Alef Logo
يوميات
              

الكتابة ندم دائم وتوبة مستحيلة

بشير عاني

2009-07-27


في كل مرة كان يُقْدم فيها أدونيس على إعادة طباعة أعماله كنا نرى تغييراً في بعض القصائد، حذفاً أو تعديلاً، وكان يبرر ذلك، وخصوصاً لمنتقديه، بأن النص لا ينتهي إلا بانتهاء حياة كاتبه لذا فمن حقه أن يعيد كتابته وأن يغيّر ويعدل فيه كما يشاء.
هذا الهجس الشعري كان طاغياً على شعراء آخرين، سبقوا أدونيس، وشعراء جاؤوا بعده، فالشاعر الأمريكي وايت وايتمان أجرى أكثر من تعديل على ديوانه الشهير أوراق العشب في الطبعات اللاحقة، وكذلك فعل الشاعر السوري مروان الخاطر عندما فكر بطباعة أعماله الكاملة.
إذاً ثمة مناسيب مختلفة للشعرية، لدى الشاعر نفسه، محكومة بعوامل، منها مثلاً تاريخية التجربة، ومنها حاجته الملحة لدهن روحه بالحبر، كيفما كان، وقد يفسّر هذا تفاوت نصوصه من حيث الجودة والسوية والانتشار، كما قد يبدو هذا أمر طبيعي وشرط لا بدّ منه لاستمرار الشعراء على قيد الكتابة، فالتفكير بوجوب الخروج إلى الناس دائماً بنصوص عظيمة وهامة هو تهويم يتنافى مع حقيقة اعتقالنا كبشر داخل أقفاص الحياة.
وفي كل العصور، متفإن مطالبة الشعراء بنتاج شعري عالي السوية في كل ما يكتبونه هو أمر غير منصف وغير منطقي،لأن أغلب نتاج الشعراء، اوت السوية والأهمية، وإذا ما قمنا بإحصائية للشعر العظيم عبر التاريخ فسوف نجده مقتصراً على أعمال معدودة.
في حوار خاص وسريع أجريته منذ وقت قصير مع الشاعر نزيه أبو عفش تطرقنا إلى الفكرة نفسها فقال لي: (نحن كشعراء علينا تفهم أخطاء وخطايا الآخرين، فالإنسان لا يستطيع أن يكون دائما في قمة الطلاقة والعبقرية، لأنه إنسان، فهناك قصائد لشعراء كبار، تمنيت لو لم يكتبوها.
مهنتنا مُمرضة، ونحن الشعراء محمومين دائماً، نكتب كي نتعافى، نحن لا نشتغل على الصوابات بل على الأخطاء، وهذا شيء لا يتفهمه الآخرون، فكاتب القصيدة، الجيدة والرديئة، يعيش في الحالتين، تحت ضغط الحاجة للتعافي، أي تحت ضغط الحاجة للكتابة..
بمعنى آخر، الشعراء كالدجاج عليه أن يصاب بالحمى كي تفقس البيضة التي يرقد عليها، ومن هنا علينا أن نكون أكثر تسامحاً مع الإنسان الذي يشتغل على مرضه..
سأقول لك شيئاً، لو قيض لي اليوم فرصة اختيار ما نشرته لاكتفيت بالنصف، وربما الربع فقط،
في ذلك الوقت الذي نشرت فيها كتاباتي السابقة كنت أحس بحاجتي لكتابة ما كتبت.. وكانت تلك الأخطاء لي مثلما كانت تلك الحمى لي أيضاً.. وفي وقتها..
علينا أن لا نلتفت إلى الوراء كثيراً، فالشعر حالة اقتراف تتعبنا ولا نستطيع التخلص منها، بل هو ندم دائم وتوبة مستحيلة..).
بشير عاني
[email protected]
خاص ألف الكترونيا
النشر الورقي جريدة الخبر

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

ما هي حظوظ الأصوليات الدينية في سورية..؟

12-آذار-2016

"خضر" والذين معه

21-تموز-2012

دم راشد بما يكفي

05-تموز-2012

آخرُ الأمر..

05-حزيران-2012

وجوه عديدة لـ (صحّاف) واحد

24-آب-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow