Alef Logo
ابداعات
              

قصة قصيرة / الماء الأسود

غريب عسقلاني

2009-08-30


يتناقل الرواة عن عجوز عسقلانية عتيقة..
أن البلاد الغزية تعرضت إلى أحداث عظام جسام, تجعل الرضيع يتكلم قبل الفطام.. وأن المدينة غزة عاصمة الديار, عانت من جور الغزاة والطامعين الذين دمروها أكثر من مرة قبل أن يغادروها.. وأن الله قد انزل عليها غضبة, فخسفها أكثر من مرة, وطمرها تحت الأرض, وذر أهلها غبارا حملته الريح إلى الجهات الأربع, وأن آثار غضبه ما زالت تظهر على صورة نوات تخبو في زمن وتكون عواصف في زمن آخر.. ويقال في تفسير النوات العجيبة التي تجتاح غزة, وتفاجئ علماء الأرصاد الجوية, وخبراء الزلازل والبراكين, أن تحت غزة أكثر من غزة مدفونة, وان عظام الصالحين والطالحين في صراع دائم, فإذا تغلب الصالحون تهدأ النّوات وتهطل على المدينة أمطار الرحمة بالخير الوفير, وإذا تغلب الطالحون يحل الجفاف والريح الصفراء, ويصوم الزرع والضرع وتكون المجاعة والفاقة والمرض.. وعلى ذلك يفسر البعض أعجوبة زيتون غزة الذي يطرح سنة طرحا وفيرا ثمرا وزيتا, ويصوم سنة فلا يعلق من أزهاره سوى النزر اليسير, تعطي ثمرا ممصوصا من الشحم, لا يكفي زيتة زينة عروس, كما تردد الماشطات..
ويتناقل أهالي غزة كابرا عن كابر خبر زيتونة عتيقة شهدت غزوة الإسكندر ذو القرنين للديار الغزية, قد أعطت سرها للعالم الفقيه محي الدين "المرضي" بن الراضي بن الرضوان الذي كان يسكن تله جده لأبيه الشيخ رضوان, وأنه وضع بناء على السر نظريته عن الحزن والفرح في عالم النبات, فحكم والي غزة الذي برفعه على خازوق عند مدخل المدينة الجنوبي في ضاحية العواميد.. وقيل أن الناس عبروا عن حزنهم عليه بأن أطلقوا على مواليدهم الذكور اسم الراضي, وعلى الإناث اسم الراضية, ولعل في ذلك تفسيرا لانتشار الاسمين في مصر وبلاد الشام, لأن الكثير من الناس فروا من الظلم وركبوا البحر شمالا وجنوبا, وتناسلوا عن أتقياء وأشقياء, وقدموا تفسيرا ملتبسا حول تطابق أو تعارض الاسم مع الرسم, وما نتج عنه من جدل حول التناظر والمفارقة, أخذ من عافية الخلق ما أخذ, وهدر من الدم ما هدر.. وفتح بوابات البحث عن المدن المطمورة تحت غزة, وتناقل الناس الحكايات, ومنها حكاية المهندس المعماري, الذي صمم القصور والكنائس, وعندما مر بغزة زائرا, سأل إمام الجامع العمري الكبير عن تصميمات شبكة الصرف الصحي للجامع, ما أوقع الإمام في لجة العجز فخرج إلى الناس صائحا:
- أيها الناس ما رأيكم في سؤال النجاسة..
فتجمع الغوغاء من حول الإمام, وحاصروا المهندس وتناوبوا عليه قتلا.. وقيل أن فتى من مريدي الأمام, كان شاهدا على ما دار بين المهندس والشيخ.. خلع عمامته وأخذ يعدو حتى سقط مغشيا عليه عند شجرة سدر صغيرة.. وانه وعندما أفاق ابتنى خصا عند الشجرة وأقام فيه, وقيل أن الفتى هو الصوفي محي الدين الخروبي, وان السدرة هي سدرة الخروبي الموجود بقاياها حتى الآن..
وقد عرف عن الخروبي إعمال العقل قبل النقل, والاجتهاد قبل الإتباع, وعليهما أقام دعوته في أصول مقاومة الطارئين على الدنيا والدين, وعلى الغزاة الطامعين, وهو الذي طرح السؤال الذي ما زال مطروحا عن مصب مياه الصرف الصحي الخارجة من الجامع..؟!!
ومرت السنون,وتقلب على غزة ولاة وحكام, وتناسل العباد عن عشائر وأقوام, حتى جاء من ادعى انه من تلاميذ الخروبي, وأن مياه صرف الجامع تحملها قنوات سرية إلى تنتهي تحت صخرة رابضة في كرمل حيفا.. ثم جاء من قال أن سردابا سريا يبدأ من الجامع ويصب في البحر مقابل شاطئ عسقلان.. وآخر المجتهدين خرج على الناس في زمن الخلاف بين قبلتي فتح وحماس, وبشر بنظرية تقوم على أن مياه الجامع تصب في قنوات عمودية عميقة تنتهي إلى بئر يصب في بئرين على كل منها ملاك, الأول ابيض يضحك للماء الطاهر ويأخذه إلى بئره, والثاني اسود يضحك للماء النجس ويأخذها إلى بئره. .وعند سؤال المجتهد عن مصير الطاهر والنجس.. ضحك وقال:
- فلننتظر ما تتمخض عنه المعمعة..
وقبل أن يعرض الناس الأمر على قاضي القضاة, اختفى المجتهد وتعددت في أخباره الروايات.. وتناقل الناس عن عجوز عسقلانية تقيم مؤقتا منذ ستة عقود في مخيم الشاطئ بغزة, أن زيتونتها وكذا زوجة ابنها قد صامتا عن الحمل عامين متتاليين, بعد قصف حصد عدداً كبيراً من الأرواح, وتؤكد أن كنتها حملت بعد أن شهقت عبير نوار الزيتونة, وأن حبة زيتون سوداء ظهرت وحمة على كتف الوليد, الذي جاء صبيا مثل القمر, وكأنه خارج للتو من كم الملك شهريار..
حدث ذلك قبل أن يختلف الناس على الماء الأسود الذي انبثق من الأرض أثر القصف الأخير الذي طال غزة.. وقبل أن تسكن العسقلانية مع حفيدها الجميل في عب سدرة الخروبي بعيدا عن مسارب الماء الأسود..
غريب عسقلاني

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

إطار لصورة رمادية

14-نيسان-2018

إطار لصورة رمادية

30-تموز-2015

مدونات دعبول السلام

13-تشرين الأول-2012

قصة قصيرة / غيمة الدموع

16-أيلول-2012

بلورة المرجان

18-نيسان-2012

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow