Alef Logo
الآن هنا
              

نهاية عصر الانترنت ... والسبب نجاحها

م.رشاد أنور كامل

2009-05-02


فجأة وبدون سابق انذار معلن، تناقلت وكالات الأنباء خبر إعلان وفاة الإنترنت كما نعرفها عام 2012!! نعم عام 2012 وهو نفس العام الذي كان من المفترض حسب استراتيجية التقانة السورية التي وضعتها وزارة التقانة سنة 2003 أن نصل فيها الى مصاف الدول المتقدمة في نوعية وحجم استخدام الإنترنت!! وحتى لا نربط الموضوعين ببعض (وصولنا الى الهدف عند موته) لابد من البدء بالخبر نفسه (انتهاء عصر الإنترنت المفتوح) .
لماذا عام 2012؟ حسب تقرير أعدته وكالة (فوكس نيوز)، وعند لقائها مدير الشركة المسؤولة عن تسجيل نطاقات الإنترنت، أي عملياً تسجيل أسماء المواقع، صرح بأنه تم الى الآن استهلاك أكثر من 85% من أسماء النطاقات عالمياً أي لم يتبقَ إلا 15% من أسماء النطاقات متوفرة وهي بدورها ستنضب مع نهاية العام 2011.
ولمن لا يعرف ما نعنيه بأسماء النطاقات نوضح بأننا نعني باسم النطاق (هواسم الموقع الذي تكتبه على أي متصفح لتصل عبره الى الموقع المطلوب على الانترنت والذي ينتهي بمعظم الاحيان (.COM)) والمشكلة ليس بنضوب الأسماء بل بالتقنية المستخدمة في ربط هذه الأسماء بشبكة الإنترنت، فاسم الموقع هو عملياً مرحلة لتسهيل حفظه على المتصفح لكن الاسم الفعلي هو عبارة عن حزمة من الأرقام تعرف باسم (IP address).
والحكم على الإنترنت بالتقلص والموت سببه من صمم برمجيات التحكم والتواصل عبر الإنترنت (بروتوكولات التخاطب) عند اطلاقها عام 1981، فعند تصميمها لم يكن هناك أكثر من 500 حاسب متصل بالإنترنت ولذلك عندما قرر مخترعو بروتوكول التواصل المخصص للإنترنت أن يكون عدد المواقع والحواسب والمخدمات وغيرها المتصلة بالإنترنت لا تتجاوز الأربعة مليارات نستطيع تفهم دوافعهم؛ لأنه من ثلاثين سنة مضت لم يكن أحدهم ليتصور أن عدد مستخدمي الحواسب سيصل إلى هذا الرقم فما بالكم بعدد مستخدمي الإنترنت وعدد من المواقع يعادل الأربعة مليارات!!
وإذا ما سلمنا أن عدد أسماء النطاقات في نضوب فهذا يعني أن من لديه الآن موقعاً يملكه (أي عمليا لديه نطاق معرف) قد يصبح سعره كالذهب وعمليا ستوجد تجارة هي تجارة التخلي عن النطاقات وتبادلها مثلها مثل تجارة العقارات والأشياء النفيسة الأخرى... فهل هذا ممكن؟.

لو كانت هذه هي فقط المشكلة لكان الحل بسيطاً لأنه تم الانتباه لهذا الموضوع من عشر سنوات وبوشر باعتماد بروتوكول تخاطب للإنترنت جديد اسمه IPv6 عوضاً عما نعمل عليه الآن والمسمى IPv4.
و IPv6 عملياً سيكون حلاً ذهبياً يمنح الانترنت قدرة غير مسبوقة لبلايين النطاقات والتعريفات وعملياً سيكفي البشرية لمئات السنين القادمة وسيصبح من الممكن تخصيص كل شخص على الكرة الأرضية برقم نطاق أمراً ممكناً بطريقة مشابهة للرقم الوطني، وعملياً سيكون الهاتف النقال والحاسب وغيره من أجهزة التواصل والاتصال الخاصة بأي منا تحمل نفس رقم التواصل والذي من الممكن أن يكون هو نفسه رقم هاتفنا العالمي ( عند اعتماد تقنية الاتصال الصوتي الرقمي VoIP عالمياً) . إذا أين المشكلة؟
ببساطة سبب المشكلة النجاح !! . نعم النجاح .
وأنت السبب!.
حتى نبسط عليكم الأمر لابد من مثال: لنتصور أن أحدكم قرر أن ينشئ موقعاً وبالفعل يريد أن يحجز لهذا الموقع مكاناً عند أحد مزودات الخدمة (ISPs) أو بنوك المعلومات (Data Centers) سيفاجأ بلائحة خيارات تبدأ من 150 ل س بالشهر وصولاً إلى عشرين ألف ليرة بالشهر إن لم يكن أكثر والفرق بينها تعريفه بسيط، (كم تتوقع أن تستهلك من مساحات تخزين على تجهيزاتهم وكم ستستهلك من حركة السير - من وإلى- موقعك من الزوار ومن حجم تبادل للمعلومات)، وفوراً ستختار أن تبدأ بالسعر الادنى وهو في هذه الحالة 150 ليرة وهذه حكمة، إلا أنه وخلا أشهر قليلة نجح موقعك وبدأ بجلب زوار أكثر وأكثر فماذا سيحصل؟
غالبا عندما يصل عدد زوارك وحجم استهلاكك لحزمة الإنترنت المسموحة لك حده الأقصى سيتم فصل موقعك عن العمل وحجبه آلياً وحتى بدون استشارتك، وربما يتم إعلامك بأنك تجاوزت ما دفعت من أجله وأنه يجب أن ترفع مستوى اشتراكك إلى مستوى أعلى.
وهكذا كما ترى أنه مع كل نجاح لابد لك من الارتقاء الى أن تصل إلى مرحلة كونك مشهوراً جداً ولديك عشرات آلاف الزوار يومياً فحتى اشتراك الشريحة الأعلى لن يكفيك ويجب أن تشترك بعدد أكبر من المخدمات وتوزع الحمل بينها، وهكذا لتصل إلى نتيجة أنك تدفع مبالغ طائلة وتستهلك حزمة وحركة سير على الإنترنت مكلفة وأحياناً غير متاحة.
هذا المثال واقعي وقد حصل مع مؤسس موقع عالمي شهير هو (Facebook) فنجاح موقعه كلفه إلى الآن أكثر من مائتين وخمسة وسبعون مليون دولار فقط كلفةً استئجار حواسب ومخدمات لتستطيع تخزين صور وتعليقات ومساهمات ملايين المشتركين لديه!!ّ وهذه الملايين من مشتركيه تهدد بإفلاسه رغم أنه من المواقع الخمسة الأولى في العالم، وبتصريح خطير من مؤسس الموقع أعلن أنه لايمكن تغطية النفقات المتزايدة من الدعاية والاعلانات وحدهما.
المثال الثاني هو عنك أيضاً وستعرف أنت شخصياً كم تكلف العالم فقط من أجل نكتة أو حكمة، فاليوم يأتيك من صديق بريد إلكتروني يحتوي على مجموعة من الصور المضحكة وبعض التعليقات وحجم هذه الرسالة 200 كيلو بايت، تقرأها تضحك وتقرر أن ترسلها إلى عشرة من أصدقائك وهم بدورهم كل واحد منهم سيرسلها إلى عشرة من أصدقائه ومن أرسلت لهم أيضا سيرسلونها بدورهم لعشرة من أصدقائهم فما هو حجم التراسل الذي أغرقت به الشبكة فقط من أجل بريد (نكتة ) هو : 200×10×100×1000 = 200 ميغا بايت. أي أنك أطلقت حجم تراسل يعادل مليون مرة ماوصلك!!
وحجم التراسل اليومي للبريد التراكمي التسلسلي الشبيه ببريد النكتة الذي تم توصيفه بالإضافة إلى الرسائل المزعجة SPAM تستهلك 75% من كل ما يتم تبادله من معلومات على الإنترنت يومياً.
ونستطيع أن نعدد العديد من التصرفات الشخصية واليومية التي تمارس من العديد منا يومياً أثناء استخدامنا للانترنت والتي تبدأ بتصفح المواقع على أنواعها واستلام بريدنا الإلكتروني وتحميل الأغاني والصور والمحادثة وتبادل مقاطع الفيديو على أنواعها والاستماع الى الإذاعات. ولكن أليس من المفترض أن تكون هذه كلها من ميزات وصولنا لعصر الإنترنت الذي انتظرناه طويلاً ؟!
ببساطة النجاح الشديد أوصل الشبكة وقدراتها ومخدماتها إلى الطاقة العظمى وخاصة مع انتقال المحطات التلفزيونية الكبرى ومؤسسات تأجير الافلام إلى استخدام الإنترنت في تقديم أفلامها وبرامجها.
إذاً الأفلام والموسيقا والصور والتلفزة عبر الإنترنت و الرسائل المزعجة (Spam) هي المسؤولة عن تسريع الوصول إلى النهاية المحتومة وهي توقف الإنترنت في يوم من أيام عام 2012 .... إلا في حالة واحدة وهي ستكون الحل ... وذلك بالعودة الى حل المؤسسة العامة للاتصالات في سورية....
الحل السوري نموذجاً لحل مشكلة الإنترنت العالمية !!!. مع الأسف هذا صحيح.
والحل يتلخص بجملتين ( حجم استخدام محدد ومواقع محجوبة )
الانعطاف بدأ مع إعلان أكبر مزود خدمة في الولايلات المتحدة الامريكية Comcast لزبائنه البالغ عددهم 14.5 مليون مشترك أنه سيبدأ بتحديد حجم استخدام الإنترنت لأي مشترك بطاقة لا تتتجاوز الـ 250 جيغابايت شهرياً والذي من المتوقع أن يزعج المشتركين رغم تطمينات المتحدث الرسمي عن الشركة بقوله (أن ذلك لن يؤثر إلا على 1% من المستخدمين لأن النسبة الأعظم لا تستهلك بالشهر الواحد أكثر من 40 جيغابايت حجم تراسل .
ومن الطبيعي أن نعتبر رقم 250 جيغابايت كبيرة وكافية وهذا غير صحيح وخاصة أننا نلجأ لمقارنة ما هو متاح لمستخدمنا السوري بنظيره الامريكي، فالمستخدم الأمريكي يتعامل مع الإنترنت بشكل مختلف لأن سرعة اتصاله بها تتجاوز 10 ميغابت مما يشجعه على استخدامها بشكل مختلف وأكثر تطوراً فهو يعتمد على الإنترنت لنقل الكثير من المواد المصورة والأفلام والأخبار والاتصال المرئي عالي الدقة وعندها سنجد أن 250 جيغا بايت رقمٌ مقبول لا جيد.
ومع ذلك انطلقت صفارات الإنذار حول العالم نتيجة هذه الخطوة وبدأت التحذيرات حول الخطة الأكبر لمزودات الخدمة حول العالم والتي تتلخص في أنها أولاً ستلجأ إلى تخصيص حزم مختلفة الأسعار لمستويات الاستهلاك لدى مسستخدميها بعدما كانت مفتوحة والثانية وهي الأخطر هي تحديد باقات معينة من المواقع التي من الممكن الوصول إليها من قبل مستخدميها!!
ماذا يعني هذا؟. ببساطة سيتم إطلاق حملة كبيرة لحصر المواقع التي ستدفع لمزودات الخدمة لإبقائها ضمن باقات التصفح الخاصة بها وحجب كل من لايدفع وهذا بالضرورة سيقلص ويحصر مواقع الإنترنت التي ستسيطر على الفضاء الرقمي الافتراضي إلى عدد محدود (قادر على الدفع) لإبقاء فرصته قائمة بوصول المتصفحين اليه أي أن ملايين المواقع الشخصية والفردية سيتم حجبها لأنها لا تدفع لتكون مرئية من المزودات وأيضاً لطمر أكوام المواقع والمعلومات التي تطغى على محركات البحث الآن وليست لها قيمة برأيهم.
وبالنتيجة سيتم تكريس المواقع الغنية والقادرة على احتلال الإنترنت بأموالها ومحتواها والمواقع الحكومية ومواقع الشركات الكبيرة على المواقع الفردية ومواقع المؤسسات الصغيرة.
وعملية الحجب هذه لملايين المواقع ستؤدي إلى قطع الوصول إليها وعملياً قطع أي فرصة لوجود عائد مالي لها أي، في الواقع، سيتم طيها نهائيا.
ونتيجة لهذه الأخبار قررت الصين مثلاً أن تفصل شبكتها ومواقعها عن الشبكة العالمية وأن تبني نظامها الخاص الذي يبقي الصينين ضمن شبكة صينية لا تتأثر بمحاولات الاستحواذ على الحركة في الشبكة العالمية من قبل الشركات الكبرى وخاصة الأميركية منها.
وإذا أمعنا النظر ودققنا سنجد أن ما يحدث ليس جديداً ولا هو مفاجئ، بل هو خطوات واضحة تم التخطيط لها منذ أكثر من خمسة عشر عاماً عند إطلاق مفهوم مشروع (طريق الإنترنت السريع) الذي خططت له الشركات الكبرى التي اشترت الإعلام وتشتري محركات البحث وكل ما هو كبير. فهي من يملك أهم عشر مواقع متصفحة عالمياً على الإنترنت، وهي أيضاً من سيعيد بيعنا مرة أخرى حق الوصول إلى المعلومة وهي من سيقبض من الشركات ثمن وجودها على الإنترنت مرة والسماح لهم بزبائن مدفوع ثمنهم مرة أخرى.
أكثر من مليار موقع على الإنترنت اليوم، ولو قرر عشرة ملايين منهم فقط أنهم مستعدون لدفع 10 دولارات شهريا لمزودات الخدمة للسماح لهم بالبقاء عبر حزمهم فهل من الممكن حساب المليارات من الدولارات التي سيكسبها ملوك الإنترنت الجدد.
لن تموت الإنترنت بل سيتم دفن ما كان غجري ومجاني وشبابي فيها ... فقط .
بدأت المقاومة من الآن ولكن من سيربح .... سننتظر حتى 2012 لنعرف؟.

عن جريدة الخبر السورية


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow