Alef Logo
الغرفة 13
              

بيت القصيد برزخ بين الحالة و المنبر

بشير عاني

2010-02-15

بعد أسبوع من المراقبة ومتابعة التعليقات يبدو من الضروري الآن الوقوف عند مقالة سحبان سواح السابقة والمعنونة باسم "الدكتاتور الصغير" التي تضمنت أفكاره وملاحظاته على أداء لقمان ديركي في بيت القصيد، وهي ملاحظات قيمة وصريحة وجديرة بالمناقشة، معترفاً باتفاقي مع سحبان حول مقدماتها ومبرراتها، وإن كنت لا اتفق معه حول الكثير من نتائجها.

في البداية سأعترف بأن المقالة كانت مفاجئة لي، فرغم أن سحبان ومديحة قد خرجا لأول مرة من بيت القصيد دون أن أرافقهما (بالأصح دون أن يوصلاني إلى بيتي بسيارتهما) إلا أنني لم أشعر أن سحبان كان ممتعضاً أو منزعجاً من المناوشات الكلامية التي جرت بينه وبين لقمان، بما في ذلك الجملة التي أطلقها لقمان (سحبان الابن غير الشرعي لي) وأوردها سحبان بمقالته، على العكس فقد بدت كمداعبات صديقين حميمين اعتادا على مثل هذا المزاح، وقد ضحكنا جميعاً على تعليقاتهما الطائرة فوق الرؤوس، ثم أكمل بيت القصيد برنامجه دون أن أشعر بأن تغيراً في سلوك سحبان قد طرأ عليه سواء أكان فيما يتعلق بتفاعله مع الفقرات الشعرية أو الفنية أو ما هو متعلق بشخص لقمان تحديداً.

فكرة الكتابة عن بيت القصيد وإبداء الملاحظات على أدائه كانت موجودة في رأس سحبان منذ أشهر، (وهو تفسيري الخاص المبني على نقاشات سابقة بيني وبين سحبان)، وقد جاءت الجلسة الأخيرة لتنضج الفكرة وتدفع بها إلى الورق، وهو أمر طبيعي، بل أمر مطلوب من سحبان وغيره من الحريصين على لقمان وبيت القصيد معاً، وهذا ما فعله سحبان المعروف بحرصه على أصدقائه وغيرته على التخلّقات الجديدة في الثقافة السورية، وهو الذي قد ساهم في تصنيع او دعم العديد منها.

في الوقت نفسه، ومن خلال اطلاعي على بعض التعليقات، وهي بصورة أو بأخرى شكل من أشكال ردود الفعل، تنبهت إلى أن هناك من لم يستطع قراءة أفكار سحبان المستترة، التي كانت الغيرة والمحبة لبيت القصيد وراءها، فاتجهت بعض التعليقات لشتم سحبان والنيل من قناعاته العامة والخاصة دون التبصّر ولو قليلا بأن ما قاله ربما يحمل شيئاً من الحقيقة، ناهيك عن مشروعيته وحقه في التعبير عن وجهة نظره، ومن هنا وقع المدافعون عن لقمان وبيت القصيد بـ (العصبية) ذاتها التي وقع بها الكثيرون من المدافعين عن سحبان.

بالإطار نفسه وقعت بعض التعليقات في فخ التشفي فنالت من الموقع وبيت القصيد معاً، وهذا النوع من التعليقات متوقع، بل هو متربص وجاهز دائماَ للدخول في مثل هذه السجالات متهماَ أصحابها بتخريب الثقافة وإثارة غبار معارك تافهة وبلا معنى، وهذا النوع من التعليقات علينا التفكير بإهماله سيما وإن معظم كتبته متخفون بأسماء وهمية.

أعود إلى مبررات ومقدمات سحبان، التي أسلفت بأنني اتفق معها، والتي مفادها ما يلي:

أولاً: تنامي فردية لقمان في العمل، وقد سماها سحبان بالدكتاتورية الصغيرة، إلى الحد الذي جعل أقرب شركائه في هذا المشروع يتخلون عنه.

ثانياَ: تصاعد اللغة المجانية والسوقية داخل بيت القصيد وهو ما يحول هذا المشروع إلى ما يشبه الخمّارة.

ثالثاَ: استفحال ظاهرة الأخطاء النحوية في الأدب الذي يقرأ على منبر بيت القصيد وهو ما يسيء إلى مشروعية هذا المشروع الجميل.

رابعاَ: إهمال الأصوات الشعرية العربية رغم المغريات التي قدمتها السيدة رولا الركبي، مديرة المكان، بتقديم الضيافة والإقامة لكل الشعراء العرب الذين يستقدمهم بيت القصيد.

خامساً: خشية سحبان من تحول هذا المكان إلى مرتع لرواد العرق الرخيص، وهو ما سيذهب ببهاء هذا المشروع ويفقده أهميته ودوره.

ربما هذه هي أهم ما حاولت مقالة سحبان قوله بإخلاص الصديق والغيور والمحب، وهي المقدمات والملاحظات التي قلت بأنني أتفق معها، ولكن، هل سنبقى متفقين إلى آخر المطاف، وتحديداَ في النتائج؟

ربما لم ينتبه سحبان إلى بعض الأمور، ومنها مثلاَ:

- إن من الطبيعي أن تتنامى فردية لقمان، ليس لأنه قابل دون غيره ليكون ديكاتورياَ، بل لأن قابلية الدكتاتور موجودة فينا جميعاَ بسبب غياب العمل الجماعي، المؤسساتي، الذي هو الكفيل بتشذيب هذه القابليات الفردية وكبح جماحها، وهذا بالضبط ما كان يفتقده بيت القصيد الذي تعودنا أن يكون لقمان وحده من يخطط له ويرتجل فقراته ونهفاته ويضبط إيقاعه من إلفه إلى يائه، فلم نلم لقمان إذا ما تحول إلى ديكتاتور وكل الظروف تهيئه ليكون بهذه الصورة..؟

يقيني بان اللوم يجب أن يقع على النظام العام لعملنا الثقافي وغيره، لسمته الفردية والارتجالية والمزاجية، بهذا الشأن أو ذاك، بما في ذلك مشاريعنا الثقافية، الثورية منها والغبية المتخلفة.

- الأمر الأهم الذي لم ينتبه إليه سحبان هو أن بيت القصيد ما زال (حالة) جديدة في الحياة الثقافية السورية، أي أنه ظاهرة مفارقة في المشهد العام، غير مسبوقة، وهو ما يجعل منها مخلوقاَ إبداعياَ بلا أب، عليها أن تؤسس سلالتها وأعراقها وتقاليدها بكثير من الصبوات والأخطاء والفانتازيا..

بمعنى آخر، إن بيت القصيد، ولكي يتحول إلى (منبر) هام ومؤثر في الحياة الثقافية السورية عليه أن يؤسس للخروج من قميص(الحالة)، غير مكتف بها كمآل نهائي لتجربة فريدة من نوعها، وهو ما يتطلب التفكير جدياً بالانتقال به إلى الحالة (المؤسساتية)، ليس بمعناها الشعبوي، بل بالمعنى الذي يجعلها فكرة جماعية يشتغل عليها فريق عمل مؤثث بالحداثة الفكرية والفنية، قادر على صياغة برامج مهمة ومؤثرة تليق بمشروع ذكي ومنفلت اسمه بيت القصيد..





















تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

ما هي حظوظ الأصوليات الدينية في سورية..؟

12-آذار-2016

"خضر" والذين معه

21-تموز-2012

دم راشد بما يكفي

05-تموز-2012

آخرُ الأمر..

05-حزيران-2012

وجوه عديدة لـ (صحّاف) واحد

24-آب-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow