Alef Logo
الآن هنا
              

لكي لا نظلم أدونيس "الحضارة العربية دخلت مرحلة الانقراض"

نوار جبور

2009-05-24


فجر هذا القول للشاعر المفكر أدونيس في شمال العراق -كردستان- مشكلة كبرى لدى المثقفين العرب من القوميين إلى المثقفين الحياديين وأصبح هذا القول مادة خام للجميع لاستهداف أدونيس، ولا نستغرب التشكيك حتى بوطنيته وانتماءاته بعد فترة من الزمن. وكما هي عادة المتفكرين العرب يكيلون الاتهامات والعتاب مبتعدين عن المناقشة الفكرية أو الموضوعية أو الحوارية التي يجب إتباعها في هكذا قضايا حساسة ولم نتعلم بعد من مسار العقل الذي يحكم البشرية بضرورة النقد الذاتي كقانون أو التشخيص الحقيقي للحالات والظواهر الاجتماعية التي حكمت كبرى الثورات الإنسانية والاجتماعية والسياسية .رأى الكثيرون أن أدونيس قد قصد بكلامه نكر الثقافة العربية ومهاجمتها وهو ليس السباق في هذا الطريق دعونا نعود للقرن الماضي فنرى أن كل من (الأب مارون غصن ، ثم سعيد عقل،أنسي الحاج) في لبنان(رشيد موسى،عبد العزيز فهمي)مصر(نزار قباني)سوريا *

فكل المفكرين أو الشعراء المذكورين هاجم الثقافة العربية واللغة العربية والتراث الفكري العربي وربط بين الفكر والهزائم وجعلوا التراث العربي والإسلامي كبش فداء لكل التراجع الفكري والحضاري الذي عايشوه وأعلنوا ما هو أكثر مما قصده أدونيس لأنهم نادوا بإلغائها لا تشخيصها كما شخص أدونيس حالتها ولكل منهم خلفية مختلفة لهذه الأفكار منها القومية منها الطائفية منها الإيديولوجية ومنها الذاتية. ونرى هنا أن الدعوة للخروج عن الثقافة والتراث العربي قد بدأت قبل ذهاب أدونيس إلى العراق وأنها قد بدأت في مراحل حساسة من تاريخ أمتنا العربية ولكن وبعد كل هذا نسأل لماذا كل هذا الغضب على التراث العربي؟ لماذا نرجع أسباب تخلفنا وإخفاقاتنا أمام التاريخ وأمام الذات لتراثنا العربي؟ هل من الممكن أن يكون تراث فكري للأمة كاملة هو محض هراء؟ هل يجب نكرانه وإفراغه من كل القيم ؟

لاشك أنه من الخطأ بمكان قطع علاقة الماضي بالحاضر أو نكر الماضي أمام الحاضر ومحاربة الماضي بسلاح غريب عنها ولا ينتمي أليها كالتغريب أو التنميط-الغربي- لأن كل مرحلة اجتماعية حكمت الشعوب هي وليدة زمانها ومكانها وتخضع لقانون الاستمرار ولا يمكن جدلياً وضع البيضة في رحم قطة ولا يمكن جعل الحاضر غريباً عن الماضي أولا ينتمي أليه يقول ماو تسي تونغ "لا أستطيع علمنة الشعب الصين دون الحفاظ على تراثه الفكري" ف ماو هنا أراد أن يقول أن التراث الصيني يجب أن يقترن –ينمط- بالتجربة الجديدة للشيوعية ولا تكون الشيوعية بما تحوي من علمانية ومادية ملغية لتراث روحي لشعب أمتد تاريخه لقرون عديدة ونحن كذلك لا نستطيع محي ثقافة وفكر إنسان وتنميطه بثقافة جديدة لا تدخل في خواص شخصيته ولا يمكن النظر إلى ثقافة كالثقافة العربية على أنها مفلسة ولا يمكن النظر إلى أي فكر إنساني بهذه الطريقة التشاؤمية ولأننا أيضاً لا نستطيع أن ننسى كم من مترجم أوروبي ترجم كتبنا، وإن المستعمرات العربية في (قرطبة ،وصقلية) والاستعمار الروماني كان له فضل كبير على أوروبا بالاطلاع على تراثنا وفكرنا وتقدمنا ونقله أليهم ، فحركة الترجمة التي اطلعت الغرب على التراث الفكري العربي له دور كبير في تطوير أوروبا كفلسفة وكعلم وكمجتمع ولا يمكن ذكر المترجمين على سبيل الحصر ومنهم الرهبان بطرس المحترم والبير الكبير وروجور بيكون* وكان أوج الترجمة متجهاً نحو فلسفة الفارابي، وابن سينا، الغزالي، ابن رشد ،ابن خلدون ،الكندي والطوسي وكثيراً ما قتل النظام البطركي الأوروبي العديد من الفلاسفة لتبنيه الفلسفة العربية وخاصة الرشدية-نسبة لأبن رشد- كالفيلسوف الايطالي (بترو بومباري)،(برناردينو تيليزيو) *. ولا يمكن نكر الفكر العربي وتأثيره على الإنسانية وأن فلسفتنا وتراثنا الفكري كان منارة أوروبا التي أوصلتها إلى الأمان الأمان الاجتماعي والسياسي والفكري بل وحتى الاقتصادي-كنتيجة- وثقافتنا ثقافة غنية مليئة اتجهت نحو المادية كعلم -ابن رشد- واتجهت بمطالب فلاسفتها نحو الإنسانية والإرادة الجمعية كنظام دولة -الفارابي- وتحرير المرأة ومساواتها بالرجل-ابن رشد- وبتفسير الأصوليات والعصبيات وتفسير حركة الشعوب-ابن خلدون- واعتماد الفلسفة العلمية الطبيعية-الكندي- ففلسفتنا متكاملة ومع كل ذكرنا نبقى غير منصفين فأدوار نصير الدين الطوسي وابن فاجة وابن سينا والغزالي أدوار كبيرة أكملت العلوم الأوروبية من الرياضيات إلى الفلسفة ولكن لماذا استفاد الغرب من هذا التراث العظيم ونحن لا؟ لماذا أصبح الغرب منارة لنا بعد أن كنا منارة له؟ لماذا قال مفكرنا الكبير أدونيس قوله في شمال العراق؟ إن الأسباب الحقيقة التي أوجدت حالة العداء للثقافة العربية من قبل المثقفين هي استمرار لظواهر مازالت تحكمنا منذ موت الخليفة المأمون وما قبله فالمأمون الذي قامت بعصره أكبر حركة ترجمة للفلسفة اليونانية وأكبر حركة علمية وتنموية تنويرية في الأمة العربية ،إعطائه الحرية للمعتزلة وللمفكرين العرب وتأثره بالعقلانية ومحاولته ترسيخها كمنهج فكري وإقراره بقضية خطيرة هي قضية خلق القرآن وترجيح العقل على النص والكثير الكثير من الترسيخ العقلي والذي كانت نتائجه ذخر كبير لتقدم الفلسفة العربية والعقلانية العربية فبموت الخليفة المأمون انتهى كل شيء فأسلافه بدأُ بحرق كل هذا التراث من المعتزلة خصوصاً إلى الفلسفة والتمنطق عموماً وعادت الثقافة ومعها الفكر إلى نفس أيام التي تلت وفاة الرسول بفترة فترسيخ حكم النص والقدرية التي حاربها أبناء الفكر المعتزلي ، والتفسير السياسي و المصلحي أل لا عقلي للقرآن واختلاق الأحاديث عن لسان النبي وتنميطها على النحو المصالحي والطبقي والسياسي ودخل العرب بعدها مرحلة الانحطاط الفكري وبدأ التعامل الإرهابي مع المفكرين والفلاسفة العرب والملاحقات العشوائية والاتهامات تضرب كل حركة عقلية و كل متعقل بدأً من المعتزلة مروراً بابن باجه وابن سينا وابن الطفيل وصلاً إلى ابن رشد وكما قلنا بموت المأمون دخلت الحضارة العربية بمرحلة السكون ولا ينكر وجود حركة فكرية فيما بعد ولكنها كانت دوماً في حالة حرب مع السلطة التي لا تريد إلا السلطة الفردية وبوجود أشخاص كابن عباس وابن تيمية والشهرستاني وصولاً إلى البوطي وابن باز والنجوم الشيوخ الذي يظهرون على شاشاتنا وشيوخ اليوم يترسخ الفساد والقدرية والمحسوبية وكل الشرور التي تحكم مجتمعاتنا فمحاربة العقل مصيبتنا وهي التي أبعدتنا أشواط عن التاريخ فالعقل الذي يحكم البشرية مرفوض لدى العقلية الفقهية المسيسة المحدودة الفكر والتي ارتبطت بجانب فساد الخلفاء والفردية والأحادية والسلطوية ومبدأ الحكم الأبوي فهم حاربوا الفكر المعتزلي العقلي وحاربوا فلاسفتهم والفلاسفة عامة وحاربوا جميع أنواع الحكم الجمعي مرسخين حكم الخليفة والغيبية القدرية فارتبط الترسيخ السياسي بالديني فمبدأ مثل مبدأ العلة الأولى يلغي الإبداع الفردي والجمعي ومبدأ مثل مبدأ أحقية النص يلغي الحوار ويلغي التاريخ وجدليته ويصبح الشعب منمطاً بكتاب وبأحاديث ملفقة جامدة لا تساير ذهنية العصر وجعل القرآن كتاب شمولي يبعد العقل عن وظيفته بتحليل أي ظاهرة سواء الاجتماعية أو الفكرية أو العلمية.ألا يجب أن نقف أمام ذاتنا ألا يجب استغلال تراثنا ألا يجب أن نصحي ونحرق الكثير من التراث المزيف ألا يجب أن نعتذر من فلاسفتنا الذي لا نكرمهم إلا بذكر أنهم مسلمون عرب وبأسماء شوارعنا ألا يجب على الشيوخ والفقهاء العرب قبل ذم داروين وماركس وصادق جلال العظم و فرويد والسيد قمني ذم أبو حامد الغزالي وابن تيمية وابن عباس ألا يجب علينا أن نعتذر عن جرائم المتوكل وأمثاله على ما ارتكبوه بحق فلاسفة العالم كفلاسفة المعتزلة وابن رشد وابن فاجة وابن سينا كما اعتذرت الكنيسة من غاليليله..... ألا يجب علينا النظر إلى إيران التي أصبحت ثالث دول العالم بالفضاء الالكتروني ثقافياً ولغوياً ألا يجب على دول الخليج فتح معاهد للفلسفة على غرار إيران التي تحوي على أكثر من 400 ألف معهد في قم وحدها بينما دول الخليج تمنع الفلسفة ألا يجب علينا أن نصل إلى العلمانية التي أنضجت الشعوب ألا يجب على الحاكم العربي أن يفهم قول الهيجلية مدرسة الفكر العالمي بأن تاريخ العقل هو تاريخ الحرية ودون حرية لا تقدم للعقل ألا يجب ترك الفكر السياسي الفردي والديكتاتوري والشمولي والثيوقراطي والتولتاري والتوجه نحو الدستورية والعلمانية والإرادة الجمعية لإنقاذ شعوبنا من نير الأفكار الدينية المسيسة الضحلة ألا يجب تغير مناهجنا العلمية للحاق عقلية العصر وبعد كل هذا ومع غياب العقل هل يحق لنا أن نحاسب المفكر أدونيس إن قال سننقرض.

بشار سبارت سوريا

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مطر خريفي صامت....

11-كانون الثاني-2010

وجبة من الحزن الدافئ

13-تشرين الثاني-2009

العاهرة قديسة العصر

11-أيلول-2009

فخ الثقافة الشعبية

15-حزيران-2009

يا جمال الورد

08-حزيران-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow