Alef Logo
يوميات
              

الثرثرة أم الحضارة

باسم سليمان

2009-06-13


كل ما عرفته عن داروين كان عن طريق الثرثرة الشفوية أو الكتابية ورغم اطراد هذه الثرثرة بحكم صراع الديني والعلمي فقد كنت دوما أقف على الحياد الذي لا لون له والسبب في ذلك أن مراجعة بسيطة أو عميقة لتاريخ نسَبي أكدت أنه لا أحد من أسلافي كان قردا أو ملاكا فأسلافي كانوا بشرا بنفس الهيئة التي أبدو عليها
وما تلك المقولات إلا أساطير الأولين وما دخلي أنا فيهم, فهم قد ذهبوا هم وريادتهم وبقيت مع مقولة أن تصل خير من ألا تصل أبدا ,عفوا؟! مادخل الكلمات السابقة بما بدأته! , لا يهم؟!!.
ومع ذلك أتساءل ماذا كان يصنعه الإنسان القديم في عتمة كهوفه!, فهو ليس بكائن يجتر طعامه ولا يدخل في سبات ولم يكن لديه الكثير من العمل ولا ما فرضه نظام التخصص والرأسمالية ,فهو في زمن المشاع وفعالية الالتقاط ,فلا بد أنه كان يفعل شيئا يجعله يتواصل مع مجموعته فالطعام أو الجنس أو القتال كلها لها فترات زمنية متناوبة لكن قصيرة وعليه فهو يملك متسعا من الوقت يقضيه بالصمت ,إذاً كان الإنسان القديم يتأمل,يتأمل ماذا؟! فلنفترض أن تأمله كان في نفسه وما حوله وبعد ذلك فليس من المعقول أن الإنسان القديم سوف يقضي وقته كاملا في التأمل وخاصة إن كان تأمله قد أفضى لنتيجة ولكن نعرف التأمل حالة تجريدة لا يصل إليها الإنسان إلا بعد مص عصير المحسوسات من حوله وفي نفسه .
إذاً هناك فعالية تسبق التأمل لا بد أنها الكلام فالكلام هو أفضل وسيلة لقضاء تلك الليالي الباردة في زمن الإنسان البدائي ولكن الكلام غالبا ما يأخذ شكل العلاقة الجدلية بين مجموعة مهما كان عدد أفرادها في محاولة لإقناع الطرف الآخر أو الأطراف, فهل كان الإنسان القديم الذي قد يقوده جوعه وعطشه للأكل من الجيف وشرب الماء الآسن لديه هذا الخيار؟!َ, بالتأكيد الجواب يكون نفيا !!,وهنا نجد مستوى آخر من الكلام ندعوه في زمننا الثرثرة ونرميه بكل السلبيات رغم أنه في زمن الإنسان القديم كان الوسيلة الناجعة في أنسنة الأشياء فالثرثرة مليئة بالتفاصيل فلنتصور إنسانا قديما يصف ما تعرض له وهو يقطع أحد الوديان أو يتسلق جبلا بحثا عن الطعام كم هي التفاصيل التي سوف يسردها ,وكم هي الأسئلة التي سيتعرض لها, وكم سيكون جهده الفكري كبيرا في محاولة لوضع هذه التجربة ضمن معرفة الآخرين وبالضرورة ضمن معرفته وما تمليه عليه التجربة من إعادة للانفعالات التي رافقته في رحلته من خوف وفرح وتوتر وطمأنينة وكل شيء من هذا القبيل .
لنتأمل ما فعله الإنسان القديم ألا نرى بفعله بداية المسرح وعلم الجغرافيا والنبات والصيد والتاريخ ومن ثم الفلسفة وغيرها من فنون؟!.
بمقارنة بسيطة بين ثرثراتنا اليوم وثرثرة الإنسان القديم نستطيع القول أن ثرثراتنا تشبه عملية الإجتراروالسبات فلا نفع منها أنها كلام للنسيان غير معول عليه "طق حنك" .
اعود للثرثرة عن داروين ومعارضيه أو موافقيه لأقول :إن الطفرة الوراثية التي جعلت الكائن الإنساني يغادر مملكة الحيوان هي قابليته للثرثرة والسؤال الذي يطرح نفسه أرضا اليوم هل فقدنا تلك القابلية البناءة؟!.
باسم سليمان
www.safita.cc
[email protected]
مرسلة من الكاتب عن بلدنا

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

في بحثكَ عن ظلّ؛ تفوتك ألف شمسٍ

29-كانون الأول-2018

الصارية

02-حزيران-2018

باح يا باح يا ورق التفاح

17-آذار-2018

باح يا باح يا ورق التفاح

23-كانون الأول-2014

الخط الأحمر في طور المراهقة الحوارية*

04-آذار-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow