Alef Logo
ابداعات
              

" نص مشترك / "في ليلة رأس السنة ل غريب عسقلاني و

د.هناء القاضي

2010-01-29

خاص ألف

- 1 -

آه من وجع الوجع..

آه من أه الانتظار على نواصي الغياب.. يهرب الوقت ولا طيف يلوح.. والدروب يا صاحبتي نهاياتها سد تأخذني إلى الوهم, تسرق صفحات أجنداتي, فأصحو على صدر من صقيع, وقد غادرني دفء كان يسكنني..

هل تدركين يا صاحبتي طعم الحياة في صحراء الجليد, وأنتِ من تعودتِ الرقص في الرمضاء على رمال الربع الخالي, بعد أن تسللتِ خلسة من بين سيوف العشائر في بلاد الرافدين..

إني أراكِِ والمدى بيننا حيَّة رقطاء تتمطى.. أهرب من ذعري على بحة صوتكِ وأغفو..تلقميني بعض جرعات من حليب كان بيننا..تطعميني ما تبقى من خبز الأمنيات .. تهمسين:

"انفض رماد نعاسكَ.. أخرج من الجدران.. معطفك ما زال ينتظر في أول الرواق.. "

معطفي يا صاحبتي ما زال مدفونا هناك.. وأنا العاري إلا من هزيمتي, وبعض انتصارات صغيرة.. من يدثرني ويأخذني من زمني إليكِ والحال حصار, وأنا المشبوح بين بوابتين, يقف الموت خلف واحدة، بينما الأخرى تفضي إلى تيه جديد.. ليس لي غير التظاهر بالكبرياء, والزهد في العشق, وابتلاع ماء المقلتين, فالبكاء في عرف قبيلتي ذل وانكسار!!

خوفي عليكِ أن يضبطوكِ فيَّ, وأن يدركوا أن لهاثك يعبرني.. ينفر على جلدي طفح عذاب.. ويفوع في دمي جحافل نمل أصفر يفترسني.. ولا يبقي مني غير لهاثكِ:

" ليتك تتآلفي مع دروبي..

ويتوهج البريق في عينيك

قنديل أماني وفرح.. "

آه من وجع الوجع.. آه من آه الانتظار.. إنه الوقت يقتل الريح الصاعدة من موتي, فانتظريني مع أول نوة ريح تستعصي على وقتي وتحملني إليكِ


- 2 –


إني تهيأتُ الليلة.. وقفت طويلا أمام مرآتي.. صافحت وجوهي.. يا إلهي!! كل وجوهي بعيده عني.. هل تتغير الصور في المرايا بذهاب المطارح.. أه من جور الأمكنة!!

والمطارح صارت منافي تحملنا جسدا بلا روح أو تبقينا حيث كنا روح غادرت الجسد؟ ووجدتني يا بعيدي مقل عصفور حبيس بين وجه المرآة وشرفتي المعلقة على رأس الجبل.. والليل تطرزه النجوم والزينة تأخذه إلى عرس جديد بين الذاهب في الغياب والآتي للحضور.. والأعراس الليلة ليس فيها عرسي!!

هل تطل عليَُ يا بعيدي من بعيد؟!!

فجأة سقطت نجمة ليل, هبط على شرفتي عصفور، شوق سكن صدري, هجع بين نهديَّ بعض وقت, ثم طار يسبقني إلى المرآة.. ضحك وقال:

- اتبعيني الليلة إلى هناك..

- أين هناك؟!!

- حيث تعودتِ الانتظار

قفز العصفور.. طار من الشرفة واختفى في عتمة الليل, فجأة سكن وجعي صفحة المرآة, وحضرت أنتَ ساهم تحدق فيَّ, ترسم كحلة عينيَّ, تتفقد رموشي الطويلة.. وتمرر أصابعك/ أصبعك على غمازة ذقني, تنملني آثار قبلة بعيدة انطبعت ذات مساء على جبيني أسفل مفرق شعري.. وهبطت من فوري إلى هناك..

إنها ليلة رأس السنة..

الموسيقى تصدح في كل مكان..

تتمايل الأقداح على وهج الأنخاب..

تتراقص الشوارع تحت الأقدام..

قلبي يرقص من حولي على وقع خطاك, وخطاي عجلى تأخذني إلى عبق البخور في مقهى الذاكرة..

هش لي نادل المقهى والعصفور يرقص على كفه قال معاتبا:

- لِمَ كل هذا الغياب؟!

- هو من غاب ولم يعد!!

- هو لم يغب!!

وأشار إلى زاوية في سقف القبو, كانت ثمة عصفورة ساهمة ترقد على بيضها, تتفقد زوار المكان.. قال النادل:

- كل بيضة في موسمها تفقس عن عصفور يحمل رسالة من وليف إلى صدر وليف..

زقزق العصفور.. جاء صوتكَ من بعيد:

هيء إبريق الشاي..

وافرش يا نادل الوقت

لنا طاولة..

وبقيت وحدي أنتظر, أرحل مع بخار الشاي إلى وجهك.. يرحل وجهك عني, يتسلل من النافذة.. أصحو على شاعر يجلس بالقرب، وحيداً كما أنا وحيدة.. يزفر أهات ويبكي..يستجدي الفجر في أروقة المنافي

يحلم بعرس النهر

بوجه أمه الضاحك

يرطب عشب الذاكرة

يسترجع شريط العمر

من أوله إلى آخره..

ويجهش بالبكاء

ورأيتهم يغادرون الطاولات يحفون إليه, وسمعت تقاسيم ناي يصدح على رجع وجع بعيد.. كانوا ثلة من شوق وغياب, وأنا بينهم الحاضرة الوحيدة, لم تطاوعني قدمي للانضمام.. هبط العصفور, رقد أمامي على الطاولة بين كوبين من الشاي مات فيهما البخار.. سكنتني رجفة ما قبل الموت.. هتفت:

يا نادل الوقت أغثني

الليل من غير كرامة

ما أطوله!!

آه من موجع الآه.. أه من آه الغياب, لِمَ تأتِ.. برد الشاي مات فيه البخار, وأطل عليَّ وجه أمي وأبي, ونظرة الذعر في عين أخي, ووجدتني كما قبل الغياب.. أمسك بيديه

أتحنّى بدمه

أتدثر بوجعه فوق وجعي..

فجأة انطفأ الضوء لينقلنا من عام رحل إلى عام آت.. فجأة انطبعت على خال خدي قبلة!

من يا ترى طبعها؟ّ

أنتَ؟!

أم العصفور هو من فعل؟؟

- 3 –


آه من وجع الوجع.. أه من وجع الغياب..

لا تعذلني يا عصفور قلبي.. سابق النوة على ظهر قزح.. هذا شتائي وسمائي ملبدة بالغيوم السود ولا مطر يهبط على فيافي وقتي يطلق أزاهير الذكريات, فالجحافل من حولي تشحذ السيوف عند بوابات بوحي.. تترصد لهاثي عند نواصي الطرقات..تذبحني ترقص على نهر دمي, ترفع وجهي رايات نصر بعد كل نسف أو قصف, وأنا المكلوم بموتي أجمع نثاري طوال الليل, حتى إذا انبلج الصبح أتهيأ للتشظي على جناح قذيفة لتحملني عواصمهم فيض بياناتٍ وهتاف..

لا تعذلني يا عصفور قلبي, خذ لها بعض أنيني, وابذر في دروبها بعض سنابل ربما تثمر شيئا من فرح هذا الشتاء..

يا إلهي!!

هل ينضج صقيع الكوانين حنطتي؟

هل يشعل صقيع الشتاء تنوري؟

ينضج خبزي

هل يحمل وجهي رغيف خبز على مائدتها مع إفطار الصباح, وهل امتطي بخار قهوتها المغمس بالانتظار!!

آه من وجع البعاد.. إني يمزقني الغياب.. يشعل في روحي الحرائق كلما حملت الريح صوتكِ يأتي من بعيد:

لا تخبريني عن ما تحمله قوافلكِ

لا تخبريني عن ما يؤرق ليلكِ

ولا تحدثيني عن أطياف هواجسكِ

كل ما أملك من زاد سنيني أغنية أرددها في صحوي ونومي:

ليس صدفة أننا عشقنا

وأننا في صدفة الوقت

صرنا الرواية!!

في الرواية يا صاحبتي, أنني الليلة تجملت وتهيأت للسفر وحملت عينيك وطبعت وجهك على وجهي, لكنهم أعلنوا موت الوقت فجأة, أخذوا الحياة إلى سكون وهللوا وكبروا.. لا وقت في بغداد لا وقت في غزة, غير وقت الاقتتال.. لا عام رحل, ولا عام نحو الغد يمشي.. أوقفوا الأجندات فتخثر الدم عي رمل الطريق, صارت الأرض بلون الدم, وأعلنوا:

وقت الاقتتال خارج عن أجندات الزمن, ومحرم فيه على كل من يدب على وجه الأرض الاحتفال.. فصرخت من هول ذهولي:

- وأنا

- أنت المطلوب في كل زمان ومكان

- وهي؟!

- هي الثكلى بمن تحب على مدار العام..

رقصوا من حولي وعندما رأوا وجهك مطبوعا على وجهي أخذوا قرارا بذبحي, وأعلنوا:

- صابئ خرج من الموت إلى العشق ليحيا من جديد!!

فهل أدركتِ ما حمل العصفور إليكِ؟ وهل عرفت سر الخدر الذي أصابك عندما رقد بين نهديك؟ انه قلبي تعرف على وسائده الأثيرة..

إنني يا صاحبتي أخرج من موتي لأحيا.. لا يشغلني غير الرحيل إليكِ

أه من وجع الوجع.. آه من أه الغياب..

لم يكن صدفة زحف الجليد إلينا

وسقوطنا الجليل

نحن من اخترنا النهايات

واخترنا المحرم

من الثمر..

- 4 -


هل يذوب الثلج عن الأمنيات, ويوقف الجنوح في ليلي, ويمتع غدي من الانشطار..؟!

هل تتوقف قوافل الغدرعن قصف سنابلي, عن قتل الغناء في عنادلي, هل افرح بدمعة مع صياح ديك الفجر, فالعويل يا صاحبي بات يلازمني عادة تثير الضجر..

يمر العام تلو العام وأنا ما زلت أنتظر..

سحبا بيضاء تتهادى

تعدني بنهار

وجداول ترقص فيها الشمس

وأشجار يتقد فيها الربيع

تمنحني ظلا لظلي

والذي بيننا يا صاحبي رفة عين.. أدخل الغفوة, فتجيء محملا بالبهاء.. أصحو على عويل الريح خارج حجرتي.. أندب حظي..

كيف الوصول إليكَ

وكفي أرهقه الكدح..

وسفني نبذتها البحار

وبت جرف خارج الماء

جف على صهد الانتظار..

قدري أن أعيش العمر أقتات على رجع ترانيم حكايتنا البعيدة,, انتظر عصافير الشوق وصوت أمي:

- يا ابنتي من يدرك سر العشق ينجو من ظلم العشائر.. لا يستسلم للانهيار.

سأظل أجدل من خيوط الفجر شالا افرده لنورس يأتي من عسقلان, يحمل بغداد على جبهته, ربما يحط على نافذتي ذات يوم..

×××××

نقل المواد من الموقع دون الإشارة إلى المصدر يعتبر سرقة. نرجو ممن ينقلون عنا ذكر المصدر.

في المستقبل سنعلن عن أسماء جميع المواقع التي تنقل عنا دون ذكر المصدر

ألف


















































































































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أنا .. والسياب *شناشيل ابنة الجلبي

20-شباط-2011

خذ من نور القمر

25-كانون الثاني-2011

*لحن ..لارا

07-كانون الثاني-2011

طائر الشمس

17-كانون الأول-2010

أنا والسياب .. الموعد الثالث*

27-تشرين الثاني-2010

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow