Alef Logo
كشاف الوراقين
              

قصور تركية في طقوس مخملية تسرد حكاية حبّ

عمر الشيخ

2009-04-08


ما يطبع مناخ ضمير المتكلم" الراوي" في (عروس بلا طرحة)،الاعتماد الصارم على التوثيق التاريخي الدقيق لحقبة انتقال الحكم التركي من أيدي العثمانين في أواخر القرن التاسع عشر حتى وصوله النظام الجمهوري في عشرينيات القرن الماضي، النصف الأول من هذه الرواية يبتلع السطور في سرد نشأة القائد (مصطفى كمال باشا) الذي كافح في سبيل الدفاع عن مبادئ حرية شعبه،وتخليصه من جهل الحكم العثماني، بتخطيط عادل ومقاربات سياسية ذكية،تعتمد على الإخلاص لأصدقائه ومنح الثقة لمن هو أهل لها وأخذ مشورة ذوي النظرة البعيدة، خائضاً غمار معارك ضارية وتجارب حياتية مليئة بالمغامرة ومشحونة بتلك الطقوس التركية لمجتمع مخملي يتأهب لفجر حكم جديد .
ترصد الرواية مرحلة حساسة وهامة في حياة الشعب التركي، بديةً مع أسماء المدن التي تحركت نحو التغيير مروراً بالتبدلات السلطوية التي أصابت الباب العالي في تلك الفترة،وصولاً إلى أسماء الشخصيات وأهم الإنجازات التي ساهموا بها لنشر الفكر الجديد والأكثر اتساع لأفق التطوير على صعيد العادات والحياة السياسية والارتقاء الاجتماعي .
وخلال هذه الأحداث يصل القائد (مصطفى كمال باشا) إلى ثقة الشعب،بأن يحكم بينهم بالمساوة،ويحفظ كرامته،ويخرج المستعمر الأجنبي من أرضه،وبين هنا وهناك حيث مكان إقامة هذا القائد وانتقاله من مدينة إلى أخرى ليعمّ فيها الأمن،كان يقطن في كل فترة بقصرٍ ما،داخل الأراضي التركية،فنتعرف معه على ميزات الحياة هناك في أكثر المدن المشهورة مثل أنقرا واسطنبول والأنضول وساليونيك،والكثير من تفاصيل الغارقة بانسيابيتها على وقع القارئ،كتوصيف حالة التوتر إبان انتقال الحكم من نظام إلى آخر،وشرح الحالات النفسية لسكان الموالين لفكرة التغيير،والآخرين الخائفين من التجديد بلغة بالغة التماس والأقرب إلى الميلودراما، وبينما يتنقل (مصطفى كمال باشا) بين قصوره بعد أن ثبت مكاناً له في حكم البلاد،كقائد مطلق،وحاكم عادل،يقترح عليه صهره أن يعرّفه على فتاة تقوم بشؤون القصر وترعاه وتلبي حاجيته من طعام وتنظيم اجتماعات وحياة قصر جمهوري يؤسس لدولة قادرة بنهوض حضاري،فتكون بطلة الرواية (فكرية) البنت الناصعة البياض روحياً،والأكثر أشعاعاً بالحب الذي تحمل الآخرين،تنشط القصر وتزيده سعادة وتغير حياة الجهاز الحاكم في الدولة فقط لرقة ما تحمله من استيعاب وحلول حياتية فائقة الدهاء،فتنشأ علاقة حب بين القائد(كمال باشا) وتلك الفتاة (فكرية)،ما يؤجج قلبيهما نحو الغرام بإغواء مؤكد ينسجه الراوي بميزة الأدب التركي القادمة بطبائعها وأجوائها الخاصة،وبحكم منصب( كمال باشا) كقائد دولة،سيضطر للتنقل وترك المكان لينتقل إلى مدينة أخرى كما أردفنا سابقاً ليعطي لأهلها الأمان، ويطمأنهم أن البلاد نحو فجرٍ جديد،فيترك( فكرية ) العاشقة النظيفة،الشابة التي تحلم به وتحب ذكائه وشخصيته وطريقة حياته المليئة بالمغامرات الطموح الصارخ،فتتزوجه بالسرّ بلا صوت،ويرحل،إلى مدينة أخرى يتعرف على فتاة من طبقة مخملية للغاية،هنا يتذكر وصية أمّه أن عليه الزواج من هذه الأشكال من النساء،فتاة بنت عائلة غنية ومرموقة في الوسط الاجتماعي،فيفاجأ بعد زواجه أن(لطيفة)بنت العائلة الغنية ،التي أحبته لمنصبه فقط،لها شخصية سلطوية حادة بعكس (فكرية) العاشقة المظلومة،ندم على ذلك، بعد أن أبعد(فكرية) ليعالجها خارج البلاد بحجة السل،كي لا تعرف بأمر زواجه.
تدور أحداث الرواية بمتعة لا حدود لها، بين الصراع الطبقي في سبيل الحفاظ على اسم العائلة ضمن الجذور الفارهة و المباهاة الفضفاضة ،والابتعاد عن البسطاء قدر الامكان،أو إلغائهم أحياناً !!
لذا ستكون فكرية عروس بلا طرحة وحيدة تحترق بحبها لذاك القائد المشغول بتحقيق أحلام شعبه وطموحاته،بعد أن وقع في مصيدة امرأة قاسية لا تعرف الرحمة مثل (لطفية خانم)، وهو طبقاً لذلك وراء كل رجل عظيم امرأة،ولكن هذا الرجل كان عظيم بإنجازاته على مستوى البلاد،لا على مستوى عواطفه ..!
إن سرديات النصوص المجزّأة على شكل مقاطع بعناوين عريضة، جعل من الرواية أقرب إلى الحكاية التاريخية،الموثقة أصولاً بتقويم تلك الأمة التركية، وحضور شخصيات من المجتمع التركي بكركتراتها المعهودة وبتحليلاتهم النفسية لواقع تلك الحقبة، أعطى من الخصوصية ما تستحق كرواية تتجلى فيها تضحيات الحبّ، في مكان حساس قد لا يتوقع أحد أن يحدث فيه مثل تلك القصص الغريبة، فكاتب هذا العمل (خليل ابراهيم أوزجان) يعتمد في لغته الجمل البسيطة،كمادة ثانوية لبناء الرواية،إما اعتماده الأساسي هو على ذاك المكان المعتم الذي تعبق فيه الكثير من الأسئلة الصعبة!
هل ثمّة لتلك العروس الوحيدة طرحة تليق بمثاليتها الباهرة والبعيدة عن المخمليين؟
هل سيعلن سيدها الباشا الحبيب عن زوجاه به على الملأ ؟
هل لا زال يفضل أن يحقق وصية أمه أن يتزوج فتاة من عائلة غنية ..؟
إن ما آلت إليه حياة القائد (مصطفى كمال باشا) في هذا العمل،تفسّر لنا أنّ معظم رجال الدولة في تلك الآونة لم يكونوا ليحبوا بإخلاص تام كـ (فكرية)، لو كانوا عشاقاً لتراب الوطن، لن يساووا جزءً من إحتراقات الأنثى عندما تحبّ وتنسى المناصب و مسرّات الحياة وتذهب قلبها إلى الجحيم لأجل الحبّ.
جريدة الثورة
18/ 2/2009
عمر الشيخ
[email protected]
الرواية: عروس بلا طرحة
الكاتب :خليل ابراهيم أوزجان
الترجمة : عبد القادر عبد اللي

الناشر : دار التكوين – دمشق 2009








تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أتساقط من لحظاتكِ الأخيرة

23-كانون الثاني-2021

أرجوك لا تمت كل يوم

28-آذار-2020

أرجوك لاتمت كل يوم

28-آذار-2020

لا تطعم الحمام

02-شباط-2019

رواية «لولو» لعبير اسبر في طبعة ثانية شهية السرد بتكنيك سينمائي

06-أيار-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow