Alef Logo
المرصد الصحفي
              

من التجار إلى القضاة ... هدايا أم أغلال ؟؟؟؟

عبدالله علي

2006-12-27

ألم تسمع عن قاض تزوج فأهداه أحد التجار أثاث المنزل أو قطعاً غالية منه !
ـ ألا تعرف قاضياً تلقى بمناسبة عيد ميلاد أحد أولاده هدايا مرتفعة الثمن !
ـ وكم قاضٍ توفى له عزيز (أب أو أم أو أخ .... ) فتلقى في الصدقة عدداً كبيراً من الذبائح .
ـ ألا يخترع التجار مناسبات كي يقدموا هدايا إلى بعض القضاة !
ـ هل تساءلت عن مدى جواز ذلك في القانون ؟؟؟؟؟؟؟
سوف نحاول أن نعطيك الجواب في هذه الدراسة المبسطة :
القاضي هو الحاكم العادل الذي يفصل بين المتقاضين بحياد ونزاهة .
والحياد أو النزاهة ليس مجرد كلمة تلفظ في الهواء ، دون معنى أو مضمون ، وليس محض صفة شكلية تلحق بشاغل منصب معين لمجرد أنه يشغل هذا المنصب . إنما هو رياضة دائمة للنفس .. وميزان يسكن ضمير القاضي يزن فيه كل تصرفاته وأفعاله ... وهو شلال من الأسئلة التي يفترض أن تتساقط في نفس القاضي كلما نظر في خلاف أو نزاع : هل ساويت بين طرفي القضية ؟ هل وفرت لكل منهما فرصاً متساوية للدفاع عن نفسه ؟ هل أنا خاضع لتأثير رهبة أو رغبة أو مصلحة ؟ هل يجوز لي أن أدعو أحد الخصوم للجلوس في مكتبي أو أن أحييه بحرارة بينما أحرم الطرف الآخر من ذلك ؟ وهل يؤثر هذا التعامل على الطرف المحروم وثقته بحقه وقوة دفوعه وحججه ، وهل يمكن أن يمتنع عن تقديم وعرض حججه بعد أن يرى احترامي لخصمه وتقديري له ، وهل أيقن نتيجة ذلك أن دعواه خاسرة مهما فعل ؟؟؟؟
وأخيراً هل يجوز لي أن أقبل الهدية من فلان التاجر ؟ أليس هناك احتمال بأن يقف بين يدي مدعياً أو مدعى عليه ؟ ألن أشعر حينذاك بالحرج وربما بالمهانة مما يضطرني إلى غض الطرف عن كثير من أخطائه ؟ ألم أفتح لهذا التاجر ثغرة في باب حصانتي فصار من السهل عليه أن يقتحم قدسها متى أراد ؟ أليس في قبول الهدية تلميح إلى أنني مستعد إلى بيع نفسي في الوقت المناسب وبالثمن المناسب ؟؟؟؟؟
***
قد يرى الكثيرون استناداً إلى ظاهر الحال ، أن قبول القاضي للهدية لا ينطوي على خطأ أو إخلال بواجب الحياد والنزاهة . ويبررون ذلك بأن العرف جرى على أن يقبل الإنسان ، الهدايا في بعض المناسبات الاجتماعية المتعارف عليها . والقاضي لا يستثنى من أحكام هذا العرف وبالتالي فإن من حقه أن يقبل ما يأتيه من عطايا وهبات .
وكثيراً ما يقارن هؤلاء بين القاضي وبين الرسول عليه الصلاة والسلام فيقولون أن الرسول قد قبل الهدية فكيف نعتبر القاضي مخطئاً إذا قبلها !! أليس في ذلك تناقضاً ؟ وهل ننتظر من القاضي أن يكون أكثر حرصاً على أخلاقه وتدقيقاً في تصرفاته من الرسول (ع) وهو سيد البشر وأعدل قضاتها ؟؟؟؟
***
قبل أن نعرض رأينا حول هذا الموضوع ، نريد أن ننبه إلى أنه موضوع في غاية الدقة والخطورة .
فهو دقيق : لأنه يتطلب منا أن نضع ضابطاً معيناً للتمييز بين الهدايا العادية التي يتلقاها القاضي في المناسبات الاجتماعية المتعارف عليها ، حكمه في ذلك حكم جميع الناس . وبين الهدايا " المشبوهة " التي يتم تقديمها إلى القاضي من قبل بعض التجار من ذوي المصالح والدوافع المغرضة تحت ستار إحدى المناسبات الاجتماعية الخاصة .
ولا شك أن وضع مثل هذا الضابط للتمييز بين الهدايا العادية والهدايا المشبوهة ليس بالأمر اليسير .
وهو خطير : لأن الآثار التي تترتب على التمييز بين الهدايا العادية والهدايا المشبوهة هي آثار في غاية الخطورة . وقد ينتج عنها نتائج جسيمة على القاضي الذي قبل الهدية . فالهدية العادية ، لا ضير فيها . أما الهدية المشبوهة فإنها رشوة مستترة وقبولها من قبل القاضي سيصمه بالفساد وهي تهمة خطيرة لا يجوز التساهل في إطلاقها .
لـــذلك سوف نحاول أن نتوخى الدقة والحرص أثناء البحث في هذا الموضوع ، وأن يكون رأينا مبنياً على أسس موضوعية ومنطقية وقانونية دون إغفال الاعتبارات العملية التي تفرضها مظاهر الحياة الاجتماعية الحديثة .
***
قد يقترح البعض أن يكون ضابط التمييز بين الهدية العادية والهدية المشبوهة ، هو طبيعة العلاقة التي تربط بين المهدي والمهدى إليه .
فإذا ربطت بينهما علاقة وجرى العرف أن من تربطهما مثل هذه العلاقة من الطبيعي أن يتبادلان الهدايا ، فإن الهدية تكون عادية لا شبهة فيها . أما إذا لم تربط بين المهدي والمهدى إليه مثل هذه العلاقة فإن الهدية تكون مشبوهة ويدخل قبولها في باب الفساد والرشوة .
ومثال العلاقة التي توجب تبادل الهدايا هي إما القرابة أو الصداقة أو الزمالة في العمل .
ويؤخذ على هذا الضابط عدم دقته الكافية : لأنه لا يمكن تحديد درجة القرابة أو الصداقة التي يعتبر فيها تبادل الهدايا طبيعياً . كما أن هذا الضابط يتجاهل احتمال أن يقوم بعض الأقارب أو الأصدقاء بتقديم الهدايا تحت غطاء القرابة والصداقة بغية الوصول إلى تحقيق مصالح شخصية .
ويؤخذ على هذا الضابط ، أيضاً ، أنه قاصر . لأنه لا يستطيع تبرير بعض الحالات الواقعية التي تفرضها اعتبارات الحياة الاجتماعية والتي تقضي بتبادل الهدايا بين أشخاص لا تربطهم أي علاقة قرابة أو صداقة أو زمالة .
***
وقد يقترح البعض أن يكون ضابط التمييز بين الهدية العادية والهدية المشبوهة هو قيمة الهدية المقدمة إلى القاضي .
فإذا كانت قيمة الهدية تدخل ضمن الإطار المألوف لقيمة الهدايا المتبادلة بين الأشخاص في بعض المناسبات فإن الهدية تكون عادية . أما إذا زادت قيمة الهدية عن الحد المألوف فإنها تكون مشبوهة .
ويؤخذ على هذا الضابط إنكاره أن الحالة الاجتماعية أو المادية للأفراد تلعب دوراً كبيراً في تحديد قيمة الهدايا المتبادلة . فالهدايا التي يتبادلها رجال الأعمال تزيد قيمتها كثيراً عن الهدايا التي يتبادلها ذوي الدخل المحدود .
وبالتالي فإنه من غير المنطقي اعتبار جميع الهدايا التي يتبادلها أصحاب رؤوس الأموال من الهدايا المشبوهة .
***
نحن نعتقد أن الضابط الملائم للتمييز بين الهدايا العادية والهدايا المشبوهة هو وجود علاقة سببية بين تقديم الهدية وبين منصب الشخص الذي تقدم له الهدية .
أي أن المهدي لم يكن ليقدم الهدية ، لو أن المهدى إليه لم يكن قاضياً ، وأن كون الشخص قاضياً هو السبب الرئيسي والدافع الأهم لتقديم الهدية له . وبغض النظر بعد ذلك عن العلاقة التي تربط بين الطرفين وعن قيمة الهدية المقدمة .
ويتفق هذا الرأي مع الحديث المروي عن الرسول عليه الصلاة والسلام ، عندما رأى آثار الغنى والترف على عامل له فسأله : من أين لك هذا ؟؟ فأجابه العامل : هذه هدايا أهديت إليَّ . فقال له عليه الصلاة والسلام جملته المشهورة : هلّا جلست في منزل أبيك فنرى إن كان يأتيك مثل هذا !!!!
ومقتضى الحديث أنه لا يحظر على القاضي قبول الهدايا التي كانت ستقدم له سواء كان قاضياً أم لا . أما المحظور فهو قبول الهدايا التي لم يكن سيتلقاها القاضي لو لم يكن في منصبه ، وهذا ما عبر عنه الرسول بالجلوس في المنزل . لأن الجلوس في المنزل أي أفتراض أن الشخص بدون منصب هو الذي يكشف لنا عن وجود رابطة سببية بين الهدية والمنصب أو عدم وجودها .
وتطبيق هذا الضابط يتسم بالسهولة . إذ العبرة فيه هي بافتراض أن القاضي المهدى إليه قد جرد من منصبه فهل كان سيتلقى مثل هذه الهدية ومن نفس الشخص الذي أهداه إياه وهو في منصبه ؟؟؟؟؟.
فإذا كان الجواب عن السؤال السابق هو "نعم" فإن الهدية تكون عادية وطبيعية ولا ضير أو شبهة فيها . أما إذا كان الجواب "لا" فإن الهدية تكون مشبوهة ويكون قبولها من قبل القاضي دليلاً يقينياً على انحرافه عن جادة الصواب ووقوعه في حضيض الفساد .
***
والسؤال الذي يطرح نفسه : ما هي آثار قبول الهدايا على القضاة ؟؟؟
أهم هذه الآثار التي تترتب على قبول الهدية هي التأثير على إرادة القاضي وتقييدها . فعندما تعرض هدية على قاضٍ من قبل أحد تجار السيارات مثلاً ، فمن الطبيعي أن يسأل القاضي نفسه : لماذا يقدم لي فلان هذه الهدية ؟ وهل يريد شيئاً في المقابل ؟ وهل أنا مستعد لإعطائه هذا الشيء ؟؟؟؟
والقاضي بحكم ثقافته وخبرته ، يستطيع بسهولة أن يخمن السبب الحقيقي الكامن وراء تقديم الهدية وبإمكانه أن يتوقع ماهية الثمن الذي عليه أن يدفعه بالمقابل . ويبقى عليه أن يتخذ القرار الحاسم هل هو مستعد لدفع الثمن أم لا ؟؟؟؟
وهنا إما أن يغلّب القاضي اعتبارات الشرف المهني والواجب القانوني ,وإما أن يغلب اعتبارات المصلحة الشخصية والمنفعة المادية .
فإذا اتجه القاضي إلى الخيار الأول فإنه يثبت نزاهته وشرفه .
أما إذا اتجه إلى الخيار الثاني وغلب مصالحه الشخصية ومنافعه المادية على اعتبارات الشرف المهني فإنه يكون كمن باع نفسه ووضع قيداً على إرادته ينزل به إلى درك العبيد . لأنه بمجرد قبوله الهدية يكون قد التزم بدفع الثمن المقابل لها . والثمن لن يكون إلا على حساب شرفه المهني وواجب حياده ونزاهته .
والأثر الثاني هو النيل من حياد القاضي ونزاهته .
ففيما يتعلق بالنزاهة فإن مجرد قبول القاضي للهدية يعتبر تصرفاً لا أخلاقياً ويتضمن انتهاكاً لواجب النزاهة الذي يجب أن يلتزم به أيُّ قاضٍ . ويصح هذا الحكم حتى في حالة عدم اضطرار القاضي إلى دفع الثمن المقابل للهدية ، لأنه بمجرد قبوله إياها مع علمه بأنها لم تكن لتقدم له لولا أنه قاضٍ فيه استغلال غير مشروع للمنصب الذي يتقلده واستفادة غير مبررة أخلاقياً من امتيازات منصبه .
أما فيما يتعلق بالحياد فإن قبول القاضي للهدية من أحد أطراف الدعوى يعني أن القاضي قد قرر الانحياز لهذا الطرف وتقديم المساعدة له على حساب الطرف الآخر كأن يفصل الدعوى حسب طلباته أو يوجه الدعوى بشكل يلحق الضرر بالطرف الآخر في القضية .
والأثر الثالث والأخير هو الإساءة إلى سمعة القاضي .
فهناك نوعان من القضاة : منهم من يقبل الهدايا والعطايا بشكل علني وفاضح لذلك سرعان ما تبدأ الهمسات تنتشر من حولهم واصفة إياهم بالنعوت المعروفة . ومنهم من يحرص على السرية فلا يقبل الهدايا إلا خفاء . وهؤلاء يغيب عنهم أن كثيراً من التجار أصحاب الهدايا المقدمة سوف يدفعهم غرورهم وحب الظهور لديهم إلى التحدث أمام معارفهم عن القاضي الذي قبل هديتهم وأنه لا يعدو أن يكون خاتماً في إصبعهم مع الكثير من التهويل والتضخيم . لذلك فإن سمعة القاضي تتأثر في الحالتين بما يسيء إلى هيبة القضاء ووقاره ومركزه في نفوس المتقاضين وإيمانهم بعدالته وحياده .
وكلمة أخيرة إلى القضاة : إن الهدية تعبير عن مشاعر المودة التي تربط بين شخصين . فهل التاجر الذي قدم لك هذه الهدية يكنّ لك مشاعر الود ؟ وهل سترى وجه هذا التاجر بعد أن تترك منصة القضاء ؟ أليس في القضاة المتقاعدين عبرة لك في هذا المجال ؟ وما الفائدة من كل شيء إذا خسر الإنسان نفسه وسمعته ؟ .
المحامي عبد الله علي: نشرة النزاهة

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow