Alef Logo
ضفـاف
              

ثلاثُ مدُنٍ ، ثلاثةُ أســـابيع / في الصــين

سعدي يوسف

خاص ألف

2009-12-19


في الصين ، كل شـيءٍ هو صينيّ !


في الثالث من تشرين ( أكتوبر ) 2009 ، كنا : جوان وأنا ، في الطائرة الفرنسية التي ستنقلنا من مطار هيثرو اللندنيّ إلى العاصمة الصينية بَـيْـجِـين ، كما تُعرَف الآن .


في الأول من الشهر بدأت هناك الاحتفالاتُ الكبرى بالعيد الستين لإعلان الصين جمهوريةً شــعبيةً ، يومَها وقف الرفيق ماو ، في ساحة السلام السماوي ، تين آن مين ، معْـلِـناً ولادةَ معجزةٍ من صُنْع البشــر.

لكننا في الطائرة الفرنسية التي ستتريّث في مطار شارل ديغول ساعةً أو نحوَها ، قبل أن تنطلقَ

في الرحلة الطويلة التي لن تتوقّف فيها إلا في مطار العاصمة الصينية.

أزور الصينَ ، شخصاً ، لألتقي صديقاً صينيّاً كنتُ عرفتُه في العاصمة الأردنيـة عَمّان .

هذا الرجل ، إدوارد ، أو ليباني ني ( بالصينية ) سيكون في استقبالنا بالمحطة الثانية من المطار الصينيّ .

هل بإمكاني أن أتعرّفَ الرجلَ بعدَ عشــرٍ من غيابٍ ؟

مع النبيذ الأحمر ، الدافق دائماً ( نحن في فرنسا ) ، كان السؤالُ يتضخّم ويتضخّم ، لكنّ جوان تُطَمْئِنُني إلى الذكاء الصينيّ ، ودقّة البورتريت لدى الرسّام هناك ! الأمرُ فنّيٌّ إذاً ! لا داعيَ للقلق.


ٍعلى أي حالٍ . وصلت الطائرةُ في صباح اليوم التالي ، أي صباح الرابع من أكتوبر . ربما كان الوقت ضحىً . لستُ متأكداً . في المطار لم تكن الإجراءات معقّدةً . كانت عاديّةً تماماً . جوان الإنجليزية لقِيَتْ تدقيقاً واضحاً ، وإنْ لم يكن ثقيلاً. حقيبتانا الخفيفتان معنا . نخرج …

في الجهة الأخرى من حاجز الخروج كان مَن يبتسمُ ابتسامةً عريضةً . شابٌّ يبتسمُ ابتسامةً عريضةً . تلَفّتُّ أبحث في الوجوه . أسمعُ اسمي . ألتفتُ . الشابُّ البسّامُ يقتربُ . يا إلهي ! أهو إدوارد؟ لقد ازدادَ شباباً ، وصار وجهه أسطعَ طفولةً !

أهكذا يمكنُ للوطن العظيم أن يمنح شباباً مضاعَفاً ؟

لم يكن لإدوارد في عَمّانَ هذا العنفوانُ العجبُ .

وصلنا العاصمة الصينية مبكرين ، في صباحٍ غير غائمٍ . وكان إدوارد يتدفّق كرَماً . قال: إلى المطعم ( يقصد مطعماً

ضمن حدود المطار ) . عدس ؟ لكن ليس في الصين عدس !


أفطرنا نوعاً من الحساء مع لفائف الربيع .

أخذنا الرجل إلى المرآب .

السيارات كلّها جديدةٌ متألقةٌ . وبينها سيارة إدوارد ، التويوتا ، التي فهمتُ في ما بَعدُ ، أنه اشتراها لمناسبة زيارتنا.

*

"التلالُ العاطرة"

واحدةٌ من سلاسل التلال والجبال التي تسوِّرُ بيجين .

واقعُ الأمر أن العاصمة الصينية كانت تتمتّع بوضعٍ دفاعيّ مثاليّ في الحروب القديمة .

هي مدينةٌ داخليةٌ ، لكنها ليست بعيدةً عن البحر .

وثمّت عوائقُ طبيعية ( سلاسل الجبال والتلال ) ، ومن صُنع البشر ( سور الصين العظيم ) .

في منطقة " التلال العاطرة " كانت إقامتُنا الأولى ، في فندق " حديقة التلال" البهيج.

في هذه المنطقة ، متحف " صن يات صن " مؤسس الصين الحديثة .

وهي أيضاً منتجَعُ صيفٍ ، شعبيٌّ ، يؤمُّه أهلُ العاصمةِ .

ولأننا كنا ، حتى الآن ، في عطلة الأيام العشرة لاحتفالات العيد الستين ، فقد رأينا المنتجَع في تألُّقِه الحقّ.

الناس ( شبابٌ في الغالب ) يتبخترون في الشارع ، مرَحاً ، وزهوَ مَلْبَسٍ .

وهناك مَن يتسلَّقُ التلالَ العاطرةَ.

مطاعمُ شعبيةٌ وحاناتٌ .

شواءٌ.

وباعةُ حُلِيّ ، بين المزيّف ، والحقيقيّ.

قلتُ إن فندق " حديقة التلال " بهيجٌ .

ومن أسرار بهجته ، الطيور .

في الصباح الباكر ، والطيرُ في وُكُناتها ( كما يقول جَدِّي امرؤ القيس ) ، تسمع الأغاريد :

نِيهاو

نِيهاو ...

لَكأنّ الطير يغرِّدُ صينيّاً !

قبل سنوات ، كان إدوارد يسكن غير بعيدٍ عن شنغهاي . لكن كان لديه مسْكنُ في بيجين . فكرةُ سفري إلى الصين ليست جديدةً

تماماً . قلتُ له : ما المانع؟ أجيء إلى بيجين وأسكنُ في شقّتك . وحين يكون لديك وقتٌ تأتي إليّ . لا أريد أن أصرفك عن أعمالك !

كتبَ إليّ يقول :

لكن عليك ، يا سعدي ، أن تعرف أن كل شــيء في الصين صينيّ !

إنْ غادرتَ الشقّةَ ماشياً ، ونسِيتَ مَعْلَماً من مَعالِم العودة ، فلن تستطيع العودةَ إليها .

لن يدلّك أحدٌ . والسبب بسيط : أنت لا تعرف الصينية ، والناس لا يعرفون إلاّ الصينيةَ !


*




أيّ قوّةٍ للثقافة المناضلة!


في مقهى الفندق ، تشرّفتُ بزيارة شخصَين ، أوَّلُهما الأستاذ تزونغ ، الرئيس السابق لقسم الدراسات العربية بالجامعة ،

والرئيس الحالي لجمعية الدراسات العربية . وثانيهما الأستاذ بسّام ، الرئيس الحاليّ لقسم الدراسات العربية بالجامعة ، والصديق الحميم للفقيد هادي العلوي .

الأستاذ تزونغ يقول لي : أنت أخطأتَ حين ذكرتَ أنك ترجمتَ كتاب " لتتفتّح الأزهار " لـ " لو- تينغ- يي " في أوائل الستينيات . أنت نشرتَه في العام 1959 !

عجباً !

أيّ قوّةٍ للثقافة المناضلة !

كم يحسّ المرء بأن جهوده لم تكن سدىً !

هكذا ، بعد نصف قرنٍ ، أجلسُ مع أستاذٍ صينيّ مرموقٍ ليحدّثني عن كتابٍ ترجمتُه.

الأستاذ بسّام أهداني قِعْباً جِلْداً ، يشبه خوذة جنكيزخان الجِلْدَ ، مع ما يشبه القرنَين ، وفيه عرَقُ أرُزٍّ منغوليّ …

في غرفة الجلوس ، بمنزلي اللندنيّ ، أعلِّقُ خوذة جنكيزخان . لم أفتح القِعْبَ .

ربما لأن الفتوحات أمستْ من أساطير الأوّلين .

عبر زجاج المقهى ، حيث نجلس ، نحن الخمسة ، إدوارد ، تزونغ ، بسّام ، جوان ، وأنا ، نحتسي شاياً صينيّاً بدا لي بلا طعمٍ ولا لونٍ ، كنتُ أرى الجبل البعيد الذي قال الأستاذ تزونغ إنه كان يتسلّقه . الجبل ما زال بعيداً ، والأستاذ تزونغ ما زال يتسلّق الوعرَ .

إنه يشرف الآن على مشــروعٍ مرموقٍ :

تقديم أربعمائة شاعرٍ عربيّ من مختلف العصور ، مترجَمِين إلى اللغة الصينية .

وهو يتذكّر زيارة الوفد الشعبيّ العراقيّ بعد ثورة تموز . كان مسؤولاً عن مرافقة الوفد الذي كان برئاسة العقيد فاضل عباس المهداوي .

الأستاذ تزونغ سألني عن الشاعرة لميعة عباس عمارة ، التي كانت بين أعضاء الوفد عن اتحاد الأدباء العراقيين . قلت له إنها الآن في سان دييغو بالولايات المتحدة ، وإنني تحدثتُ إليها طويلاً بالهاتف آنَ كنتُ في نيويورك.

الأصدقاء الصينيون أوفياء لأصدقائهم . هم يتذكّرون بكل احترامٍ : غائب طعمة فرمان . عبد المعين الملوحي . حنّا مينه.

الشيخ جلال الحنفي . هادي العلوي.

الأستاذ بسّام ، الذي أقامَ أعواماً بدمشق ، يشعر بحنينٍ دائمٍ إلى بلاد الشام.

أبلَغَني الرجل إن جامعة بيجين تدعوني إلى لقاءَين : أحدهما مع طلبة معهد الدراسات العربية . وثانيهما مع أساتذة المعهد.

لم يُحَدِّد الموعدَين .

خوذة جنكيزخان على الطاولة.

ستظل الخوذة أمينةً على أســرارها. الصينيون ، على أي حالٍ ، ليسوا مغرَمين بالشراب !


*


كيف تطلب وجبةً في الصين ؟

في فندق " التلال العاطرة" سنظلّ يومين ، أو ثلاثةً . يرى إدوارد أن علينا التلبُّثَ قبل أن تدهمَنا الحاضرةُ الجبّارةُ.

أخذنا إدوارد ، بلُعبته الجديدة ، التويوتا ، إلى فندق " البستان " وسط العاصمة . الحقُّ أن تعبير " وسط العاصمة " ليس دقيقاً . وسط العاصمة هو بوابة السلام السماوي ، والمدينة المحرَّمة ( مأوى أباطرة الصين حيثُ صُـوِّرَ فيـــــلم " الإمبراطور الأخير " . نحن على قناة من قنوات المدينة . قريبون ، بعيدون . محطة المترو على مبعدة خطوات من الفندق.

يبدو لي أن " فندق البستان " مأوىً مرغوبٌ فيه ، لدى الغادين والرائحين ، من متوسطي الدّخْل ، والآتين من نواحي الصين. أمّا أنا وجوان فأحسبُنا طائرَينِ غريبَين يحظيانِ بحفاوةٍ واضحة.

فطورُ الصباح ، غنيٌّ بالمآكل الصينية ، وأنواعِ خبز الرزّ ، وما يُحتَســى مع تجلّيات الصويا العتيدة.

أمّا لنا ، نحن الإثنين ، فستكون القهوة ، مع حليب الصويا ، وشرائح الخبز المحمّر قليلاً ، والبيض .

الغرفة تطلّ على الشارع. على سقف المبنى المجاور طيورٌ لانعرف لها اسماً ، طيورٌ بين الزرياب والحمام.

الشارع ، مثل بيجين ، لا ينام .

الشارع يهدأ ، لكنه لا ينام .

من مزايا " فندق البستان " أنه قريبٌ ممّا يحتاجه المرء : مقاهٍ . مخازن. صيدليتان. مطاعم بين ذوات الوجبة السريعة

والمآكل الصينية العريقة.

نذهب إلى مطعمٍ هو في المنزلة بين المنزلتَين .

الصبايا يُحِطْنَ بنا محتفياتٍ متضاحكاتٍ .

كيف نطلب طعاماً ؟

أتذكّر قولةَ إدوارد : في الصين ، كلُّ شـيءٍ صينيّ .

الصورُ ، إذاً !

وابنُ بطوطة : صُوَرُنا في الكواغدِ على الحيطان .

ويؤتَى لنا بالكتاب ...

باذنجان. شــرائح لحمٍ رقيقة . حساء .

وماذا نشرب ؟

جُعَةٌ صينيةٌ خفيفةٌ لجوان نِسْبتُها 4 بالمائة . ولي عرَقُ أرُزٍّ نسبتُه 38 بالمائة.

الطعامُ هنا يأتيك بعد دقائقَ من طلبه.

الصبايا ما زلن يحتفين بنا ويَحْفُفْــنَ .

واحدةٌ منهنّ تجرِّبُ مع جوان ، انجليزيّتَها الصينيةَ ، أو صينيّـتَها الإنجليزية.

هذا المكان ، وهو بين المطعم والمقهى ، سيكون بُقعتَنا المفضّــلة .

ولسوف نلقى ، دوماً ، حفاوةً متزايدةً ، مع كل إطلالةٍ .

*

الدخول إلى القلب

والآن يأتي السؤال : لِمَ ذهبتُ إلى الصين ؟

حقٌّ أن صديقاً صينيّاً عزيزاً دعاني إلى بلده ، وأنّ هذا الصديقَ ترجمَ قصائدي ، إلى الصينية ونشرها في كتابٍ سأوقِّعُه ، كما حدث بالفعل ، في الجامعة ، ونادي الشعر .

لكني ذهبتُ إلى الصين مأخوذاً بكلمة "الصين" وحدَها.

يقول محمود درويش:

كأننا أجدادُنا

نأتي إلى بيروت ، كي نأتي إلى بيروت ...

إذاً ، أنا أذهب إلى الصين ، كي أذهب إلى الصين ...

أردتُ أن أرى قارةً مختلفةً . أن أتقرّى كيفَ أمكَنَ لحزبٍ شيوعيّ أن يحقق معجزته في الارتقاء بثُلْثِ البشرية هذا الإرتقاءَ .

أردتُ أن أرى الناسَ العاديّين. العاديّين تماماً . الناس الذين هم الحياةُ صدْقاً .

أردتُ أن أطعَمَ ما يَطْعَمونَ ، وأشربَ ما يشربون .

ما معنى أن أذهب إلى الصين لأطوفَ بها مُعَلَّـباً ؟

*

قلتُ إننا الآن في فندق " البستان ".

نخرج ضحىً ، على غير هُدىً .

نمشــي لنرى ، حريصينِ على تذكُّرِ مَعالِمَ تُعيننا في العودة إلى " البستان ".

بَيجين ، هي أضخمُ من أن تسمّى عاصمةً .

اأُسَـمِّـيها حاضرةَ الحواضرِ ، عاصمةَ العواصمِ ؟

تسيرُ في شارعٍ ، وإذا به ينفتح عن شــوارع . تقولُ : هذا حيٌّ سَـكَنيٌّ ، وإذا به أحياء .

قد تبدو الوجوه متشابهةً ، لكنها ليست متشابهةً .

يَحدثُ أننا ندخلُ دكّاناً ، أو مقهىً صغيراً ، أو غرفةً على رصيفِ زقاقٍ تقدِّمُ طعاماً وجُعةً ، نجلسُ هكذا . العجيب أن الابتسامةَ العريضةَ هي التي تستقبلُنا ، دوماً ، ليس من لغةٍ نتفاهم بها سوى التحية الأولى : نِيهاو ... نِيهاو !

قد نظلُّ في الغرفة أو المقهى ساعتَين وأكثر .

الزبائنُ المألوفون يأتون لتزداد ابتساماتُهم عُرْضاً .

والمارّة في الزقاق يُلْقُونَ نظرةَ وُدٍّ .

ونحن مع صاحب المكان أو صاحبته نبادلهم الابتسام .

كم تبدو الحياةُ جديرةً بأن تُعاشَ هكذا !

*

الساحة ، وما أدراك ...

اليوم نذهب إلى تين آن مين ، إلى ساحة السلام السماوي ، ساحة إعلان الصين العظيمة جمهوريةً شعبيةً.

احتفالات العيد الستين لا تزال قائمةً ، شعبيّاً ، والناس يمضون إلى الساحة ، كمن يمضون إلى إعلانِ حُلْمٍ .

نأخذ المترو من المحطة اللصيقة بفندق " البستان " ، مُقامِنا . الحال مقبولٌ . مترو بيجين يمكنُ لبيجين أن تباهي به الأمم. إنه أفضل مترو استقللْــتُه . ( سَبْواي نيويورك خارج الحديث لفرْطِ رداءته القياسيّـة ).

مع كل محطةٍ ، يصعد ركّابٌ جُدُدٌ ، ولأن المحطات ليست قليلة العدد ، فإن الركّاب الجدد ليسوا قليلي العدد بالطبع.

لكنّ عليك أن تضع كل شــيء بالمقياس الصينيّ ، هكذا سيختنق المترو براكبيه . المعجزة أن كلّ راكب ( راكبة )

في خير مقامٍ . لا شــدّ ، ولا ردّ. محطة الساحة أغلِقَتْ ، وعلينا النزول في المحطة التي قبلَــــها . ننزل. متطوِّعون ( ومتطوعات ) بمكبرات الصوت ، يوجِّهون السيلَ البشريّ الدافق . أفلحْنا أخيراً ، مثل الآخرين ، في الصعود إلى الشارع المؤدي . يا أُمَّ الله المقدّسة ! أكلُّ هؤلاء الناس يمكن أن يجتمعوا في مكانٍ واحدٍ ؟ لكن المكان ليس مكاناً . إنه فضاءٌ سُــمِّيَ شارعاً . شـسـاعةٌ فيها خطوطُ مساربَ للعجلات والسابلة . وبالرغم من هذا كله ، تشعرُ أنك ما زلتَ في المترو !

كنتُ أتصوَّرُ أنني لن أجد مكاناً خانقاً أكثر من ميدان العَتَبة بالقاهرة .

لكنّ الصين عصيّةٌ على التصنيف!

هكذا أيضاً ، عليك أن تتصوّر أن تلك الجماهير الـمُجَمْهَرة ، ستمرّ عبر أجهزة فحصٍ أمنيّ قبل دخول الساحة !

Impossible! تقول جوان :

لكننا في الساحة أخيراً ...

ليس في الساحة ما يعلَنُ .

الأعلام ( رايات الوطن ) يرفعها الكبار مثل الصغار . هم يشترونها ، وهناك ما يُلصَق منها على الوجه ، إنْ شـــئتَ ، شأنَ هواة كرة القدم .

شــاشــةٌ عريضةٌ جبّارةٌ ، تعرض باستمرار برنامجاً سينمائياً عمّا تحقّقَ . وهناك تركيزٌ على الأولمبياد 2008.

أحتفظُ في المطبخ اللندنيّ ، برايتَين حمراوَين جئتُ بهما من ساحة السلام السماويّ . سماءٌ حمراء فيها أربعُ نجمات صغيرة ، وخامسةٌ كبيرة ، باللون الأصفر.

لا استعراض في الساحة .

الساحةُ كانت في واقع الحال ، حديقةً ، متَنَزَّهاً .

الأطفال يمرحون ، والعشّاقُ يتلاصقون.

وعمّال النظافة وعاملاتُها لا يتركون حتى أضأل قصاصة ورقٍ ، على الأرض.

مهنةُ سيزيف !

ساحة تيان آن مين ليست كالساحة الحمراء بأية حالٍ ...

بيجين ليست موسكو .



*

الشعراء في ناديهم



عند الفراش ، تتكوّم الكتب حتى السقف

أمامَ السهوب ، تتعالى الأشجارُ حتى تبْلغَ الغيمَ

الجنرال لايحبّ الشؤونَ العسكريةَ

أبناؤه الفتيانُ متعلِّقون بالأدب.

آنَ نصحو من النبيذ ، نسمح للنسيمِ بأن يدخل،

ننصت إلى القصائد، ونُمْضي الليلَ هادئاً.

عباءاتُ الصيف الخفيفةُ منشورةٌ على دوالي العنب

حيث ضوءُ القمر ، الباردُ ، الأبيضُ ، يتلامَعُ.


الشاعر الصينيّ تو فو ( 712-770)

*

مساء الحادي عشــر من تشرين الجاري ، هذه ، ذهبنا إلى " نادي الشِعر " الصينيّ ، لأقرأ قصائدَ ، وأوقِّع ديواني الصادر باللغة الصينية .

" نادي الشعر" مقرُّه مبنىً يضمّ " نادي القصة " أيضاً ، ومطعماً ممتازاً .

كانت القاعة ( وهي متوسطة ) ، امتلأت مقاعدها ، بحضورٍ فهمتُ أنهم جميعاً من الشعراء والمهتمّين بالشعر .

وللمرة الأولى ، أحظى في حياتي الفنية كلها ، بقراءة كالتي جرت في " نادي الشعر " هذا . لقد تناوبَ على قراءة قصائدي المترجمة حوالي أربعة عشر شاعراً وشاعرةً . كان الواحد من القوم يلقي قصيدةً واحدة .

بعد القراءة ، جرى حوارٌ مفتوحٌ .

كنت حريصاً على تعريف الحاضرين بالشعر العربي وتطوره وأشكاله ، أكثر من حرصي على تقديم نفسي وأشعاري.

كما حاولتُ أن أقدمَ صورةًما للوضع الشائن في العراق المحتلّ .

جوان ماكنلي قرأت أيضاً قصيدتين بلغتها الإنجليزية ، تلتْهما قراءةٌ لترجمتهما باللغة الصينية .

نُسخ الديوان التي جيءَ بها إلى النادي نفدتْ كلُّها .

الأستاذ تزونغ ، العميد السابق لكلية الدراسات العربية بجامعة بيجين ، قرأ بنفسه قصيدتَين لي ، باللغة العربية أوّلاً ، ثم باللغة الصينية ، وكانتا من ديوان " الشيوعيّ الأخير يدخل الجنة " .

أتذكّر أن الحاضرين صفّقوا ، طويلاً ، لقصيدة " الشيوعي الأخير يشتري قميصاً " .

قدّمَ الأمسية د.بسّام ، العميد الحاليّ لكلية الدراسات العربية ، كما تولّى بنفسه إدارة جلسة الحوار .

ليان بِن ( إدوارد " الذي ترجمَ ديواني ، لقِيَ تقديراً وحماسةً دفعاه إلى أن يلقي قصيدةً من قصائده .

سوف أزور الصين ، ثانيةً ، حين تصدر مجموعتي الشعرية الثانية باللغة الصينية ، وتضمّ حوالي مائة قصيدة . وسوف أذهب إلى " نادي الشِعر " مستعيداً زمناً عرفتُ فيه أن الشعر فاتحُ ممرّاتٍ .































































































































































































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

مسبقة الصنع

14-نيسان-2018

إيروتيكا / ابتداء وقصائد أخرى

24-شباط-2018

ثلاث قصائد

12-آب-2017

أيّ ربيعٍ عربيّ ؟

02-أيار-2011

مرثيّـةٌ للشيخ خزعل

25-آذار-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow