Alef Logo
المرصد الصحفي
              

تدخل بيوت الشعر وساحات القتال / لينا هويان الحسن: الصقور أيضاً تصاب بالحمّى

2009-11-20


دمشق ـ تهامة الجندي
"للجمال عند أهل الصحراء منطق، وأكثر من شرط، وأسرار كثيرة، لا يكفي أن يكون فاتنًا، لا بد من أن يكون جارحًا أو ضاربا. عذوبة الملامح يجب أن تسرّب مرارة غير مفهومة، كذلك لا بد للجمال من أن يكون هادئا لا ينبث ببنت شفة، وأن يكون حرّاقا بشكل ما، أيضا يريدونه مسيطرا، ويخلّف الحسّرة أينما حلّ". ينتمي الاقتباس السابق إلى رواية الكاتبة السورية لينا هويان الحسن الجديدة "سلطانات الرمل" التي صدرت حديثا عن دار ممدوح عدوان في دمشق، وفيها تفتح الروائية ذاكرة البوادي لتقتفي أثر القبائل العربية من نجْد إلى بلاد الشام، تخطر فوق الرمال الحارة، تدخل بيوت الشعر وساحات القتال، تقتحم خلوة العشاق، تلاحق الطيور الجارحة، تقرأ حروف السراب وأسرار العرّافات، وتتبع خطو البدوي في رحلة تحضّره من بيروت إلى دمشق فالعواصم الأوروبية، لتخطّ سيرة حقيقية، سراجها الحب، ومتنها الشعر، وأبطالها نساء فاتنات عاصيات، وحول خصوصيات هذه الرواية كان لنا الحوار الآتي:
■ رسمت روايتك الجديدة “سلطانات الرمل” بعض ملامح سيرة القبائل البدوية في المنطقة العربية منذ القرن التاسع عشر وحتى سبعينيات القرن العشرين، فلماذا انحاز قلمك في اتجاه البدو، ولماذا تلك المرحلة بالذات؟
- البادية غواية حقيقية لمعظم الناس، البشر بطبعهم يحبون الغموض، ولأن جذوري عشائرية، فإن قلمي يستلقي بعفوية في حضن الماضي المغيّب والمنسي والمقصي والرملي والسرابي والسري للبادية، الأدب كائن غير حيادي ومنحاز سلفا للموضوع الذي يتناوله الكاتب، وبغير ذلك لا ينبع الأدب، لا نقرأ إلا ما يمتعنا ويسحرنا ويزيد معرفتنا. والسحر لا يصنعه غير الهوى الأصيل بالموضوع الذي يناوشه القلم، وأنا كتبت وفق منطق الهوى الذي ربما لا منطق له، إنما هو اندفاع موجع وحسب. استلهمت مادة “سلطانات الرمل” وخامتها من تاريخ مموّه بالنسيان لأسباب كثيرة، وتقريبا غير مدوّن وأكثر من ذلك أنه مهم بشكل خطير، فالبادية جذبت أهم الجواسيس والمستشرقين والرحالة مصحوبة بأطماع كبيرة، من المثير اطلاع القارئ على بدايات وحيثيات اندثار الايجابيات البدوية التي رافقت حياتهم طوال قرون طويلة ثم خلال أقل من مئة عام حدث “تغير” كان يفترض أن يكون “تطور” فتحولوا إلى أناس حائرين بين العصبية القبلية السالفة والتطرف الديني الجديد الذي رأيناه بأسوأ أشكاله في العراق، والنتيجة تضخمت السلبيات واضمحلت الايجابيات، كان لا بد لي من الحديث عن بداية تصدير الخيول إلى الهند بذريعة لعبة البولو وبداية تهجينها وتسريبها إلى الغرب، فحصان واحد أخذ من البادية السورية في بدايات القرن التاسع عشر أسس لأهم مركز للخيول في أوروبا “بابولنا” في بودابست. والكلاب السلوقية التي أرسلها سلاطين العثمانيين كهدايا إلى ملوك أوروبا لم تنج من استثمار الغرب واصرارهم على تحريف السلالات وتزويرها تمهيدا لممارسة ذلك على الانسان العربي قبل غيره. المعلومات المذكورة في روايتي عن الخيول والكلاب السلوقية والصقور والأسلحة، معظمها قمت بتدوينه بعد أن سمعته كمرويات شفهية من أعمامي، وجدت أنه من الإثارة لو يعرف القارئ أن الصقور كائنات يمكن أن تصاب بالحمى وأمراض أخرى، ومعظم وصفات المعالجة التي جاءت في الرواية تذكر لأول مرة. باختصار اخترت تلك المرحلة الزمنية لأنها شهدت اندثار مؤلم “للنبالة” وتحولات جذرية وصعبة على خارطة القبائل وعاداتهم وأنماط حياتهم. وأهم تلك التحولات طاولت “العشق” وطريقة تعاطي المرأة البدوية للحب عقب تحضّرها.
■ جعلتِ من مصير البدويات منطلقا لتفّريع الحدث وإنشاء الدلالة، فلماذا كان ذلك الخيار؟
- للمرأة البدوية طباع تختلف تماما عن المرأة الحضرية، وقد تعمّدت عدم اغفال الأسماء الحقيقية لبطلاتي، لأني أردت إنارة حيوات نساء بدويات شهيرات جريئات جسورات ناريات شهوانيات غامضات، وأقدمن على الحب من دون خوف أو أي حساب للمحظور القبلي الصارم، مثل شخصية قطنة بنت الكنج شيخ السردية التي أشعلت الحرب بين قبيلتين كبيرتين مشهورتين قبيلة بني صخر والرولة من العنزة. قطنة الكنج توازي هيلين التي أشعلت الحرب بين الأغريق والطرواديين، كذلك شخصية “حمرا” بنت شيخ طي التي وقعت في غرام أمير الموالي وعدو أبيها اللدود ولم تكترث بذلك وأصرت على انجاز حكاية غرامها رغم الدماء التي سببتها حولها، لهذا سماها أهل الصحراء “حمرا الموت” وشخصية “عنقا” التي تهرب من زوج قاس إلى بيروت وهناك تبدأ حكاية أخرى. نسائي اختزلن تاريخ عدة بَوادٍ: الشامية والعراقية والاردنية والنجدية. لبوءات يشبهن الربة عشتار التي كانت أنثى حتى الالوهية، ركزّت على جوهر الانوثة، فما كل النساء اناث.
■ تناولت روايتك شخصيات وأحداثًا حقيقية، فما هي مرجعياتك؟
- اعتمدت الوثائق وكتابات الجواسيس والمستشرقين لأن كتاباتهم تلك كانت عبارة عن تقارير سرية إلى حكوماتهم، والجاسوس لن يكذب على حكومته، الوثيقة كانت شيئًا ضروريا وأساسيا لمتن “سلطانات الرمل” لأن القارئ غير معتاد على قراءة أدب بدوي أو صحراوي يسوق كل تلك الأحداث التي نسجتها في روايتي. مثلاً اضطررت إلى تدوين نص مرسوم جمال عبد الناصر الذي ألغى بموجبه قانون النظام العشائري لأثبت بداية مرحلة جديدة في التاريخ العشائري والقبلي.
■ لماذا جعلت من الحب في الرواية هو البطل الحقيقي، ومحرّك الشخصيات والأحداث؟
- الحب، أليس هو العاصفة التي طالما نفذت في مغائر دماغ التاريخ؟ فمثلما يمكن لرجل طموح أن يحرك التاريخ أو انسان مظلوم، كذلك يحركه رجل عاشق أو امرأة عاشقة. لن أقول بأني لست مفتونة بشيخ بني صخر “طراد الزبن” الذي شن حربا دموية على قبيلة الرولة وهزمهم مرات كثيرة بسبب امرأة يحبها وعرف عنه صيحة الحرب الشهيرة “منشان عيون قطنة” وبالفعل منشان عيون قطنة تحرك التاريخ وتحركت خريطة القبائل ورسمت قسمات جديدة للصحراء العربية. كذلك في سلطانات الرمل أكدت للقارئ أن للأيروتيك طعما خاصا في الصحراء.
■ أسلوب السرد الشعري كان من العلامات الفارقة في بناء الرواية، فكيف استطعتِ أن تجعلي الشعر يمشي بين صفحات التاريخ والواقع؟
- حضارة العرب أساسها اللغة، في الجاهلية كانوا لا يملكون غير فصاحتهم ولاحقًا جاء الدين الاسلامي بمعجزة لغوية ونزل القرآن الكريم كمعجزة بالفصاحة. نحن شعب لا تخاطبه إلا الفصاحة الرفيعة المستوى وبغير ذلك يكون الأدب منقوصا، نحن أناس مفطورون على تذوق الشعرية لأنها الوصفة السحرية اللازمة لإتمام عمل أدبي ينزرع في الأذهان والوجدان: أكره نفسي إذما نسيني القارئ عقب انتهائه من قراءة سلطانات الرمل. الشعر لم يغادر التاريخ العربي مطلقاً وظل دائماً مناوشاً ومناوئاً لاعباً أساسياً في السياسة ومرافقاً لأشهر انتصاراتنا وهزائمنا أظن أنه يكفي لقارئ أجنبي لا يعرف شيئا عن العرب أن يقرأ شعرهم على مر العصور ليحزر تاريخهم كاملا وواضحا.
■ في روايتك إدانة مبطّنة لمسألة تحضير البدو وإدماجهم في الحياة المدنية، فماذا تقولين؟
- ليست “إدانة” إنما اعتراض على الطريقة التي تمت معاملتهم بها فقد جاء قرار “عبد الناصر” بالتحضّر مثل عملية “دهم بوليسية” واستعلائية في الوقت نفسه من دون إقامة وزن لتاريخهم الطويل، مع الآفاق الواسعة الممتدة والشمس المباشرة ثمة تجاهل لثقلهم ووزنهم وعاداتهم وتقاليدهم وطراز حياتهم القائم على الحرية الصريحة .
■ في السنوات الأخيرة ظهرت عدة أعمال درامية وأدبية ترصد الحياة البدوية، فهل هو البحث عن فضاء مغاير، أم هي الرغبة في توثيق نمط من العيش كاد أن يطويه النسيان؟
- لا تزال الدراما غير مؤهلة لتقديم البدو بالصورة الصحيحة، والأعمال التي قُدمت أثبتت هذا، صورة البدو المكرسة هي ذاتها تقريبا “نزاع حول بنت العم” القالب الفارغ ذاته، كل من قرأ سلطانات الرمل كان يقف مشدوها من حجم الكذبة التي تقدمها الدراما. وحتى لو حظيت الدراما بنصوص مهمة فإن مجدها آني ووقتي وزائل، الأدب أهم وأجمل وأبقى والكلمات تسمح بإعادة تذوقها مراراً مع مرور الزمن.
عندما كتبت عن هذه العوالم كنت قد التقطت مبكرا الأشياء البسيطة التي تلزم “بالفعل” الإنسان ليكون سعيداً، وهذه الأشياء توافرت عند هؤلاء الناس قبل تحضرهم، وهو ذاته الشيء الذي التقطه وعرفه معظم الرحالة وحتى الجواسيس وحكوا عنه بدقة في الحياة البدوية . . لاتزال تخيم فكرة رومانسية سطحية في مخيلة الناس عن الحياة البدوية في خيمة منسوجة من الشعر. المسألة تتلخص في أن تدرك حاجتك وحجمها من الحياة وأن تقيم علاقة صحيحة سليمة مع أحلامك وكرامتك وكبريائك، لهذا رفعت إهداء روايتي بالصيغة العتيقة: “إلى شُم الأنوف من الطراز الأولِ”، ويمكن اختزال أسبابي “الجميلة” للكتابة بعبارة رسول حمزاتوف الشهيرة: (إذا أطلقت نيران مسدسك على الماضي، أطلق الماضي عليك نيران مدافعه).
*الكتاب: “سلطانات الرمل” رواية في 322 صفحة قطع متوسط
المؤلف: لينا هويان الحسن
الناشر: دار ممدوح عدوان
دمشق 2009
عن الكفاح العربي

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow