية وفعلية دون أن يضعف نفس أسس مبدأ سيادة الدولة المطلقة , فليس للدولة أية واجبات تجاه الشعوب الأجنبية . و إذا قامت عندها بمعاملة شعب مغلوب بشكل إنساني , إذا لم تذهب إلى أبعد مدى في سلبه و إبادته , و لم تدفعه إلى أدنى درجات العبودية , فإنها تفعل ذلك ربما بسبب اعتبارات النفعية و الحصافة السياسية , أو حتى بسبب المروءة المحضة , لكن ليس أبدا بسبب أن هذا هو واجبها – لأن لديها حق مطلق في التخلص منها بأي طريقة تجدها مناسبة .
هذا النفي الصارخ للإنسانية , الذي يشكل جوهر الدولة نفسه , هو من وجهة نظر الأخيرة واجبها الأسمى و أعظم فضائلها : إنها تسمى الوطنية و هي تشكل الأخلاق المتعالية للدولة . إننا نسميها بالأخلاق المتعالية لأنها تتجاوز عادة مستوى الأخلاق و العدالة الإنسانية , سواء أكانت خاصة أو عامة , و لذلك فإنها تضع نفسها غالبا في تناقض معها . لذلك , على سبيل المثال , إن إيذاء , اضطهاد , سرقة , نهب , قتل , أو استعباد شخص من نفس الدولة يشكل , بالنسبة للأخلاق العادية للإنسان , ارتكاب جريمة خطيرة .
لكن , على النقيض من ذلك , ففي الحياة العامة , انطلاقا من وجهة نظر الوطنية , عندما يفعل كل ذلك في سبيل المجد الأعلى للدولة بقصد المحافظة على قوتها أو زيادتها , يصبح كل ذلك واجبا و فضيلة . و هذا الواجب , هذه الفضيلة , إلزامي على كل مواطن وطني . يتوقع من كل فرد أن يقوم بهذه الواجبات ليس فقط فيما يتعلق بالغرباء بل أيضا فيما يتعلق بمواطنيه , أعضاء و أتباع أو رعايا نفس الدولة , في أي وقت يتطلب ذلك صالح الدولة .
إن القانون الأعلى للدولة هو حفظ ذاتها بأي ثمن . و طالما أن كل الدول , منذ أن وجدت على الأرض , قد حكم عليها بالصراع الأزلي – صراع ضد شعوبها بالذات , التي تقمعها و تدمرها , و صراع ضد كل الدول الأجنبية , عندها يمكن لكل دولة أن تكون قوية فقط إذا كانت بقية الدول ضعيفة – و لأن الدول لا يمكنها الصمود في هذا الصراع ما لم تستمر بتعزيز سلطتها ضد أتباعها أو رعيتها بالإضافة إلى الدول المجاورة – ينتج عن هذا أن القانون الأعلى للدولة هو تقوية سلطتها نحو إلحاق الضرر بالحرية الداخلية و العدالة الخارجية .
هذا هو في حقيقته الصارخة الأخلاق الوحيدة للدولة , هدفها الوحيد . إنها تعبد الإله نفسه فقط لأنه إلهها الحصري , القبول بسلطتها و ما تسميه حقها , الذي هو الحق في الوجود بأي ثمن و أن تتوسع دوما على حساب بقية الدول . أي شيء يخدم الوصول إلى هذه الغاية هو شيء جدير , شرعي , و فاضل . و أي شيء يلحق به الضرر هو إجرامي . إن أخلاق الدولة إذن هي عكس العدالة الإنسانية و الأخلاق الإنسانية .
هذه الأخلاق المتعالية , فوق الإنسانية , و بالتالي المعادية للإنسانية للدولة ليست فقط نتيجة لفساد البشر المكلفين بالقيام بوظائف الدولة . قد يقول أحدهم و هو محق أن فساد البشر نتيجة طبيعية و ضرورية لمؤسسة الدولة . هذه الأخلاق هي فقط نتيجة تطور المبدأ الأساسي للدولة , التعبير الحتمي لضرورتها الداخلية . ليست الدولة إلا نفي الإنسانية , إنها محددة جماعيا لكي تأخذ مكان البشرية و تريد أن تفرض نفسها على الأخيرة كهدف نهائي , فيما يخضع كل شيء آخر لها و يخدمها .
كان هذا طبيعيا و يمكن فهمه بسهولة في الأزمنة القديمة عندما كانت فكرة الإنسانية نفسها غير معروفة , و عندما كان كل شعب يعبد آلهته الوطنية حصريا , التي تعطيه حق الحياة و الموت على بقية الشعوب . وجد الحق الإنساني فقط بالنسبة لمواطني الدولة . كل من بقي خارج الدولة قد حكم عليه بالنهب , المجازر و العبودية .
تغيرت الأمور اليوم . أصبحت فكرة الإنسانية أكثر فأكثر قوة في العالم المتحضر , و نتيجة لتوسع و تزايد سرعة وسائل الاتصال , و أيضا بفضل التأثير , الذي ما يزال ماديا أكثر منه أخلاقيا , للحضارة على الشعوب البربرية بدأت فكرة الإنسانية تستحوذ حتى على عقول الشعوب غير المتحضرة . هذه الفكرة هي القوة غير المرئية لقرننا , التي يجب على القوى الحالية – الدول – أن تحسب حسابها . لا يمكنها أن تخضع لها بإرادتها الحرة لأن إذعانا كهذا من جانبها سيساوي انتحارها , حيث أن انتصار الإنسانية يمكن أن يتحقق فقط من خلال تدمير الدول . لكن لا يمكن للدول أن تنكر هذه الفكرة أكثر من ذلك أو أن تعاديها بشكل مكشوف , لأنها و قد أصبحت قوية جدا , قد تدمرها في النهاية .
في مواجهة هذا البديل المؤلم يبقى أمامها طريق واحد فقط : و هو النفاق . تظهر الدول احترامها الظاهر لفكرة الإنسانية هذه , إنها تتحدث و تفعل بشكل ظاهري باسمها , لكنها تنتهكها في كل يوم . لكن هذا يجب ألا يؤخذ ضد الدول . لأنها لا تستطيع أن تتصرف بطريقة أخرى , لقد أصبحت في موقف بحيث أنه يمكنها الاستمرار فقط بواسطة الكذب . ليس للدبلوماسية أية مهمة أخرى .
لذلك ما الذي نراه ؟ في كل مرة تريد فيه دولة ما إعلان الحرب على دولة أخرى , فإنها تبدأ بإطلاق بيان لا يوجه فقط لأتباعها بل إلى العالم بأكمله . تعلن في هذا البيان أن الحق و العدالة إلى جانبها , و تعمل على إثبات أنها مدفوعة إليها فقط بسبب حب السلام و الإنسانية و أنها , مضمخة بالأحاسيس الكريمة و السلمية , عانت طويلا في صمت حتى أجبرها الظلم المتزايد لعدوها على تجريد سيفها . في نفس الوقت تقسم أنها , و هي تحتقر كل الفتوحات المادية و لا تسعى وراء أي زيادة في أراضيها , ستضع حدا لهذه الحرب ما أن تستعاد العدالة . و يجيب خصمها ببيان مشابه , حيث سيكون الحق , العدالة , الإنسانية , و كل الأحاسيس الكريمة بشكل طبيعي إلى جانبه .
هذه البيانات المتعارضة تكتب بنفس البلاغة , تتنفس نفس الغضب الأخلاقي , و كل منهما حسن النية مثل الآخر , أي القول أن كليهما متساو في الوقاحة في أكاذيبه , و أن المغفلين فقط هم من يخدعون بها . الأشخاص المدركون , كل من يملك بعض الخبرة السياسية , لا يتجشمون حتى عناء قراءة مثل هذه البيانات . على العكس تجدهم يبحثون عن وسائل للكشف عن المصالح التي تدفع العدوين إلى الحرب , و تحديد القوة الخاصة بكل منهما للتنبؤ بنتيجة الصراع . الذي يبرهن فقط أن القضايا الأخلاقية ليست هي المهمة في هذه الحروب .
حقوق الشعوب , بالإضافة إلى المعاهدات التي تنظم العلاقات بين الدول , تفتقد أي إلزامات أخلاقية . التي تشكل في أي مرحلة تاريخية معينة تعبيرا ماديا عن التوازن الناتج عن العداء المتبادل بين الدول . إنها ستكون فقط تأجيلا طويلا , مماطلات تم التوصل إليها بين الدول المتحاربة إلى الأبد , لكن ما أن تشعر الدولة بأنها قوية بما يكفي لتدمير هذا التوازن لمصلحتها , فإنها لن تعجز عن فعل ذلك . يثبت لنا تاريخ البشرية هذه الفكرة بشكل كامل .
يوضح لنا هذا لماذا منذ أن بدء التاريخ , أي منذ ظهرت الدولة للوجود , فقد كان العالم السياسي دوما و سيستمر كذلك مسرحا للخداع و اللصوصية التي لا يشق غبارها – اللصوصية و الخداع التي ترتكب بتعظيم كبير , لأنها ترتكب باسم الوطنية , باسم الأخلاق المتعالية , و باسم المصلحة العليا للدولة . يوضح لنا هذا لماذا أن كل تاريخ الدول القديمة والحديثة ليس إلا سلسلة من الجرائم المقززة , لم أن الملوك و الوزراء الحاليين و السابقين في كل البلاد – رجال الدولة , الدبلوماسيين , البيروقراطيين , و المحاربين – إذا حكم عليهم من وجهة نظر الأخلاق البسيطة و العدالة الإنسانية , فإنهم يستحقون المشانق و الأشغال الشاقة ألف مرة .
لأنه لا يوجد هناك إرهاب , وحشية , انتهاك للحرمات , شهادة زور , خداع , إجراءات شائنة , سرقة تبعث على السخرية , سرقة وقحة , أو خيانة , لم ترتكب و لا تزال ترتكب يوميا من قبل ممثلي الدولة , دون أي مبرر آخر سوى هذه العبارة , المطاطة , و الملائمة في بعض الأحيان و الرهيبة : منطق الدولة . عبارة رهيبة بالفعل ! لأنها قد أفسدت و شوهت عددا من الأشخاص في الدوائر الرسمية و في الطبقات الحاكمة في المجتمع أكثر من المسيحية نفسها . ما أن تقال ( أي هذه العبارة ) حتى يصمت كل شيء و يغيب عن النظر : الشرف , الاستقامة , العدالة , الحق , الرأفة نفسها تختفي و معها المنطق و الحس , يصبح الأسود أبيضا و الأبيض أسودا , يصبح الشنيع إنسانيا , و أكثر الجنايات خسة و أكثر الجرائم فظاعة أفعالا جديرة بالتقدير .
ما هو مسموح للدولة محظور على الفرد . هذا هو مبدأ كل الحكومات . لقد قالها ميكيافيلي , إن التاريخ إضافة إلى ممارسة كل الحكومات المعاصرة تبرهن على هذه النقطة . إن الجريمة شرط ضروري لوجود الدولة نفسها , و تشكل لذلك احتكارها الحصري , و الذي ينتج عنه أن الفرد الذي يجرؤ على ارتكاب جريمة هو مذنب بمعنى مزدوج : إنه مذنب أولا ضد الوعي الإنساني , و فوق كل شيء , إنه مذنب ضد الدولة بأن ينتحل لنفسه واحدة من أكثر امتيازاتها الثمينة .


ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن //flag.blackened.net/revolt/anarchists/bakunin.html


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الطريق إلى الثورة

09-كانون الأول-2012

كلمات عن جورج وسوف

19-كانون الثاني-2010

المكان و طقوس القداسة و انتهاك الإنسان

15-كانون الثاني-2010

عن قضية التكفير

11-تشرين الأول-2009

بين المعري و الفلاسفة المسلمين

06-تشرين الأول-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow