Alef Logo
كشاف الوراقين
              

تجليات الرغبة في مدار الوردة / فاطمة وبلانش للقاص المصري محسن الغمري

غريب عسقلاني

2009-07-24


في مجموعته القصصية الثانية, فاطمة وبلانش, يعود ملاح الهواء محسن الغمري, بلغته الأثيرية ومخزونه المعرفي, أكثر دربة وحنكة, وحيطة فنية, فنراه يرتفع فوق الأرض قليلا, ويتأمل طويلا, قبل التسلل الذكي تحت جلد الحياة, لسبر أغوار الظاهر الطافية على سطحها, متأملا معدة المجتمع التي تهضم مكونات جبلة بشرية تتناسل على سطح الدنيا مجتمعا, يمارس الحاضر بطاقة مكابدات تفاعلت على مدى زمن الخليقة.
والمتابع التأمل لقصص الكاتب, يراه وفي كل مرة, المستتر خلف الراوي أو بطل القصة, أو الراصد العقلي للحالة المستدعاة, ما يؤكد انه يمتح من معين تجارب ذاتية خاصة قلما توفرت لغيره, ربما لطبيعة عمله التي ما زالت تطل في القصص, أو نشأته وبيئته الاجتماعية أو لحساسية خاصة تميزه وينفرد بها تظهر تجلياتها في مفردات لغته, وانعكاسات الفكرة على مراياه الداخلية.
تضم المجموعة ثماني عشرة قصة, يسقط الكاتب من خلالها موقفه من قضايا الحياة والموت, وقضايا المجتمع المصري, وموقفه من حالات المرأة, من خلال زوايا التقاط مفاجئة ومثيرة.
شفافية التراسل
يتأمل الكاتب ما بعد الحوادث والظواهر بشفافية العاشق الصوفي, الذي يتحد مع موجودات الكون, ويقف مندهشا لدرج الفجيعة في بعض الحالات ولدرجة السخرية المرة في حالات أخرى!!
في قصة صورة وسبعة أطر, يقف ليلة النحر حزينا متأملا ذهاب الضحية إلى قدرها المرسوم, حزينة تعكس حزنه وكأنهما ضحايا حالة واحدة, فتظهر له في زحام الطريق جالسة في عربتها تبعث له برسالة أثيرية " لعينيها جمال أخاذ, لا يكون لبشر, ولكنهما نضاحتان بشجن, حزينتان فيهما ما يوجع القلب.." ما يجعله يتساءل أذا ما كان الغيب ينكشف لها, أو إذا ما كان حزنها على حالها أم على حاله, ولكنهما يفترقان عند المنعطف, لتعود ليلة العيد, وبعد أن ترفضه لجنة الاختبار, في الزحام تطل عليه من سيارتها " وقد جُمع حزن في عينيها يكاد يغرق البشر" وعندما تجاوزته ظن أنها ظلت ترمقه قبل أن تغيب خلف بوابة المذبح, وفي ليلة العيد الأكبر يزجي بعض الوقت مع رفاق الدراسة, وفيما هو يلتقط النرد الجامح تتوقف عربة أمام المقهى, ويراها جالسة في المقعد الخلفي " قرأت ما ي عينيها من حزن جميل.. يا لروعة الإيمان والصبر على الابتلاء"!!
وبينما هو ينشد الانتشاء بالريف الذي حرم منه في المدينة, رآها في رحبة دار صديقه حيث تجتمع نساء الدار تنتحي ركنا, " أحببت فيها ثقة بالنفس ورضى بادٍ على محياها وإيمان بالقدر والنصيب" وفجأة يتكالبون عليها ذبحا, ولم تبدِ مقاومة!!
وفي عزبة أخرى رآها صباحا تمشي بجوار احد جداول المياه المنسابة في الحقول الخضراء, وعند الظهر ذبحوها على شرف ضيافته, فسقط مغشيا عليه, وعندما أفاق لم يتناول طعاما يأتي من سفك الدماء..
أما في مدينة بمباي الهندية فقد رآها المقدسة التي تتوسط الطريق وتمنع السير, وتعيد إلى ذهنه الفروق بين البشر في تأويل الحلال والحرام, وعندما تنهض تدور دورتها, وترشق فيضا مقدسا من بولها تغطي وجهه وملابسه..
وفي يوم يستعذب الكسل بعد إجهاد عمل متواصل يصحو على صوت طبل ومزمار فيراها محملة على عربة كارو مزينة بالشرائط الملونة يصاحبها المزمار, والطبل على مجزرة المعلم محروس " واللي ما يشتري يتفرج"
من خلال وصف تأملي سلس, يقوم على أنسنة الحيوان يموه علينا إسقاطاته بحيث تختلط علينا أذا ما كان الموصوف ذبيحة بقرة, أم ذبيحة امرأة, أم الذبيحة هي البراءة المغتالة بعنفوان المتوحش الكامن فينا, نحن البشر, والذي يتبلور يوميا في مظاهر القتل المختلفة, فلا نملك في النهاية إلا الوقوع في الدهشة والحزن والرفض للذبح العبثي, ما يثير فينا السؤال من جديد..
وفي محاولة أخرى نراه في "قصة إنهن ناكرات للجميل" يسقط مشاعره وأفكاره وهواجس غربته في ذلك البلد البعيد الذي يدرس فيه,على ذات العيون الخضر التي تنتظر خلف عمود الكهرباء, يومئ لها, فتتبعه راغبة, تحدثه بعيونها الساحرتين, ولأنه المغامر الذي يعشق التجريب, يتجاوز تحذيرات أمه, ويكرم وفادتها, ويتنازل عن بعض لبن اشتراه للإفطار, حتى إذا ما شعرت بالشبع تسبقه إلى الفراش, فيشعر بدفء وجودها معه, وينام على خدر لذيذ, وعندما يصحو لا يجدها, وكأنها الحلم تبخر, يبحث عنها في الشقة فلا يعثر لها على اثر, ويرى زجاجة للبن مدلوقة, فقد هربت من الشباك بعد أن أتت عل ما فيها, فيعود إلى تحذير أمه "إنهن ناكرات للجميل"
على امتداد القص يوقعنا, في التباس, حول ماهية الأنثى التي يتراسل معها, وينتشلنا من يقين هواجسه مع أنثى أثيرية شفافة ببعض إشارات, نكتشف أنها القطة لم تحفظ الجميل, فما هي القواسم المشتركة بينها وبين بنات حواء؟!!
أما في "قصة فاطمة وبلانش", فيكون التراسل بين روح فاطمة المسلمة الطيبة التي تعمل بتعاليم دينها الذي يحض على التواد والتراحم واحترام فطرتها الإنسانية, وبلاش, التي تربت على تعاليم ماري روز المسحية المعمدة برحمة المسيح, ترى الله محبة, لذلك نري فاطمة التي أخذت دور الأم من بلانش, تشعر بحالاتها, وترتجف لتوتراتها, وكذلك بلانش تقطع زيارتها لأهلها لشعورها بحاجة فاطمة أمها الثانية لها, لكن الطرف الآخر إيفون, وعلى محرضات دينية مغلوطة, يقوم زوج بلانش, بحرق البيت الذي يرمز للوطن/مصر, ظنا منه أنه يستعيده بعد طرد الشريك الأزلي
وكأني بالقاص محسن الغمري يطلق صرخة محذرة من دمار مصر على خلفية صراع الأصوليات الدينية التي لا تستوعب الآخر, ولا تستوعب الطيبين, وأن الشعب المصري الذي قام على روح المحبة والتعاون والاستيعاب, سيكون من يدفع الثمن الباهظ عندما يشب الحريق, والذي قد يسببه أصغر الشرر..
.. والاغتراب في الوطن
برؤية الأثيري الذي يحتكم لعقله وقلبه, يرصد الكاتب الواقع من حوله, وبرؤية نافذة إلى أسباب الظواهر, وحساسية شاعر مرهف, يعيش الكاتب القهر والاغتراب عن المحيط, ويمارس موت القبول والرضوخ, من خلال معاناته والآخرين من الإرباك والخلل الذي يطبع الحياة من حوله, فنراه في قصة عنصرية, يربط بين وقوف شرطي المرور في الشارع مثل "خيال المآتة", وماء القاذورات الذي يبقع قميصه الأبيض, وعزيز الذي فقد ذراعه من لغم انفجر فيه في عمليات تعمير مدن القنال, ولم يشمله التعويض لأنه مواطنا مدنيا , عاكساً حالته مع ابن أحد ورثة فاروق, الذي سرق منه الترقية بعد سنه 30عمل وشقاء, فلا يملك أكثر من الهذيان قهرا والهتاف المنكسر.. "دي عنصرية والله العظيم عنصرية.."
أما في "قصة موعد معه" نراه نموذجا تربى على النظام الصارم ومحاكمة الأمور عقليا, يغترب عن الواقع, ويستريب من التصرفات التي لا تقوم على منطق, يعيش مع زوجة طيبة فشلت في استقطاب من دخلوا دائرتها الحميمة, يشعر بالدوار, وتحت تأثير زوجته يحجز عند الطبيب العبقري, وبعد ساعات من الانتظار والملل.. يدخل العبقري على عجل بصحبة طفلته, ويعاين الحالات على عجل ويكون كريما معه بحيث لم يستغرق تشخيص مرضه وحالته أكثر من ثلاثة دقائق, مقابل ساعات قرف الانتظار ومائة جنية بالتمام والكمال, وكأني بالقاص يصرخ بأعلى صوته, أن اقبضوا على لصوص المرحلة وارحموا الضحية/ الشعب, ولعل ذلك يحيلنا إلى قصة أدوات الموت, حيث نرى حياة ابن الموظف المالي في مستشفى استثماري تتوقف على مئة جنيه يرفض الدكتور مدير المستشفى إعفاءه منها, فيلجأ إلى سرقتها من نقود مريض فقير يقع في الأزمة ذاتها, ورغم أن نهاية القصة تودي بحياة المريضين, وتأخذ السارق الطيب إلى عذاب مضاعف, إلا أنها تطرح أسئلة جارحة حول مشاريع الطب الاستثماري, الذي يستثمر أرواح البشر, ويفرغ مهنة الطب من بعدها الإنساني, وتحيل المحتاجين إلى صراصير نفايات كما في قصة زبالة, حيث الرجل اللقيط/ الصرصار الذي يعيش مع النفايات مقطوعا عن الاتصال مع العالم من حوله, يشاطر الخنازير الطعام على نفايات المدينة في مكب النفايات في احد العشوائيات, المنتشرة حول القاهرة, لا يعنيه الانتساب, فهو اللقيط الذي تركته أمه الزانية كما يصفها المعلم, فهل كانت مثل "الكلبة التي يراها كل يوم وقد ركبها كلب غير الذي سبقه! ومن ثم بعد فترة تنتفخ بطنها,وتلد صغارا فوق, أو جوار أي كومة زبالة, وتتدلى أثداؤها لأي من يلقمها.."
ربما السؤال هو عن الأم الكبرى الذي بات معظم أبناؤها يعيشون حياة الهامش وكأنهم خلقوا للعشوائيات في زمن الانفتاح؟؟
الدوران في مدار الوردة
هو الساهم في شرود المتأمل, المتسلل إلى دواخلهن, الراغب إلى حد الاكتشاف, الآسر في حالات, المأسور في حالات, يلوح لهن صيدا سهلا, يلُحنَ له راغبات, يدور في أفلاكهنِ إلى حد الانتشاء والدهشة, يأخذنَه إلى الصدمة المروعة, فيعيش الضحك الباكي بعد اهتزاز المفارقة, تحمله لغة حالمة إلى تأملات شاعرة, تطلق شفراتها ورسائلها, تأخذ نبضها من تفاعلات هامسة مرة, وضارية متوحشة مرة ومراوغة مرات..
هكذا هن نساء محسن الغمري الطالعات من تجارب خاضها معهنَ, أو كان شاهدا عليها, وربما كًُنَ ممن ساهمنَ في انقلاب دكتورة الاستنساخ أنجيل روز ماري في "قصة أمارة الإناث المستغنيات المستقلات المتحدات", وشاركن في إعلان الاستغناء عن الرجال باعتبارهم وراء الكوارث والمذابح التي تعرضت لها البشرية, وإقامة عالم يقتصر على النساء, واستبدال قوة الرجل البدنية في العمل بالآلة, والاستغناء عن مائه للتلقيح والإخصاب بعملية الاستنساخ والتحكم بجنس الجنين, أما بالنسبة للتواصل الجنسي فسيتم حلها بالوسائل العلمية, وعليه لن تكون النساء في الإمارة مطية لأحد.
هل من يلتقي بهنَ في إمارة الرجال من متمردات تلك الإمارة, أم هن نماذج أخرى للتمرد يكون الرجل/هو ضحيتهن المستهدفة؟ يسلبنه دوره الفاعل في الحياة, بحيث يصبح ظلا, فنراه مع مدام "هايله" في قصة س,ج, مع امرأة نارية مبادرة تستبق رغباته في أول لقاء تعارف, وتدعوه لحفلة موسيقى في دار الأوبرا, ويكملان سهرتهما في مركب عائم في النيل الذي تعشقه, ويفيضان نشوة تكرس في وجدانه أنه رجلها الذي عثرت عليه, وفي اليوم التالي يهاتفها فتعتذر لانشغالها مع ضيوف, وعندما يتمادى ويظهر غيرته, تضحك وتضحك وتنهي المكالمة.. هي في الواقع أنهت علاقة عابرة إمتطه خلالها حصان لذة عابرة, وكانت الفاعل الذي وجه الفعل وأنهاه على رغبته واحتياجاته
وفي قصة فتات قلب, يرصد الراوي معاناة رجل يعيش الهزيمة, والوحدة, وضغط الحياة.. فشل في الحفاظ على بيته من الانهيار, بعد عشرين سنة مع زوجة ترابية أهالت التراب على ناره المتوهجة, وخنقت جذوة اندفاعه نحو الحياة.. نراه يستحضر من جمعته وإياها الطائرة المتجهة من باريس إلى القاهرة.. امرأة من برج الجوزاء, متعددة الشخصيات, لها قدرة على التبدل, رأى فيها الروح التي تمنح ناره طاقة الاستمرار والتوهج.. استرسل بينهما الحديث وتفرع.. أشار إلى أزمته مع زوجته, وكيف وصلا إلي ذروة الخلاف, وحدثته بانفصالها عن زوج كان يحد من طموحها وانطلقت إلى الحياة, وافترقا, وقد منحته مكانة صديق, وأعطته رقم هاتفها للاتصال وقتما يريد.. وفي ظل إحباطه ووحدته وفقدانه الشهية وحاجته من يمنحه نبض الحياة, تلوح له طازجة, فيتغلب على ضعفه ويتصل, وينتظر على لهفة, لكن ثمة صوت آلي بارد بعيد يتكرر:
"الرقم غير موجود بالخدمة, تأكد من الرقم المطلوب, وعاود الاتصال ثانية.."
هل هو الوهم؟ أم المستحيل؟ أم الهزيمة!؟
ومع رؤية مجنونة حول الغريزة الجنسية والحدود الفاصلة بين اعتبارها غريزة امتطاء من اجل الحفاظ على النوع, أو كونها أساس للتكامل بين الرجل والمرأة على المستوى العاطفي والنفسي والاجتماعي أيضاً, نرى في قصة فاعل لا مفعول به, يستمع الراوي بطل القصة عبر التليفون لشهادة امرأة قررت أن تكون المنشئ للفعل, لا المتلقي له, مع التأكيد على أنوثتها, فتختار من توهمه بحبها, وفي ليلة الدخلة, انخلع قلبها, ودفنت رأسها في الفراش حتى لا تراه عاريا, وحتى لا يرى مشاعر لم تُفصح عنها, قدمت له جسدا باردا منزوع الإحساس, وقررت أن لا يرى جسدها عاريا, حتى لا ينال شرف الفاعل عند الإيلاج الذي وصفته بالدش المهبلي, ما يصيب الراوي بالقرف من كونه رجلا, وينتبه لأنفاس قوية تصله عبر التليفون ..يسألها متعجبا إذا ما كان احد معها, تضحك وقد عادت إلى شقاوة فتاة مراهقة:
- انه الوحيد المسموح له بالاقتراب والتقبيل والبقاء في حضني وقت يشاء..انه باتشي الكلب!!
هل هي صرخة يطلقها الراوي حول الفهم الخاطئ للعلاقة, يؤدي إلى تقمص ادوار خاطئة, توقعها في تعويض وبدائل تسحبها إلى دونية مقززة؟!
تداعيات المراوغة والمفارقة في فضاء ملتبس
يدور الرجل في الكثير من قصص المجموعة في فضاء معيشي ملتبس بين وعيٍ متقد, وخيال جامح, وفهم أوسع للحياة, غالبا ما يمثله الموجب الرجل, وبين سالب, حدوده ضيقة,وتقاليده مشوهة, وعاداته سيئة, وشهواته مبتورة, غالبا ما تمثله المرأة, ذلك يجعل فضاء العلاقة مغبشا بالصدام اليومي, وقتل الآني ووأد الآتي على مذبح الأوهام وعدم التكافؤ أو انحراف التناظر, ولعل ذلك ما تترجمه قصة حواء وأربعة وجوه, الزوجة التي سكنت رأسها فكرة أن زوجها سيتركها إلى أخرى أصغر سناً, ووجه الطارئة المؤمنة بقدراتها على تلوين الكلمات, واللعب بالألفاظ مع ضبط إيقاع حركة الحاجب.. تشيع علاقة مزعومة, حتى تعلن الزوجة العصيان وتلفظه من حياتها عندئذ تختفي الطارئة..!!
وبينما هو في لجة اليأس والحيرة تظهر له من تحول إحساسه بمرارة الدنيا إلى انتشاء لم يسبق له تذوقه من قبل, فيغرق في بحرها, ويستسلم لعبير هواها.. ولكنها فجأة تعتذر وتبلغه بدون مقدمات:
- كنت خارج محارتي, وحان وقت عودتي إليها..
فيرى روحه نسيجا من حرير سقط فجأة على شجيرة شوك صحراوية, فيفر إلى بلد بعيد ولغة غريبة, فتتلقفه من سكبت على جسده زيتا له رائحة معطرة, فاستسلم للنوم, فتتعجب وتتألم لرجل يبكي وهو نائم, وتقرر قضاء بقية النهار بصحبته, وعندما يعرض عليها أجراً إضافيا, تعتذر لأن دينها يحث الفرد أن يكون مصدر سعادة للآخرين لينال رضا الآلهة..
فهل تجتمع وجوه المرأة في وجه امرأة واحدة؟
وكيف تكون حال الرجل الذي يضعه القدر في مارثون عالمها المتقلب؟؟
الراوي البطل يعيش قدره, بانتظار لحظات بيضاء تلوح له, ولكنه غالبا ما يقع في مزيد في المفارقة والفجيعة غير المتوقعة, أو يتلقى صفعة هازئة تحيل إلى فجيعة سوداء, فنراه في "قصة انتظار" يتلظى على نار ظهور رقمها على تليفونه المحمول, حتى يغرق في صوتها الذي يجعله يعيش حياة لم يعشها من قبل, لكن اللوحة تبقى على عتمتها محايدة أو ربما متشفية, وفي حالة أخرى يتسلح بالحبة الورقاء لكي يعيشا طقوس ليلتهما الأولى.. تكون راغبة وتدخل الحمام للتخلص من أعباء النهار, وتطل علية حورية بكر طالعة مع بخار الرغبة, ولكنها لا تخرج فقد خرجت روحها في الحمام, وفي "قصة حساسية" بطل القصة يعاني من العنة فيصاب بالإحباط لدرجة التلاشي, ويقع أسيرا لطبيب الوهم العجوز الذي يزوده بنوع جديد من حبوب التهييج والانتصاب, يحدث الانتصاب مصحوبا بحساسية تنتشر على جلدة حكة قاتلة يطفئها مع شهوته تحت دش الماء البارد, وفي "قصة عاشقة" تُفتح طاقة التمنيات للمضيف الجوي في باريس, وتتصل به سلفيا العاشقة الفرنسية التي لم يعد يتذكرها لكثرة ما يلاقي من مسافرين, ويظل على انتظار, يحلم بتجربة خاصة, ولكنها تتأخر في الوصول من جنوب فرنسا إلى باريس بسبب إضراب عمال المطارات والقطارات, وتظهر في الساعة الأخيرة, عجوز تجاوزت الستين, زارت يوما مصر, وعشقت نهر النيل العظيم, وروح شعب مصر في شخصه الودود المجامل..
وبعد:
فالقاص محسن الغمري, يقفز إلى أفق ما بين أرض الواقع وفضاء الروح, يعلو عن الحياة ليعيد اختبارها على ضوء معايير شكلت عالمه التخيلي, مستفيدا من خبراته في العمل والحياة, ينفذ إلى الحياة من زوايا التقاط مفاجئة, ليعكس موقفه من القضايا السياسية والاجتماعية والتربوية, ويُظهر اهتماما واضحا بالمرأة, و يفسره البعض إلى إدانة لها, ولكن المدقق يراه الأكثر خزنا وألما على ضوء فهمه للعوامل والمؤثرات التي رسبت فيها مفاهيم خاطئة عن الرجل, ناتجة عن ردود أفعال لموقف المجتمع بعاداته وتقاليده ومواريثه وقيمة الاجتماعية والدينية.
وعلى المستوى الفني يبدو أكثر قدرة في تقنيات القص, وأكثر تحكما في توجيه الحكاية, وأكثر ضبطا لتجليات السرد, من خلال لغة الرائقة, وهي سلاحه الأثير في الكشف عن مظاهر وبواعث الرغبات والنزعات, مما بجعل عالمه الداخلي أكثر ثراءً وعمقا, يؤسطر الواقع ولا يخفي عوراته,ويدخل المفارقة بألم الذبيح, ويجترح الفنتازيا, فتبدو والواقع صنوان!!



----
* محسن الغمري قاص مصري يقيم في القاهرة, ويعمل رئيس طاقم ضيافة جوية, يكتب القصة القصيرة والمقالة.
* فاطمة وبلانش, مجموعة قصصية من منشورات الدار للطباعة والنشر والتوزيع, القاهرة, 2009
























تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

إطار لصورة رمادية

14-نيسان-2018

إطار لصورة رمادية

30-تموز-2015

مدونات دعبول السلام

13-تشرين الأول-2012

قصة قصيرة / غيمة الدموع

16-أيلول-2012

بلورة المرجان

18-نيسان-2012

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow