Alef Logo
كشاف الوراقين
              

الشاعرة السورية رشا عمران في معطفها الشعري الجديد / الألم الأصيل الذي لا ينضب

إبراهيم حسو

2009-10-02

في ديوانها الرابع ( معطف أحمر فارغ ) تحدثنا رشا عمران كعادتها عن علاقاتها مع محيطها الدلالي المحسوس و عن انفعالاتها اليومية ذات حساسية عالية حيث الحياة الروتينية الراكضة بعنف نحو وراء مشاغل روحية عابرة و عوالم جديدة من الانكسارات المتتابعة و المتلاحقة ضمن تصوير حالة الذات الشاعرة و تحولاتها المستمرة و المنقسمة إلى فجوات من الألم و الفقد و التلهف إلى أطوار حياتية مختصرة مُنسية و تواريخ ثبتّتها الشاعرة على شكل مقاطع متناثرة و متناسقة في سياقاتها الشعرية , وهي مقاطع في ترويض الصمت أو تفكيكه و مقايضة ( التذكر) بالنسيان المراوغ المعاند , أو هي في الحقيقة محاورة الصدى و كسبه , فلا رائحة لذاكرة الجسد و لا هواء لشهوات مختبئة ولا هوس بوصف مذاقات الأنثى في تخمين رغباتها و لهاثها و اشتعالاتها , تجربة رشا الجديدة تغوص في العمق و البساطة الإنسانيين , ففي كل مقطع تعثر على دفء إنساني ما تعصر روح الكلمات و في كل مفردة ظلال خفية لألام خفية تُسلخ و تُُستباح , رغبات إنسانية معذبة قلقة دون أمل كالأصوات الخانقة العابرة أو كملاك عابر يتفقد ضحاياه و يمضي :
أعرف .. أن الزوارق تتهدم
كما الذاكرة
وأن المرافئ مهجورة
كالحب القديم
وأن الرمل يتبدد كما الأسئلة
وأن الزرقة تموج
كضباب منسحب من جهة غريبة
متألم
غامق
حزين ..
( معطف احمر فارغ ) هي تجربة النجاة من ذلك الشعور الحميمي للخوف و الفقدان و الموت وغشاوة الحب , إنها أيضاً انجذاب إلى الذات المشتعلة التي تمحي نفسها و تحيا فيها في محاولة الوصول إلى معنى الشعر و التقرب أكثر من معنى الصمت أو الصخب أو الحب الأصيل الذي له حضور فاقع , حب ما قديم و يتجدد , ألم ما قديم وباقٍِ لا فرق هنا طالما إن كتابتها مجامعة على شواغر حسيّة و معّدة على أحسن تقويم لاستقبال شؤون الحب بكاملها , الحياة و الألم بكاملهما , و الكره الرائع بكامله , اقصد الكره المسالم الذي يسكن في أعلى ناصية من عمق كلمة ( الحب ) : ( أعرف أنكم في كل مكان مني كألم قديم .)
تحفر رشا في عمق الكلمة دون أن تهتم بجذرها أو أوراقها , تخلص كثيراً للسياقات و تكاد تكون مغرمة بالترتيب و البناء الهيكلي للجملة الشعرية , لديها مساطر في قياس كل جملة وما قد ينقصها أو يزيدها و ذلك بالعودة الدائمة إلى اللغة التي تكون حاضرة أبداً في تقديم يد العون و مراقبة البناء من أعلى الصارية و توجيه النصح للمخيلة و ما قد تضيفها إلى النص و تجمله : ( لم يقل شيئاً .... أنا اخترت أن أسمعه ) ( تعال ..كي نرفع الليل عن مائدة العالم ونهبه للسائلين ) .
وقد تبدو القراءة الأولية لهذا النص انه مبني على القص أو ما يشبه الحكاية فلأنا المتكلمة هنا ( تحكي ) عن حضورها عن لحظتها وان بدت اللحظة مغلفة بالعودة إلى ماض قريب ( استرجاع ذكرى محمد عمران ) أو مزج الماضي بالراهن البعيد عبر مشاهد سينمائية ( بصرية ) و القبض على لقطاتها شعرياً , بأدوات قد يكون بعضها استنطاقاً للصور و الحركة و المشاهد المركبة و اللقطات الإنسانية الخانقة :
أسماء غيابك
أرددها عاماً وراء عام
كي أصدق الفراغ
من آخر البيت
حتى أول قبرك .
تختار عمران العناوين الطويلة لمقاطع نثرية قصيرة و كذلك عناوين قصيرة ( مفردة واحدة ) لنصوص طويلة في السبيل الوصول إلى حالة شعرية تبدأ في جعل البياض و الهامش و الحواشي فسحة لغوية عامرة و بركة تشكيلية ملونة و لامعة بالصور التخيلية التي قد تجدها هنا و هناك في قلب كل صفحة وفي كل مقطع ينتهي بجملة أو كلمة :( كم طرية أنا بك . ) ( سرير مؤجل منذ أن استدل البرق على نافذتي وانزلق تحت قميص نومي) وإذا توغلنا أكثر في مفاصل النصوص الطويلة التي أخذت أكثر من 60 صفحة من الكتاب سنعثر على مفاتيح رشا الشعرية و كلمة السر التي لم تقدر إلا أن تبوح بها لكل قرائها في محاولة منها في إيصال وحشتها الداخلية إلى فضاءات أقوى و أرحب , إلى دلالات مفتوحة و متداولة للجميع دون أن تنسى الحفاظ على طهارة فكرها , و نقاء عناصرها , و كمال معاناتها , وزلال تجربتها الحياتية , و قد يصل هذا البوح ( المجاني ) إلى اصطكاك غير محسوب بين تحولات المعنى و انزلاقاتها عن طريقها الصحيح : ( حين أنتظرك أفكر أن الخيال فاكهة تسقط من تينتك على جسدي ثم بأصابع الخيال أكتشف أنوثتي بكل احتمالاتها . )
أصدرت رشا عمران أربع مجموعات شعرية في فترات متباعدة زمنياً إلا إنها تنوعت في أساليبها و لغتها و صورها و شكلت في نصها الشعري ( كأن منفاي جسدي ) ما يمكن تسميته العبور إلى الضفة الآمنة للشعر و القصيدة الحديثة و هي على كل تعكس حضورها الإبداعي و الكتابي . لها أيضاً : (وجع له شكل الحياة) و(ظلك الممتد في أقصى حنيني) و(كجدار بلا نوافذ) .

( معطف أحمر فارغ ) شعر 2009
رشا عمران
مطبوعات وزارة الثقافة السورية
النشر الورقي جريدة الثورة

النشر الألكتروني موقع ألف


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

ابتسامات ماضية

16-كانون الثاني-2021

ابتِساماتٌ مَاضِيَةٌ

09-كانون الثاني-2021

حبٌ لا يُطاق

27-أيار-2020

على مقعد حجري

02-أيار-2020

لا شيءَ ما أقومُ بهِ

30-تشرين الثاني-2019

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow