Alef Logo
كشاف الوراقين
              

مكر السبب والنتيجة في يوم رائع للموت

باسم سليمان

2010-02-15

يختار سمير قسيمي في روايته" يوم رائع للموت" القمة لدحرجة كرة الثلج السردية للملمة كل ما يعلق من أسباب ونتائج , وذلك ليس لتوتير سرده الذي أجهض فيه من البداية العقدة الروائية قاصدا بل للسخرية من فكرة العقدة الروائية بحد ذاتها كعملة لتقية رائجة في رواياتنا, بحيث نبقى تحت سياط الأمل بالحل, نلعق جروحنا , فهل حقا نحن ممكور بنا أم بكل بساطة نحن متورطون بهذا المكر؟!.

حليم بن صادق , سينتحر وقبل أن الانتهاء من سين الاستقبال , يقفز حليم بن صادق , كسيل سردي حطه الروائي من رأس قلمه بكل برودة منطق السبب والنتيجة ولامنطقية محتوى السبب والنتيجة.

قطار السرد يسير على شخصيتين هما حليم بن صادق الذي يعمل صحافيا وعمار الطونبا السكير الذي يتعاطى الحشيش وظل لهما هما نيسة بوتوس ونبيلة ميحانيك والبقية تمارس قفزها السردي الذي يدخل مباشرة في صلب الخط الرئيس للسرد أو بشكل غير مباشر لكنه خادم .

حليم يستجمع أسباب انتحاره بوصوله تدريجيا لدرك أسفل برؤيته هو ,من درك عمار الطونبا , في حين عمار الطونبا لم يحتاج لسقوط ما بل كل ما فعله أنه تلفت حوله ,هذا التلفت الذي حاوله حليم بن صادق إثناء سقوطه لكن الجاذبية منعته من حرية كان يفترض به استعمالها حين كان واقفا على قدميه , ألهذا أعجبته فكرة سقوطه على رأسه وتهشم معالم وجهه ؟!, لربما كانتقام أخير من قبوله لقدره , فيختار لمرة واحدة قول كلمته الخاصة بعد أن يسببها ويشعر بجاذبيتها , فهي المرة الأولى التي يختار فيها حقا شيئا خارجا عن حتمية السبب والنتيجة أو المكر القدري.

عمار الطونبا الذي بشكل أو آخر يكاد يكون التوأم السيامي لحليم بن صادق وبسببه يحسم حليم قراره بالانتحار بعدما تناهى لسمعه انتحار عمار الطونبا تحت عجلات القطار, الذي لم يكن إلا علقة برأي حليم, رغم الاحترام المتبادل بينهما , فتصدمه شجاعة عمار الذي كان جبانا طوال حياته كمضمون؛ لكنه كان قويا كردة فعل يهابها الجميع , لقد أعجب بمكر عمار تجاه القدر الذي وجد فيه.

سمير يقدم سرد ا تكعيبيا يعري المكر في سيرة حياتنا التي ارتضيناها, يدير الوجوه الستة للمكعب مع ظلالها وهذه الظلال ليست لضوء الشمس الذي يفرض توجها واحدا للظل بل لأضواء المدينة بحيث كل ضوء ينفرد بظل بحيث تنشأ غابة من الظلال يفترض كل ظل فيها استقلاله لكنه مربوط إلى مصدر الطاقة التي تغذي تلك الأضواء , بهذه ينسج حكاية السبب والنتيجة التي ستصب في بحيرة الحركة الأخيرة لحليم بن صادق وهو يقفز من قمة البناية , وهنا تشد جميع الخيوط لقمة الرواية راسمة مخططا لجبل السرد الذي قدمه سمير في زمن حكائي لا يتجاوز الثواني العشر.

شخصياته مكتملة بحكم ظهورها في الردود الأخيرة لانعكاساتها ولكنه لا يتركها جامدة , فيمكر بها بتبطينها بمونولوج حليم بن صادق , فيأتي الخطف خلفا ليجعلها حقيقية كفاية , فالشخص الذي تعرفه في هذه اللحظة هو مكتمل لك لكنه ابن سيرورته الماضية , يشذ عن ذلك عمار الطونبا في الخفاء أما في ظاهر الحدث فيشبه الجميع .

يختار سمير لغة بيضاء إن جاز التعبير ويطعمها بالعامية الجزائرية , مثل شخوصه , هم هامشيون ولكنهم مرآة صادقة لما يعتمل في المجتمع , فهو لا يريد تقديم محمولات فكرية عبر شخوصه بقدر ما يقدم حدثا من خلاله يُقرأ الحاضر كونه يشتمل الماضي والمستقبل , وبذلك يطلق لشخوصه كامل الحرية ليقودها قدرها نحو مصيرها , رغم وضوح صوت الراوي وظهوره بمظهر القدر ذاته من حيث جمع الأسباب للنتائج , لكن بالتدقيق يظهر عبثية هذا التجميع وعدم القصدية فيه , فكرة الثلج تتدحرج وتنجز حجمها بذاتها .

في " يوم رائع للموت" يدخل سمير في العمق من أزمة الشباب العربي الذي فقد هويته, فلا هو ركن لتداعيات الماضي ولا أنجز قطيعة معه , فأنتج هذا الواقع ما أنتجه من ضياع وشتات وتهميش وكأن حتمية السبب والنتيجة ستظل تحفر بنيرها على رقبة هذا المجتمع مالم يتم اتخاذ القرار بتغير الأسباب , وهذا ما فعله كل من حليم وعمار؟!.

تنتهي الرواية, حليم يسقط أمام أسبابه التي قادته إلى الانتحار على شاحنة محملة بالأثاث , فينجو بقدرية ساخرة من انتحاره وعمار الطونبا الذي يُقن بانتحاره بعدما وجودوا هويته في الجثة التي فرمها القطار ولم يكن إلا عامل التذاكر الذي رهن هوية عمار لديه بعدما عجز عن دفع التذكرة وفي لحظة استرد فيها بعض كرامته , فهجم على عامل التذاكر ليعرفه من هو عمار الطونبا, ففر من بين يديه ليقتله القطار, فيهرب الطونبا ليبدأ حياة جديدة , في حين جلس حليم في فراشه وقد نسى الجميع قصة انتحاره , يتسلى ببعض البزورات , ليختنق بحبة مكسرات بسبب الضحك إثر قراءته لرسالته / مكره التي بعثها لنفسه مبررا فيها انتحاره, فيموت دون مونولوج ولا يوم رائع للموت بل عادي وأقل من عادي ؛لكنه مكر عظيم للقدر حين لا ندافع عن ذواتنا تجاه مكر الحياة.

هكذا ينهي سمير قسيمي روايته بعنوان جديد " لا شيء يستحق الذكر"

الرواية رشحت لجائزة البوكر ووصلت للقائمة الطويلة صادرة عن منشورات الاختلاف والدار العربية للعلوم ناشرون لعام 2009

باسم سليمان

النشر الورقي تشرين ملحق أبواب

النشر الألكتروني موقع ألف

[email protected]















تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

في بحثكَ عن ظلّ؛ تفوتك ألف شمسٍ

29-كانون الأول-2018

الصارية

02-حزيران-2018

باح يا باح يا ورق التفاح

17-آذار-2018

باح يا باح يا ورق التفاح

23-كانون الأول-2014

الخط الأحمر في طور المراهقة الحوارية*

04-آذار-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow