Alef Logo
يوميات
              

السيد حافظ / رســالــة إلـى المـثقـف الـعــربـي النــاشـئ

سعاد درير

2009-03-27


إلى ابن النيل الأصيل
الفنان النبيل
السيد حافظ

من أين نبدأ الكلام عن أمير الكلام في زمن الصمت؟
من أين نبدأ الكلام عن مبدع عربي عظيم علمنا أن نتكلم، وعلمته الأيام أن يصمت؟

نبدأ من حيث انتهى هو: نبدأ من آخر الكلمات التي أعلنت صمته عقب قرار الاعتزال الذي شيع جثمان أربعين سنة ظل فيها الكاتب المسرحي السيد حافظ ناسكا متعبدا في محراب الفن: أربعين سنة ظل فيها الناطق الرسمي باسم التجريب في ربوع الوطن العربي.

هذا هو الكاتب المسرحي السيد حافظ الذي أعطى كل حياته للفن. لكن ماذا أعطاه الفن؟
أعطاه خيبة...
أعطاه أسفا...
أعطاه ندما...
وذيلا من الخسارات...

كلمات تتصبب وجعا وحرقة هي ما أسفر عنه قرار الاعتزال وبيان الاستغاثة اللذان أطلقهما السيد حافظ في أكثر من موقع... كلمات تختزل عمرا من العذاب عبر من خلالها السيد حافظ عن انتكاسة المثقف العربي وعن شقاء المبدع المسرحي الحق الذي أدمى قدميه في درب وعر ظل يتنكر له... درب رصدت خطواته تاريخا متخما بالألم والانكسار... درب أوله شوق وآخره شوك.
إنها لعنة الفن وضريبة الوفاء.

هي هكذا الحقيقة موجعة دائما ومرة. فلا قرار الاعتزال ولا بيان الاستغاثة شفعا للسيد حافظ عند من يهمهم الأمر وكأنه طفق يدق طبولا خرساء. وملء المرارة يعود السيد حافظ ليعتصر الكلمات ودموع الحسرة وهو يكتب في مستهل هذا الآذار عن طعنة الخنجر الذي غزا قلبه من جراء الحيف والتجاهل والتنكر وغير ذلك مما طاله في الأرض وغير الأرض. ويعود السيد حافظ لينبش في جرح لم يندمل بعد، لكن من يرد الصدى؟!

يسلم السيد حافظ أمره لله كلما حطت على صدره ذكرى حبيبة راحلة، ولا رادّ لحكم الله في استرجاع الأمانة متى شاء. وبالرضى والتسليم أنفسهما يقابل السيد حافظ أمر الله بابتلاء محمده الذي لا ندري ما فعلت به الأيام ولا إلى أين وصل به البلاء!

يرضى السيد حافظ بقضاء الله وقدره، ولا رادّ لأمر الله إذا أراد ابتلاء زوجة وابن في وقت واحد. لكن هل بالتسليم نفسه يرضى السيد حافظ أن يتجرع كأس الإجحاف والخيبة التي ما فتئ يصبها له من بأيديهم انتشاله من حفرة الموت التي قاده إليها حبل الثقافة الذي التف حول عنقه في زمن أضحى المثقف أرخص ما فيه؟!

أليس من السخرية أن ينتهي المطاف بمثقف وصاحب مشروع مسرحي ضخم في غرفة ضيقة كالقبر تُقْبَرُ فيها أحلامه وأوهامه عن المدينة الفاضلة والثقافة الفاضلة؟!

أليس من السخرية أيضا أن يكون قدر المثقف الملسوع بنار الحرف أن يهيم في فيافي منفى إجباري سواء أكان المنفى داخل الوطن أم خارجه؟!

الحقيقة أن المنفى ههنا لا يتعلق بمسألة مسافة جغرافية، وإنما يتعلق الأمر بمسافة نفسية اجتماعية تفصل المثقف عن واقعه الذي يكتشف بين يوم وليلة أنه غريب عنه.

لكن هل يعقل أن تكون الثقافة في وطننا العربي رخيصة إلى هذا الحد رغم كل ما يتحمله المثقف من نار: نار الاختيار؟!

هل يعقل أن كاتبا ذا حس إنساني مرهف – مثل السيد حافظ – ظل يكتب للإنسان وعن الإنسان، بينما يكتشف عند هبوب الأزمة تبخر ماء الإنسانية وكأنه ظل يدعو إلى سراب؟! هل يعقل أن يبحث السيد حافظ عن ظل إنسان يسانده وكأنه يبحث عن إبرة؟!

هل يعقل أن كل المؤسسات الثقافية وغير الثقافية عاجزة عن مساندة مثقف رفع علم الثقافة العربية عاليا وأضاء المشهد الثقافي العربي بما يفوق الستين كتابا منذ وقت مبكر لم يكن يسمح بأكثر من الحديث عن طفولة ثقافة مسرحية عربية؟!

هل يعقل أن مبدعا في وزن السيد حافظ يكرم خارج وطنه بأبحاث ماجستير ودكتوراه، ويكرم خارج الوطن العربي بترجمة عدد من كتبه، بينما يقف هو عند رصيف الوطن العربي ليبيع هذه الكتب علّه يحصّل ثمن الدواء الذي يمني نفسه أن ينقذ به حبيبا آخر؟!

وهل يعقل أن يحتفظ أي قارئ عابر – مشروع مثقف أو كاتب يمتلك ذرة نخوة – بشهية تُفْتَح في وجه الثقافة وصناعة الكلمات ونسج الحروف بعد أن يمر على كتابات السيد حافظ الأخيرة اللاعنة والمستغيثة في آن، ويغتسل بماء حروفها المشتعلة، ويتصبب ألما وترحما على سيرة ومسار فنان، إن كان قلب هذا العابر مازال ينبض نبض إنسان؟!؟!؟!

لكِ الله يا ثقافة.
ولكَ الله يا السيد حافظ.



تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

خــــيـــانـــــة

07-تموز-2009

الكتابة الـمتملّقة والكاتب الـمغرور

01-حزيران-2009

المرأة والكتابة / كينونة وذات... أم تمرد على الحياة؟

29-أيار-2009

على هامش يوميات منسي السيد حافظ بين سندان الثقافة ومطرقة الواقع

28-نيسان-2009

قصة / انتحار

31-آذار-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow