Alef Logo
الآن هنا
              

ملف / فنانة الإغراء الأشهر في سورية تخرج عن صمتها

ألف

2009-10-17



الحب في زمن السينما / الفارس الذهبي

في كل دول العالم المتحضر تمت ما يشبه المصالحة بين مختلف شرائح المجتمع عبر العصور بين المجتمعات الحرة والملتزمة ،ووفقاً لهذا فقد تم الاعتراف بالولايات المتحدة الأميركية بفنانيها جميعاً بل وتم تطويب مارلين مونرو نجمة الإغراء الشهيرة كأيقونة لفناني أميركا جميعاً بل وغدت مارلين الفتاة التي تدرجت من الطبقات الدنيا في المجتمع طليعة تحتذى لدى الشباب في كل أنحاء العالم ،كنجمة متمردة وكفنانة استطاعت كسر تابوهات توقف عندها الكثير،وكذا الأمر حصل في فرنسا مع أيقونة الدلع والجمال بريجيت باردو ...والتي بدأت حياتها الفنية بمشاهد ساخنة جداً ولم تلبث أن انطلقت مع كبار المخرجين مثل روجيه فاديم وآلان رينيه وغيرهم حتى أصبحت سفيرة للأمم المتحدة لشؤون البيئة وحقوق الحيوان .
أما في بلادنا فغن النعجة التي تسمى ضالة لا ولم ولن يغفر لها على الإطلاق ولن يتم الاعتراف بما أنجزته مطلقاً حتى ولو كان مهماً ..
أنا أتحدث في هذا المقام عن شخصية فنية سورية أثرت طوال أكثر من أربعين عاماً في صناعة السينما السورية فمن التمثيل الى التأليف والإخراج والإنتاج قدمت ما يزيد عن أربعين فيلماً سورياً وعربياً ...وشاركت بأعمال أصبحت علامات لا تنسى في تاريخ السينما السورية مثل الفهد لنبيل المالح وأموت مرتين وأحبك ..من إخراج جورج لطفي الخوري ...ويعد هذا الفيلم هو من أكثر الأفلام التي حصلت على إيرادات من شباك التذاكر في تاريخ السينما السورية ..
ويعود التجاهل القاطع للفنانة إغراء والتي اعتمدت هذا الاسم الفني في منتصف الستينات ،بالدرجة الأولى من زملاءها الفنانين والممثلين تحديداً والذين أكملوا مشوارهم الفني عبر الشاشة الصغيرة وواكبوا انطلاقتها الكبيرة وفورتها الدرامية في سوريا بينما هي رفضت أن تقبل في التلفزيون بأدوار ليست هي ادواراً أولى أو مركزية في العمل ،كما كان يحصل معها في السينما .فكان هذا الأمر هو نقطة تحول في حياتها الفنية ترافقت مع اندحار سينما القطاع الخاص في سوريا على حساب التلفزيون والفضائيات .
وهذا بالضبط هو الفرق بين المجتمعات التي خرجت من طور المراهقة الى طور الوعي والإدراك والتوازن النفسي لتعيد اكتشاف أيقوناتها حتى لو كانت خارج السرب المحافظ الذي يعم المنطقة ..فإغراء فنانة لا تشبه أحداً إطلاقاً بين الوسط الفني السوري والنهج الذي اختطته هو نهج جريء وبناء وفريد من حيث الظهور والأثر ...فجميع أجيال الستينات والسبعينات والثمانينات وحتى التسعينات لا تنسى على الإطلاق أداء إغراء المثير والانفعالي في أدوارها السينمائية بعد أن أصبحت هي طقساً سينمائياً قائماً بحد ذاته وله جمهوره الواسع جداً ليس داخل سوريا وحسب بل وفي كل العالم العربي حتى توجت هذا التفرد بحصولها على لقب فنانة الشعب من الاتحاد السوفيتي وبهذا تكون الفنانة السورية والعربية الوحيدة الحائزة على هذا اللقب الذي طال احتكاره بين الفنانين الذكور.
إغراء المغيبة كما سينما القطاع الخاص كانت في فترة من الفترات أيقونة للحب لا تقل عن هند رستم أو مارلين مونرو وكل في بلده ولكن في عالم قل فيه الحب تختفي فيه الأيقونات حتماً ويبقى الأمل كل الأمل أن تتجه المؤسسات الرسمية التي لم ولن تنسى يوماً فنانيها أن تعيد للشعب فنانته وأن تقوم بدور الراعي الصالح الذي يعرف تماماً معنى مقولة ليكن جسدي جسراً تعبر عليه السينما السورية ويبقى الموضوع برسم الحب .

إغراء: «ليكن جسدي جسراً تعبر عليه السينما السورية..» سماح قتال

«الفن بحر واسع، والتعبير عنه يكون بأشكال مختلفة ومتنوعة. وبالتالي لا يجب ولا يجوز ومن المعيب أن يحكُم أيُّ إنسان على الفنان من أدائه الفني.. الأداء الفني لا يحُكّم». هكذا تعرّف الفنانة إغراء الفن، ومنه تنطلق بالردّ على كل من شوّه تلك الصورة، بعيداً عن أنَّ كل الأقاويل لا تعنيها..
بعد ترقب المشاهدين للبرنامج الخاص على قناة المشرق «إغراء تتكلّم» (تقديم كندة علوش، إعداد وإخراج الفارس الذهبي)، بدأ البرنامج ليلة أمس الأول حلقته الأولى، التي تتبعها ربما حلقة أخرى أو أكثر!!.
خلية نحل تظهر على الشاشة الصغيرة، ويبدأ الراوي (باسل الخياط): «عادات وتقاليد جعلت جميع من في المجتمع مثل أسنان المشط لا فرق بينهم (متساوون في كل شيء)؛ ما جعل الجميع متقوقعاً في تحفظه رافضاً كل ما هو جديد.. لا أحد يستطيع ارتجال شيء، كل شيء منظم ومدروس منذ الولادة.. ورغم كل هذا التنظيم، لا بدَّ من وجود نحلة حمراء تكره العسل..»- مقدمة للبرنامج تتقاطع مع حياة (إغراء- نهاد) بين اسمها الفني الذي حصلت عليه أثناء وجودها في مصر من قبل المخرج زهير باكير، وبين نهاد الطفلة التي سبقت عمرها وبحثت عما تريده، متداركة هوايتها للفن وامتلاكها القدرة على تأديته..
إغراء اليتيمة منذ الطفولة، لم تعش طفولتها كباقي الأطفال؛ كانت تفضل التأمل والكتابة وتتألم عندما يقُال لها «طفلة». ومن هنا بدأت بحثها الجدي عن الطريق الذي تريد صعوده، وصارت تحية كاريوكا، وفاتن حمامة، والعديد من المشاهير الذين خصّصت لتوقيعاتهم على دفترها الخاص موعداً لن يطول وبمثابة لغة وحيدة تفهمها.. وقَّعت تحية كاريوكا على دفترها في أول لقاء.. هذا اللقاء الذي حضَّرت له وأقنعت أخاها (المحب للفن أيضاً) بالسفر إلى مصر (أم الفنون) للحصول على الخبرة، ومنه تشكيل ثنائي راقص مع أختها تحت تدريب تحية كاريوكا (توحة كما تقول إغراء) التي شهدت ببراعتهما في التعبير والأداء. كانا الثنائي الأول والأخير بشهادة العديد من المخضرمين. ومنه دخلت السينما في مصر. لكن، وبسبب عدم امتلاكها النضج الكافي، قبلت عقد العمل في الهند، ومنه انتقلت إلى العديد من الدول لاكتساب الخبرة والعمل من جهة.. وبسبب صغر سنها (13 سنة) الذي منعها من القدرة على اكتساب الأدوار..
عادت إلى سورية وعملت في التلفزيون السوري مع المخرج غسان جبري، لتأخذ سلطة الشاشة التلفزيونية، لتُكتَشف من خلال نبيل المالح شاشة السينما بعد الأداء الواقعي في مسلسل «الجرح القديم» الذي لاقى جماهيرية عالية..
كانت السينما آنذاك تعاني من أزمة ضيق انتشارها، ولاسيما أفلام المؤسسة العامة للسينما غير المرغوبة على الإطلاق..
لذلك بدأ البحث عن مصيدة للجمهور، عندما لم يكن لاسم الكاتب أو المخرج الصيت الكافي أمام سوء سمعة الأفلام المنتجة من قبل المؤسسة (فنياً).. وكانت المصيدة من خلال لقطة جريئة، حيث قبلت تنفيذ ذلك المشهد الذي شعرت أثناء تصويره بأنها انتحارية، وقالت: ليكن جسدي جسراً تعبر عليه السينما السورية..». وبالفعل نجحت المصيدة، وحقَّق الفيلم نجاحاً عالياً، وكان سبباً في ولادة السينما السورية، التي تخلَّت عن تكرار التجربة فيما بعد خوفاً وجبناً.. وبعد أن تصدَّرت إغراء شاشة السينما في عدة أفلام، وتخلَّت عن العمل التلفزيوني لكثرة انشغالها، تخلّى المخرجون عن قدراتها الفنية، خوفاً من كونها «نجمة شباك التذاكر الأولى» على اختلاف المقاييس الفنية.. والدليل هو مايقارب العشرين سنة من الزمن.
ثقة إغراء في الحوار عالية، إذ إنها امتلكت مفاتيح البداية والنهاية في كل حديث.. أثناء التحدث عن مسيرة حياتها، توقفت عند نقاط مهمة وأعادت أفكاراً كثيرة، على الرغم من وصول الفكرة من المرة الأولى ..لم تتوان إغراء عن تقديم الدلائل والاستشهادات المتعلقة بالأسماء والشخصيات والتواريخ، وأصرَّت على عدم تجاهل الطرف الآخر (المتلقي) ووضعه في دائرة الحدث عبر طريقة منطقية في الحوار...

إذا تكلمت إغراء / قيس مصطفى

ها قد ظهرت إغراء.. فتاة أحلام الألوف في السبعينات والثمانينات.. ظهرت على شاشة التلفزيون، بعد أن توارت طويلاً عن الأنظار.. لا بدَّ من إعادة تذكّر سيرة البورنوغرافيا الفاقعة لامرأة هزّت أركان السينما السورية، منذ اكتشفها نبيل المالح، أهمّ مخرجي تلك السينما النائمة الآن، عادت إغراء، ولكنّها ليست معبودة الجماهير هذه المرة.. مجرّد امرأة كبيرة في السن بتاريخ عريق وسيرة مدهشة.. لا يوجد جسد صارخ الآن.. إنّها تظهر عزلاء ممّا كان يعيبها عليه المجتمع.. تعود لتقول للجميع هذا ما فعلته. «جسدي كان جسراً لكم» (انظر ص25).
يمكن اعتبار إغراء أنموذجاً إنسانياً وفنياً لفهم الجسد بكلّ طقوسه وتجلياته وأسراره وحضوره، كقيمة كبيرة للخلاص من التابو الأخرق. ويمكن لمن يشاء أخذ النموذج النقيض، لأنه الزمن المناسب لابتذال كلّ شيء، لا سيّما بعد أن ترسّخ هذا التلازم بين الفضيحة، وطريقتنا في التفكير والسلوك، والتي انعكست على سلوك المثقفين والفنانين، الذين لا يتوانون عن ازدراء الثقافة الشعبية، رغم دخولها مكوناً أساسياً في تيار ما بعد الحداثة.
لم يُعجب أحد بإغراء بالطريقة التي أعجب فيها إدوارد سعيد بتحيّة كاريوكا، الراقصة المصريّة التي حرّضت أفكار وخيال المفكر الفلسطيني الراحل، ليكتب عنها نصّاً بديعاً، رغم أنّ إغراء تتلمذت على يد الأسطورة المصرية، هكذا ظلّت إغراء في مهبّ القدر مجرّد ذكريات، واسم مفرّغ من قيمته في الأرشيف، لكنّها تعود لتعلن أنّها لم تكن حمقاء، إلى تلك الدرجة التي يظنّون، في مجتمع يعتدّ بأخلاقيات غريبة عنه.
ماذا لو عادت إغراء الآن إلى العمل، هل كانوا سيقبلونها في الوقت الذي تلوّح الأم لابنها من بعيد، خشية عناق تمنعه الرقابة؟ بالتأكيد إنّ سؤالاً كهذا مؤجل وفي غير محلّه، ولكنّه مشروع إلى أبعد حدّ، لأنه يدلّل بشكل أو بآخر على حركة المجتمع ككل وعلى مدى انفتاحه.
التفاتة قوية من الثنائي، الفارس الذهبي وكندة علوش، اصطادا بها مارلين مونرو السورية، وأخرجاها من عزلتها الممتدة.

ألف تشكر الكاتب والتلفزيزني السوري الفارس الذهبي على تحضيره لهذا الملف







تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow