Alef Logo
كشاف الوراقين
              

في مجموعة (حَجِلاً أعبرُ الحقل) للشاعر ريبر يوسف:

عباس علي

2009-04-15


إذا كانت الإشكالية التي تُثار وتحرك الأقلام هي عادةً ما تكون النصوص فإن دراسة النص الموازي paratext لا تقلّ عن النصوص إثارةً، لأنّ الموازيات النصية هي التي تعمقُ وتؤسسُ لخصوصية واختلاف الكتاب أياً كان والأدبي منه والشعري على وجه الخصوص، فتحملُ الموازيات تلك السمات التي تحفظ للنص تمايزه وفرادته فتكون بذلك بصمة الكاتب/ الشاعر.
حجلاً أعبر الحقل/ سيميائية العنوان:
للنص شراكه المنصوبة، والتي تدفعنا نحن قراءً ودارسين للوقوع فيها، والشرك الأول هو العنوان الذي يمارس الإغواء فيثيرنا على اعتبار الكتابة/ الشعرِ شهوة يمارسها الكاتب/ الشاعر على الفراغ الأبيض بدءاً ومن ثم نمارسها نحن قراءةً بعد أن نقع في الشرك المنصوب ذاك، مستلذين بعذاب الشعر، منتشين بالجمال في تصوفٍ. وفي كلتا الحالتين يكون الإدهاش. والعنوان هو المفتاح الذي يفتتح به الشاعر نصوصه لكنه لا يفتتح الباب على وسعه وإنما يجعله موارباً. ما سيثيرنا بدايةً هو اختيار العنوان من داخل المجموعة ولكن ليس كعنوان فرعي لأحد الأبواب، أو اقتطاعاً مباشراً من نصٍّ ما في داخله، ولكنه اقتطعه من نصّ ومن ثمّ غيّر وجهتهُ الدلالية، حيث يقول في المقطع:" حَجِلاً أسطيعُ عبورَه ـ الحقلَ ذلك،
وأعدَّ، على جانبي هذا،
عبّادَ الشمس.
أَيستطيع الحقلُ ألا يلتفتَ إليّ؟ "
فهو في العنوان يؤكد عملية العبور للحقل:/ حجلاً أعبرُ الحقل / دون الشك أو التردد وحتى التحدي الذي يتمرأى من خلال النص، العنوان يزخر بدلالات مكثفة، فالعنصر الذاتي يجتاز الطبيعي، لا ليجتازه قدرَ ما يريدُ الالتحام به، وترتقي بنا حالة العبور هذه وهي بوضعيتها تلك حجلاً (الحَجَلان: أن ترفع قدماً وتمشي على الأخرى) إلى مستوى من حالة النشوة حيث يكون العبور حالة حلمٍ أو حالة شرودٍ من الفضاء الحياتي المعاش إلى الفضاء الشعري.

الإهداء:
ما يستوقفنا بدايةً ويثير تساؤلاً هو الفرق الواضح بين صيغتي : إهداء إلى...، وبين صيغة: لأجل .....
فعملية الإهداء تحصل عادةً بعد المُنجزِ وهو هنا المنتج الشعري وهذا ما تعمقه صيغة : إهداء إلى...، ولكن لنتناول الصيغة الأخرى وهي: لأجل...
فإنها تحمل دلالات أكبر وتثير في النفس شيئاً أكبر من مجرد الإهداء، لتدخل في عملية أخرى هي أن تكون عملية الإنجاز بحدّ ذاتها لأجل شيء ما.
ولتناول عناصر الإهداء التي ذكرها الشاعر: لأجل أسرتي + أمير الحسين.
يتداخل هنا الأُسري بالذاتي، فالعلاقة بين الفرد وخاصة الشاعر مع البيت من التعقيد ما يفرز خيوطاً كثيرةً مع التأكيد على خصوصية عناصر الأسرة، داخل إطار البيت وليس خارجه، فالإحساس تجاه البيت مع تناثر عناصره لا يعطي الإحساس ذاته حين تكون داخله، ولتناول العنصر الآخر من الإهداء وهو / أمير الحسين
فهو هنا إهداء للصداقة قبل أن يكون للإنسان فهو لا يهدي إلى أمير الحسين / الشاعر، بل الصديق ولنا هنا أن نسقط إحداثيات الصداقة على المكان، فكأن علاقة البيت والصداقة مع الشاعر هو ما ينقذ الأشياء من التهشم في داخل الشاعر.
العناوين الداخلية/ الفرعية:
التقسيمات الداخلية للقصائد هي عبارة عن نصوص مبوبة بالزومات/zoom ، فتنفرج وتضيق حسب نظرة الشاعر مبتعداً عن التقليد لصالح نظرة الشاعر ككاميرا ترصد تصدّع الأشياء داخل وخارج الذات مُحاطاً بالمكان / الغرفة – البيت – الطبيعة – الحدود – الزمن = القطار/
نقرأ من الباب zoooom+4، حيث يستحضر الغرفة كمعادل لداخل الشاعر:
" أنا بابُها ـ غرفتي، داخلاً.
خارجاً لا أعرف مَن بابُها..
لا رغبةَ لي
في معرفته، حتى.
يسبق انكسارَ شيءٍ ما في الغرفة
ارتجاجُه في باطني".

***

"أحياناً أطردُها ـ الغرفةَ، غرفتي.
فيما أهُمُّ بأغنيّة
أو أبخُّ رائحةً.
هي الأخرى تطردُني، أحياناً
فيما تهمّ بأغنيّةٍ
أو تبخُّ رائحةً".

تتسع حدقة الشاعر لتطلّ على الغرفة من الداخل / داخل الشاعر، في حركة توسيعية حيث تبدو الأشياء مضخمة في ذات الشاعر حين ينظر إليها خارجياً / خارج الغرفة فهي zoooom+4 بالنسبة للناظر من خارج الغرفة بينما هي ليست إلاّ حقيقة حسيّة بالنسبة للشاعر فهنا تختلف زاوية النظر / الكاميرا، وهذا هو ذاته ما يجعل من الـ zoom في تبويب النصوص الأخرى أيضاً يصل أحياناً إلى zoom+12 أو يضيق إلى zoom-14
ما يبرّر لنا تقسيماته العدسانية( نسبة إلى عدسة الكاميرا)، فيكون ما يبدو خارجياً وكأنّه متفكك نظراً لحركة الـ zoom التي تكون بحالتها القصوى +12 ما يجعلها مستعصية على الفهم الواضح بالنسبة للعين عدسانياً، فالحركة التي تُساق هُنا لتوضح الصور تفككها في حالة الفرط +12 أو تجميعها في نقطة التكثيف -14، فهذه الحركة أو العملية إنما تُساق للعين الأخرى المشاهدة أو القارئة، فالأشياء مبررةٌ بطبيعتها مهما تبدّت في حالة الفرط أو التكثيف تلك بالنسبة للشاعر، فالداخلي والخارجي خاضعان للعين الشاعرة التي تتداخل مع العين السينمائية. وهذا التقسيم هو ما يقود الشاعر إلى النظر للأشياء بالطريقة التي تبدو فيها غير مألوفة قراءةً مع البساطة البنائية فيها، فالعناصر بسيطة والمكان مألوف / العصفور- القطار- السماء- الغرفة/ لكنّ إسقاطات النفس الشاعرة عليها تجعل منها معقدة بأدواتها البسيطة تلك، حيث الانزواء في الزاوية المهملة في اللغة، حيث يستعمل منها تلك الحالة الهامشية، التي يهشّ عليها العاميّ من حقله، ويهش عليها الحاذق عليها من حقله لتقف على الحافة مشكلة مستعمرةً خاصة به، هي لغة الشاعر هنا بالبساطة العامية تلك والكثافة الأدبية من حيثُ الحالة، ما يجعل منها منطقة خاصة هي الجحيم النفسي والشعري بتأججه الداخلي وسكونه الخارجي.
وفي نصّ آخر من الباب: zoom vol+5
في هذا النص الذي ينفرد بتقسيمه بصرياً وصوتياً حيث العدسة بحالتها البصرية والصوت مضخم وانتشاره متوازٍ مع الحالة النفسية للنص، فبينما يكون الصوت خافتاً كهمس في موضع يكون منتشراً في موضع آخر، ولنقتفي أثر الصوت الذي يدور بين الشاعر وحبيبته وعملية الاعتراف الصعبة بالحب، ما يجعل الصوت خافتاً في أنا الشاعر، ويبدو الإعتراف بالحب من الخفوت ما يدفع النص إلى اللجوء إلى حالة النشر والتضخيم من خلال حكاية صوت يبدو أنه الأكثر ازدراءً اجتماعياً، فان كان القرآن ينعت صوت الحمار بأنه أنكر الأصوات فإن الإفاخة( الضرطة) التي حكاها الشاعر في النص:
" في الغرفة
أكاد أعترف لكِبالحبّ ـ حبّي،
لا حُبِّ الغرفةِ لأشيائها..
وبطني يقرقِرُ، أخشى سمعَكِ؛
ماذا في الأمر
لو تناهت إلى سمع الحبيبة
إفاخةٌ من الحبيب؟".
بل إنها تتشرب معانيَ أكثر حتى أنها دخلت مدار النكتة كحركة تعمّق إبقاءها في الذاكرة، وهي تحمل في طيّاتها معاني أكثر من البشاعة، فهي مدعاة للسخرية وهذا بالضبط ما يريد الشاعر إيصاله من خلال تعرية الصوت كموازنة لحالة الخفر والحياء من الإعتراف للحبيبة والذي يبرر أخيراً هذا العنوان.
وإذا ما تحولنا إلى نقطة أخرى هي توظيف الموسيقا في علاقة لا اتكائية، تتعالق مع بعض النصوص من خلال النوتة فيتداخل النص الشعري بالموسيقا، فالنوتة تجعل من الشعر والنص الشعري مهرجاناً بعيداً عن الاتكائية. فتكون النوتة هادئة حيناً وإيقاعية متسارعة حيناً آخر. اللجوء إلى مداخلة النوتة الموسيقية مع النص الشعري وإعمال العدسة بانفراجاتها وتضييقاتها وتكثيفاتها يستدعي ذاك الند المفترض أو القارئ المفترض كما يصطلح عادةً وهذا الند المفترض هو ذو أذن موسيقية سلفاً وذو عين تدرك مسالك الكاميرا وزوماتها، فجاءت هذه السمات متضافرة كلها ووعيَ الند المفترض ذاك.
ووقوفاً على عملية كتابة العنوان بحدّ ذاته يستدعي الوقوف على تلك الحدود، فإن كنا قد توقفنا على المفردات بنسقيتها الدلالية فسنقف عليها هنا على بعثرتها على فضاء الغلاف والصفحة الداخلية الأولى والثالثة بالترتيب ذاته فجاء التشديد على بعض الكلمات وعلى بعض الحروف، وربما الأجمل هو مفردة أعبر التي جاءت ناتئة عن الترتيب العمودي دلالة أو أشارة إلى العبور، فهذا التوزيع العمودي مدعماً بالتشكيل يشكل صورة لنسقية العنوان ككل وربما تثير هكذا تعليلات تساؤلات عن مدى الحالة الواعية لمثل هكذا خطوات، ونجد أنّه في مثل هكذا كتابة ينداح الاعتباط نظراً للأحتفال بقضايا شديدة الخصوصية، فضلاً عن أسبقيتها ، كترميم الموسيقا بالشعر عبر عملية بعيدة عن الوعي بالنص الموازي/paratext أما بالنسبة للوحة الغلاف والتي هي في كتابنا هذا مأخوذة عن لوحة تشكيلية، تعطي انطباعاً مختلفاً لما هي عليه داخل إطار اللوحة عنه خارجها، فالعين التي تنظر اللوحة ضمن مساحة الغلاف تحمل دلالات رابطة بينها وبين الألوان المحيطة بها من خلال اللمسات التصميمية للغلاف، متضافرة مع الخطوط والانحناءات التي كتب بها العنوان ومروراً بالدلالات اللونية التي تنطق بها اللوحة أساساً، وتكون زاوية النظر والرؤية إلى الدلالات اللونية وحركة التشكيل في اللوحة ذات مسارات مختلفة ضمن السياقات الدلالية في الغلاف فتنفلت وتنزاح إلى معان أخرى.
وأياً كان رأي النقد التشكيلي للوحة خارج الغلاف فهذا موضوع آخر، وإنما سنعمل على كشف العلاقة النسقية بين العنوان من خلال تشفيراته وترميزاته على اعتبار أن اللوحة واختيارها من بين مجموع اللوحات لتكون فاتحة الكتاب (أو خاتمتَه، كما في المجموعة التي نحن بصددها) وخاصة الشعري منه، يعني أنه ثمة علاقة مشتركة بين دلالات اللوحة والنسقية الشعرية في المجموعة وخاصة من زاوية العنوان.
فالعنصر الذي يبدو ضمن اللوحة الأخيرة فاداً ليديها لا تبدو منفرجة وكاملة الفرد بل نصفية ما يجعلها حركة سقوط ما من زاوية وعملية توازن من ناحية أخرى حيث يتبدى هنا الإسقاط الواضح لعملية التصميم للغلاف والذي يزيح الدلالات الشكلية فالعنصر الشكلي يبدو ساقطاً لكن التصميم ومن خلال تحريك الزاوية وجعلها مائلة خلق من العنصر الشكلي توازناً مما يدعو إلى تثبيته وانقاذه من السقوط المفترض وهذه الحركة هي حركة العبور ( عبور الحقل) دلالياً وهذا ما تؤكده عملية القص من اللوحة واقتطاع الجزء المتساقط متوازناً ولصقه على الغلاف الأمامي متداخلاً مع الألوان المحيطة للغلاف ومع الحروف الكبيرة الأولى للعنوان مع التشديد على تلك الحروف.
وإن كنا سنقف على العناصر الأخرى من اللوحة فإننا سنقف على العمق الأكثر تعالقاً مع النفس الشعري للمجموعة ألا وهي شبح الحيوان الذي يقتطع العنصر المتهاوي من المنتصف أو بالأحرى ليس اقتطاعاً قدر ما هو عبور وتأثير وربما هو حيوان الشهوة الذي ربما يكون العضو المرسوم باستقلال إلى جانب التساقط والذي يبدو أنّه فك الشيفرة الرمزية لذلك الحيوان وربما فك لطلسم السمكتين التي تسير إحداها بعكس السقوط وعكس اتجاه العضو الجنسي بينما الآخر يبدو فاراً من الجسد باتجاه المياه التي تبدو نارية ومتأججة فهذه التساقطات والتي تسهم في تعميقها العناصر المحيطة تأخذ أبعاداً أخرى من خلال عملية الإزاحة للزاوية التي تنقذ العنصر من السقوط وتؤهبه لعملية العبور تلك ما يستدعي نظرة جديدة إليها وهذا ما سيهمنا في دراستنا هذه وإن كان يهمنا التعالقات ما بين دلالات اللوحة والمضمون النصي للمجموعة ودلالات العنوان فإننا ربما نشير إلى زاوية أخرى هي زاوية الجرأة في التناول فإن كان النص الشعري جريئا في طرح مواضيع تعتبر معيبة اجتماعيا والخروج عن المألوف من خلال هذين الموضوعين بالذات يبدو جديراً إذ جرت العادة على اعتبار الايروتيك الكتابي خروجا عن المألوف إلا أن الشاعر يصدمنا من خلال زاوية أخرى هي التي تتعالق مع اللوحة من خلال طرح عنصر هو العضو الجنسي في خلفية اللوحة تأكيداً على الخروج ذاك.
ـــــــــــــــــــــــــ
العنوان الأصلي للمجموعة bexçe derbas bikimLi ser nigekî / مجموعة شعرية للشاعر ريبر يوسف، ط1، دار الطليعة الجديدة بدمشق 2009

*ترجم النصوص إلى العربية الشاعر أمير الحسين






تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow