عودتني أمي أن أقبلها وأرقد في حضنها، أتعلق برقبتها، أتدفأ بأنفاسها وأسرد عليها أحداث يومي في الروضة، أعيد عليها ما أخذته عن المعلمة وما سمعته من صديقاتي، لا أخفي عنها شيئاً فعلته أو حتى فكرت به، لأني كنت أعتقد أن هذه الأمور ملك أمي، أحتفظ بها حتى أرجع إلى البيت، كما تقول المعلمة " ردوا الأمانات إلى أصحابها " وتقول المعلمة: إن الطفل الأمين سيلعب مع الملائكة وعصافير الجنة ذات الريش الملون والغناء الساحر، وكنت إذا سهوت عن تفصيل مهما كان صغيراً، أهرع إلى حضنها أقدم بين يديها، ما سهوت عنه، تقبلني، وتقرص خدي وترهف السمع، ولم أكن أفعل ذلك مع أبي، حتى لا أقطع عليه متابعته لنشرات الأخبار وبرامج التلفزيون، أو أفسد عليه قراءة كتبه السميكة, واعتقدت - لا أعرف كيف تسرب إليّ ذلك- أن حكايات البنات ملك الأمهات, وأن الآباء يستمعون فقط للصبيان، فكنت ألح على أمي أن تلد طفلاً جميلاً مثل أيمن صديقي في الروضة, يلعب مع أبي ويحدثه بالحكايات المسلية ويسمعه الأناشيد الجميلة، تأخذني أمي إلى حضنها، تتنهد وتبتلع ريقها، ثم تشير إلى أبي ضاحكة :
- هذا الصبي أنا ولدته، ولكنه كبر بسرعة، وصار رجلاً له شارب وذقن خشنة تشوّكني ويرفض الجلوس في حضني مثلك، ويهددني بالهروب من البيت، فتزوجته وأنجبناك يا حلوة..
- هي المرأة إذا كبر ابنها تتجوزه ويخلفوا بنات صغار .. ؟‍!
- آه يا ستي .
- طيب بابا كان يروح الروضة .
- ما هو كبر بسرعة، وما لحق يروح عالروضة.. أصله كان كسلان .
وكنت أحزن لأبي الذي لم يذهب إلى الروضة، ولم يلعب مع الأطفال، ولم يحفظ الأناشيد والأغاني، ولم تكن له معلمة تحبه وتطبع له النجوم على دفاتر النسخ والحساب.. يا حرام .
وفي الروضة حدثت معلمتي عن المرأة التي تلد صبياً جميلاً يكبر بسرعة، ويصبح رجلاً تحبه، وتتزوجه حتى لا يهرب من البيت وينجب بنتاً جميلة اسمها هيفا .
فغرت المعلمة فاهاً، واتصلت بأمي تهنئها باكتشاف ملكتى في القص وابتكار الحكايات المسلية، وشكرت لها سعة خيالي وتمنت عليها رعاية موهبتي وتنميتها، وتوقعت لي أن أصبح يوماً روائية عظيمة .
وفي البيت سألت أبي :
- ايش يعني روائية عظيمة يا بابا ؟
وحدثته بما كان بيني وبين المعلمة، وما كان بين أمي والمعلمة، كشر وكز على أسنانه وفح في وجه أمي بصوت خفيض بالكاد سمعته.. كان حانقاً ومغتاظاً:
- ليش بتعلمي البنت الكذب ؟!
خفت أن أصبح روائية حتى لا أصير كذابة، فالكذب حرام يوصل صاحبه إلى النار، خفت من النار وهربت إلى حضن أمي التي فوجئت بثورة أبي عليها، زحف الاحمرار إلى عينيها الخضراوين، وصعدت دموعها على سطح البياض وسالت على خديها.. خرج صوتها مبحوحاً واندست تحت إبطه:
ـ ما هي البنت بتسأل عن حاجات ما بأعرف كيف أرد عليها..
أخبرت المعلمة كيف غضب أبي وعَـنّف أمي، مطت المعلمة شفتيها، ولم يمر وقت طويل حتى سمعتُ أمي تقصُ على أبي تحت ضوء النواسة الحمراء، إذ صحوت من النوم إثر حلم مزعج.. كنت خائفة فهربت إلى غرفتها، لم أدق على الباب ولم أنتظر حتى تأذن لي كالعادة، اختبأت في حضنها وشعرت بوطأة ثدييها على وجهي، أخذت تربت على ظهري تهدهدني وتخفف ارتجافي وهلعي، حدثتها عن الكابوس، رأيت لحمها وردياً أملس أدهشني، لم أرها عاريه في الفراش من قبل، فقط أتعرى وإياها في الحمام، وسرعان ما أغمض عيني تحاشياً للسع رغوة الصابون ولا أفتحهما إلا بعد أن تفضفضني بالماء الدافئ، وتجفف جسدي وتلفني بفوطة الحمام، وتجلسني على مقعدي الصغير حتى يبرد جسدي وتنتهي هي من حمامها.. أمي تحب الماء الساخن.. تسبح في البخار الذي يملأ فضاء الحمام ويخدرني بالنعاس .
تلك الليلة كانت أمي وردية، وكنت أتمدد بينها وبين أبي العاري أيضاً والذي التف حول نفسه وتحوصل، أعطاني ظهره ووضع يديه بين وركيه كمن يخفي عني شيئاً.. لا أرى منه سوى قوس ظهره وأخدود إليتيه، شاكسته كي يواجهني لم يستجب، نام وأصدر شخيراً خفيفاً أضحكني فقفزت إلى حضنه وغفوت .
صحوت فوجدت نفسي في حجرتي، سألت أمي من أعادني إلى فراشي، فأخبرتني أنني لم أغادر الفراش وربما كنت أحلم فصدقتها، وغامت تفاصيل الكابوس في رأسي، لكن صدرها وقوس ظهر أبي ظلا في مخيلتي لوقت طويل .
وفي يوم الجمعة زارتنا عمتي رضوى، مع جميلة وخالد لعبنا وفرّجتُ جميلة على ألعابي، ورقدت في حضن عمتي التي تحبني وتعطيني ألواح الشيكولاته، حدثتها عن الكابوس وما رأيت في غرفة والديّ، فأخذت تنقل عينيها بيني وبين أم