Alef Logo
كشاف الوراقين
              

كأس بيرة سهيلة بو رزق

فوزي غزلان

2009-06-21


لأنها " الحالة المستعصية على الألم " تستند على استراحة بسيطة، و ( كأس بيرة ) ينعشها، لتتمكن من الاستمرار في انتظارها " الطويل عند باب مغلقة " ولا تكلّ. فهي " هنّ جميعاً " وهي " الاختلاف المغضوب عليه ". تنتظر ذلك الرجل المفقود، والذي " لا يأتي ". إذن، ( بيدها، لا بيد عمر ) تسعى إلى الخروج إليها/ إليهن، بجسدٍ " أنهكه الترحال "/ في اللغة، وبين المطاراتِ، بحثاً عن خروجٍ منصفٍ إلى الحقوقِ المستلبة بفعل سيرورةٍ تاريخيةٍ مشوَّهة، ومشوِّهة...
" كأس بيرة " باكورة أعمال القاصة الجزائرة والمقيمة في الولايات المتحدة، سهيلة بو رزق.صدرت المجموعة عن مؤسسة سندباد للنشر والإعلام في القاهرة. ولقد وجدنا فيها بدايةً أعلى من مستوى البدايات، وفي أكثر من مستوى.
المهمّ هنا، أنني لن أقرأ المجموعة قراءة نقدية بقدر أو بآخر. إنما سأحاول أن أنقل كيف قرأت، وكيف فهمت. أو الذي قرأت، وكيف فهمت، من خلال 13 قصة تضمنتها المجموعة.
13 قصة بحثت فيها مشاكل المرأة الشرقية/ العربية، وتكوينات الرجل الشرقي المهينة في وعيها ومسلكياتها للمرأة ككائن، وككينونة. حيث بنت كثيراً من تفاصيل ذلك على ما يشبه المقارنة بين المجتمع العربي، وبين المجتمع الغربي، مبينة - بدون مباشرة وبمباشرة - تلك المفازات الشاسعة بين المكانين المجتمعيين. ولاعتبار شمولية هذا الطرح عند سهيلة تقريباً، فإننا لن نتطرق إلى موضوعات النصوص واحدة بواحدة، وسنكتفي بالانطباعات الأدبية التي رأيناها. لن نتطرق، لأنّ كثيرين قد قدموا قراءات تناولت شرح ووصف مضامين القصص وموضوعاتها.

أوّل ما يلفت النظر عند سهيلة بورزق هي تلك اللغة المدهشة، وعلى مستويين: الفنى الشعري الذي تفيض به اللغة، ثم القدرة التعبيرية الدقيقة/ حتى وإن غابت الشعرية عن التركيب، أو عن الصورة.
هذه اللغة الفائضة في الإدهاش الجمالي والشعري، تبرز فائضةً مع بدايات النصوص القصصية كلها، وبلا استثناء. لكنها تبقى سمةً فنيةً تظلّل كامل بعض النصوص، كالنص الأول " ليلة القبض على الحب " وهذا مثال ندلّل من خلاله على الشعرية والجمالية التي تظلّل كامل النص:
" يبحثون عن ظلٍّ ما يحتمون به من جسدٍ أنهكه الترحالُ في اللغة " ص 9.
كما أنه قد جاء الحوار على قدرٍ عالٍ من الجمالية فخدم الحبكة، وسوّغَ سيرورة الوقت، وجعل النهاية منطقاً مقبولاً نظراً لما تناوله الحديث من تدليل على التكوينات النفسانية والفكرية للشخصيات. والنص الثالث: " كأس بيرة ":
" أنا تلك المرأة التي تمتلك خسائرها بامتهان، وتصف شهوتها بالموسيقى "ص 23 .
( وربما كانت هذه من أجمل النصوص القصصية في المجموعة. )
ثم، سمةً لا تستمرّ على مساحة النص، إنما تغيب في أغلب النصوص حين تغرق الكاتبة في حبكتها الطويلة نسبياً. وبخاصة تلك النصوص التي نراها تقترب في لغتها من اللغة السينمائية، من حيث سيرورة الأحداث، ومن حيث منطقها الدرامي الذي يخرج بالنص عن المنطق الإجناسي ، كما في قصة " الرجل العنكبوت ". حيث انحنت في هذه القصة تجاه الطابع الإخراجي السينمائي/ إن جاز التعبير. وفي هذا ابتعاد عن الأدبي، مما أساء إلى هذا المستوى، إلى حدٍّ ما، لأننا أيضاً لا يمكننا إلحاقه بالمستوى التجريبي.. هذا علماً بأننا عشنا سطوعاً عالي السقف من حيث جمالية القول، وشعرية السرد في الصحيفتين الأولى والثانية من هذه القصة.
في قصة " تجاعيد " اعتمدت سهيلة على الفكرة وعلى النتيجة. فقد اختطّت مساراً في غاية الجمالية الأدبية، لكنها عادت لتنفلت منها لصالح الصورة والمشهد البصري/ السينمائي. وبرأيي في هذا تجنٍّ على الإجناسية الأدبية المبدِعة، حيث لا تقترب أبداً من التجريب على المستوى الأدبي الإبداعي.
قفزت في قصة " شالوم " بالزمن ليصبح قصيراً، فابتعدت بذلك عن مجريات وأحداث لا بدّ تحتاج إلى تفاصيل، أو تلميحاتٍ أو إشاراتٍ ما، لأنها لابدّ ستظهر في أحداث بعدها من خلال سيرورة القصة. ومن هنا أحسست في القصة افتعالاً. أحسست أنها قد نُسِّقتْ لإثباتِ موقفٍ - لست ضده، بل معه - لكنه خرج بالنص إلى مستويين: الأول، الابتعاد عن العفوية التي تمدّ المُنتَج الأدبي بالقوة. والثاني، تحييد الحال الإنسانية بالموقف الاجتماعي أو العرقي، حيث يجري هنا ما يشبه التمييز العنصري غير المبرر/ من حيث الرؤية الإنسانية.
في " حالة جسد " قدرة على تصوير مفاعيل التناغم الجنسي والترتيبات الأولى، والترتيبات اللاحقة بفعل ما يجري. وهذا ما برزت قدرتها على اختزاله - واسعاً وعريضاً - في جملتين:
" فالورود عندنا نحن العرب علامة على تنكيس شعائر الحب مع استئصاله من جذوره بعد مذبحة جنسية منفرة يكون فيها إعصارُ الذكر قد ذوّب فيها الألوانَ الفوقية والتحتية كلها ". ص 46.
و
" وابتسامة ملونة بإلحاحٍ تقول الكلامَ الليليّ على فراش النكسة " ص 46.
سهيلة، تعي تماماً سحرَ الحوارِ ووقعه، فتصوّره بمهارة أدبية وفنية مذهلة:
" تأخرتُ عليك حتى تشتاق إليّ، هل فعلت؟ بذلتكَ أنيقة، أحببتُ لونها، كيف حالك؟ " ص 46.
( هنا/ من حيث الصياغة، كأني بالقاصة ترى الحوار باللغة الأعجمية، ثم تترجمه: " هل فعلت؟ " )....
المهم، جمالية الحوار ودقة التعبير فيه، دلالة على قدرة عالية على قراءة الشخصية الذكورية، بكلِّ تفاصيلها الحسية والنفسانية. الحوار في الصحيفتين( 46 و 47 ) مذهل جداً...
لكن في النص عيوب فنية في الحبكة، حيث نجد خروجاً وتبريرات غير مبرَّرة وغير دقيقة في سياقها الأدبي، فظهر حشوٌ في متن الحبكة. وظهر هروب من جزءٍ من الزمن في القصة، قد يكون مهماً فيه الحوار، وبدا ذلك في الصمت أثناء الطريق. وما في الـ: ( ص 52 ) بكامله بدا غريباً. خرج عن النسق وعن السياق، فأخرجَنا من القصة إلى فضاء آخر مختلف. فضاء لم يأتِ كنتيجة، وليس له ما يبرره أو ما يسوق إليه...
قصة " امرأة بنصفين " طُبعت بطابع أكثر القصص التي تحدثنا عنها، من حيث البداية الأدبية القوية التي تعتمد على اللغة الشعرية، وعلى قوة التركيب الأدبي والصياغة. لكنها تعود لتتحوّل إلى القص التقليدي، من خلال انحراف السردية عن المستوى الشعري والفني الأدبي الإبداعي الحداثوي الذي تبدأ به.!.؟ ومُزجت القفلة بمفارقات وتناقضات بُنيت على موقف شخصاني للكاتبة، وعلى ردّ فعلٍ ربما.
" الرغبة " هي بين الخاطرة والقصة والمذكّرة.. ولكن قصرها وضيق فكرتها/ على سعة الفكرة! أخرجتاها عن دائرة القص، حيث اضمحلّت الحبكة، والتجأت - في أغلبها - إلى تدوين الانطباع الداخلي الذي اقترب قليلاً من المونولوج، ممّا قرَّب النص قليلاً من إجناسية القص.
" شهوة " الجميل فيها، ذلك النسيج المخيالي الذي بنى القصة على المفارقة التي بقيت غائمة حتى النهاية. والنهاية جاءت طويلة إلى حدّ ما. المفارقة - دائماً - تُبنى على المفاجأة، والمفاجأة بقصرها. وقصرُها، لترك مساحة أكبر لحركة خيال القارئ.
" حالة ممنوعة " برغمِ عاديّة الفكرة هنا، إلا أنها قصة رائعة جداً من حيث الفنية. اللغة، والحوار/ الخادم الجميل، والحبكة البسيطة المتداخلة. كذلك الخاتمة المفاجئة والجميلة بما تحمله من ألم!..
" الوهم " برغم الزمن الطويل، إلا أنها نجحت في إفهامنا أنها لم تشأ أن تخبرنا بالتفاصيل، إنما أرادت أن تقول لنا الفكرة التي سيقت كقفلة. وهذا ما يؤكد قولي في أن سهيلة تأخذها الفكرة أحياناً لتبتعد بها عن فنّيات القص، ولا تقترب بها من التجريب، بل تبقيها في النسق التقليدي مما يوهن الكثير من قدراتها الأدبية والإبداعية...
و " غواية نهد " ربما هي أجمل ما كتبت سهيلة بورزق. تفجّر فيها العتاب والعتب واللوم والتعرية والتوصيف والثوري والإنساني، للمرأة وكينونتها التي على الخلق أن يعوها ويحترموها، ثم توصيف التكوين الاجتماعي والمكتسب أصلاً بالعُرْف الغلط، لكينونة الرجل. هذه الكينونة التي لم ولن تمحو أخطاءها حياة أخرى يمكن لها أن تسمح بالخروج عن المؤثر الاجتماعي والباني الحقيقي لكل الغلط والتشويه الذي فيه. ثورة الحقيقة على الجهل. ثورة المُدمَّر على بؤر الانحراف. ثورة البصيرة على البصر. ثم الخروج إلى فضاءات التعويض، وهي فضاءات أخرى غلط، لكنها فضاءات لم تخرج عن المكان. مكان الينابع الأساس. مكان الولادات المشوَّهة للحيوات الغلط.
تمخر سهيلة ذلك العباب بأسلوب تقليديّ، لكنه رفيع بكل المقاييس وعلى كل المستويات الأدبية. تمخر العباب بلغة سردية مشوقة على أكثر من مستوى، وأهمها الصدق في التعبير، والتوصيف، والمقارنة المنسوجة من مفارقات واعية منفتحة على الحقيقة، ثم الربط والحبكة المتينة؛ كل ذلك من خلال أسلوب امتزجت فيه الحكاية والرسالة والخطاب المباشر/ مع الآخر ومع الذات.. مع المحيط العريض، والمحيط الضيّق، ثم محيط الذات التي تكوّرت وعشّشت فيها التشوهات الفكرية والمجتمعية...
سهيلة بورزق، وإن تماوجت في مجموعتها المستويات، إلا أنها حضرت في مرّتها الأولى بقوّة، وبمستوىً فوق الأوليات. وهذا يدفع إلى التقدير والاحترام وانتظار الجديد الأكثر كمالاً...


ــ فوزي غزلان 18/6/2009














تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

خيراً من قصرٍ هذه الغرفةُ (الكاسارولّا).

01-تشرين الأول-2021

أمطارٌ على النافذة

15-أيار-2021

لنا فصولٌ أخرى

01-أيار-2021

ثلاثةُ نصوصٍ قصيرة:

17-نيسان-2021

لست في بيتي

10-نيسان-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow