Alef Logo
المرصد الصحفي
              

الكاتبة لينا هويان الحسن متورطة بالتمرد بين ظلال الصحراء وبهاء الرواية حاورها

رفيق قوشحة

2009-06-19



خلال فترة وجيزة لا تتعدى السنوات الثلاث أو الأربع برز اسم ( لينا هويان الحسن) كصوت روائي شاب مع صدور ثم انتشار روايتها الأولى " بنات نعش" عام 2005.
لماذا نستحضر الذاكرة البدوية بحثاً عن القيم النبيلة في حياتنا المعاصرة؟
أليست الحياة ولادة ؟ ثم هل نحن عاجزون عن إنتاج نبلنا من سلوكنا ومعايشتنا المعاصرة للحياة ؟
كل هذه الأسئلة توجهت بها إلى لينا لتقول :
( عمق البداوة وحبها هو الشيء الذي رأته أوروبا عهد الأنوار في الشرق عبر رحاليها ومستشرقيها وأدبائها الذين تجاهلوا المدن التي مروا بها وعندما عاينوا البدوي عن قرب, سموه اختصاراً بما لا يزال يعرف كمصطلح "البدائي النبيل" وكوني ابنة هؤلاء البدو ومن صلبهم ورأيت سلبياتهم وايجابياتهم . وكبرت وأنا على يقين أن هؤلاء البشر الذين اشتهروا بمعايشتهم لثلاث كائنات هي الجمل , والفرس, والصقر . كان لابد أن يتأثروا ويتلقنوا من طباع هذه الكائنات الفريدة ).
في تقديمها لكتابها الأول رواية (بنات نعش) تكتب لينا هويان الحسن : "دائماً هناك ذاكرة نقتنيها بشراهة لتأكلنا فيما بعد بتلذذ " ومن هنا يبرز السؤال وفكرة أن هذا الانجرار الواعي والعميق نحو الحنين , وهذا التلذذ في استحضار صور الماضي وحشوها في حياتنا المعاصرة ما الذي يبرره ؟ تقول لينا : ( نحن في عصر يختزل الإنسانية وهذا لا يخفى على أحد . تختصر العواطف , حتى الوجدان والمشاعر مهددة بتسارع عجلة الحياة باعتبار طغيان النزعة المادية على حياتنا الروحية , بالإضافة إلى المتطلبات المعيشية الحياتية التي يفرضها هذا الزمن . هنا جمال وأهمية استحضار الكائن النبيل الذي يقيم وزناً لأنفته وكبريائه وكرامته ومشاعره . كم نحتاج نحن إلى قدر كبير من الضخ المعنوي لندعم منظومة حياتنا اليومية في تعاملنا مع الآخرين لنكون كائنات جميلة روحياً قدر الإمكان . "بنات نعش" هي هذا التاريخ والروح البدوية هي الثقافة البدوية المعنوية التي لم تتغير منذ زمن العرب البائدة وأنا ركزت على الخصال الأيجابية والنبيلة عند البدو ورغم أن لديهم سلبياتهم . هم لديهم حضارة معنوية ومنظومة قيم قوية ولولا هؤلاء الناس لما حفل تاريخنا بأجمل الحكايات ولا كان عندنا أمثال"أبو زيد الهلالي" ولا "امرؤ القيس" ولا "عمرو بن كلثوم . . أنا لا أكرس القيم النبيلة محصورة في التاريخ , لكنني استعيدها كحكاية ممتعة ومفيدة تعرف القارئ على عالم غير معروف . البدو عالم مجهول والدراما كرسته عالما مغبونا يختصر بخيمة وفرس وقتال بين أبناء العم على امرأة . في روايتي " بنات نعش " جئت أقول " لا " , لأوضح صورة البدو وبتواطؤ معهم ركزت على الايجابي فيهم كدعوة لإعادة تذوق العالم البدوي بنكهة مختلفة وقراءة بسطور جديدة و " أهل مكة أدرى بشعابها " وهذا امتياز لي أدبياً في الرواية السورية )
تلفت النظر تلك الحماسة التي تتحدث بها لينا عن فهمها الخاص للذاكرة وعالم البداوة والحنين ُإلى "النبيل" في الماضي المستعاد أدبياً فحياتياً, ماذا عن تلك العبارة " كلما اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة " ماذا تريد أن تقول لينا في حياتها لقرائها ؟ تقول (ما قاله شيشرون للرومان قبل ألفي عام " من لا يقرأ التاريخ يبق طفلاً" ويمكن أن أضيف أن أعمالي الروائية هي دعوة للفضول وبالمناسبة أذكر الأمنية التي تمنتها أم الأسكندر المقدوني عند ولادته " أن تزرع الألهة في قلبه الفضول " ولهذا فتح العالم , إن فضولنا لماضينا يمكن أن يعطينا سر الحب الذي نحن بأمس الحاجة إليه في المستقبل )
والعقل والحكمة , كل هذا مالفن للفن للجمال والفن للمجتمع ستويات في الفن وجوهره ودوره ولكن الفن والأدب خصوصاً يسعى إليه طائراً بجناح المسألة الأخلاقية , في النهاية القيم هي ما يجري تثبيته عبر الإبداع بالإضافة إلى تطوير الشكل الجمالي , إلى أي مدى ترى لينا هويان الحسن نفسها معينة كأديبة بالمسعى الأخلاقي للإبداع الأدبي . تقول لينا : ( لقد صفعت الباب نفسه الذي صفعته "نورا" سترندبرغ وخلفت وراءها رجلاً كان يعتبرها دمية ! وتورطت بالتمرد على المجتمع البطريركي ولكنني عشت بدقة وعناية وبفهم خاص للمرأة والأنوثة على أنها عشتار التي كانت اللبؤة الظاهرة بكل عريها , حاملة الصولجان والتاج والنجمة فوق رأسها . . عشتار أو إنانا السورية التي عاقبت دموزي إلى الأبد عندما خرجت من العالم السفلي ووجدته غير مكترث لغيابها فأنزلته مكانها , أنا مع " كيدهن عظيم" أنا مع مكر الأنثى واحتيالها وأن تكون ثعباناً في لحظة وغزالة وديعة لمن تحبه ويقدر قيمتها وفي اللحظة المباغتة تكون كوبرا في وجه من يلوح بأدنى تلويح بإهانتها ! الأنثى يجب أن تمتلك السم بشكل أو بآخر )
أياً كان سوف يشعر بشيء من العدوانية عندما تحدثت لينا بتشف عن دموزي الأله السوري القديم الذي عاقبته عشتار ولكن من يدري , ربما عشتار على حق وكان على دموزي أن يبدي اهتماماً أكثر , إذا ماذا عن الرجل في حياة لينا , إلى أي درجة هو صديق , أو ربما عدو ؟ تقول لينا : ( الرجل الذي لا يفهم غنج الأنثى بشكله الصحيح لن يكون صديقاً. صديقي هو الذي يدللني , هذا ما تربيت عليه في بيتي فأنا مدللة أبي كذلك أعمامي وأخوالي , وكل الثقة في نفسي زرعها فيّ الرجال وليس النساء,
أنا ضد الاسترجال , أنا مع الأنوثة الكاملة للمرأة , أنوثة الكعب العالي , تلك المرأة التي تسير وتسمع طرقة كعبها على الأرض , إن مشت فلتمشي كذلك وإلا فلتحبو أمام الرجل ما شاءت )
امرأة الكعب العالي , ربما هي شخصية روائية تذكرنا بأجواء روايات (إحسان عبد القدوس) في الستينات ولكن من سينظر بغير الأعجاب إلى هكذا امرأة , واستنتاجاً أقول للينا إلى أي درجة تحب لينا نفسها. تقول بلا تردد : ( إلى الحد الذي تحب فيه النخلة نفسها , كلما عشقت نفسها علت أكثر , كلما تحدت الفراغ والهواء والعراء حولها كلما نضجت وتشممت كل احتمالات العواصف وكل الروائح الممكنة التي تبدعها الطبيعة حولها معهما كانت قاسية . أحب نفسي بالطريقة التي تحب فيها نبتة " الكندريس" نفسها إنها تتكلل بالشوك وباللحظة المناسبة في الربيع الحقيقي تتجلى بوردة فريدة بلونها الارجواني النادر . تخيل أرجوان في الصحراء )

لم أر أبداً شوكاً يكلل رأس لينا , بداهة, ربما هي تقصد القوة والفرادة . الارجوانة الوحيدة في الصحراء . والغبار وندرة المياه وكل احتمالات العواصف ووحشة الأمداء الشاسعة الممتدة بلا خناق . وكما هو فن أن تعرف كيف تبدأ حواراً فإنه من الفن أيضاً أن تعرف اللحظة التي تنهيه فيها . بعد الحديث عن وردة " الكندريس" وأرجوان الصحراء قد يبدو أي حديث آخر تال له نوع من الحديث النافل . هذا ما شعرت , هذا ما فعلت, وضعت النقطة الأخيرة على آخر السطر وتوقفت عن الكلام .
دردشات بسيطة , أحاديث عن لقاءات محتملة في آتي الأيام, بعدها أودع لينا وأنسحب إلى وحشة وردة ( الكندريس) , من قال إن المدن الكبيرة بكل ضجيجها وضجتها لا يمكن أن تكون أحياناً صحراء موحشة .

مجلة أبيض وأسود - العدد 316 – 14 / 6 / 2009

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow